على القادة الابتعاد عن سياسة رد الفعل
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2016-06-13 02:50
سياسة رد الفعل، تقود في الغالب الى نتائج غير محمودة، فهي تأتي متسرعة، كونها تكون من دون تمهيد او تفكير او دراسة، لذلك يُنصح القادة السياسيون، رؤساء الاحزاب، واصحاب التيارات والكتل السياسية وقادة الدول ايضا، بالابتعاد عن سياسة رد الفعل، وأن لا تكون قراراتهم مأخوذة وفق قاعدة الاستفزاز، او الجواب كرد فعل، لأن التسرع، والتعصب، سوف يكون لهما دور كبير في الرد، مما يضيع فرصا كبيرة لتحقيق نتائج أفضل.
العلاقات بين الكتل والاحزاب والتيارات السياسية، ينبغي أن تقوم على قواعد ثابتة لا تخضع لمزاج هذا القائد او ذاك، لذا يُنصح بالتروي والهدوء والتعقل، وعدم التورط والدخول الى الانفعال واتخاذ قرارات صعبة تحت ضغط سياسية رد الفعل، كونها أثبتت فسلها على مر التاريخ، حتى عندما يكون صاحب القرار قويا، فإنه اذا اخذ قراره في ضوء سياسة رد الفعل فإن النتيجة في آخر المطاف لن تكون في صالحه.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم، الموسوم بـ (ممارسة التغيير): (يجب على القادة أن تسير أمورهم حسب التعقل وحسبما تتطلبه الظروف، لا حسب ردّ الفعل، حيث أن الإنسان إذا هيّأ نفسه لردّ الفعل يكون دائماً في أزمة يخلقها الطرف الآخر له).
لذا ينبغي للسياسي أن يبتعد عن اتخاذ أي قرار من أي نوع كان، تحت ضغط (رد الفعل)، كذلك لا ينبغي أن يكون السياسي كالفريسة للطرف المقابل، فالخضوع لسياسة (رد الفعل) تدل على أن السياسي قد وقع في فخ الطرف الآخر، ودخل في دوامة الدفاع عن النفس، من خلال اتخاذ قرارا متعجلة تجيء في الغالب بمثابة رد فعل غير مدروس، ترسمه حالة من الغضب والتعصب والانسياق وراء الرد غير المدروس، ما يتسبب في نتائج مؤسفة وذات مضاعفات وتداعيات قد تكون خطيرة أحيانا تواجه القائد السياسي.
وقد قدمت لنا التجارب وصفحات التاريخ، قادة متهورين من هذا النوع، أساؤوا لأنفسهم ودولهم وشعوبهم، ووضعوا أنفسهم في مكان المضطر دائما للإجابة على الطرف المقابل، كما ورد ذلك في قول الامام الشيرازي: (قالوا في علم المناظرة - كن سائلاً ولا تكن مجيباً- فإن تفكير الإنسان في الجواب يوجب إعداد السائل لسؤال آخر).
أهمية تجنب الاقتحام العاطفي
في المشهد السياسي، تظهر بين حين وآخر وجوه وشخصيات لها تأثير في ساحة العمل السياسي، ولكنها للأسف تقع في فخ السلطة، او فخ الانفعال، او بعض السمات المسيئة للقادة كالنفاق، وإظهار صورة لا تتطابق مع حقيقة هذا السياسي أو ذاك، لذلك مثل هؤلاء الساسة او القادة سرعان ما يسقطون أمام شعوبهم، كونه يظهر للناس على غير حقيقته، فبالاضافة الى الانفعال، والرضوخ لسياسة رد الفعل، هناك حالة الظهور بأكثر من وجه أمام الناس، مما يجعل منه في حالة ضعف، فيسقط أمام الناس.
كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي بالكتاب المذكور نفسه: (من الواضح أن القائد الذي يسلك طريق النفاق ليصل إلى ما يصبو إليه، وينزه نفسه في الظاهر عما يفعله في السر، سرعان ما ينكشف أمره للناس فيسقط حتى عن مقداره الواقعي).
كذلك ينصح الامام بالابتعاد عن الاقتحام العاطفي في اتخاذ القرار، وتجنب حالات التهور، لأنها سوف تقود السياسي الى ما لا يُحمَد عقباه، والمشكلة أن النتائج (الكارثية) لا تقف عند حدود شخص هذا السياسي او القائد، وانما تمتد مضاعفاتها الى الناس المسؤول عنهم، وقد تكون تلك التداعيات كبيرة وخطيرة على حياتهم وأوضاعهم العامة الاقتصادية والاجتماعية وسواها، كما أثبتت بعض الأحداث التي جرت على بعض القادة المتسلطين، والمعروفين بالدكتاتورية والتفرد بالسلطة، فقد تسبب قراراتهم المتهورة الانفعالية بالقضاء عليهم، فضلا عن إلحاقها للشعب والدولة بأذى كبير، كل هذا يمكن أن يجري عندما يزج السياسي نفسه في قرارات متسرعة، يتخذها بسبب الغرور والاقتحام العاطفي والتهور.
لهذا السبب يؤكد الامام الشيرازي على أهمية تجنب سياسة رد الفعل قائلا سماحته بوضوح تام: (يجب تجنب الاقتحام العاطفي والتهور، وقد رأينا كيف أن الدكتاتوريين تهوروا في الاقتحام في أمور لا طاقة لهم بها مما سبب فشلهم).
إذاً فإن الفشل غالبا ما يكون من حصة السياسي الذي يقع تحت وطأة (سياسة رد الفعل)، ويخضع للآنية في صنع القرار، والخطر في هذه السياسة يكون أشد خطورة في الدول التي تفتقر للمؤسسات الدستورية التي تحد من صلاحيات القائد السياسي، اما الدول المحكومة بالمؤسسات، فإنها تكون في منأى عن هذا الخطر، لأن قادتها السياسيين لا يملكون قدرة التفرد في اتخاذ قرار متسرع او غير مدروس.
مساوئ الانفراد في اتخاذ القرار
دائما تكون المشاركة أفضل من التفرد، ليس في السياسة فقط، بل في معظم الأنشطة البشرية، نعم هنالك انشطة فردية في الفكر والابداع وطريقة العمل وانجاز المشاريع وما شابه، ولكن فيما يتعلق بالأمور السياسية، يحتاج الأمر دائما الى التعاون في التفكير والتخطيط والمتابعة الفعلية الميدانية ايضا، اما السبب في ذلك فإن طاقة الفرد الفكرية على اتخاذ قرارات ذات نتائج جماعية، تكون أضعف وأشد قصورا مما لو كانت جماعية.
لذا من الأفضل أن يشترك السياسيون في تدارس الأنشطة والمشاريع والقرارات التي تهم حياة الناس، ثم لا يصح جمع عدد من المسؤوليات والمناصب ووضعها في يد شخص واحد بحجة انها حساسة، وقيادتها تتطلب مواصفات خاصة، فهذا الجمع بين المسؤوليات، يعني التفرد بالسلطة، وهذا يقود الى فساد السياسي، وانحرافه، اما عندما يتم صنع القرار جماعيا فإن الامور سوف تكون افضل بسبب تعدد العقول والرؤى أيضا.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (إن طاقة الفرد محدودة فلا يتمكن الفرد الواحد من إدارة مهام عديدة ومناصب كثيرة، فإنه مما لا طاقة له، ويسبب ذلك فساده وفساد عمله وقد قال سبحانه: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت سورة البقرة: الآية 286).
وانطلاقا من هذه الرؤية، ينبغي أن يبتعد السياسي عن سياسة العنف، وعن التهور والتطرف والعصبية، وأن ينحو الى السياسة الجماعية، كونها تقود الى التعقل ومن ثم تضاعف من فرص السلام، لأنها لن تكون خاضعة لارادة ورؤية وتفكير شخص واحد، يمكن أن يكون عرضة للخطأ، لذلك مثلما هناك حق للانسان أن يعيش بسلام عليه ان يدع الاخرين ان يعيشوا بسلام، خاصة اذا كان مشاركا فعالا في صناعة القرار، ومثلما يبحث عن الرفاهية والعيش الرغيد له ولذويه والمقربين منه، عليه أن يسهم في خلق مثل هذه الفرصة للآخرين أيضا.
كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (ينبغي أن يعيش الكل بسلام، فكما أن للإنسان نفسه الحق في أن يعيش بكرامة وحرية، ورفاه وسلام، عليه أن يترك الآخرين يعيشون كذلك كما قال علي (ع): (أحبب لغيرك ما تحبه لنفسك/ بحار الأنوار). وأمر طبيعي عندما يبتعد السياسي عن سياسة التهور، ويبتعد عن صنع القرار بطريقة (رد الفعل)، فإنه سوف يساعد على بناء الاستقرار والسلم السياسي والاجتماعي معا.