كيف تحتفظ بالقمة؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2017-01-23 07:00
في البحث عن التفوق المستمر للإنسان في مسعى ما، يقفز الى ذهن ذلك القول المأثور الذي ينص على أن (الوصول الى القمة صعب، لكن الأصعب من ذلك هو الاحتفاظ بموقع القمة)، فقد تدحرج معظم الذين وصلوا القمة نحو السفوح، لأنهم لم يحسنوا كيفية البقاء في ذلك الموقع المتفرد، ولعل السبب الجوهري في هذا المجال له علاقة مباشرة بفن الإدارة.
فمن لا يحسن إدارة شؤونه في أي مجال كان، سوف يكون عرضة للفشل، مهما كان موقعه في الحياة أو مهما كان مركزه الوظيفي والعلمي والأدبي والاجتماعي، فإنه سوف يكون على المحك إداريا، إذا نجح في الإدارة سيبقى في حالة نجاح مستدامة، ويصح العكس بطبيعة الحال، بغض النظر عن كونه كبيرا أو صغيرا، قويا أو ضعيفا، ثريا أو فقيرا، فالبقاء في مرتبة النجاح القصوى لا علاقة له بهذه الصفات، بقدر ما يتعلق بأولوية الإتقان الإداري.
يعلق الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، على هذا الموضوع في كتابه القيم الموسوم بـ (الفقه: الإدارة ج2)، إذ يقول سماحته: إن (المَلِك، ورئيس الجمهورية، والوزير، ومدير المدرسة، ورئيس الصحة، وإمام الجماعة، ومدير المجلة والواعظ.. إلى: ساعي البريد والطباخ. كلهم يحتاجون إلى الإدارة فإن حسنت إدارتهم، تمكنوا أن يقوموا بالمهمة بخير وسلام وتقدم، وإلا فالوقوف، ثم الاِنحطاط، إلى حيث الجمود الأبدي).
وثمة أمر لابد من التنبّه له لمن يبحث عن النجاح في أداء أعمال ومهماته ومسؤولياته بمختلف أنواعها، ونعني بذلك التدرج في قطع مراحل النمو صعودا، فمن غير الصحيح استخدام أسلوب حرق المراحل من أجل النجاح السريع، فمن يصعد سريعا يسقط سريعا، لذلك لا مناص من اللجوء الى سياسة النمو المتتابع، درجة بعد أخرى، ومرحلة تلو أخرى، فهذا النوع من التصاعد يكون مضمونا من حيث النتائج ومقبولا من حيث الجانب الإداري المهني.
حيث نقرأ في هذا المجال قولا للإمام الشيرازي في المصدر نفسه: (إن الإنسان الحسن الإِدارة، يتقدم مرحلة فمرحلة، حتى ينتهي إلى غاية ما فوقها مرحلة، إن سار في مثل هذا الخط، كمن يبتدئ طالب علم متواضع ثم ينتهي إلى مرجع عام للمسلمين، أو إلى آخر مراحل خط سيره، كالتلميذ المتواضع في الصف الأول، ينتهي إلى وزير المعارف).
الإزاحة بالقوة المقابلة
إذا فحسن الإدارة عنصر مهم في ديمومة التطور وثبات النجاح، لأن الافتقار لهذا العنصر، يشكل فقدانا حتما للإدارة الجيدة، أو لما يسمى بسوء الإدارة، وفي حالة أن تكون إدارة الإنسان المسؤول أو سواه سيئة، فهذا يعني فشلا مؤكدا لا يقبل الشك لذلك الإنسان المسؤول أو حتى العادي، لأن أبسط الأمور في حياتنا، تتطلب الإدارة الجيدة.
علما أن من لا يمتلك القدرة على الإدارة الجيدة، فإنه سوف يكون عرضة للسقوط الحتمي، فإذا كان بلا قوة سوف يبتعد الناس عنه سريعا وتغدو إدارته بلا حول ولا قوة أي أنها ستفشل بصورة حتمية، وإذا كان من أصحاب القوة فسوف يخوض صراعا ضد قوى أخرى ستطيح به حتما كونه لا يحسن الإدارة.
كما نلاحظ ذلك في قول الإمام الشيرازي بالكتاب نفسه: (أما بالنسبة إلى من تربع في القمة (صدفة) وهو سيء الإدارة فالأمر لا يخلو من اثنين.. أولا: أن لا تصحبه القوة، وجزاء هذا أن ينفض الناس من حوله سريعاً، فتتلاشى إدارته. وثانيا: أن تصحبه القوة ، وهذا يزاح عن منصبه بقوة مقابلة، تحصلها الفئة التي تؤثر فيهم سوء إدارته).
إذاً لابد من البحث الدؤوب عن السبل الصحيحة التي تجعل المسؤول أو غيرها إداريا ناجحا، وفي هذا الإطار يحدد الإمام الشيرازي صفة مهمة ينبغي أن يتحلى بها الإداري تخطيطا وتنفيذا، وهي صفة الصفر التأني والدقة، والابتعاد عن التسرع في الانجاز غير المدروس، فالصبر من شأنه منح الانسان فرصة لإعادة الخطط وتصحيح الخاطئ منها وإعادة المحاولة أكثر من مرة والاستفادة من الخبرات المكتسَبة لتحقيق النجاح المضمون.
حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أن (الصبر يعدّ من عوامل النجاح الإداري، إذ يجب على الإدارة الناجحة اعتياد الصبر على المكاره، لذا فإن الإدارة تستلزم مواجهة المصاعب، سواء من الرؤساء، أو الزملاء، أو المرؤوسين، أو الأعمال المطلوبة، فبدون الصبر لا يتمكن الإنسان من إنجاز إدارته على وجه حسن).
الصبر وحتمية النجاح الإداري
وهكذا يبدو واضحا للجميع، دور الصبر في مجال نجاح الإداري لتحقيق النتائج الأفضل والأكثر إتقانا وديمومة، فكما يتضح من تأكيدات الإمام الشيرازي في كتابه المهم (الفقه: الإدارة) بجزأيه (الأول والثاني)، أن عامل الصبر لا يمكن التفريط به، أو إهماله إذا ما قرر المدير الرئيس أو الموظف الإداري النجاح في مهامه، فمن دون الصبر لا يمكن أن ينجح المسؤول في أعماله الإدارية، كبيرة كانت أم صغيرة، معقدة كانت أم بسيط، ففي جميع الحالات يبقى عنصر أو سمة الصبر عاملا حاسما في النجاح أو الإخفاق الإداري.
لا يقتصر الأمر على المسؤول فقط، وإنما حتى من ينفذ القرار الإداري من الموظفين أو العمال أو غيرهم من التسميات والعناوين الأخرى، فهؤلاء يحتاجون أيضا للصبر، خاصة أن صاحب الأوامر أو القرارات الإدارية كمدير المصنع على سبيل المثال، لا ينظر الى الجانب التعجيزي في قراراته وأوامره، فهو يؤمن دائما بأن المرؤوسين قادرون على إنجاز أوامره الادارية في جميع الأحوال.
لذلك يقول الإمام الشيرازي ما نصه: (غالباً ما يتوقع الرؤساء من الإنسان بأشياء، ليس بإمكانه الإتيان بها، فإذا صبر الإنسان على توقعاتهم، ولم يُظهر التبرم والضجر، تتلاشى طلبات الرؤساء ويبقى هو ممدوحاً لحسن إدارته).
وهكذا فإن العمل الذي يقع انجازه على عاتق الإنسان، قد لا يمكن إتمامه بالسرعة التي يتوقعها الشخص أو المسؤول الإداري، فالواقع قد يختلف عمّا يدور في الذهن أو الخيال، لهذا دائما هناك مفاجآت غير محسوبة تعرقل العمل الإدارة وتجعله مستهلكا للزمن الإضافي غير المحسوب، هنا يظهر مجددا دور الصبر في أهمية إنجاز المهام الإدارية المختلفة.
وقد لا نغالي أو نبالغ في القول، عندما نؤكد بأن الصبر هو السمة والصفة التي تحسم هدف بلوغ القمة، كما يمكن أن نؤكد بأن فقدان الصبر يجعل من القمة هدفا مستحيلا، ولو حدث أن تحقق ذلك الصعود المفاجئ وغير الصبور أو المتدرج للقمة، فإن السقوط السريع سوف يكون أمرا محسوما ولا يقبل النقاش، حيث سرعة السقوط لا تعطي مجالا لأي نقاض غير السقوط الى الهاوية.
من هنا يتبيّن لنا ذلك الرابط المشترك بين جميع المدراء الناجحين، ونعني به الصبر، فهؤلاء جميعا نجدهم يتحلون بالصبر في جميع خطواتهم وأعمالهم الإدارية، ذلك أن الصبر هو السلاح الأهم الذي يعتمدون عليه في حسن إدارتهم.
حيث يؤكد الإمام الشيرازي على: (أن طبيعة العمل الذي يقع ضمن مهمات الإنسان، قد لا يتأتى بيسر وسهولة، لذا فإنْ صبرَ الإنسان حتى أنجز تلك الأعمال سوف يصل إلى القمة، وبعكس ذلك سيفشل، ويدل ذلك على ضعف إدارته. لذلك إذا نظر الإنسان إلى المديرين الناجحين، لرأى أنهم يتحلون بصفة (الصبر) في حسن إدارتهم).