الطلب يزداد على التقنيات القديمة والجديدة
علي عواد
2023-02-09 05:06
قبل ولادة الشرائح الإلكترونية، أو الرقاقات الدقيقة، التي يطلق عليها «Integrated Circuits»، كانت مكوّناتها منفصلة ويتم تثبيتها على لوحة لتوصيلها ببعضها البعض بواسطة الأسلاك والتلحيم، وكان يطلق عليها «Discrete Circuits». التكنولوجيا القديمة لم تنقرض بل ما زالت تستخدم لغاية اليوم، إنما تطويرها خلق الشرائح الإلكترونية التي تستخدم في إنتاج سلع إلكترونية صغيرة الحجم مجموعة مثل الهاتف الخلوي وأجهزة التلفزيون والصناعات العسكرية أيضاً، علماً بأن هناك استخدامات تتطلب دمج التقنيتين، ويطلق عليها «Hybrid Circuits»
أساساً، كانت جميع المكونات الإلكترونية مثل الترانزستورات والـ«diodes» والـ«resistors» والـ«capacitors» والـ«inductors» منفصلة عن بعضها البعض، أي غير مجموعة في مجسم إلكتروني واحد.
كان يتم تثبيتها على لوحة وتوصيلها ببعض بواسطة الأسلاك والتلحيم على اللوحة. أطلق على هذا التصميم اسم (Discrete Circuits). ورغم القفزة التكنولوجية التي قدمها هذا التصميم، إلا أن مشكلته كانت الحاجة إلى مساحة كبيرة. فمعه، لا يمكن، مثلاً، صنع ساعة رقمية، أو هاتف محمول، أو حاسوب محمول. ثم، بين عامَي 1958 و1959، توصل كل من جاك كيلبي من شركة «Texas Instruments»، وروبرت نويس من شركة «Fairchild Semiconductor»، وبشكل منفصل عن بعضهما البعض إلى الفكرة ذاتها، والقاضية بأن جميع مكونات اللوحة الإلكترونية، وليس فقط الترانزستور، يمكن أن تكون مصنوعة من السيليكون وتضمينها غالبية المكوّنات الإلكترونية وتغليفها في مجسّم واقٍ لتشكيل الشريحة النهائية.
وبهذا بدأ عصر تصميم الدوائر المتكاملة «Integrated Circuits» أو الشريحة الإلكترونية أو الرقائق الدقيقة. أهمية ذلك أنه بات يمكن تصميم وتنفيذ مجموعة واسعة من الأنظمة الإلكترونية بمزايا إضافية مثل الموثوقية، الحجم الأصغر، انخفاض استهلاك الطاقة وزيادة الوظائف. وكل ذلك من أجل إنتاج سلع إلكترونية أقلّ حجماً، وأكبر سرعة، وقدرة أعلى للتخزين وكفاءة أفضل، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون والأسلحة والعديد من الأجهزة الإلكترونية الحديثة. وهذا ما حفّز زيادة إنتاج هذه السلع وتطويرها وزيادة أرباحها.
لكن رغم أن الشرائح بالتصميم الحديث اكتسحت كل الأجهزة، إلا أن التصميم السابق (Discrete Circuits)، لم ينتهِ، إذ لا يمكن الاستغناء عن مكوناته في الأجهزة، خصوصاً الصناعية المتوسطة والكبيرة الحجم والتي تتطلب قوّة كهربائية عالية. إذ ما زالت القيمة السوقية لمنتجات الـ«Discrete Circuits»، كبيرة وتبلغ 34 مليار دولار بحسب «ستاتيستا». أحد منتجات هذه الصناعة، قطعة إلكترونية تدعى (IGBT)، التي تُستخدم في محوّلات الطاقة، بالإضافة إلى الـ«UPS» ومكيفات الهواء ومعدات اللحام. وهذه القطعة استحوذت في السنة الماضية على قيمة سوقية تبلغ 7.3 مليار دولار، أي 21% من مجمل سوق الـ«Discrete Circuits».
والسبب يعود إلى أهميتها في صناعة السيارات الكهربائية التي تنمو بشكل كبير. كذلك هي جزء من أنظمة الطاقة المتجدّدة مثل الألواح الشمسية وغيرها. أبرز الشركات عالمياً في مجال منتجات الـ«Discrete Circuits» هي شركة «Nexperia». مقرها هولندا لكنها تابعة لشركة «Wintech Technology» الصينية، وهي استطاعت خلال سنوات قليلة أن ترفع حصّتها السوقية إلى 9.4% قبل أن تعلن أنها تخطط لدخول مجال الشرائح الدقيقة.
وبحسب توني فيرسلويس، نائب الرئيس والمدير التنفيذي لـ«Nexperia»، تتطلب كل سيارة كهربائية من أربعة إلى ستة أضعاف المكونات الإلكترونية المتواجدة في السيارة التقليدية. وإلى جانب الشركة الصينية، هناك شركة «ABB» السويسرية، و«توشيبا» اليابانية و«onsemi» الأميركية، والشركات الثلاث تتصدر قائمة هذه الصناعة من بين نحو 100 شركة.
بالنسبة إلى شرائح الـ«Integrated Circuits»، التي يتم تصميمها عبر أساليب عدّة تبعاً للهدف. ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:
- «SOC»: اختصاراً من «System-on-a-Chip» أي (نظام على شريحة) لدمج مكونات متعدّدة، مثل وحدة المعالجة المركزية (CPU)، والذاكرة. تم تصميم «SoC» لأداء وظائف محدّدة مثل معالجات الإشارات الرقمية (DSPs) والـ«ميكروكونترولر» و«الذاكرة» و«التخزين». يتم استخدام «SoC» على نطاق واسع لمنع الأخطاء ولأغراض توفير التكاليف في مختلف الصناعات بما في ذلك السيارات والدفاع وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية والرعاية الصحية. كذلك إن هذا التصميم هو المعتمد في صناعة الهواتف الذكية وأجهزة إنترنت الأشياء.
أحد القيود الرئيسية لهذا النموذج، هو الكلفة العالية لتصميم هذه الرقائق وتطويرها وصيانتها. كذلك، قد يستغرق تصميم شريحة عبر هذا النموذج إلى نحو 6 أشهر. ويؤدّي هذا إلى زيادة أكلاف الإنتاج، وزيادة سعر المنتج النهائي. بلغ حجم السوق العالمية لتصميم (SoC) نحو 164 مليار دولار في عام 2022. وبحسب«IMARC»، يتوقع أن يصل حجمها إلى 260 مليار دولار بحلول عام 2028.
- «FPGA»، وهو نموذج مرن ومنخفض الكلفة، إذ يمكن إعادة برمجته وفقاً للتطبيقات المرغوبة للمنتج النهائي أو المتطلبات الوظيفية. يستخدم في صناعة الطيران لملاحة الطائرات، ومعالجة الصور وتوليد الإشارات. علاوة على ذلك، فإن الاتجاه المتزايد لتقنية القيادة الذاتية والاعتماد الكبير على أجهزة الاستشعار المتقدّمة ووحدات التحكّم بالمجال، المجهزة بالذكاء الاصطناعي (AI) للتحكم في إدراك السيارة، تسهم في نمو هذه السوق. كذلك تستخدم حلول «FPGA» في المركبات الآلية لأنظمة مساعدة السائق والراحة والمعلومات والترفيه داخل السيارة. ويتم دمج أجهزة «FPGA» في معدات التصوير الطبي، والتي يتم استخدامها في صناعة الرعاية الصحية لأغراض التشخيص والمراقبة والعلاج. كما تُستخدم «FPGA» في الصناعة العسكرية لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك معالجة الإشارات، وتشفير البيانات وفكّ تشفيرها، والتحكّم بالأنظمة نظراً إلى إمكانية إعادة برمجتها بعكس الـ «ASIC» وقدرتها على معالجة إشارات عالية السرعة والتعقيد.
بلغ حجم سوق (FPGA) نحو 11.4 مليار دولار أميركي عام 2022. وتتوقع «IMARC» أن يصل حجمها إلى 19.7 مليار دولار أميركي بحلول عام 2028.
- «ASIC»، وهو تصميم يستخدم لإنشاء جهاز مخصص لمهمة معينة. عملياً، أي شريحة مصنوعة بشكل مخصّص هي «ASIC». وعادة يتم تصميمها واستخدامها من قبل شركة واحدة في نظام معين. يستغرق تصميمها وقتاً طويلاً وموارد كثيرة وكلفة باهظة، لكنها تقدم أداءً عالياً للغاية مع استهلاك منخفض للطاقة. إنما بمجرد جهوزيّة التصميم، فإن كلفة إنتاجها تصبح بخسة نسبياً. أبرز ما يقدمه هذا التصميم هو الحماية من الهجمات السيبرانيّة، ومن الصعب بشكل كبير أن تقوم جهة بهندسة عكسية لمنتج مصنوع بهذه الطريقة. فعلى سبيل المثال، إن سقوط طائرة مسيرة مبنية بتصميم «ASIC» في أراضٍ تعد عدائية لدولة ما، سيمنع الأخيرة من استنساخها إلا في حال صرف ملايين الدولارات والكثير من الوقت سعياً لذلك. كذلك، إن هذه الإلكترونيات لا يمكن إعادة برمجتها لتقوم بمهمة غير التي صنعت من أجلها.
وفقاً لـ«Precedence Research»، بلغت قيمة سوق الـ«ASIC» العالمية 17 مليار دولار عام 2021، ويتوقع أن تصل إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030. واعتباراً من عام 2021، سيطرت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سوق «ASIC» في جميع أنحاء العالم. وساهمت بأكثر من 40% من إجمالي الإيرادات المحققة عام 2019. العامل الأكثر أهمية الذي ساهم في الحصة الكبيرة من الإيرادات هو صناعة السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية الضخمة في المنطقة. ويخضع السوق بشكل رئيسي للصين واليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول جنوب شرق آسيا.