مقوّمات التقدّم من منظور إسلامي

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2024-10-28 06:17

(من أهم مقومات التقدم في المنظور الإسلامي روح التعاون) الإمام الشيرازي

كانت ولا تزال وستبقى الأمم تنشد التقدّم طالما كانت هناك حياة وحركة في كوكبنا هذا، ولابد أن نعترف بأننا في حالة سباق شئنا أم أبينا مع شعوب وأمم أخرى تتقاسم معنا الأرض في السكن والمأكل والارتزاق والتطور وتقاسم الثروات وإقامة العلاقات في مختلف المجالات، فنحن إذًا أمام حالة من الرهان، يصفها بعض المفكرين والأدباء (نكون أو لا نكون)، وهذا السباق ليس بمعنى الصراع والاقتتال وإنما التنافس الشريف لتحقيق الأفضل.

نحن كمسلمين، تم تحديد المسارات الصحيحة لنا حتى ننجح في تأسيس وتطوير مقومات التقدم، عبر عملية تنظيمية ومنهجية تكفّل بها الفكر الإسلامي، ووضع خارطة العمل الواضحة التي تضمن لأمة المسلمين تحقيق التقدم عبر التنافس مع الأمم الأخرى وليس التصادم أو التصارع معها، وأهم هذه المقومات التي تضعها خارطة الطريق في المنهج الإسلامي الإخلاص والعمل المستمر، مع دعم المقومات الأخرى.

لذا لابد أن نتقن خارطة الطريق هذه، وننتظم في عملنا المتناسق، وأن يكون بيننا نوع من التعاون حتى نضمن تقدم الأمة وارتقائها، وهذه الخطوات كلها تتبلور حول ركيزتين أو دعامتين هما الإخلاص والعمل، والحقيقة من لا يُخلص في عمله سيكون أول الخاسرين، ومن لا يعمل سوف يفقد فرصة الحياة الجيدة.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يذكر في أحد كتبه القيمة عنوان (التعاون والعمل)، جملة من شروط ومقومات التقدم وفق المنظور الإسلامي فيقول:

(هناك شروط ومقومات عديدة لتقدم الأمة وتطورها، من أهم هذه الشروط: الإخلاص والعمل الدؤوب).

ولو أننا دقّقنا النظر في كلا الركيزتين (الإخلاص و العمل)، سوف نكتشف من دون عناء كبير، أن الإخلاص هو الشيء الوحيد الذي يقود الإنسان أو الجماعة إلى النجاح، وأن غياب هذا المقوّم يعني الفشل الذريع في نهاية المطاف، أما المقوّم الثاني فهو الاستمرار في العمل، فمن لا يعمل لا يستحق الحياة، وهذا قانون إسلامي واضح المعالم، نجده في النصوص القرآنية الكريمة، وفي الأفكار والأحاديث النبوية الشريفة وفي روايات أهل البيت عليهم السلام.

لذا فالشعب الذي لا يخلص في عمله لن ينجح، وكذلك الفرد، أما الإنسان الكسول الخامل الباحث عن الراحة ونبذ التعب، فإنه لا يصلح للدخول في مضمار السباق الشاق للحياة، لأن الأخيرة تتطلب أن يقدم الإنسان أقصى ما لديه من جهود معنوية فكرية عقلية وعضلية، لكي يرتقي بنفسه أولا وبالمسؤول عنهم، ومن ثم يساهم بالارتقاء في شعبه وأمته.

منهج التنافس وليس التصادم

لهذا يؤكد المختصون العارفون، بأن الأمة غير المخلصة، وغير العاملة، لن تتقدم أبدًا، وهذه نتيجة واقعية لا غرابة فيها، وهي أيضا نتيجة عادلة يستحقها من لا يخلص في عمله، ومن لا يعمل أصلا بسبب خموله وكسله.

يقول الإمام الشيرازي:

(الأمة التي لا تكون مخلصة فيما بينها، والأمة الكسولة التي لا تعمل، لا تتقدم أبداً، بل تتأخر يوماً بعد يوم).

ولذلك فإن الفكر الإسلامي يقدم للبشرية الحلول المطلوبة فيما يتعلق بخارطة الطريق التي تضمن لهم التقدم في إطار العدالة والإنصاف، وليس في إطار التغالب والتصارع والاقتتال، أو عبر ضرب حقوق الآخرين، وسرقة ثرواتهم كما فعلت الدول الاستعمارية القديمة التي ضربت كل القيم الإنسانية عرض الحائط. 

وشرعت في نهب خيرات الشعوب الأخرى من دون حياء أو التزام بالضوابط الإنسانية المتفَّق عليها في الأديان، وفي الإرث الفكري الإنساني، وفي المتراكم القانوني الشرعي والوضعي أيضا، وهذه هي نظرة الإسلام التي يضع فيها الخطوات التي تقودنا إلى التقدم على الرغم من المصاعب الكبيرة التي تواجه الناس وهم في طريقهم نحو أهدافهم الكبيرة. 

لذا يقول الإمام الشيرازي:

(إن من أهم ما يضمن لنا السير في طريق التقدم هو شدة ارتباطنا بالإسلام الحنيف بكل أبعاده دون تجزئة وتبعيض، فالإسلام كلّ لا يتجزأ، وهو النهج الذي يرتقي ببلادنا صوب التقدم متحدياً كل الحواجز والعقبات).

 ومن شروط خارطة العمل نحو التطور والتقدم، هي السعي نحو ترسيخ الحرية، لاسيما في الرأي وحماية جميع الحريات، بالإضافة إلى رسم الخطوط العريضة للاستقلال بكل أشكاله ومجالاته، فليس من المعقول أن تكون حرا وفي نفس الوقت تعاني ضعف الاستقلال في قراراتك وآرائك وسياساتك، ولهذا فإن الدعم الذي يقدمه لنا الإسلام غير محدود في هذا الجانب.

لاسيما وضع الخطط اللازمة لمواجهة التيارات المعادية، نعم نحن لا نسعى للتصادم، ولكننا نتسلح بإيماننا، وبأفكارنا، وبمنهجنا السليم القويم، وباستقامتنا، لهذا نحن مسلمين لكن في نفس الوقت نمتلك الإرادة للمواجهة وحماية الحرية وبناء فرص التقدم باستمرار.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(أهمية السعي لتحقيق الاستقلال والحرية؛ فالإسلام يزودنا بسلاح الإيمان وروح التضحية والشهادة، ويحثنا على تهيئة مقومات التقدم والوقوف بوجه كيد الأعداء وردّ خططهم، وذلك عبر نشر الثقافة والوعي قبل كل شيء، ومن ثم تقوية المسلمين من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والعسكرية).

ومن المقومات الأساسية للتقدم في المنظور الإسلامي، تحقيق الاكتفاء الاقتصادي، وهذه النقطة بالذات ركز عليها الإمام الشيرازي كثيرا، صحيح نحن بحاجة إلى الأفكار والابتكار، لكننا في نفس الوقت نحتاج إلى القوة الاقتصادية التي تمكننا من الاستثمار الصحيح والسليم للفكر الإسلامي، وموجات الابتكار التي يحققها شبابنا وكبارنا خبراؤنا في مجالات التنمية.

من شروط خارطة التقدم

وهذا الاكتفاء هو الذي يحمي أمتنا من شرور التبعية للآخرين، فالتابع ليس مستقلا، وقراراته ليست مستقلة، وأفكاره ليست محمية، وابتكاراته مخترَقة، ولذلك لا يجب أن يهتم الساسة بالجانب الحربي على حساب الفكري والثقافي والتعليمي، فلا فائد في أمة قوية عسكريا وجاهلة فكريا، وهذا ما يطالب به الإمام الشيرازي حيث يقول:

إن (تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر الاقتصاد السليم الذي منه تبدأ عملية التنمية الحقيقية والاستقلال عن التبعية للشرق والغرب، حيث يجعل الإسلام كل فرد حراً في مختلف الميادين الاقتصادية، أما الاهتمام بالجانب العسكري فقط وترك الجوانب الأخرى الأهم كالجانب الثقافي والسياسي والاقتصادي وما أشبه فإنه لا ينتج إلا التأخر والدمار).

وهناك ركيزة أخرى في غاية الأهمية، تدخل في خارطة المنظور الإسلامي للتقدم والارتقاء، ألا وهي التعاون، فحين يتعاون المسلمون لتطوير قدراتهم وأفكارهم وحياتهم، فلا يستطيع مناوئ أن يتصدى لهم بالشر أو المواجهة المغرضة، لذلك لابد من بناء تنظيم اجتماعي تسوده المحبة والإخلاص والتعاون وكل القيم التي تجعل من المسلمين حماة لأنفسهم ولحقوق الآخرين. 

وقد كانت علاقات التعاون بين المسلمين مضرب أمثال عند الأمم الأخرى، حيث يعتريهم الاستغراب وهم ينظرون إلى حالات التعاضد والتعاون والتكاتف الشديد بين المسلمين. 

يقول الإمام الشيرازي

(كذلك من أهم مقومات التقدم في المنظور الإسلامي روح التعاون، والاهتمام في بناء تنظيم اجتماعي راق وسام تسود فيه الأخلاق الطيبة والتضحية وحب الآخرين وقضاء حوائجهم وما إلى ذلك من مصاديق التعاون والمحبة، وكان هذا ما يثير إعجاب غير المسلمين لما يرونه من الترابط والتآلف بين المسلمين).

الخلاصة يسعى الإمام الشيرازي في هذا الكتاب، أن يقدم خارطة ومنهج عمل للمسلمين، يسيرون في ضوئها نحو بناء أنفسهم، عبر تأسيس وتطوير مقومات للتقدم، واضحة المعالم، يمكن اعتمادها بشكل منتظم وصولا إلى نوع خالص من التعاون والتعاضد والتكافل تحقيقا للهدف الأهم لعموم أمم الأرض، ونعني به التقدم المستمر في بناء الحياة الجيدة.

ذات صلة

الحداثة العربية والشرط التاريخيضوابط الاقتباس من الثقافات الإنسانيةالتحرك الأميركي نحو لبنان: التفاوض تحت النارالمتحضرون والمتوحشون في حرب الإبادة على غزة؟ترميم الأسواق الشعبية: طمس لهوية المدن وتاريخها