زنزانة الواقع الافتراضي: يوم أغمضت البشرية عيونها

علي عواد

2020-01-18 06:45

«أنا أعلم لماذا أنت هنا نيو، أعلم ما كنت تفعله. لماذا لا تنام بشكل جيد، ولماذا تعيش بمفردك، ولماذا ليلةً بعد ليلة، تجلس بجانب الكمبيوتر. أنت تبحث عنه. أعرف ذلك لأنني كنت أبحث عن نفس الشيء، وعندما وجدني، أخبرني أنني لم أكن أبحث عنه حقاً، بل كنت أبحث عن إجابة، إنه السؤال الذي يدفعنا نيو. إنه السؤال الذي أتى بك هنا. أنت تعرفه، تماماً كما فعلت أنا»، ترينيتي مخاطبةً نيو - من ثلاثية فيلم مايتركس الجزء الأول.

ماذا لو قيل لك، إنّ نظّارات الواقع الافتراضي هذه، بداخلها لعبة فيديو جميلة جداً، وواقعية جداً، بحيث إنّ دماغك سيتعامل معها على أنها، هي، الواقع؟ ماذا لو، ما إن تضع النظّارة، يمكنك أن تختار شكل الكائن الذي تريد أن تكونه، ويمكن لك أن تكون كائناً فضائياً إذا ما أردت.

فإن كنت رجلاً، فبإمكانك أن تعيش كأنثى أو العكس. وفي نهاية الأمر، أنت تتحكم في الأمور هنا، أنت إله هذا العالم الجديد، لقد تمَّ صنع كلّ هذا العالم من أجلك أنت، كي تنسى همومك في الخارج، بمن فيهم مديرك التافه في مكان عملك. تعال، جرّبها: اللعبة اسمها «الحياة نسخة رقم 2».

ماذا ستفعل؟

بحسب موقع «ستاتيستا» للإحصاءات، بلغ عدد المستخدمين بشكل دائم لأجهزة الواقع الافتراضي حتى عام 2018، ما يُقارب 171 مليون مستخدم، فيما بحسب تقرير لمجلة «فوربس»، أعلنت فيه أن عام 2019 كان عام أجهزة الواقع الافتراضي بامتياز، علماً بأن هذا الرقم أيضاً سيشهد نمواً دراماتيكياً في السنوات المقبلة. بناءً عليه، يمكن القول إن هناك نسبة لا بأس بها من مستخدمي شبكة الإنترنت حول العالم هم موصولون بالفعل في هذا العالم الجديد.

Oculus VR، وهي شركة مملوكة من فايسبوك، والتي تأسّست عام 2012، مهمّتها تقديم وتطوير أجهزة الواقع الافتراضي والمعزّز، وقد طرحت جهازها Oculus الذي قدّم تجربة ممتازة في هذا الصدد.

منذ أشهرٍ قليلة صعد مارك زوكربرغ إلى المنصّة، ليقدم للناس أمامه جهاز Oculus connect 6 الجديد، حيث يقوم الجهاز بتحديد موقع يدي المستخدم من دون الحاجة إلى أن يمسك بيده أي جهاز كونترول، ما يؤمّن عملية استخدام أفضل من أي وقت سبق. يريد زوكربرغ، وبشدّة، تعزيز تجربة التواصل الاجتماعي عبر الواقع الافتراضي، إذ بحسب قوله، هناك يكمن مستقبل منصّات التواصل الاجتماعي.

بالتزامن مع الجهاز الجديد، تقوم فايسبوك بصنع منصة Horizon، وهي عبارة عن منصة تواصل اجتماعي فريدة من نوعها، حيث قامت الشركة بصنع عوالم عديدة، يمكن للمستخدمين التنقل فيها والتواصل بعضهم مع بعض، وكأنهم في الحياة الحقيقية. هذه التجربة ستكون بشكلي الواقع الافتراضي حيث يصبح المستخدم في عالم مفصول عن الواقع، ولكن يشبهه إلى حدٍ ما، فيما الشكل الثاني سيكون عبر الواقع المعزّز حيث يتم دمج الواقع الحقيقي، أي ما نراه أمامنا، بإضافات، مثل أن نرى أمامنا أحد المستخدمين يتنقل في الشارع رغم عدم وجوده بشكل حقيقي، وإذا ما نظر إلى المرآة أمامه فلن يرى شيئاً.

هذا الشكل من التواصل الافتراضي ليس جديداً. Second Life، وهي لعبة فيديو مشهورة، ومملوكة من شركة Linden Lab في الولايات المتحدة الأميركية، تتيح للمستخدمين الوجود على المنصة أو داخل اللعبة، بشكل افتراضي بعد ارتدائهم للـAvatar (مظهرهم داخل اللعبة) الخاص بهم، وهي تتيح للمستخدمين القيام بالعديد من الأمور داخل اللعبة، حتى تلك الأفعال التي يحاسب عليها القانون، حتى إن هناك عملة افتراضية داخل اللعبة اسمها linden dollar.

بحسب جمعية الطب النفسي الأميركية، تُعرّف الإدمان بأنه الاستخدام القهري لمادة ما على الرغم من آثارها الضارة. ولطالما كان مفهوم الإدمان مرتبطاً فقط بمواد مثل النيكوتين والكوكايين والهيرويين وما إلى ذلك، لكن ظهور تقنيات الواقع الافتراضي الحديثة أدى إلى زيادة الاعتماد النفسي بين الأفراد على هذه التقنيات، ما أدى إلى نفس التأثير الذي يحدثه إدمان المواد المخدرة. وتشمل مشاكل الصحة العقلية المرتبطة بإدمان الواقع الافتراضي القلق واضطراب نقص الانتباه والاكتئاب والتوحّد. في الواقع، تشير دراسة بحثية إلى أن ما يقرب من 5 إلى 10٪ من مجمل مستخدمي الإنترنت وحوالى 30 مليون من البالغين في الولايات المتحدة ممن يستخدمون الإنترنت هم مدمنون.

في مقال نشره موقع entrepreneur.com، يتحدث فيه عن الجوانب الخطرة للواقع الافتراضي، يقول عن لعبة «second life»: «إنه في حين أن الإدمان على «second life» آخذ في الارتفاع منذ فترة طويلة، إلا أن ما يدعو إلى القلق هو استخدامه المحتمل لمختلف الأنشطة غير القانونية المحظورة في العالم الحقيقي. حيث يتم استخدام منصات الواقع الافتراضي، مثل لعبة «second life»، من قبل الأشخاص لينغمسوا في الأنشطة التي لا يستطيعون القيام بها في العالم الحقيقي. علاوة على ذلك، بالنظر إلى أنه يمكن تتبع حركات كل شخص، أو تقديمها، أو حفظها، أو إعادتها إلى واقع افتراضي، يمكن للمرء أن يسترجع تجربة أو حتى يغيّر الماضي. كل هذا يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على نوعية الحياة في المستقبل، ويجب مراقبتها عن كثب لمنع سوء المعاملة».

ما يتم إعداده للمستخدمين حول العالم آتٍ لا محالة، فيما المرعب هنا، أن الانفجار التكنولوجي الجديد في عالم منصات التواصل الاجتماعي، سيكون وقعه مدمّراً أكثر من يوم ولادة فايسبوك، خصوصاً أن الحياة في الواقع الافتراضي ستكون أجمل، وإدمانها أعلى. فيما المحزن، أنّه وبعكس فيلم مايتركس، مورفيوس لن يكون إلى جانبنا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي