إعداد الأجيال
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي
2024-11-03 05:54
التربية وأدواتها
قال تعالى: (وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ)(1).
يعدد الباري تبارك وتعالى في هذه الآية الشريفة جملة من نعمه عزّ وجلّ على الإنسان، فإن قوله تعالى: (وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم) يعني: أيها البشر (مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ) فمن يا ترى يقدر على هذا الإخراج بالأجهزة واللوازم الطبيعية التي جعلها في داخل الرحم إلى فم المخرج (لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡٔٗا) فإن الإنسان جاهل محض عنـد الـولادة (وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفِۡٔدَةَ) (السمـع) يراد بـه الجنس، والاختلاف بين الألفاظ بالجمع والمفرد للتفنن، و(الأفئدة) جمع فؤاد وهو القلب، أي: إنه تفضل عليكم بالحواس لتستقوا بها المعلومات وبالقلب لتعوا به الأشياء، (لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) أي: لكي تشكروا نعمه سبحانه(2).
وهذه الآية تبين للإنسان ما أنعم اللّه عليه من آلات تحصيل العلم بعد أن لم يكن يعلم شيئا، فرزقه اللّه السمع والبصر والفؤاد ولولاها لما تمكن الإنسان من تحصيل العلم أبداً، كما هو واضح.
التربية والتعليم في الإسلام
إن الأمم إذا أرادت أن تتقدم وتزدهر وتبلغ أهدافها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فلا بدّ لها أن تهتم بالأجيال القادمة، فتقوم بتربية وتنشئة جيل صحيح قوي، مهيأ لتحمل مسؤولية قيادة الأمة وتسلمها من الآباء، فعلى الوالدين وغيرهم ـ من المسؤولين، من العلماء والحكام ـ أن يوفروا لأبنائهم مناهج التربية الصحيحة، ويهيّؤوا لهم وسائل تقدمهم وبناء شخصيتهم ومستقبلهم، أما الأمم التي لا تهتم بتربية وتنشئة أجيالها فلا توفر لأبنائها مثل هذه الأجواء الصحيحة والهادفة، فليس لها إلّا أن تتخلف عن مواكبة الأمم المتقدمة.
الآية الكريمة تشير إلى أن العلم والأدب من الأمور الكسبية التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان في حياته عن طريق السمع والبصر والفؤاد.
فإن ما يحصل عليه الإنسان من أدب وحكمة، وعلم وحلم، إنما هو عبر ما يتعلمه ويتلقاه عن طريق سمعه وبصره وفؤاده؛ وعبر التعليم والتجربة وما أشبه، فتكوين الشخصية الاجتماعية والنفسية ـ في الغالب ـ ليس إرثاً ينتقل من الآباء إلى الأبناء، وإنما هو ناشيء عن طريق التعليم والتربية، وإن كان لعامل الوراثة التأثير المهم أيضاً.
ومن هنا يعلم ضرورة التربية للفرد، كما هي ضرورية للمجتمع، إذ أن تربية الأبناء تبدأ من خلال الأسرة، وتستمر في أجواء المجمتع ـ في المدرسة والسوق والتجمعات الاجتماعية وما أشبه ـ مما يعلم أن لكل من الأسرة والمجتمع الأثر العميق على المدى القريب والبعيد في تحديد ملامح شخصية الإنسان، لأن الإنسان يستند إليها في سنه المبكر ويعتمد عليها في شبابه وكبره، مضافاً إلى ما قد تلقاه من تعليم في صغره، وما سوف يحصل عليه من تجارب وعلوم في مستقبله.
الاهتمام بالتربية
إن من أبرز المسائل التي حازت على أهمية خاصة في الدين الإسلامي هي التربية الصحيحة في كل جوانبها والاهتمام بها؛ وذلك لما لها من أثر عميق في صقل النفس الإنسانية ورفع مستواها المعنوي، وانقاذها من مزالق الشيطان ومرديات الهوى، وكذلك في إصلاح المجتمع وسوقها نحو الخير والفضيلة والمحبة والإنسانية. فالنفس متى ما تقدمت ونمت بالإتجاه الصحيح، فلن يجد الشيطان سبيلاً للتسلل إليها؛ وإذا قال الإنسان المسلم: (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم) فإن كلامه هذا إنما يفيده فائدة تامة إذا كان قد ربى نفسه من جهة على مقاومة إغواء الشيطان ومجانبة تسويل النفس ومخالفة وساوس الهوى، ومن جهة ثانية على إطاعة اللّه وإطاعة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام).
يقول تعالى في القرآن الكريم: (إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ)(3)، فاللّه تبارك وتعالى أمر عباده بتهذيب أنفسهم، والتوكل على ربهم، وأن يتحصنوا من كيد الشيطان بصدق النية، والتوجه الصحيح إلى اللّه تعالى، وإلى رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله)، وإلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، حتى لا يجعلوا مدخلاً للشيطان إلى أنفسهم.
ولا يكون هذا إلّا بالتربية الصحيحة، من هنا إذا أردنا مجتمعاً صالحاً علينا أن نقوم بإعداد الأجيال وتربيتها تربية شرعية صحيحة.
هذا ولا يخفى، أن تأثير التربية على سلوك الإنسان يشبه إلى حد كبير توفير التربة الصالحة والظروف الملائمة لنمو النبات ورشده، وثمره وينعه. وعليه: فالاهتمام بالتربية، يعني: توفير مستلزمات التوجه الصحيح، وتهيئة البيئة الصالحة لنشوء الأفراد الصادقين والصالحين.
التربية وأبعادها الثلاثة
لقد رسم القرآن الحكيم للتربية ثلاثة أبعاد:
1- البعد الفردي. 2- البعد الأُسري. 3- البعد الاجتماعي.
يعني: إنه لم يحصر وجوب التربية على تربية الفرد لنفسه وتهذيبها فقط، وإنما أوجب عليه أن يقوم أيضا بتربية أسرته، وبتربية مجتمعه بل سائر المجتمعات بحسب الإمكان، على ما ذكره الفقهاء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح من خلال الآيات الكريمة التالية:
البعد الأول
بالنسبة إلى البعد الأول فقد قال اللّه تبارك وتعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ)(4) وهذه الآية الكريمة توجب على الإنسان تربية نفسه، فإن (عليك) اسم فعل بمعنى: الزم واحفظ، أي: احفظوا (أَنفُسَكُمۡۖ) عن الضلال والانحراف.
رُوي أن ثعلبة الخشني سأل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن هذه الآية: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّـن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ)(5) فقـال (صلى الله عليه وآله): وأمـر بالمعروف وانهَ عن المنكر، واصبر على ما أصابك، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع أمر العامة»(6).
البعد الثاني
أما بالنسبة إلى البعد الثاني (تربية الأسرة) فقد قال اللّه سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ)(7) حيث توجب هذه الآية الكريمة على الإنسان بَعد تربية نفسه أن يربي أسرته.
فإن قوله تعالى: (قُوٓاْ) أمر للجمع المذكر، من (وقى) بمعنى: حفظ، أي احفظوا (أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ) وهم عائلة الإنسان من أولاده وزوجته وإخوته ومن شابههم (نَارٗا) عن نار جهنم التي هي بهذه الصفة: (وَقُودُهَا) أي حطبها الموجب لإيقادها وإشعالها (ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ) وهما يزيدان في قوة النار لدسومة الأول وصلابة الثاني (عَلَيۡهَا) أي: المأمورون على تلك النار (مَلَٰٓئِكَةٌ) جمع ملك، وأصله من الألوكة، بمعنى الرسالة؛ لأن الملائكة رسل من قبله سبحانه إلى الأنبياء (عليهم السلام) (غِلَاظٞ) جمع غليظ، وكأن المراد غليظ القلب فلا يرحم أحداً (شِدَادٞ) جمع شديد، وكأن المراد شديد البنية والقوة، فما أراد تمكن منه (لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ) من عذاب أهل النار، فلا يرتشون ولايميلون نحو الكفار مخالفة للّه سبحانه (وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ) من قبل اللّه سبحانه، وهذا تأكيد لما سبق بأنهم لا يعصون(8).
من أحكام البُعد الثاني
ثم إن تربية الأسرة لا يعني جبرهم على شيء، بل أن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، ويهيأ لهم مقدمات ومقومات الهداية والتربية الصالحة.
قال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «لما نزلت هذه الآية: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا) جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا قد عجزت عن نفسي؛ كُلّفت أهلي! فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك»(9).
وعن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أيما رجل رأى في منزله شيئاً من الفجور فلم يغيّر، بعث اللّه تعالى طيراً أبيض، تظلّ عليه أربعين صباحاً، فيقول كل ما دخل وخرج: غيّره غيّره، فإن غيّر، وإلّا مسح رأسه بجناحه على عينيه، وإن رأى حسناً لم يره حسناً، وإن رأى قبيحاً لم ينكره»(10).
وعن أبي بصير في قول اللّه عزّ وجلّ: (قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا) قال: قلت ـ للإمام الصادق (عليه السلام) ـ: كيف أقيهم؟
قال: «تأمرهم بما أمر اللّه، وتنهاهم عما نهاهم اللّه، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك»(11).
وسُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ وجلّ: (قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا) كيف نقيهن؟ قال: «تأمرونهن وتنهونهن» قيل له: إنا نأمرهن وننهاهن، فلا يقبلن؟ قال: «إذا أمرتموهن ونهيتموهن فقد قضيتم ما عليكم»(12).
وعنه (عليه السلام) قال: «لا يزال العبد المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح، حتى يدخلهم الجنة جميعاً، حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ولا خادماً ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيء حتى يدخلهم النار جميعاً، حتى لايفقد فيها من أهل بيته صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً»(13).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لما نزلت: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا) قال الناس: كيف نقي أنفسنا وأهلينا؟ قال: اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، وأدّبوهم على طاعة اللّه». ثم قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إن اللّه تعالى يقول لنبيه (صلى الله عليه وآله): (وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ)(14) وقال: (وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا * وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا)»(15)(16).
البعد الثالث
قال اللّه عزّ وجلّ بالنسبة إلى البعد الثالث وهو تربية المجتمع:
(وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)(17).
حيث توجب هذه الآية الكريمة على الإنسان مسؤولية هداية الآخرين وتربية المجتمع تربية صالحة.
فإن اللّه تبارك وتعالى بما أنعم على المسلمين من نعمة الهداية إلى الإسلام وشرّفهم بالإيمان به، والنعمة يجب شكرها، ومن شكر هذه النعمة هو الاهتمام بهداية سائر الناس إلى الإسلام والإيمان، فإن قوله تبارك وتعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ) أي: يجب أن يكون منكم جماعة (يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ) كل خير: من الإسلام والدين والأحكام وغيرها (وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ) والمعروف كل فعل استحسنه الشرع أو العقل سواء وصل إلى حد الوجوب أم إلى حد الندب، وإنما سمي معروفاً لأن الناس يعرفونه (وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ) وهو بعكس المعروف، كل ما استقبحه الشرع أو العقل، وسمي منكراً لأن الناس ينكرونه (وَأُوْلَٰٓئِكَ) الذين يتصفون بهذه الصفات الثلاث (هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) أي: الفائزون الناجون(18).
فإذا أراد الفرد النجاح، وكذلك إذا أرادت الأمة الفوز، فعليه وعليها بإعداد الأجيال وتربيتها تربية صالحة.
واجبات في التربية
تحصل مما سبق أنه تتعلق بالإنسان في مجال التربية ثلاثة واجبات وهي عبارة عمّا يلي:
أولاً: تربيته لنفسه وتهذيبها من رذائل الأخلاق وتحليتها بالفضائل والمحاسن.
ثانياً: تربيته لأسرته وتوفير الأجواء الصالحة والمناخ المناسب داخل العائلة، ليكون نشاط أفرادها وفق الموازين الإسلامية.
ثالثاً: مسؤوليته التربوية تجاه مجتمعه، وما يصاحب ذلك من إشاعة الفضائل وتهيئة الأجواء الإسلامية، حتى يمكن للجميع الارتقاء بأنفسهم إلى سماء المكارم، ويتسنّى لهم الوصول إلى مستوى السعادة المنشودة والكمال المطلوب، ويتجنبوا من الرذائل والموبقات.
هذا ولا يخفى، أن حدوث أي خلل أو نقص في أيٍ من هذه الأبعاد التربوية الثلاثة، موجب لتعثر المسيرة الأخلاقية في المجتمع، وهبوط المستوى الأخلاقي فيه، وعندئذ علينا أن نتوقع عواقب سيئة ونتائج وخيمة، ونشوء جيل غير متماسك بالقيم والأخلاق، وذلك حسب الموازين الطبيعية. حيث إن من سنن اللّه في الكون أن يحصد الإنسان ما زرعه.
قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من زرع العداوة حصد ما بذر»(19).
وفي غرر الحكم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «من زرع شيئاً حصده»(20).
وقال (عليه السلام): «من زرع خيراً حصد أجراً»(21).
وقال (عليه السلام): «من زرع الإحن حصد المحن»(22).
وقال (عليه السلام): «من زرع العدوان حصد الخسران»(23).
وقال (عليه السلام): «كما تزرع تحصد»(24).
القرآن الحكيم ومراتب التربية
ثم إن فريضة التربية والبلاغ من النفس إلى عموم الناس ـ حسب الإمكان وحسب شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ تتدرج في خمس مراحل، كما ورد ذلك في آيات القرآن الحكيم، وهي:
1: النفس أولاً، بقوله تبارك وتعالى: (عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ)(25).
2: والأهل ثانياً، بقوله عزّ وجلّ: (قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا)(26).
3: والعشيرة ثالثاً بقوله تبارك اسمه: (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ)(27).
4: وأهل البلدة رابعاً، بقوله جلّ وعلا: (وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ)(28).
5: وأهل العالم أجمع خامساً بقوله الكريم: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ)(29)، والرسول (صلى الله عليه وآله) أسوة، وبقوله سبحانه وتعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ)(30).
التربية وعوامل التأثير
ثم إن هناك ثلاثة عوامل رئيسية لها تأثير مباشر وكبير على تربية الإنسان، وقد أشار إلى ذلك القرآن الحكيم والروايات الشريفة. والعوامل الثلاثة هي عبارة عمّا يلي:
1- الوراثة
العامل الأول في التربية: الوراثة، قال اللّه سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم على لسان نبيه نوح (عليه السلام): (وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا)(31).
أي: (وَقَالَ نُوحٞ) في دعائه على قومه قبل أن يغرقوا، يا (رَّبِّ لَا تَذَرۡ) أي: لا تدع ولا تبق سالماً (عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا) أي: أحداً يعمر الديار، أو ينزل الدار، بل عمم عقابك على جميعهم. ثم بيّن (عليه السلام) علة هذا الدعاء بقوله: (إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ) من نسل المؤمنين (وَلَا يَلِدُوٓاْ) هم بأنفسهم (إِلَّا فَاجِرٗا) يفجر ويعصي (كَفَّارٗا) كثير الكفر، يعني: أن أولادهم فاسدو العقيدة والعمل، فلا خير فيهم، وقد علم نوح (عليه السلام) ذلك من طريق الوحي(32).
فالآية الكريمة تكشف عن انتقال خصال الكفار الرذيلة، وصفاتهم الذميمة إلى أبنائهم، وذلك بحسب عامل التربية، والقرآن الكريم أشار في هذه الآية إلى العامل الوراثي قبل أن يصل إليه (مندل)(33) وغيره من علماء النفس والاجتماع، وأكدّ على أن لعامل الوراثة دوراً في انتقال التربية والأخلاق من الآباء إلى الأبناء، وأنه أول العوامل الرئيسية الثلاثة في حقل التربية، وهذا العامل أشير إليه في الكثير من أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) أيضاً.
عامل الوراثة في الروايات
ومن هذا المنطلق، نرى أن الإسلام يوصي الشابّ الذي يريد الزواج بالتعرّف على أسرة البنت التي يريد الزواج منها، والتحقيق عن أصالتها وعراقتها، ومكانتها وأخلاقها، لئلا تكون مصابة ببعض العاهات الروحية والأمراض النفسية، فتنتقل منها إلى الأبناء، ففي الخبر: أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قام خطيباً بين أصحابه وقال: «إياكم وخضراء الدمن»(34)، قيل: يا رسول اللّه، وما خضراء الدمن؟ قال (صلى الله عليه وآله): «المرأة الحسناء في منبت السوء»(35).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «توقوا على أولادكم من لبن البغية والمجنونة؛ فإن اللبن يُعدي»(36).
ويقول (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «تخيروا لنطفكم، فإن العرق دسّاس»(37).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دساس»(38).
وقد أهتم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) من أهل بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كجدّهم الرسول (صلى الله عليه وآله) اهتماماً كبيراً في بيان ما لعامل الوراثة من أثر كبير على تنشئة الأبناء وتربيتهم، حتى روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «إياكم وتزويج الحمقاء؛ فإن صحبتها بلاء، وولدها ضياع»(39).
والإمام الصادق (عليه السلام) حينما استشاره أحد أصحابه في الزواج فقال (عليه السلام) له: «انظر أين تضع نفسك، ومن تُشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك، فإن كنت لا بدّ فاعلاً، فبكراً تُنسب إلى الخير، وإلى حسن الخلق»(40).
من شواهد تأثير الوراثة
كما روي أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل (عليه السلام) ـ وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم ـ: «أنظر إلى امرأة قد ولّدتها الفحولة من العرب؛ لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا».
فقال له: تزوج أم البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها. فتزوجها (عليه السلام) (41).
وهكذا نرى الإسلام يولي اهتماماً كبيراً بعامل الوراثة، ويؤكّد على تأثيره في تربية الأبناء وتنشئتهم، وذلك من أجل حماية الأسرة والمجتمع من عوامل الانحطاط الخلقي والنزعات النفسية الشريرة.
قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «من نعمة اللّه على الرجل أن يشبهه ولده»(42).
وقال بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول اللّه ما بالنا نجد بأولادنا ما لا يجدون بنا؟! قال: «لأنهم منكم ولستم منهم»(43).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن اللّه تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقاً جمع كل صورة بينه وبين آدم، ثم خلقه على صورة إحداهن، فلا يقولن أحد لولده: هذا لا يشبهني، ولا يشبه شيئاً من آبائي»(44).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «من سعادة الرجل أن يكون الولد يعرف بشبهه وخلقه وخلقه وشمائله»(45).
وعن أبي إبراهيم الكاظم (عليه السلام) قال: «إن جعفراً (عليه السلام) كان يقول: سعد من لم يمت حتى يرى خلفه من نفسه».
ثم أومأ بيده إلى ابنه علي فقال (عليه السلام): «وقد أراني اللّه خلفي من نفسي»(46).
2- الأسرة
العامل الثاني من عوامل التربية: الأسرة، قال اللّه تبارك وتعالى في كتابه الحكيم وخطابه العظيم: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ * ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(47).
وقال عزّ وجلّ: (وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا)(48).
وقال جلّ وعلا: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ)(49).
الأسرة وآية الاصطفاء
قال اللّه سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ) أي اختار لرسالته ووحيه، وجعلهم أنبياء مرشدين (ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ) وهم الأنبياء الذين من نسله: إسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف وعيسى ومحمد (عليهم السلام) (وَءَالَ عِمۡرَٰنَ) موسى وهارون (عليهما السلام) (عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) وإنما خصّص بذلك هؤلاء الأنبياء، لكون آدم (عليه السلام) أبو البشر، ونوح وآل إبراهيم بما فيهم إبراهيم (عليهم السلام) ـ فإنه يقال آل فلان للأعم منه ومن آله ـ وآل عمران الذين فيهم الأنبياء (عليهم السلام)، هم مدار الرسالات العالمية، حال كون نوح وآل إبراهيم وآل عمران (عليهم السلام) (ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ) في أداء الرسالة ومناصرة الدين وإرشاد الناس، فإن من خرج عن دين آبائه فهو ليس منهم، كما قال سبحانه: (إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ)(50) بخلاف من اتبع آباءه (وَٱللَّهُ سَمِيعٌ) لما تقوله الذرية (عَلِيمٌ) بضمائرهم وأعمالهم؛ ولذا فضّلهم على من سواهم، إن هؤلاء الأنبياء كلهم، ذووا خصائص واحدة موروثة من جدهم آدم (عليه السلام) مما تؤهلهم لحمل الرسالة الواحدة التي هي الإسلام(51).
وعليه: فآية الاصطفاء الكريمة، وآيات أخرى في هذا المجال، تؤكد على أن للأسرة التأثير المباشر والكبير على تربية الإنسان، وأنه ثاني العوامل الرئيسية في حقل التربية، كما يقوله علماء النفس والاجتماع.
دعائم الأسرة
ثم إن دعائم الأسرة ثلاث: الأب، والأم، والأولاد، ولكل واحد من الأب والأم والأولاد حقوق وواجبات، ينبغي ذكر كل منها على حدة.
الأسرة وواجبات الوالدين
لا شك أن للأسرة ـ وخاصة الوالدين ـ الأثر البالغ في بناء شخصية الأبناء، وحملهم على العادات الطيبة، والتقاليد الجميلة، والقيم الرفيعة، والاتجاهات الحسنة، التي ينبغي لهم ملازمتها طوال حياتهم، وتطبيقها في سلوكهم الفردي والاجتماعي، كما أن لها ـ بالنتيجة ـ الدور الكبير في بناء المجتمع، وتشييد الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فالأسرة هي التي تربّي الأبناء وتعدهم للمشاركة في الحياة؛ لذا فهي مسؤولة عن تنشئة أطفالها تنشئة سليمة متسمة بالاتزان والاستقامة، والبعد عن الإنحراف والتطرف، وهذا بحاجة إلى تمهيد ممهدّات وتقديم مقدمات، منها:
أن تهيّئ جواً من الإستقرار والود والطمأنينة، والرفق والمحبة داخل البيت، وأن تبعد عنهم مظاهر العنف والخرُق، والكراهية والبغض، وأن تدرّبهم على تحمل المشاق والصعوبات؛ لأن ذلك له دور كبير في تكوينهم تكويناً سليماً بعيداً عن الأمراض الروحية، والعُقد النفسية، التي قد تسبب لهم الكثير من المشاكل في حياتهم المستقبلية، فمتى ما قام الأبوان بواجبهما تجاه أبنائهم، وأدّت الأسرة وظيفتها أمام أبنائها، وذلك من خلال التعامل معهم بحسن ولين، ورفق ومحبة، واحترام وإكرام، وتوقير وتبجيل، كان الجيل الناشيء جيلاً صالحاً وسعيداً، ويكون فخراً للآباء والأسلاف وشرفاً لهم، بينما لو لم تؤدّ الأسرة وظيفتها وانشغل الآباء عن أبنائهم، ولم يهتموا بهم وبتنشئتهم، ولا بتربيتهم وتأديبهم، فسوف يكون الجيل الصاعد جيلاً لا يحمل ـ على الأقل ـ سمات الصالحين، ولا يكون مفخرة للأسلاف، وتكون النتائج سلبية وتنعكس على مستقبل الأبناء ومصيرهم.
اليتيم: يتيم الأدب والعلم
يقول أحد الشعراء:
وإذا النساء نشأن في أمِّية --- رضع الرجال جهالة وخمولاً
ليس اليتيم من انتهى أبواه من --- همّ الحياة وخلفاه ذليلاً
فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما --- وبحسن تربية الزمان بديلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له --- أماً تخلت أو أباً مشغولاً(52)
الجمال: جمال العلم والأدب
ونقل عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
ليس البلية في أيامنا عجباً --- بل السلامة فيها أعجب العجب
ليس الجمال بأثواب تزينها --- إن الجمال جمال العلم والأدب
ليس اليتيم الذي قد مات والده --- إن اليتيم يتيم العقل والحسب(53)
إيجاز عامل الأسرة
والخلاصة: إنه ينبغي للأسرة المؤمنة وخاصة الوالدين جميعاً، أن يخصصوا جزءً من وقتهم لأبنائهم، وأن يتفقوا على برنامج معين للتربية الصالحة، وأن تكون معايير السلوك لكل من الأم والأب بالنسبة للأطفال منسقة، فلا يصح أن يرى الأب ـ مثلاً ـ أسلوباً خاصاً من التعامل مع ابنه، أو تصرفاً معيناً لابنه غير مقبول، وترى الأم بأن هذا السلوك والأسلوب هو عين الصحة!
كما أنه ينبغي للوالدين جميعاً أن يعلموا، أن الأبناء بحاجة إلى رعاية مستمرة من الوالدين لهم، وأن تكون تصرّفاتهم أمام أبنائهم منتظمة ومتوازنة، لتكون نموذجاً للإقتداء بها، فالأب ـ مثلاً ـ عندما يكون في تعامله متصلباً وفي أسلوبه خشناً مع ولده ولا يُظهر حبّه له وشفقته عليه، فإنه يدفع ابنه بطريق غير مباشر للارتماء في أحضان أمه والنفور من الأب، وبالتالي إلى التأثر بها وتقليد أساليبها النسائية. فالولد يحتاج إلى أب ذي رجولة وقوة، على أن يكون في ذات الوقت عطوفاً يحيطه بالحنان والرعاية. أما البنت الصغيرة فتحتاج إلى أن تحس بأنها أنثى، وتشعر بأن من الأفضل لها أن تكون امرأة تتمتع بالعفاف والاستقامة، لا أن تعامل معاملة الولد لتكتسب صفات الرجولة في مستقبلها، وتبتعد عن وظائفها الأنثوية.
إذن: فإن حقوق الأولاد والأبناء على الآباء والأمهات ليست محصورة في تهيئة الخبز، وتوفير الطعام، وإعداد الغداء والعشاء، وتقديم الإحتياجات المادية لهم فحسب، بل هناك لهم حقوق كبرى في ذمة الوالدين تتعلق بتربيتهم وتنشئتهم، وتهذيبهم وتأديبهم، وتوجيههم الوجهة الصالحة، وتعويدهم على الخير والإحسان، والمحبة والإكرام، وعلى كل العادات الطيبة، وتحذيرهم من الشر والعدوان، والبغض والاستهزاء، ومن كل العادات السيئة.
الأسرة في الحديث الشريف
لقد جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) في حقوق الأولاد على الوالدين ما هو في منتهى الدقة والروعة، حيث قال (عليه السلام):
«وأما حق ولدك، فتعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه ولا قوة إلّا باللّه»(54).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي، حق الولد على والده، أن يحسّن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً. وحق الوالد على ولده، أن لا يسميه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس أمامه، ولا يدخل معه الحمام.... يا علي، لعن اللّه والدين حملا ولدهما على عقوقهما. يا علي، يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما. يا علي، رحم اللّه والدين حملا ولدهما على برّهما. يا علي من أحزن والديه فقد عقّهما»(55).
وعن يونس بن رباط عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «رحم اللّه من أعان ولده على برّه»، قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: «يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به، فليس بينه وبين أن يصير في حد من حدود الكفر إلّا أن يدخل في عقوق، أو قطيعة رحم»، ثم قال (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): الجنّة طيّبة، طيّبها اللّه وطيّب ريحها، يوجد ريحها من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريح الجنة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مرخي إزاره خيلاء»(56).
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «من حق الولد على والده ثلاثة: يحسّن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ»(57).
وعليه: فعلى الأسرة المؤمنة وخاصة الأب أن يعتني بأبنائه أشد العناية، ويحيطهم بالعطف والحنان، ويقتدي بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) في ذلك.
الأسرة في سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله)
لقد كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) كثير التعلق بسبطيه الحسن والحسين (عليهما السلام) وكان يقول لفاطمة الزهراء÷: «ادعي إلي أبنيّ»، فتأتي بهما إليه، فيشمهما ويضمها إليه(58).
وروي في هذا المجال: أن الأقرع بن حابس لما رأى شدة إقبال النبي (صلى الله عليه وآله) على الحسنين (عليهما السلام) قال له: إن لي عشرة من الأولاد، ما قبّلت واحداً منهم، فقال (صلى الله عليه وآله): «ما علي إن نزع اللّه الرحمة منك!»(59).
وجاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: ما قبّلت صبياً قط، فلما ولّى قال النبي (صلى الله عليه وآله): «هذا رجل عندي أنه من أهل النار»(60).
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يرون إلّا إنكم ترزقونهم»(61).
ونظر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): «فهلا واسيت بينهما»(62).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف»(63).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء: عبد اللّه، وعبد الرحمن»(64).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «من عال ثلاث بنات، ومثلهن من الأخوات، وصبر على إيوائهن، حتى يبنَّ(65) إلى أزواجهن، أو يمتن فيصرن إلى القبور، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى. فقيل: يا رسول اللّه، واثنتين؟ قال: «واثنتين» قيل: وواحدة؟ قال: «وواحدة»(66).
وقال (صلى الله عليه وآله): «قبلوا أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين خمسمائة عام»(67).
وعن ابن عباس قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل (عليه السلام)، ومن أقرّ بعين ابن فكأنما بكى من خشية اللّه، ومن بكى من خشية اللّه أدخله جنات النعيم»(68).
عامل الأسرة وكيفية تطبيقه
روى عبد اللّه بن فضالة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) فقال: سمعته يقول: «إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرات: قل: لا إله إلّا اللّه، ثم يُترك حتى يتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: فقل: محمدٌ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) سبع مرات، ويترك حتى يتم له أربع سنين، ثم يقال له: قل: سبع مرات قل صلى اللّه على محمد وآله ثم يترك حتى يتم له خمس سنين، ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حوّل وجهه إلى القبلة، ويقال له: اسجد، ثم يترك حتى يتم له ست سنين، فإذا تم له ست سنين وعُلّم الركوع والسجود، حتى يتم له سبع سنين، فإذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفيك، فإذا غسلهما قيل له: صلّ، ثم يترك حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمت له عُلّم الوضوء وضرب عليه، وأُمر بالصلاة وضرب عليها، فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر اللّه لوالديه، إن شاء اللّه تعالى»(69).
من تطبيقات عامل الأسرة
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم على تركها إذا بلغوا تسعاً، وفرقوا بينهم في المضاجع، إذا بلغوا عشراً»(70).
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يُغفر لكم»(71).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين، وإلّا فاضرب على جنبه، فقد أعذرت إلى اللّه تعالى»(72).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لأن يؤدب أحدكم ولداً خير له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم»(73).
وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «يرخى الصبي سبعاً، ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، وينتهي طوله في ثلاث وعشرين وعقله في خمسة وثلاثين، وما كان بعد ذلك فبالتجارب»(74).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «يفرق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين»(75).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدَّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح وإلّا فإنه ممن لا خير فيه»(76).
وعنه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): الصبي والصبي، والصبي والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين»(77).
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إذا بلغت الجارية ست سنين فلا تقبلها، والغلام لا تقبله المرأة إذا جاوز سبع سنين»(78).
وعنه (عليه السلام) قال: «احمل صبيك تأتي عليه ست سنين، ثم أدّبه في الكتاب ست سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح، وإلّا فخّل عنه»(79).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «قال النبي (صلى الله عليه وآله): اغسلوا صبيانكم من الغَمَر(80)، فإن الشيطان يشم الغمر فيفزع الصبي في رقاده، ويتأذى بها الكاتبان»(81).
الأسرة وبعض آدابها
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا، وكبراؤهم أعداؤنا، فإن عاشوا فتنونا، وإن ماتوا أحزنونا»(82).
وقال النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «خمسة في قبورهم وثوابهم يجري إلى ديوانهم: من غرس نخلاً، ومن حفر بئراً، ومن بنى للّه مسجداً، ومن كتب مصحفاً، ومن خلف ابناً صالحاً»(83).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «ما سألت ربي أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة؛ ولكن سألت ربي أولاداً مطيعين للّه وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع للّه قرت عيني»(84).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «قال موسى (عليه السلام): يا رب، أي الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حب الأطفال، فإني فطرتهم على توحيدي، فإن أمتهم أدخلتهم برحمتي جنتي»(85).
الأسرة وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «الولد للوالد ريحانة من اللّه قسمها، وإن ريحانتي الحسن والحسين (عليهما السلام) سميتهما باسم سبطي بني إسرائيل: شبراً وشبيراً»(86).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «رحم اللّه من أعان ولده على برّه؛ وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين اللّه»(87).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «من قبّل ولده كتب اللّه عزّ وجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه اللّه يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دُعي بالأبوين فيُكسيان حُلتين، يضيء من نورهما وجوه أهل الجنة»(88).
وقال رجل من الأنصار لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام): من أبر؟ قال: «والديك» قال: قد مضيا. قال: «برّ ولدك»(89).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته، وسنة سنها هدىً فهي تعمل بها بعد موته، وولد صالح يستغفر له»(90).
الأسرة والتعليمات التربوية
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «لا تضربوا أطفالكم على بكائهم؛ فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه»(91).
وقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «اسقوا صبيانكم السويق في صغرهم، فإن ذلك ينبت اللحم ويشد العظم»، وقال (عليه السلام): «من شرب سويقاً أربعين صباحاً امتلأت كتفاه قوة»(92).
وقال بعضهم: شكوت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) ابناً لي فقال: «لا تضربه؛ واهجره ولا تطل»(93).
الأسرة ومنزلة الأم
لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً كبيراً، وخاصة فيما يتعلق بالروابط بين أعضاء الأسرة وعلى الخصوص الأم من بينها، ولذلك شرّع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة الواحدة، وجعل لكل فرد من أفرادها واجبات متعلقة به، تهدف إلى زيادة تماسك الروابط الأسرية، فقد اهتم بالبيت بوصفه المنبع الطبيعي للحياة الهادئة المطمئنة، وأوصى ـ مؤكداً ـ بأن تكون أجواء المحبة والتعاون هي السائدة فيه، وأمر ـ مشدداً ـ باجتناب كل ما يعكّر صفو الأجواء الداخلية ويهم سكونها وقرارها، وذلك لما فيها من عظيم الأثر على حياة الطفل وتكوينه النفسي. وتقع المسؤولية في توفير الأجواء الهادئة والمناسبة داخل البيت على الأم بالدرجة الأولى.
الأم مدرسة الأجيال
وإلى هذا المعنى أشار الشاعر وهو يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها --- أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهَّده الحيا --- بالري أورق أيّما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى --- شغلت مآثرهم مدى الآفاق(94)
أحضان الأمّهات مدارس
وأشار الشاعر الآخر إلى (الأم) أيضاً وهو يقول:
ولم أر للخلائق من محل --- يهذبها كحضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت --- بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حسناً --- بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المزايا --- كمثل ربيب سافلة الصفات(95)
الزوجة الصالحة هي: أم صالحة
روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): أن شخصاً جاءه قائلاً له: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؛ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك اللّه هماً!
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال اللّه، ولكِ في كل يوم أجر سبعين شهيداً»(96).
وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: كنا جلوساً مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال: فتذاكرنا النساء وفضل بعضهن على بعض، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بخير نسائكم؟».
قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا؟
قال: «إن من خير نسائكم: الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان مع غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها، ولم تبذل له تبذل الرجل»(97).
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»(98).
وقال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «خير نساءكم الطيبة الريح، الطيبة الطبيخ، التي إن انفقت أنفقت بمعروف، وإن أمسكت أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمال اللّه، وعامل اللّه لايخيب، ولا يندم»(99).
من حقوق الأم
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أما حق امك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لايعطي أحد أحداً، ووَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتْك الحر والبرد، لتكون لها، فإنك لاتطيق شكرها إلّا بعون اللّه وتوفيقه»(100).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول اللّه من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك»(101).
الأم: الحجر الأساس في التربية
إذن فأحضان الأم هي المدرسة الأولى في التربية، وتُعرف بأنها الحجر الأساس الأول في بناء شخصية الطفل وتحديد اتجاهاته وميوله، فالأم أكثر صبراً وتحمّلاً على تربية أبنائها، وأكبر دراية وبراعة في تنشئتهم، وذلك لما أودعه اللّه تعالى فيها من دافع فطري نحو أطفالها، ولأنها ـ بسبب تواجدها الدائم بالقرب منهم، تكون أعرف بطبيعتهم وصفاتهم، وميولهم ونفسياتهم، وأبصر بالوسائل التي تنفع في توجيههم وإرشادهم وهدايتهم وإصلاحهم.
ومن هذا المنطلق تكون مسؤولية الأم كبيرة، ووظيفتها ثقيلة؛ تستدعيها الاهتمام الدائم بكل الأمور التي تخص أبناءها وتتطلب منها الاعتناء المستمر بجميع ما يرتبط بهم من معاملتهم بصورة متساوية، وبالشكل المناسب، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وبالصورة اللائقة، ومن تربيتهم على احترام الكبار وإكرامهم، وإيقافهم على معرفة مقام أبيهم ولزوم احترامه.
كما أنه ينبغي لها أن تربي بناتها على العفة والطهارة، وعلى ارتداء الحجاب والستر، وعلى الالتزام بأوامر الإسلام وأحكامه.
والأم التي تقوم بتأدية هذه الوظائف والواجبات بالصورة الصحيحة، وبالشكل اللائق، هي التي يكرمها الإسلام ويعزّها، ويرفعها إلى أعلى الدرجات، وأرقى المستويات، ولذا ورد في الحديث الشريف عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله): «الجنة تحت أقدام الأمهات»(102). فالجنة قريبة من الأمهات اللاتي يؤدين دورهن بالشكل الأحسن، ويقمن بواجبهن على الوجه الأتم، تجاه البيت والأبناء، لنيل رضا اللّه سبحانه وتعالى.
التأدّب مع الأم
ومن أجل ذلك نرى أن اللّه سبحانه وتعالى جعل للأمهات على الأبناء حقوقاً أكثر... في مقابل ما جعله على الأبناء تجاه الآباء؛ وذلك لما تعانيه الأمهات في طريق ما تقدمه من خدمات للأبناء.
يقول إبراهيم بن مهزم: خرجت من عند أبي عبد اللّه (عليه السلام) ليلة ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة، وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها، فلما أن كان من الغد صليت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فلما دخلت عليه فقال لي مبتدئاً:
«يا أبا مهزم! مالك وللوالدة: أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته»!
قال: قلت: بلى.
قال: «فلا تغلظ لها»(103).
الأسرة وواجبات الأولاد
سبق أن أشرنا ـ بصورة مختصرة ـ إلى بعض ما يتعلق بالآباء والأمهات من واجبات ووظائف تجاه أبنائهم وأولادهم، وينبغي لنا الآن أن نقف وقفة سريعة أيضاً عند وظائف وواجبات الأبناء تجاه الوالدين.
توصية القرآن بالوالدين
قـال اللّه سبحانه وتعالى فـي كتابـه الحكيم وخطابه العظيم: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا * وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا)(104).
قبس من الآيتين الكريمتين
في الآيتين الكريمتين نهى اللّه عزّ وجلّ عن الشرك في العبادة كما نهى اللّه سبحانه وتعالى عن الشرك في العقيدة حيث قال: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ) أي: أَمَرَ أَمْرَ إلزام وفرض (أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ) أيها البشر ـ أصله (أن لا) أدغمت النون في اللام، لقاعدة (يرملون)(105)ـ (إِلَّآ إِيَّاهُ) فالعبادة خاصة برب العالمين، وهي مشتقة من (عَبَد) أي الإتيان برسوم العبودية فإن عزّ الإنسان أن يكون للّه عبداً(106) (وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ) أي: قضى ربك أن تحسنوا إلى الوالدين، وهما الأب والأم، والإحسان فوق العدل، ثم بيّن سبحانه لزوم الإحسان في حال كبرهما، لأن الإنسان ـ عادة ـ إذا كبر يسيئُ خلقه، ويكثر طلبه، ومن طرف ثان: إن الولد ـ كما هو عادة كل إنسان ـ إذا كبر ورشد، رأى نفسه في غنى عنهما، فكان مقتضى عدم الإحسان إليهما موجوداً عنده من جهتين؛ ولذا يخص سبحانه هذه الحال بالذكر، وقد قال بعض العارفين: إن أباك وأمك أحسنا إليك، وهما يريدان بقاءك ويهفو قلبهما إليك، وأنت تحسن إليهما ـ إن تحسن ـ وأنت ترى استغناك عنهما، فلا يبلغ إحسانك إحسانهما مهما أحسنت. وليعلم الولد، أن الدار دار مكافات، فمن أحسن إلى أبويه أحسن أولاده إليه، ومن أساء إليهما اساؤوا إليه، (إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ) أيها الولد، و(إمّا) أصله (إن ما) دخلت ما الزائدة على إن الشرطية للتزيين (ٱلۡكِبَرَ) الشيخوخة والكثرة في السن (أَحَدُهُمَآ) أي: أحد الأبوين، وهو فاعل (يَبۡلُغَنَّ) والكبر مفعوله، أي: إن عاش أحدهما (أَوۡ كِلَاهُمَا) عندك حتى كبرا، وبلغا مبلغاً كبيراً من العمر (فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ) وهي كلمة تستعمل عند الضجر، فقول مثل هذه اللفظة البسيطة، منهي عنه في الشريعة، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لو علم اللّه لفظة أوْجَز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى بها»(107).(وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا) النهر هو الزجر بإغلاظ وصياح، أي: لاتزجرهما، وإن أرادا منك شيئا لا تطردهما، كما قال سبحانه: (وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ)(108) (وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا) أي: خاطبهما، وتكلم معهما بكلام لطيف حسن جميل. (وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ) فكما أن فرخ الطائر يخفض جناحه لأبويه، تذللا وخضوعاً، فافعل أنت ذلك بأبويك (مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ) أي: اعمل هذا العمل من جهة الرحمة، والعطف بهما، لا كالطائر الذي يفعل ذلك من جهة طلب الغذاء؛ فإن الإنسان قد يتواضع رحمة، وقد يتواضع طمعاً أو طلباً أو ما أشبه (وَقُل) داعياً لهما (رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا) تفضّل عليهما باللطف والكرامة (كَمَا رَبَّيَانِي) أي: جزاء تربيتهما لي في حال كوني (صَغِيرٗا) فإنك يا رب أجزهما على أتعابهما، فإني لا أقدر على جزائهما، وفي الآثار الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) كثرة مدهشة من التأكيدات العجيبة حول الوالدين وخصوصا الأم(109).
عامل الأسرة ملخصاً
إن اللّه تبارك وتعالى، قد قرن وجوب طاعة الوالدين بطاعته جلّ وعلا، وأوصى الأبناء بالوالدين إحساناً، وأمرهم بالعمل بما يُرضي الوالدين، ويُرسخ الرضا في نفوسهم، وأن يقوموا بخدمتهم وإكرامهم، وشكرهم واحترامهم، وذلك بكل ألوان التكريم والخدمة، والاحترام والرعاية، مما يدل على أن رعاية احترام الوالدين وطاعتهم، والقيام بخدمتهم وإكرامهم، وخاصة بالنسبة إلى الأم، تمثل العناصر الأساسية في التربية الإسلامية والتنشئة الإيمانية، تلك التربية الهادفة إلى تماسك المجتمع وشدّ أواصره، وذلك على أساس من المودة والرحمة المتقابلة، والصفاء والاحترام المتبادل، فالأولاد إذن مسؤولون شرعاً وأخلاقاً عن رعاية حقوق الوالدين وخاصة الأم جزاءً لأتعابها الكبيرة، وعنائها العظيم، الذي تحملته في سبيل تربية الأولاد وتنشئتهم.
الحديث الشريف والبر المتقابل
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إنما سمي الأبرار أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء والإخوان»(110).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يقول: خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، يقول اللّه عزّ وجلّ: لأنتقمن لك ولو بعد حين، ودعوة الولد الصالح لوالديه، ودعوة الوالد الصالح لولده، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب فيقول: ولك مثله»(111).
وعن جابر قال: سمعت رجلاً يقول لأبي عبد اللّه الإمام الصادق (عليه السلام): إن لي أبوين مخالفين. فقال: «برهما كما تبر المسلمين ممن يتولانا»(112).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم، وعفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم»(113).
وعن معمر بن خلاد قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أدعو لوالدي إذا كانا لا يعرفان الحق(114)؟ قال: «ادع لهما، وتصدق عنهما، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحق فدارهما؛ فإن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال: إن اللّه بعثني بالرحمة لا بالعقوق»(115).
الأم في الحديث الشريف
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة»(116).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «إذا كنت في صلاة التطوع فإن دعاك والدك فلا تقطعها، وإن دعتك والدتك فاقطعها»(117).
وروي أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وآله): يا رسول اللّه، أيّ الوالدين أعظم؟ قال: «التي حملته بين الجنبين، وأرضعته بين الثديين، وحضنته على الفخذين، وفدته بالوالدين»(118).
وقيل: يا رسول اللّه، ما حق الوالد؟ قال: «أن تطيعه ما عاش» قيل: وما حق الوالدة؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «هيهات هيهات، لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا، قام بين يديها، ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها»(119).
وقال رجل لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إن والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن، أحملها على ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذى بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي، استحياءً منها، وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟ قال: «لا؛ لأن بطنها كان لك وعاءً، وثديها كان لك سقاءً، وقدمها لك حذاءً، ويدها لك وقاءً، وحِجرها لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنى حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(120).
وقيل للإمام زين العابدين (عليه السلام): أنت أبر الناس، ولا نراك تؤاكل أمك! قال: «أخاف أن أمد يدي إلى شيءٍ وقد سبقت عينها عليه، فأكون قد عققتها»(121).
وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «واعلم، أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجبها؛ لأنها حملت حيث لا يحمل أحد أحداً، ووقت بالسمع والبصر وجميع الجوارح، مسرورةً مستبشرةً بذلك، فحملته بما فيه من المكروه والذي لا يصبر عليه أحد، ورضيت بأن تجوع ويشبع ولدها، وتظمأ ويروى، وتعرى ويكتسي، ويظلّ وتضحى، فليكن الشكر لها، والبر والرفق بها على قدر ذلك، وإن كنتم لا تطيقون بأدنى حقها إلّا بعون اللّه، وقد قرن اللّه عزّ وجلّ حقها بحقه، فقال: (ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ)»(122)(123).
3- البيئة الاجتماعية
العامل الثالث من عوامل التربية: البيئة الاجتماعية، قال اللّه تعالى في كتابه الكريم عن لسان خليله إبراهيم (عليه السلام): (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا)(124).
وقال عزّ وجلّ: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ)(125).
وقال سبحانه: (تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ)(126).
البيئة وآية الأمان
قوله تعالى: (وَ) أي اذكر يا رسول اللّه (إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ) في دعائه للّه تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا) البلد وهو مكة التي بني فيها البيت (ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) عن الأخطار، أو محكوماً بحكم الأمن حكماً شرعياً(127).
البيئة وآية المُكنة
في هذه الآية الكريمة يمدح اللّه تعالى الذين إن كانت لهم سُلطة في الأرض مهدّوها لإصلاح الناس وإسعادهم، فجعلوا فيها البيئة الصالحة، وذلك بإقامة ما أمر اللّه به عليها.
قال اللّه سبحانه: (ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) بأن كانت لهم المكنة والسلطة (أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) أي: أدّوها بحقوقها وآدابها وشرائطها (وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ) أعطوها إلى من يستحق حسب موازينها الشرعية (وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ) وهو كل شيء أمر به الشرع أو العقل إيجاباً أو ندباً (وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ) وهو كل شيء نهى عنه الشرع أو العقل تحريماً أو تنزيهاً... (وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) أي: إن اللّه يرث الأشياء، فالعاقبة والخاتمة له، وهذا وعد للمؤمنين وإيجاد أمل فيهم(128).
البيئة وآية المصلحين
قال في (مجمع البيان) عند تفسير الآية الكريمة: (تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ...) روى زاذان عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو دال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمرّ بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ (تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس(129).
إذن: فالآيات الكريمات في هذا المجال تؤكد على أن للبيئة التأثير المباشر والكبير على تربية الإنسان، وأنه ـ بحسب ما قاله علماء النفس والاجتماع ـ ثالث العوامل الرئيسية في حقل التربية.
إن الأنبياء (عليهم السلام) والسائرين على نهجهم يحاولون خلق الأجواء المناسبة والمناخ الصالح في البيئة، لحمل الذين يعيشون في تلك البيئة على الصلاح والفلاح، وعلى الفوز والنجاح. كما هو واضح لمن راجع سيرتهم الطاهرة.
المراد من عامل البيئة
ونعني بالبيئة هنا الأجواء الاجتماعية، والمناخ السائد من حيث علاقة أفراد المجتمع وجماعاته بعضهم مع بعض، في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وما إلى ذلك.
إن استقرار البيئة الاجتماعية على الخير والبرّ، وعلى الأخلاق والآداب الإسلامية، لها دخل كبير في استقامة سلوك الأبناء؛ فالبيئة الاجتماعية والمناخ الاجتماعي، تتحمل في الدرجة الثالثة بعد عامل الوراثة وعامل الأسرة، مسؤولية أيّ انحطاط أو تأخر تربوي يصيب أبناءها، فاستقرارها على البرّ والخير، وعلى الاحترام والإكرام من أهم الأسباب والعوامل المؤثرة في تماسك وبناء شخصية الأجيال، وإبعادها عن جميع أشكال الشقاء والدمار، ومن كل أنواع البؤس والحرمان، ممّا تجعل الجيل يشعر أنه يعيش في عالم مرتبك ومتناقض، مليء بالغش والخداع، وبالتوتر والشقاء، وهو يرى نفسه أنه مخلوق ضعيف، لا حول له ولا قوة تجاه وضعه الاجتماعي المتوتر والمضطرب.
اهتمام الإسلام بالبيئة الاجتماعية
لقد اهتم الإسلام كثيراً في أمر البيئة الاجتماعية وإصلاحها، فكان يهدف لأن تسود فيها القيم الإنسانية الراقية من العدل والإنصاف، والحق والمساواة، وأن تنعدم منها مظاهر الفساد والعنف، والظلم والأنانية، وأن تكون مستقرة خالية من الفتن والإضطرابات، لأن لهذا الجانب تأثيراً مهماً مباشراً على اكتساب الفرد العادات الطيبة، والأخلاق الحسنة من خلال العلاقات والصداقات، وهي من العوامل المؤثرة شديداً، والتي تنقل بسرعة فائقة عادات الأفراد واتجاهاتهم، وميولهم وطباعهم إلى الآخرين.
وبهذا الخصوص حثّ الإسلام على ضرورة إصلاح البيئة ووعد عليه الأجر والثواب، وحذّر في المقابل من إفساد البيئة وتوعد عليه العذاب والنيران. قال اللّه تعالى: (وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا)(130).
كما وأكدّ الإسلام على مجانبة الأشرار والمفسدين من جهة، وحرّض من جهة ثانية على مصاحبة الأخيار والمتدينين ومرافقة ذوي الشرف والاستقامة؛ حتى يكسب الفرد منهم حسن السلوك ومكارم الأخلاق.
البيئة الاجتماعية في الروايات
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أحسن مصاحبة الإخوان استدام منه الوصلة»(131).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً: «خير الأصحاب أعونهم على الخير، وأعملهم بالبر، وأرفقهم بالمصاحب»(132).
ويقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في وصيته لجنادة: «... وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك. وإن قلت صدّق قولك، وإن صُلت شدّ صولك، وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتدأك»(133).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «استرعوا دين اللّه بالرغبة في مصاحبة العلم وأهله قبل انتقاض عراه». قال عبد الرحمن بن الحجاج: كيف ينتقض عراه يا ابن رسول اللّه؟ قال: «إذا مات العالم انتقض عراه، وبقي الناس كالغنم لا راعي لها فضل مرعاها، ولا تهتدي مأواها»(134).
وروي أن لقمان الحكيم قال لابنه: «يا بني، إياك ومصاحبة الفساق، هم كالكلاب، إن وجدوا عندك شيئا أكلوه، وإلّا ذموك وفضحوك، وإنما حبهم بينهم ساعة. يا بني، معاداة المؤمن خير من مصادقة الفاسق(135). يا بني، المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتطلب عليه ويرضى عنك، والفاسق لا يراقب اللّه فكيف يراقبك؟!»(136).
وقال نبي اللّه سليمان (عليه السلام): «لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا من يصاحب، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه، وينسب إلى أصحابه وإخوانه»(137).
تلخيص عامل البيئة
وعليه: فإنه ينبغي للمؤمنين أن يسعوا جميعاً لتوفير البيئة السالمة والمستقرة، وأن يختاروا أصدقاءهم وجلساءهم ممن يتسمون بالأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، والذين تتوفر فيهم الصفات التي أشار إليها الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وينبغي لهم أن يكونوا حذرين من مصاحبة المنحرفين في أخلاقهم وسلوكهم؛ لأنهم سيشكلون عامل انحراف يدفع باتجاه الأثم والفساد، وعلى المؤمنين أن يراعوا هذه المواصفات في رسم وتحديد علاقات أبنائهم وأفراد أسرتهم في المجتمع؛ ليكسبوا الأخلاق الحميدة والعادات الحسنة، ويتجنبوا مزالق الانحراف ومهاوي الفساد.
التأكيد على مصاحبة الأخيار
وفي ما يخص صحبة الأخيار يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ليس شيء أدعى لخير وأنجى من شر، من صحبة الأبرار»(138).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: «صحبة الولي اللبيب حياة الروح»(139).
وفيما يخص صحبة الأشرار ينهى الإمام (عليه السلام) عنها، لما لها من عواقب وخيمة فيقول: «صحبة الأشرار تكسب الشر، كالريح إذا مرت بالنتن حملت نتناً»(140).
ويقول (عليه السلام): «مصاحب الأشرار كراكب البحر، إن سلم من الغرق لم يسلم من الفرق»(141).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «جُمع خير الدنيا والآخرة في: كتمان السر، ومصادقة الأخيار. وجُمع الشر في: الإذاعة، ومؤاخاة الأشرار»(142).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «وأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى شعيب النبي (صلى الله عليه وآله): أني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم. فقال (عليه السلام): يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟! فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي»(143).
وقال الإمام الهادي (عليه السلام): «مخالطة الأشرار تدل على شرار من يخالطهم»(144).
التربية: مسؤولية الجميع
ظهر من هذه اللمحة المختصرة من الكلام، ما للتربية من أثر كبير في تنشئة الجيل الصالح، مضافاً إلى عامل البيئة الصالحة، مما يكشف أن مسؤولية تربية الأجيال أمانة في أعناق الجميع، بدءً من الأب والأم في محيط الأسرة الصغير، وانتهاءً بالمجتمع بصورة عامة، فجميعهم مسؤولون مسؤولية مشتركة عن رعاية الأجيال، وتوفير الأجواء المناسبة وإعداد مستلزمات التربية الصالحة لهم، وإبعادهم عن مزالق الرذيلة ومهاوي الجريمة.
يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إن اللّه تعالى سائل كل راع عمّا استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»(145).
ويقول (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «ألاكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(146).
ويقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «كل امرئ مسئول عمّا ملكت يمينه وعياله»(147).
ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه لبنيه ضمن أدعية الصحيفة السجادية: «اللّهم ومُنّ عليّ ببقاء ولدي، وبإصلاحهم لي وبإمتاعي بهم، إلهي امدد لي في أعمارهم، وزد لي في آجالهم، وربِّ لي صغيرهم،وقوّ لي ضعيفهم، وأصح لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم، وفي جوارحهم، وفي كل ما عنيت به من أمرهم، وأدرر لي وعلى يدي أرزاقهم، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك، محبين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين، آمين. اللّهم اشدد بهم عضدي، وأقم بهم أودي، وكثِّر بهم عددي، وزين بهم محضري، وأحي بهم ذكري... وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم...»(148).
خلاصة البحث
والخلاصة: إن الآيات الكريمة وكذلك الروايات الشريفة، تثبت أن المسؤولية في إعداد الأجيال الصالحة تشمل الجميع، وفي عاتق الجميع، وذلك كلاً حسب اختصاصه وموقعه.
فينبغي لكل فرد منا أن يمارس دوره في العملية التربوية داخل أسرته ومجتمعه، وأن يجعل الآخرين يتحسسون بواجباتهم ومسئولياتهم تجاه أبنائهم ومجتمعهم؛ فإن فساد أسرة واحدة، بل شخص واحد، له تأثير سلبي ولو بنسبة معينة على المجتمع كله الذي يضم الأسر الأخرى والأفراد الآخرين، وله تأثير غير محمود على معايير المجتمع السلوكية والأخلاقية التي تربط أفراده بعضهم ببعض، وقد أوضحنا أن لكل من الفرد والأسرة والمجتمع تأثيراً على سلوك الأولاد والأبناء وتوجهاتهم المستقبلية، وهذا ما يحتّم علينا أن نسعى في إصلاح أنفسنا وإصلاح مجتمعنا حتى نتمكن من إعداد جيل مؤمن ومن إسعاف الأمة الإسلامية بالأجيال الصالحة المستقيمة التي تضمن تقدمها وازدهارها، وتقضي على عوامل التخلف والتأخر في كل المجالات المادية والمعنوية.
«اللّهم، ارزقنا توفيق الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة... وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة... بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين»(149).
من هدي القرآن الحكيم
التربية الإيمانية
قال اللّه تعالى: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۢ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ)(150).
وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ)(151).
وقال عزّ وجلّ: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ)(152).
التربية والبيئة الصالحة
قال تبارك وتعالى: (وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا * يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا * لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا)(153).
وقال سبحانه: (قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا)(154).
وقال جلّ وعلا: (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ * إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ * قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ * قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ * أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ)(155).
وقال عزّ وجلّ: (وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذٗا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(156).
تزكية النفس
قال تعالى: (وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ)(157).
وقال سبحانه: (خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(158).
وقال عزّ وجلّ: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)(159).
وقال سبحانه: (وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا)(160).
المجتمع والمسؤولية التربوية
قال عزّ من قائل: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)(161).
وقال سبحانه: (وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)(162).
وقال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ)(163).
وقال عزّ وجلّ: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)(164).
من هدي السنّة المطهّرة
تزكية النفس
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «جاهدوا أهواءكم تملكوا أنفسكم»(165).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيها الناس، تولوا من أنفسكم تأديبها، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها»(166).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «صلاح النفس قلة الطمع»(167).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «إن أسلمت نفسك للّه سَلِمَتْ نفسك»(168).
وقال (عليه السلام): «أرجى الناس صلاحاً من إذا وقف على مساويه سارع إلى التحول عنها»(169).
وجاء في الدعاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهم صل على محمد وآله، وادرأ عني بلطفك، واغذني بنعمتك، وأصلحني بكرمك»(170).
تأثير الوراثة في سلوك الفرد
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق»(171).
وقال أبو جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): لاتسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يعدي، وإن الغلام ينزع(172). إلى اللبن، يعني إلى الظئر، في الرعونة والحمق»(173).
وقال أبو جعفر (عليه السلام): «استرضع لولدك بلبن الحسان، وإياك والقباح فإن اللبن قد يعدي»(174).
وقال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «لا تسترضع للصبي المجوسية... ولا يشربن الخمر، ويمُنعن من ذلك»(175).
تأثير البيئة على الفرد
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة»(176).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما كتب إلى الحارث الهمداني: «واحذر صحابة من يفيل(177). رأيه وينكر عمله، فإن الصاحب معتبر بصاحبه»(178).
وقال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم؛ فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): المرء على دين خليله وقرينه»(179).
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): سائلوا العلماء وخالطوا الحكماء، وجالسوا الفقراء»(180).
مسؤولية الآباء تجاه الأبناء
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «من حق الولد على والده ثلاثة: يحُسّن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ»(181).
وقال رجل: يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما حق ابني هذا؟ قال (صلى الله عليه وآله): «تحسّن اسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً»(182).
وقال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنهم لا يدرون إلّا أنكم ترزقونهم»(183).
وقال (عليه السلام) أيضاً: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره أمه، ويستحسن اسمه، ويعلّمه كتاب اللّه، ويطهره، ويعلمه السباحة، وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور، ولا يعلمها سورة يوسف، ولا ينزلها الغرف، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها»(184).