عاشوراء واستقامة العقيدة الإسلامية
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2024-07-15 05:12
(لقد كانت فاجعة كربلاء بحق شديدة على أهل السماوات والأرضين والإنسانية جمعاء)
الإمام الشيرازي
من القضايا التي لا خلاف عليها أن الهدف الأسمى للنهضة الحسينية، والانطلاق في طريق الحق ورفع لواء الرفض عاليا من قبل الإمام الحسين عليه السلام، إنما هدفه الأول هو استرجاع الدين من الطريق المنحرف الذي تسبب به الطاغية يزيد، ولذلك فإن التضحية بالنفس وتقديمها قربانا في محراب الحرية كانت معدّة مسبقا من سيد الشهداء.
لأن الدم الحسيني الطهور، كان الطريق الأوحد لصيانة وحماية العقيدة الإسلامية من الانحراف، ولو أن الخنوع ظل قائما ومستمرا ليزيد، وظلمه وطيشه وجوره، لكان الإسلام معرّضا لخطر الزوال لا محالة، لهذا جاءت النهضة الحسينية لتعيد نصاب الأمور إلى وضعها الصحيح، وتجعل الإسلام والعقيدة الإسلامية في حماية تامة من خطر الانحراف.
لذا نقرأ في كتاب الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الموسوم بـ (موجز عن النهضة الحسينية):
(إن نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) المباركة كانت فقط من أجل رضا الله وإحياء واستقامة العقيدة الإسلامية والمحافظة عليها من خطر الانحراف والزوال).
اما تلك الشبهات الغريبة التي كانت تظهر من هنا وهناك على أفواه المتشككين، فإنها في الحقيقة أصوات مغرضة وخبيثة، هدفها الإساءة للنهضة الحسنية، لاسيما تلك الادعاءات التي كانت تقول وتكرر بأن السلطة كانت هدف الإمام الحسين عليه السلام، ولكن الجميع يعرف تمام المعرفة أين تربى الإمام الحسين ومن هو أبوه الذي تعالى على السلطة وأبعد نفسه عنها ربع قرن تقريبا، منشغلا بالدين والزراعة والإنتاج الذي يفيد الناس.
فالحسين عليه السلام ترعرع في المدرسة العلوية التي لا تضع للسلطة قيمة ما سوى أنها مسؤولية لا تشرف الحاكم، وإنما عليه هو أن يشرّفها، فكيف يقول المغرضون إن الحسين خرج من الحجاز طلبا للسلطة، وهو ابن علي بن أبي طالب وجده الرسول صلى الله عليه وآله الذي قاد المسلمين عشرين عاما بقيم اللين والصفح واللاعنف والحرية والحق.
الحسين أرفع من السلطة بكل مغرياتها
لقد بادر سيد الشهداء عليه السلام للتضحية بنفسه، حفاظا على دين جده وأبيه وليس احتفاء بالسلطة وتمسكا بها، وهذا أمر لا يحتاج إلى تأكيد أو نقاش، لأن العقل وقوة المنطق والشواهد والمواقف التاريخية تؤكد بما لا يقبل الشك قيد أنملة، بأن الإمام الحسين أرفع من السلطة بكل مغرياتها، بل كانت حماية الدين والعقيدة والقيم الإسلامية الأصيلة هي هدفه الأول والأخير، وكل ماعدا ذلك ما هو إلا محض شبهات تقوم على الزيف والكذب.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(لم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) له طمع في الحكومة والرئاسة الدنيوية، بل سعى مخلصاً في سبيل الله وضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم أجمعين) من أجل الدين وبقاء شريعة سيد المرسلين عليه السلام).
وحين تأكد الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الأطهار، بأن الدين الإسلامي كان يتعرض إلى هجمة تحريف شرسة من قبل الطاغية يزيد، وعندما يلغ السيال الزبى، ولم تعد الأمور قابلة للسكوت على ما يحدث، بسبب المخاطر الهائلة التي تسبب بها حرف الإسلام عن مساره المحمدي، فلم يكن هناك خيار آخر غير رفع لواء الحق والرفض والانطلاق خارج الحجاز لتصحيح حالات الزيف والرياء التي يتعرض لها الدين والعقيدة الإسلامية.
لقد أفرغ يزيد الإسلام من محتواه، وماتت شجرة الدين، هي وجذورها، وأحاط اليباس والجفاف بهذه الشجرة الكريمة، حينئذ لم يبق أمام المسلمين غير الثورة، وكان لابد أن يُراق الدم الطاهر لسبط الرسول صلى الله عليه وآله، حتى تُحمى العقيدة الإسلامية ويُصان الدين الإسلامي من هجمة الانحراف الشرسة حتى هددها الزوال، وهكذا أعاد الدم الزكي لسيد الشهداء هذه الشجرة إلى الحياة وأورقت أغصانها من جديد بعد أن سقى الدم الشريف جذورها وحما من الظمأ ومن الانحراف والزيف.
الإمام الشيرازي يقول:
(إن دين الله والعقيدة الإسلامية صارت في معرض خطر الفناء والزوال... فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وعادت شجرة الإسلام يابسة بعد موت جذورها وسقوط أوراقها، فلم يكن هناك أمل بإحيائها وإعادة الحياة إليها من جديد سوى ذلك الدم الزاكي لأبي عبد الله الحسين عليه السلام).
نعم لم يكن هناك حل سوى تقديم القربان، عبر إراقة دم الحسين عليه السلام، لتسقي شجرة الإسلام من جديد، وهذا ما حدث بالضبط في يوم العاشر من محرم، عاشوراء الثورة وانطلاق النهضة الحسينية التي صححت المسارات، وصانت الحريات، ورفعت لواء الحق عاليا، صحيح أن الحسين قدم روحه فداءً للإسلام والدين، إلا أن هذه التضحية العظيمة جاءت بحجم الهدف العظيم الذي حققته، فقد انتصر الإسلام المحمدي على الطاغية الجائر.
فاجعة الحسين لا تُمحى من قلوب محبيه
نعم ستبقى دماء الحسين حارة ساخنة إلى يوم الدين، وتبقى جمرة الألم تحرق قلوب المحبين لأهل البيت إلى يوم القيامة، وهذا بسبب حجم الفاجعة وعمقها، وبسبب ما تعرض له سيد الشهداء من محاصرة وتجاوزات همجية فاقت كل التصورات، الأمر الذي أكد ذلك الاختلاف الهائل بين الحسين وفريقه وبين الطغاة من أصحاب يزيد، وتمسكهم بالسلطة حتى آخر لحظة، على الرغم من سقوط عرشهم تلك السقطة المدويّة.
نعم فاجعة الحسين لا تُمحى ولا تبرد في قلوب محبيه والمسلمين الأصلاء، ولكن حماية الدين من الانحراف، هدف يستحق هذه الدماء الزكية، وهذا ما حدث بالفعل تاريخيا.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك حين يقول:
(لقد كانت فاجعة كربلاء بحق شديدة على أهل السماوات والأرضين والإنسانية جمعاء، ولقد فاقت كل فاجعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها إلى قيام الساعة).
كما أن الثورة والنهضة الحسينية لا يمكن أن تُحصَر في زمنها، بل تتعداه إلى العهود اللاحقة بحيث لا يمكن لأن طاغية أن يهنأ بسلطته مطلقا، لأن الحسين وفكره ونهضته تقف له بالمرصاد، لهذا السبب وجدنا ذلك العداء على مر التاريخ بين الطغاة وبين الحسين عليه السلام، فأينما يوجد طاغية يكون الحسين ندًّا له ومسقِطا إياه لا محالة.
كل الطغاة هم أعداء للحسين عليه السلام لأنه يهدد عروشهم، ليس في الدول الإسلامية وحدها ولا في التاريخ الإسلامي وحده، بل على مستوى البشرية، أينما يوجد طاغية تكون المبادئ الحسينية عنصر مواجه معه وفضح له. لهذا نجد أن النهضة الحسينية يستجيب لها كل إنسان شريف وغيور.
لهذا نقرأ في كتاب الإمام الشيرازي:
(إن صرخات ونداءات الإمام الحسين (عليه السلام) ستتردد في كل جيل فيستجيب لها كل أبي وغيور كما سيبقى اسم الحسين (عليه السلام) مظهراً للاستقامة والشجاعة والتضحية في سبيل الحرية يقض مضاجع الظالمين).
وهكذا تم استرجاع الدين من حالة التقهقر التي عانى منها في عهد الطاغية الجائر، وبدأ شجرة الدين تستعيد رونقها من جديد، وعادت تلك الشجرة إلى الحياة محاطة بالجمال حتى اصبح المسلمون في حالة من الصفاء التام، وهم يستنشقون عطر الوفاء في دينهم المعطّر بالدم الزاكي ليسد الشهداء عليه السلام.
وها أن المسلمين جميعا، في ربوع الأرض كلها، في مشارقها ومغاربها، يتطلعون إلى اليوم الذي يتوحدون فيه، تحت لواء الكلمة الحرة للإمام الحسين، وفي هديّ مبادئ النهضة الحسينية التي شعّت أضواؤها في أرجاء المعمورة كلها.
لذا نقرأ في كتاب الإمام الشيرازي نفسه:
(لقد أحيا الدم الطاهر لسيد الشهداء (عليه السلام) سبط النبي وابن علي والزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين) وأصحابه الأبرار تلك الشجرة العظيمة وأعاد لها الحياة وملأها بهجة ونضارة بحيث صار المسلمون وغير المسلمين يقطفون ثمارها المباركة وإلى يومنا هذا).