السياسي بين بناء الدولة وبناء السلطة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

شبكة النبأ

2016-05-09 06:57

السياسة تكون على مسارين، داخلي وخارجي، كلاهما يهدفان الى بناء دولة قوية، تكون قادرة على حماية مصالح شعبها، وترتكز على مؤسسات تحمي الحريات والحقوق، وتستحصل الواجبات من المواطن بعدالة، تقدم الخدمات، الأمن، العيش الكريم، ويقدم المواطن الولاء للدولة والعمل في دوائرها والالتزام بقوانينها حسب الدستور المضوَّت عليه شعبيا، وكما يتضح هنا، تُعدّ الادارة الناجحة إحدى أهم الركائز التي يتطلبها بناء الدولة أو المدنية، تلك الدولة التي تتساوى فيها الحقوق مع الواجبات، وتنمو فيها الكفاءات، وتأخذ دورها كما يجب، وتُحفظ فيها الحريات كافة، وتُضمن فيها حرية الرأي والاعلام والفكر، ويُكفل التعايش والتعددية، في اطار دولة المؤسسات، هذه هي مهمة السياسيين العراقيين في هذه المرحلة، وعليهم الالتزام بها.

من المؤسف أن تمضي أكثر من عشر سنوات من عمر التجربة السياسية الجديدة، ولا يزال ساة العراق، او بعضهم، يسعى الى بناء السلطة وليس بناء الدولة، نعم يحتاج القائد الى صلااحيات، والمسؤول الى قدرات يدير من خلالها العمل، هذا امر متفق عليه، ولاشك أن إدارة مؤسسة أو معمل او مدرسة او دائرة أو دولة، تعني منح من يقوم بادارتها سلطة واضحة، وفيما يتعلق بادارة الدولة، فإن ذلك يتبع الصلاحيات والصيغة الدستورية للدولة، وطبيعة النظام السياسي الذي يحكمها، ولذلم ترتبط الادارة عموما بالسلطة، فالمدير أيا كانت الجهة التي يديرها، لابد أن يتمتع بدرجة معينة من السلطة على مؤسسته والمنتسبين لها لكي ينجح في مهامه، إلا أن الامر قد يخرج خارج حدود السلطة الممنوحة للشخص، وقد يتحول الى مستبد، او مهتم بالسلطة على حساب بناء الدولة وهذه تمثل معضلة كبيرة.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (نحو ادارة ناجحة)، حيث يقول سماحته: (الإدارة هي فن ممارسة سلطة الإنسان على أفراد جنسه أو على الطبيعة، ولكن هذه السلطة تختلف من شخص إلى آخر، فبعض يستحقها وبعض تقمّصها، وعند البعض تكون الإدارة هي السلطة المطلقة، فالشخص الذي يمارس الإدارة حتى وإن لم يكن مؤهلاً لها شرعا، لكنه يمتلك صلاحية كاملة في توجيه ما يريد وكيفما يريد وأينما يريد، وهذه الفكرة عادة تترسخ عند الاستبداديين ومن يدور في فلكهم).

وهؤلاء المستبدون، هم من يقدم بناء السلطة على بناء الدولة، وكما هو الحال مع جميع الانشطة الادارية او السياسية وغيرها، حيث تخضع لمعايير النجاح والفشل، فإن الادارة تخضع ايضا لقضية النجاح والفشل، بل قد تتحدد قيمة الادارة استنادا الى معياريّ النجاح والفشل، كما يرى ذلك الامام الشيرازي، حيث يقسّم الادارة وفقا لشرطيّ النجاح والفشل، فهناك ادارة ناجحة واخرى فاشلة وفقا للرؤية والمؤهلات والاستعداد للانجاز الأفضل. يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (الإدارة تنقسم إلى قسمين: إدارة ناجحة، وإدارة فاشلة، ولكل منهما أسباب، فالإدارة الناجحة لا تكون إلا بمقوماتها، من شروط ومقتضيات وعدم المانع إلى غير ذلك مما هو مذكور في محله. وإلا ستكون فاشلة).

فن التحكم بالسلطة

السياسي الناجح هو الذي يتمكن من قيادة السلطة بنجاح، لا أن يخضع لامتيازاتها وسحرها، فينقلب الأمر وتصبح السلطة هي التي تيّر القائد، أي يخضع لامتيازات السلطة وما تقدمه له من نفوذ وقوة وسلطان، فينشل بالسلطة بدلا من أن ينشغل في بناء الدولة، علما ان جميع الانشطة البشرية تتطلب المساعدة والدربة والمعرفة اولا، وهكذا هي الحال مع فن الادارة الذي سبق ان قال عنها الامام الشيرازي (الادارة فن التحكم بالسلطة) وليس تحكم السلطة بالانسان، حيث يتحول الحاكم الى لعبة بيد السلطة، بدلا من أن تكون السلطة تحت سطوة الحاكم، حتى يتمكن من تحقيق الهدف الأهم، ألا وهو مهمة بناء مؤسسات الدولة.

ولدى السياسيين تجربة عظيمة قادها الرسول الأكرم، وبنى من خلالها دولة قوية تمكنت في عقدين ان تقارع او تتفوق على اقوى الدول آنذاك في السياسة والادارة والحقوق وبناء الدولة، لكن نلاحظ هناك خلل، في كيفية الاستفادة من تجربة الرسول - ص-، يتضح هذا من قلة المؤلفات والكتب التي تناولت هذا الجانب، حيث لم يُكتب العدد والكم الذي يتناسب مع حكمة التجربة السياسية الادارية، ولا مع الاعداد الكبيرة للمسلمين وحاجتهم للاطلاع على فن ادارة السلطة، وكيف تعامل رسولنا الاعظم مع هذا الجانب الجوهري لبناء الدولة الاسلامية وهذا يتضح من قلة استفادة القادة السياسيين المسلمين من هذه التجربة الثرّة.

وقد أشر الامام الشيرازي، هذا الخلل لدى القادة السياسيين فقال سماحته بوضوح: (على الرغم من الجهود العظيمة التي بذلها الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم- وضرورة معرفتها بشكل تحليلي متكامل، ولا يخفى أن هذا العمل صعب للغاية، إلا أنه لو تحقق ذلك لكان عملاً كبيراً نافعاً جداً.والتأسي بها، فإننا لم نشاهد بالمقدار الكافي كتباً وبحوثاً قد تناولت سيرة وحياة رسول)، كذلك لم نجد الاهتمام الكافي من المسؤولين في الاستفادة من تجربة الرسول (ص) في بناء الدولة، وهذا يؤشر اهتمامهم في بناء السلطة اكثر من بناء الدولة.

ليست هناك ادارة مطلقة

ربما يسعى بعض القادة الى تحقيق ارادة او سلطة مطلقة، يستطيع من خلالها أن يتحكم بكل شيء، وهذا الهدف السلطوي البحت غالبا ما يشغل القادة المستبدين، فينسون مهمة بناء الدولة ومؤسساتها ويركنون هذا الهدف الأهم والأسمى جانبا، علما أن الامام الشيرازي، يرى أن لا سلطة مطلقة للانسان العادي، فالسلطة المطلقة من اختصاص الحكم الالهي ومن يخوله في تعالى في ذلك، أما اذا حدث العكس فإن الخلل والفشل في ادارة السلطة سيبدو واضحا، وسوف ينعكس فورا على الدولة والفشل في بنائها، لذلك لابد لمن يدعي انتسابه للاسلام من الحكام والانظمة ان يلتزموا بهذا الجانب، بالاضافة الى أهمية حضور الادارة المعارضة للحد من اخطاء استخدام السلطة وادارتها بطرق فاشلة.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه قائلا: إن (الإدارة المطلقة والولاية المطلقة تكون من خصائص الباري عزوجل وهو عادل لايظلم أحداً، وكذلك من خوّله الله تعالى لها، وهوالنبي الأعظم -ص- والإمام المعصوم –ع-، أما الإنسان العادي فلا يحق أن يقوم بهذه السلطة المطلقة).

بالنتيجة ينبغي أن يتنبّه السياسيون الحاليون، الى نقطة مهمة، وركيزة أساسية في إدارة الحكم، تتعلق بقضية أساسية أيضا، هي عدم الانشغال في بناء السلطة، كما يحدث لدى بعض القادة المهتمين في بناء احزابهم وكتلهم وتقوية سلطاتهم وزيادة امتيازاتهم، إن الأهم من ذلك هو بناء اركان الدولة وجعلها دولة قوية باتقان قواعد اللعبة الديمقراطية، ولا يصح أن ينشغل الساسة اليوم بالصغائر، وينسون الهدف الأكثر أهمية، وهو بناء دولة مستقرة معاصرة تقوم على استقلالية المؤسسات، وترك مزايا السلطة جانبا، ولا تزال الفرصة موجودة ومتاحة لمن يريد أن يسعى في هذا الاتجاه السليم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي