ما وظائف الموالين للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2023-03-06 05:27
تمرُّ علينا في هذه الأيام المباركة الذكرى المتوهجة أبدًا لولادة الإمام الحجة المهدي المنتظَر (عجل الله فرجه الشريف)، وفي هذه المناسبة المتميزة عند عموم المسلمين وعند الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، يُظهِر الجميع معالم البهجة والفرح، وتتصاعد موجات الأمل واحدة تلو أخرى، للسمو بالمسلمين والبشرية كلها درجات أعلى وأعلى نحو نقاء النفوس وارتقاء العقول والسمو والنمو والتطور المستمر نحو حياة تليق بالكائن البشري.
إن ظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) مسألة وقت ليس إلا، وجميع الأحاديث والروايات الشريف تؤكد هذا الظهور، الأمر الذي يشيع في نفوس الناس بهجة، وفي قلوبهم فرحة، وفي عقولهم الآمال العريضة بتغيير الواقع البشري الذي بات غير قابل للتحمّل، فقد أخذت موجات التوحش تتصاعد، وصارت السيول المادية الجارفة في تدفق هائل، مما يؤكد انحدار الجميع نحو الهاوية بعد أن غصّت الأرض بالظلم واللاعدل.
إن ظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) أمر محسوم، وهو ما يستدعي من الموالين، وممن يسير في طريق أئمة أهل البيت، أن يتصدوا للوظائف المطلوبة منهم في عصر الغيبة، وكلما كان الالتزام متينا وقويا وصادقا، كان الظهور أسرع وأقرب، وهذا يعني قرب خلاص البشرية من الأزمات والمآزق العصيبة التي تعيشها.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيّم (المعصومون الأربعة عشر عليهم السلام):
(الأخبار في الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) كثيرة لا تكاد تحصى، وهي واردة من الفريقين العامة والخاصة، ولو أردنا ذكرها جميعاً لخرج الأمر عن نطاق البحث فنقتصر على ذكر بعضها. ومنها: ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ـ وفي حديث آخر إلاّ ساعة واحدة ـ لطوّل الله ذلك اليوم أو تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
وقد أكدت شواهد وأسانيد كثيرة على الشبه الكبير ما بين الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وبين الأنبياء، وهو ما يدل على علامات كثيرة وكبيرة تؤكد حجم الدور الذي يُعهَد إلى إمام زماننا، والمهام العظيمة الكبرى التي سوف يتصدى لها في عملية ظهوره المباركة، وهذا يؤكد الوظائف الكبيرة والمستدامة الملقاة على الموالين، وأهمية الالتزام التام والحرفي بإتقان هذه المهام وتلبيتها دونما أي نقصان.
الإمام الحجة شبيه الأنبياء
إن الشبه الكبير بين إمام زماننا وبين الانبياء يثير البهجة في النفوس ويملأ القلوب بالأمل المتوقد بنور الهداية، وبالتفاؤل الذي يعم الناس وهم يباركون هذا الظهور من أجل الخلاص التام مما تعرض ولا يزال يتعرض له الناس من عذابات هائلة.
يقول الإمام الشيرازي: (الشبه بالأنبياء (عليهم السلام) حيث جمعت في الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) كثير من خصال الأنبياء (عليهم السلام) وصفاتهم وله شبه كبير بهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كونه (عجل الله فرجه الشريف) وريثاً وخليفة لهم).
وكثيرا ما يتساءل الموالون عن طول غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، وهو أمر أكده وأشار له جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا يعني إن الموالين وجميع البشر الذين يؤمنون بإمام زمانهم سوف يعيشون ظروفا صعبة وقاسية، وسوف يتعرضون لامتحان الصبر والإرادة والإيمان والتمسك بالإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) جراء فقدانهم لإمام زمانهم.
لكن عليهم الصبر المستمر والعمل بالوظائف المنوطة بهم دون تذمر أو تقصير من أي نوع كان، فقضية الغيبة أمر إلهي تجتمع فيه الحكمة الإلهية مع الفوائد الجمة التي ينتظرها الموالون المؤمنون، ولهذا فإنهم مطالبون دائما بالصبر ورباطة الجأش وقوة الشكيمة، والاستعداد المستمر للحظة الظهور التي ستعيد موازين العدل والإنصاف إلى نصابها.
يقول الإمام الشيرازي في الكتاب المذكور في أعلاه:
(عن غيبة الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) في أخبارهم الشريفة إلى طول غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وأن المؤمنين سيمتحنون بذلك، كما أشاروا إلى تلاطم الفتن بهم وشدة ما يجري عليهم من محن وصعاب جراء فقدهم إمام زمانهم).
المكانة الكبرى لإمام زماننا
وغالبا ما يتساءل المؤمنون والموالون والناس المهتمون والسائرون في طريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن الأسباب التي تقف وراء غيبة الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، بل هنالك مشككون ومخالفو يتساءلون بنوع من الريبة عن أسباب غيبة إمام الزمان، والأجوبة واضحة وموجودة لمن يسترشد بالقرآن والأحاديث والروايات الشريفة.
لقد عرف المعادون للإسلام وللمسلمين القيمة والمكانة الكبرى لإمام الزمان، وأيقنوا بأنه ربّان الخلاص، وقائد سفينة الإنقاذ البشري، وهو أمر لا يروق لهم، ولا يصب في مصالحهم ويتناقض مع تطلعاتهم، لذلك شكلوا خطرا كبيرا، فبات من الحكمة الإلهية الحفاظ على الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) من الأعداء الذين يشكلون خطرا عليه.
الإمام الشيرازي يجيب عن هذه التساؤلات بالقول:
(لماذا الغيبة؟ هناك أكثر من حكمة في غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، منها: إن الأعداء هجموا على الإمام وأرادوا قتله، وبالغيبة حفظ الله وليه. بالطبع خوفه (عجل الله فرجه الشريف) خوف تحذّر لا جبن، وإلاّ فهو أشجع الناس، ومن أهل بيت الشجاعة الذين شهد لهم التاريخ بالشجاعة والبطولة).
الإمام الغائب قادم لا محالة، ولا يوجد أدنى ريب في ذلك، وفي عصر الغيبة هذه توجد وظائف ومهام لابد أن يؤديها الموالون ويلتزموا بها، لكي يضمن المنتظرون الآملون الموالون المؤمنون النتائج العظيمة التي تسر قلوبهم، وتملأ نفوسهم بالبهجة والامتنان والسعادة، فلابد من انتظار الفرج، مشفوعا بالصبر المتوهج بالإيمان والمثابرة مع الدعاء المستمر والصادق لظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).
كذلك هناك مهام ووظائف لا يمكن أن يتناسها الموالون، أو يعرضوا عنها، ومنها الثبات على الولاية، والتمسك بالعروة الوثقى، ولن نأتي بجديد إذا قلنا إن أهم ما مطلوب من الموالين هو معرفة إمام زمانهم حق المعرفة، سيرة وخصالا ومبادئ ومضامين وقوانين تحفظ للإنسان مكانته وقيمته في هذا العالم، وبعد إنجاز وظيفة المعرفة بإمام زمانهم عليهم أن يعرفّوا به للآخرين الذين لم يتيسر لهم معرفة إمام زمانهم.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة المهمة:
(وعن وظيفتنا في عهد الغيبة، وطرح السؤال التالي: ما هي وظيفة الموالين في عهد الغيبة؟ فقد ذكرنا عدداً من الوظائف في بعض كتبنا، منها انتظار الفرج، والدعاء لتعجيله، والثبات على الولاية، والحزن لغيبته، والدعاء له، ودفع الصدقة عنه (عجل الله فرجه الشريف.. ونشير هنا إلى قسم آخر، منها: معرفة الحجة، فعلى الإنسان أولاً أن يعرف إمام زمانه، ويزداد معرفة يوماً بعد يوم، ثم يعرّف الإمام (عجل الله فرجه الشريف) للآخرين حتى يعتقدوا بولايته وإمامته).
إذًا ونحن نعيش ذكرى هذه الولادة المباركة للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، لابد أن نجدد العهد كموالين لإمام زماننا وللأئمة المعصومين (عليهم السلام)، بأننا سوف نستمر بأداء وظائفنا في عصر الغيبة على أفضل ما يكون، وإننا ملتزمون بهذه المهمة الكبيرة تمسكا بديننا، وتسريعا للخلاص من الظلم والزيف الذي صبغ وجه الأرض وجعلها تضيق بالإنسان رغم سعتها.