الحب أساس السِلم

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2024-09-30 03:31

(من الأمور التي تزيد من محبة الآخرين لك، هي الاهتمام الصادق بهم) الإمام الشيرازي

منذ أن وصل الإنسان برحلته إلى محطة تفضيل الاجتماع على الوحدة والتشرّد والخوف، بدأ السعي لتقويض حالة التوحش ومحاصرة الصراع المخلوق في كينونته، فهو كائن يعيش الصراع في عقله وفي مشاعره وتصوراته، وقلما يستطيع المحافظة على التنافس الشريف الذي يقوّض الصراع ويقضي على مخرجاته المؤلمة.

لذلك فإن ميل الإنسان إلى الصراع موجود في طبيعته، ولا يمكن محوه من السلوك البشري، ولكن يمكن السيطرة عليه وتحويله من حالته المؤذية إلى حالة أخرى لا تمحو الصراع لكنها تشذّبه من الأذى الموجود فيه، وتحوّله إلى حالة تنافس مسموح به أو انافس مشروع، فيعيش الإنسان مع الآخرين في حالة من السلام المثمر.

يحدث هذا من خلال (الحب) الذي يُظهره الإنسان للآخرين في التعامل معهم، ونحن هنا نتكلم عن المسؤول الإداري، والمسؤول في الجوانب الأخرى، بالإضافة إلى الناس جميعهم، نتكلم عن دور الحب في جعل الناس يحبون ويحترمون المسؤول الإداري، أو المدير، أو أي إنسان يمتلك سلطة يطبقها على الآخرين لتحقيق مخرجات معينة.

لهذا يجب أن يحرص المدراء والمسؤولون بكافة أنواعهم، والحكام أيضا، على إبداء الحب الحقيقي في تعاملهم مع الآخرين، فهذا السلوك يضمن لهم انصياعا مستمرا من قبل الأقل درجة إدارية أو وظيفية منهم، وكذلك يضمن محبتهم وتأييدهم للمدراء والمسؤولين والحكام.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم، الموسوم بـ (فقه السلم والسلام، الجزء الثامن):

(إن الحب والاحترام المتبادل بين المدير والمُدار، والمسؤول والمسؤول عليه، وبين الحاكم وشعبه هو من أسس السلم والسلام الإداري، فينبغي لكل مدير أن يقوم بما يضاعف في تثبيت هذه المحبة بينه وبين من يرتبط به في إدارته، وقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: أشرف الشيم رعاية الود وأحسن الهمم إنجاز الوعد).

المعاملة الحسنة مع الآخرين

ولكي يفوز الإنسان بمحبة الناس، فعليه أن يحقق بعض الشروط في تعاملاته مع الآخرين، وفي المقدمة من هذه الشروط أو المقومات، المعاملة الحسنة مع الآخرين، فمن يريد أن يكسب الناس عليه أولا بالتعامل الإنساني الجيد معهم، مثل لطف الكلام، وبشاشة الوجه، وصدق القلب ونظافته، وعدم التناقض بين ما ينطق به وبين ما يضمره.

وقد ثبت أن المدراء والمسؤولين الناجحين هم الذين يتعاملون مع الآخرين بما يستحقونه من تعامل طيب وحقيقي، بعيدا عن الخداع، وبعيدا عن الأوامر القسرية الصارمة بدون وجه حق، هذا السلوك من المسؤول يجل العاملين تحت أمرته وإدارته ينصاعون له عن طيب خاطر ويستجيبون لأوامره، ويؤيدونه ويضحون في سبيله عن طيب خاطر، بسبب حسن المعاملة التي يتلقونها منه.

وهذا ما يؤكده الإمام الشيرازي في قوله:

(إذا أراد الإنسان أن يحبه الناس فعليه أن يواظب على أمور معينة، في المقدمة منها: المعاملة الحسنة والحسنى، لأن معاملة الفرد بأحسن مما يستحق، من أفضل الوسائل لكسب ثقته ودفعه نحو العمل والتضحية في سبيله).

كذلك من مقومات كسب تأييد الآخرين، الاهتمام الصادق بالآخرين، فالمسؤول إذا أهمل العاملين معه وتحت أمرته، لا يمكن أن يحصل على النتائج المرجوة منهم، لهذا ركّز الإسلام على الاهتمام بالناس، حين أوجب ذلك على الجميع، إذ لابد أن يكون المسلم مهتما بأخيه المسلم، فكيف إذا كان مسؤولا عليه؟

هذه النقطة يجب أن يراعيها المسؤولون وكل المدراء وعموم الناس في تعاملاتهم، يجب أن تُظهِر الاهتمام بالآخرين حتى تضمن سلامة تصرفاتهم، وكسب تأييدهم واحترامهم.

كما يرى ذلك الإمام الشيرازي عندما يقول:

(من الأمور التي تزيد من محبة الآخرين لك، هي الاهتمام الصادق بمن تديره أو تكون مسؤولا عليه، وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).

وهنالك شرط أو مقوّم آخر يُكمل ما تم ذكره في أعلاه وهو التواضع، فمن (تواضع لله رفعه)، ومن تواضع للناس كسب محبتهم، وتأييدهم واحترامهم، وثقتهم أيضا، لهذا فإن المسؤول المتواضع يصدقه العاملون معه، ويثقون به، ويستجيبون له، وينفذون قراراته عن طيب خاطر، صحيح إن القانون يلزم العامل أو الموظف بأداء أوامر المسؤول، ولكن هناك فرق بين أن تؤدي الأمر بالقوة وبين أن تؤديه بالتواضع والاحترام.

التواضع وتحقيق السلم الإداري

كما أن التواضع يُكسب الإنسان السلامة، فلا أحد يفكر في معارضته أو إلحاق الأذى به، فضلا عن أن الإنسان الذي يحترم حقوق الآخرين له شأن كبير عند الله تعالى.

يقول الإمام الشيرازي إن (التواضع من المدير من موجبات السلم والسلام الإداري. حيث قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: التواضع يكسبك السلامة. وفي تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا).

كما أن مساعدة الآخرين تعد من مقومات نجاح المسؤول، وحتى الإنسان العادي أو الذي لا يمتلك منصبا مؤثرا في حياة الناس، فالمعاونة أو المساعدة، من أهم عوامل نجاح الإنسان في حياته، لهذا نلاحظ أن الإنسان المتعاون مع الآخرين يحقق النجاحات الكبيرة دائما.

حيث يقول الإمام الشيرازي:

(من مقومات السلم الإداري إعانة غيرك في أمر دينه ودنياه. حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: من خالص الإيمان البر بالإخوان).

يُضاف إلى ما تم ذكره سابقا، لين الكلام وما يحققه من نتائج باهرة للمسؤول أو المدير أو حتى لعامة الناس، فالإنسان الذي يمتلك هذه الصفة، ويتكلم إلى الآخرين بأسلوب اللين واللطف واختيار الكلمات الجميلة المناسبة، فإنه سرعان ما يكسب تعاطفهم ومحبتهم، ويميلون إليه بسبب لين كلماته ولطف أسلوبه في التعامل معهم.

المسؤول أو المدير الإداري حين يتميز بلين الكلام، فسوف نجد أنه أفضل من غيره، فالكل ينصاع لأوامره بلا تردد ولا انزعاج، وليست هناك أية حاجة للقسر أو القوة، فالكلام اللطيف كفيل بجعل الناس يستجيبون وينفّذون بلا عراقيل ولا انزعاج.

يقول الإمام الشيرازي: (من الأمور التي تضاعف حب الآخرين للمسؤول لين الكلام، وهو يعد من مقومات السلم الإداري، حيث قال الإمام الحسن عليه السلام: من المروة لين الكلام).

وأخيرا هنالك شرط لطيف آخر، وهو يخص بشاشة الوجه، ومقابلة الآخرين بوجه متبسّم، فالمدير أو المسؤول الإداري الذي يتعامل مع الآخرين بوجه باسم لطيف بشوش، أفضل من غيره، وأكثر قدرة على كسب تأييد الآخرين ومحبتهم له.

المسؤول الذي يتبسّم بوجوه العاملين والموظفين تحت أمرته، يزيد من تمسكهم به، واستجابتهم له، على العكس من ذلك إذا كانت قسمات وجهه قاسية جافة، فإنه يفشل في كل شيء، وسرعان ما يفقد محبة الآخرين له ويفقدون ثقتهم به.

حيث يقول الإمام الشيرازي: (من شروط نجاح المسؤول التبسّم للناس، فالرجل الباسم رجل ناجح في إدارته عادة.. أما الرجل العابس فلا يوفق غالبا حتى في فتح دكان صغير).

من هنا فإن الحب يمكن أن يصنع مجتمعا مسالما، وجهازا إداريا ناجحا متعاونا، يقوم على حزمة من القيم الأصيلة الناجحة، فالمحبة تصنع التعاون وتضاعفه بين أفراد المجتمع، وبين العاملين في الدوائر والمؤسسات الحكومية وسواها، لهذا يُعد الحب من أهم المقومات التي تساعد في نشر السلم والسلام في الأجهزة الإدارية وفي المجالات الأخرى للدولة والمجتمع. 


ذات صلة

العدوان الإسرائيلي على لبنانصناعة الأجيالاستراتيجيات مواجهة العنف والعنف المضادحول التفوق التكنولوجي الاسرائيليرداءة التعليم وخدعة المعدلات العالية