التحوُل إلى شبكات الجيل السادس دون الإضرار بأبحاث علمية

دورية Nature

2023-04-16 06:07

بقلم: جانيس مكنير

ابتكار الجيل التالي من الخدمات اللاسلكية من شأنه أن يتطلب دعم انتقال البيانات بصورة هائلة، وهو ما يستلزم الوصول إلى ترددات إشارات لاسلكية أعلى من المستخدمة حاليًا. وربما يؤدي هذا إلى تعطيل خطى الأبحاث العلمية، لكن ثمة بروتوكول مشاركة ذكي يقدّم حلًا لهذه المشكلة.

لم تَعُد الهواتف الذكية تُستخدَم في إجراء المكالمات العادية إلا نادرًا. وفي المقابل، بدأت خدمات إدارة البيانات الاستحواذ على طيف الترددات الذي لطالما كان مُخصَّصًا لإجراء الاتصالات اللاسلكية. ومع اقتراب طرح الجيل السادس 6G من شبكة الاتصالات العالمية، فإن الطلب على هذه الخدمات يقتضي مد نطاق الطيف الترددي المُخصص لهذا الجيل الجديد من الشبكات، بما يضمن توفير تردداتٍ أعلى من المتاحة حاليًا. وكانت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) قد أقرَّت عام 2019 الاستخدامات التجارية للتردداتٍ الأعلى من 100 جيجاهرتز (عِلمًا بأن 1 جيجاهرتز تساوي 109 هرتز)، لتسمح بتوسيع نطاق الطيف الترددي لشبكات الجيل السادس انظر go.nature.com/3kzs2sd بيد أن خطوة كهذه قد تتداخل مع أداء الإشارات الخاملة لوظائفها، وهي إشارات يُعتمد عليها في تقديم خدمات علمية كتلك التي يحتاج إليها علم الفلك الراديوي، وأبحاث الفضاء، وأنظمة الأقمار الاصطناعية. من هنا، يطرح ميشيل بوليسي وفريقه البحثي1، في بحثٍ نُشِر مؤخرًا بدورية كوميونيكيشنز إنجنيرِنج Communications Engineering، طريقةً تسمح لتطبيقات شبكة الجيل السادس النشطة والخدمات القائمة على الإشارات الخاملة بالعمل جنبًا إلى جنب، وانطلاقًا من طيفٍ ترددي واحد أيضًا.

تجدر الإشارة إلى أن البيانات المنقولة لا سلكيًا عبر شبكات الجيل الرابع تتألف في معظمها من رسائل نصية يتبادلها المستخدمون، ومقاطع فيديو يشاركونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخدمات بث مباشر. ويلي هذا الجيل من الشبكات جيلٌ آخر، وهو الجيل الخامس، المُتوقَّع أن يعتمد 10% من إجمالي اتصالات الأجهزة المحمولة على مستوى العالم على شبكاته بحلول عام 2023 وعلاوة على توفير الخدمات نفسها التي تقدمها شبكات الجيل الرابع، تدعم شبكات الجيل الخامس أيضًا تطبيقات لنقل البيانات من جهاز إلى آخر. ومن أمثلة هذه التطبيقات، شبكة إنترنت الأشياء (وهي شبكة من الأجهزة المستخدمة بصفة يومية مزوَّدة بأجهزة استشعار وبرامج وتقنيات اتصالات أخرى)، وشبكة إنترنت الأشياء للقطاع الصناعي (وهي شبكة من أجهزة استشعارٍ ذكية ومحركات، يمكنها أن تعزّز التصنيع والعمليات الصناعية)، وكذلك الاتصالات بين مَركَبة وأخرى، واتصالات المَركَبات بشبكة الإنترنت.

وقد خُصِّصَت نطاقاتِ ترددية يصل حجمها إلى 6 جيجاهرتز لشبكات الجيل الرابع والجيل الخامس. غير أن شبكة الجيل الخامس تحتاج إلى ترددات أعلى، ومن ثَمَّ، سيُتاح لها مستقبلًا العمل عبر نطاقات يتراوح التردد فيها بين 24.2 و52.6 جيجاهرتز2. وتُعرف الترددات الواقعة ضمن هذا المدى باسم نطاقات الموجات الملليمترية، نسبةً إلى أطوالها الموجية التي تتراوح بين 10 مليمترات (30 جيجاهرتز) ومليمتر واحد 300 جيجاهرتز.

أمَّا شبكات الجيل السادس، فتتطلب تخصيص ترددات أعلى كثيرًا من ذلك على الطيف الترددي، نظرًا إلى أن خدمات شبكات الجيل السادس المُخطَّط لتوفيرها تتضمن تداول مقاطع فيديو فائقة الوضوح، وتقديم طيف عريض من خدمات الواقع المُعزَّز والافتراضي في مجال الألعاب وتطبيقات الفضاء الافتراضي المشترك ثلاثي الأبعاد، أو ما يعرف بالـميتافيرس metaverse ومن المُقرَّر أن يشمل مخطط الطيف الترددي المخصص لخدمات شبكات الجيل السادس إنشاء "مسارٍ عالي الإشغال" لنقل البيانات بسرعة فائقة، و"شبكة ربط" تعمل كمَخرج يجري عنده تفريغ مسار نقل المعلومات لاسلكيًا فائق السرعة هذا مما به من بيانات، وترحيل هذه البيانات إلى الشبكات السلكية. وهكذا، على سبيل المثال، إذا أقدم عددٌ كبير من المستخدمين في آن واحد على نقل البيانات عبر أحد أبراج الهاتف المحمول، تستطيع شبكات الجيل السادس عندها نقل الاتصالات الخاصة بالمستخدمين الذين يلزمون موقعًا ما إلى جهاز توجيه لاسلكي ثابت قريب من موقعهم تلقائيًا، وهو ما يجعل خدمات هذا البرج متاحةً لعدد أكبر من مستخدمي المحمول رغم التزاحم عليه.

وفي حال تخصيص تردداتٍ أعلى من 100 جيجاهرتز لشبكةٍ ما، فإن هذه الترددات تنقسم نظريًا بين نوعين من النطاقات، النوع الأول هو النطاقات دون التيراهيرتز (عِلمًا بأن 1 تيراهيرتز يساوي 1012 هرتز)، وتتراوح الترددات بها من 90 إلى 300 جيجاهرتز. أما النوع الثاني، فهو نطاقات التيراهيرتز، وتتراوح الترددات بها من 300 جيجاهرتز إلى 3 تيراهيرتز. وتستخدم هذه النطاقات بنوعيها هوائيات ذات حزم تردد إشعاعي ضيقة، وهو ما يُعزِّز قوة الإشارة في الاتجاه المُسلَّطة نحوه، ويُضعفها في باقي الاتجاهات الأخرى. ويُقلِّل هذا من التداخل بين الإشارات، ويُعزِّز الأمن السبراني عن طريق تقليل احتمالات التنصت4،3. وعلاوة على ذلك، يسهم قِصر مدة بث النبضات الصادرة عن هذه الهوائيات في إحكام أمان الاتصالات، كما يُعد الإشعاع الصادر عنها آمنًا للبشر، نظرًا إلى كونه إشعاعًا غير مُؤيِّن.

وتتطلب شبكة الربط المُزمع إنشاؤها عند طرح تقنية شبكات الجيل السادس بثَّ دفقاتٍ قصيرةٍ من الإشعاع باستخدام قطاع عريض من الطيف التردّدي (يشمل ترددات تٌقدر بعشرات الجيجاهيرتز) في النطاقات دون التيراهيرتز، فضلًا عن دفقات قصيرة أخرى في نطاق التيراهيرتز. غير أن النطاق الترددي العريض الذي تغطيه هذه الترددات من شأنه أن يسبب تشويشًا يعترض سير بعض مهام البحث العلمي، مثل الأنشطة التي يضطلع بها قمر «أورا» Aura التابع لوكالة «ناسا»، وهو قمر اصطناعي مهمته دراسة طبقة الأوزون وجودة الهواء والمناخ على الأرض. وهنا يأتي دور الآلية المعروفة باسم التشارُك الديناميكي للطيف الترددي، وهي آلية تسمح بنقل البيانات بكفاءة عبر شبكات الجيل السادس، دون التشويش على الإشارات التي تعتمد عليها المهام العلمية، وهو ما يضمن بدوره إرضاء المستخدمين من كلتا الشريحتين، العامة والعلمية. وتعمل هذه الآلية على استشعار ما إذا كانت أقسام من الطيف الترددي قيد الاستخدام، لتنقل بعد ذلك الترددات غير المستخدمة بآليات ديناميكية 5.

وفي نُظُم التشارُك الديناميكي للطيف الترددي، تتمتع أهم جهات استخدام الطيف الترددي (وهي هنا الجهات العلمية المستخدمة للإشارات الخاملة) بوصول حصري إلى هذا الطيف، في حين لا يستطيع المستخدمون الثانويون (وهم هنا مستخدمو شبكات الجيل السادس) إرسال البيانات واستقبالها إلا من خلال النطاقات الترددية التي يصادف عدم استخدامها مؤقتًا لنقل الإشارة الخاملة لمدة قد لا تتخطى جزءًا من الثانية. ومن ثم، فإن المعارف حول أنماط نقل مستخدمي الإشارات الخاملة لهذه الإشارات يمكن استخدامها في وضع جدول زمني لإرسال البيانات بكفاءة. غير أنه حال عدم توفر سبيل لمعرفة هذه الأنماط، تتطلب عملية التشارُك الديناميكي للطيف الترددي استشعار حالة نطاق التردد لتحديد إذا ما كان مستخدمًا (أو غير مستخدمًا) بصورة ديناميكية. إذ يجب في الاستخدام النشط مراقبة سلوك الإشارات الخاملة لمعرفة الفترات التي تكون نطاقات تردداتها غير قيد الاستخدام بها، ومن ثَمَّ تفعيل تشارُك هذه النطاقات الترددية خلال هذه الفترات، ووقف هذا التشارُك عند عودة الإشارة الخاملة لهذه النطاقات.

ويمكن الاعتماد على عدد من التقنيات في عمليات استشعار الطيف الترددي، ومنها تقنيات تُحدِّد طاقة الإشارة أو تتعرَّف على ما تحمله هذه الإشارة من سماتٍ خاصة، وأخرى تُقارن بين الإشارة ونموذجٍ معروف، وأخرى تستكشف مدى توافق إشارتين مع بعضهما6. ويُقيَّم أداء هذه التقنيات بحساب احتمالية صحة ما تكتشفه عند استخدامها (أي احتمالية استكشاف الطيف الترددي قيد الاستخدام بشكل صحيح) في مقابل احتمالية الحصول على إنذار كاذب (أي احتمالية أن تصف التقنية المُستخدَمة طيفًا خاملًا على أنه قيد الاستخدام بطريق الخطأ). أمَّا الاستشعار التعاوني للطيف الترددي، فيضطلع فيه أكثرُ من مُستخدِم واحد بمهمة استشعار قيم الترددات، ليجري بعد ذلك جمع كل هذه القياسات ومعالجتها عند نقطة واحدة، لأن زيادة المعلومات المُدخَلة في هذه الحالة تسمح بتحسين حساب احتمالات الصحة والخطأ في أداء تقنيات الاستشعار.

ورغم أن هذه التقنيات متعارفٌ عليها، فليس من السهل تفعيل الأجهزة الخاصة بنُظُم التشارُك الديناميكي للطيف الترددي. ويُضاف إلى ذلك أن هذه العملية لم يحاول تنفيذها سوى عدد قليل من الباحثين، عند ترددات تقع في نطاقات دون التيراهيرتز. وقد تصدى بوليسي وفريقه البحثي لهذه المشكلة بإجراء تجارب لتشارُك الطيف الترددي بين مستخدم لإشارات خاملة في أحد الأبحاث العلمية، وهو قمر «أورا»، ومستخدمٍ نشطٍ لشبكة الجيل السادس يرسل البيانات ويستقبلها بترددات أعلى من 100 جيجاهرتز. وتمكَّن الباحثون من إجراء هذه التجربة عن طريق تتبُّع مدارات قمر «أورا»، مع افتراض أن نشاط شبكة الجيل السادس سيتداخل مع إشارة القمر الاصطناعي عندما يصبح مداره في مرمى بصر مستخدم شبكة الجيل السادس على الأرض. وقد أدت هذه المحاذاة إلى منع الاستخدام النشط للطيف الترددي، في حين أن عدم تحقق هذه المحاذاة دل على أن الطيف الترددي متاح للاستخدام. وكان واضعو الدراسة التي وردت بها هذه التجربة قد حصلوا على ترخيص من لجنة الاتصالات الفيدرالية لتفعيل الأجهزة الخاصة بهذا النظام، وأجروا تجاربهم في بيئة حضرية، بوضع جهازي إرسال واستقبال على سطحي مبنييْن متجاوريْن في بوسطن بولاية ماساتشوستس.

ويتطلب النهج الذي استخدمه الباحثون العمل بنظامٍ مزدوج النطاق، يجري فيه تحويل عمليات مستخدم شبكة الجيل السادس ديناميكيًا من نطاقٍ ذي ترددات أدنى تتراوح بين 123.5 و140 جيجاهرتز، إلى نطاقٍ ذي ترددات أعلى تتراوح بين 210 و225 جيجاهرتز (الشكل 1ب). وقد أدمَج الفريق جهازي الإرسال والاستقبال بأنظمةِ تحكم قابلة للبرمجة تساعد المستخدم النشط لشبكة الجيل السادس على التنقُل بين النطاقات تلقائيًا وسريعًا، لتجنب التداخل مع الإشارة الخاملة التي يستخدمها القمر صناعي.

وعلى الرغم من أن هذا النهج أثبت نجاحه في تَعقُب قمر صناعي واحد ذي أنماط مدارية معروفة، فقد يكون من الصعب تنفيذه على نطاق أوسع ليشمل عديدًا من مستخدمي الأطياف الترددية النشطة والخاملة. إضافة إلى ذلك، فإن عملية تتبُّع خط البصر الخاص بأقمار صناعية متعددة تُعَد أكثر تعقيدًا من عملية تتبُّع قمر اصطناعي واحد، وهو ما يُعقِّد بدوره مهمة تحديد التوقيت ونطاق الطيف الترددي الذي يمكن البدء منه في الإرسال النشط الخاص بشبكات الجيل السادس، على نحو آمن.

وتبقى مجابهة التحدي المتمثل في إنشاء مسارات جديدة لاستيعاب الكم المتزايد من البيانات المنقولة عبر الشبكات اللاسلكية هدفًا يرتفع سقفه باستمرار، غير أن بوليسي وفريقه البحثي قد بيَّنوا أن تشارُك الأطياف الترددية حلٌ قابلٌ للتطبيق في مواجهة مشكلة تداخل إشارات مستخدمي الأطياف الترددية النشطة مع الإشارات الخاملة، وهو تطوّر بحثي سيكون موضع ترحيب، فضلًا عن كونه قد جاء في أوانه، نظرًا إلى ما يُعلن عنه حاليًا من التمُكن من تخصيص ترددات تزيد على 100 جيجاهرتز من الطيف الترددي. ولا شك في أن هذا النهج ستعززه تقنيات الاستشعار المستحدثة التي تستند إلى الاستراتيجيات التعاونية وتعلُم الآلة، وهي تقنيات تتيح دقة استكشاف عالية للأطياف الترددية باستخدام خوارزميات غير معقدة، كما يمكن تصميمها لتُناسِب شتى المستخدمين باختلاف مواقفهم8،7.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي