الصدّيقة الزهراء: سيدة نساء الأولين والآخِرين
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2022-12-05 06:31
(سمِّيَتْ الصدّيقة (عليها السلام) بـ فاطمة، لأن الله فَطَمها وفَطَم ذريتها
وفطم شيعتها من النار) الإمام الشيرازي
نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وحريّ بالمسلمين في مثل هذه المناسبات أن يستذكروا الإرث العظيم الذي تركته لنا الشخصيات الفذة في تاريخنا الإسلامي، لاسيما أولئك الذين يشكلون الامتداد الكريم للرسول محمد (صلى الله عليه وآله، وكما هو معروف، إن الزهراء البتول هي ابنة خاتم الأنبياء (ص)، وزوجة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وأم الحسن والحسين (عليهما السلام).
لقد قيل أن لكل إنسان من اسمه نصيب، واسم (الزهراء) دليل على أنها إنسانة زاهرة، صانعة للخير والسلام والعلم وكل شيء ينتمي إلى الخير، وقد خصصنا هذا المقال، للاحتفاء الربّاني والنبوي بسيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، كونها تستحق هذا الاحتفاء العظيم لمكانتها العظيمة، ولدورها الكبير في إدامة زخم الرسالة النبوية ونشرها وترسيخها.
يُضاف إلى ذلك إرثها الخطابي والبلاغي الخالد الذي وجدناه في مجموعة الخطب العظيمة التي تعود للصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، مضافا إلى ذلك نورها الذي أزهر على مرّ الأزمان، فملأ القلوب والعقول والنفوس سكينة وفضيلة واطمئنانا.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام):
(لُقبت فاطمة (عليها السلام) بالزهراء، لأن نورها كان يزهر لأهل السماوات ولأمير المؤمنين (عليه السلام) .. ولغير ذلك).
ومن ألقابها العظيمة التي تليق بريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لقب (فاطمة) وهو يتناسب تماما مع الكرامات الإلهية الكبيرة التي أغدقها عليه الله تعالى، فقد فطمها عز وجل، هي وذريتها وشيعتها من النار، وتلك كرامة ما بعدها كرامة، وهي تحمّل الشيعة وكل المسلمين مسؤولية الالتزام بالفكر العظيم للبتول عليها السلام.
فاطمة فطمتْ شيعتها من النار
بالإضافة إلى ذلك فإن أعداء فاطمة الزهراء (عليها السلام) فُطموا عن حبها وعن الجنة، إذ كيف لمن يعادي ريحانة الرسول (ص) أن يدخل نعيم الله تعالى، ولعل الناس كلهم يسعون بكل السبل التي تقودهم إلى رحمة الله وعفوه تخلصا من نار جهنم، وها هي الفرصة متاحة لهم من خلال سيدة نساء العالمين (عليها السلام).
يقول الإمام الشيرازي:
(سمّيت الصديقة (عليها السلام) بـ فاطمة، لأن الله فَطَمها وفَطَم ذريتها وفطم شيعتها من النار، ولأن الخلق فُطِموا عن معرفتها، ولأنها فُطِمت من الشر، ولأنها فُطمت من الطمث، ولأن أعداءها فُطِموا عن حبّها وعن الجنة، ولغير ذلك. عن الإمام الرضا وعن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني سميتُ ابنتي فاطمة؛ لأن الله عزّ وجلّ فَطَمها، وفطم من أحبها من النار).
كما أن فاطمة الزهراء (عليها السلام لُقِّبَت بـ (بالحوراء الإنسية)، وهذا ما أكده أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حديث ورواية شريفة أكدت هذه الصفة النبوية الكريمة، لذلك فإن السيدة الصدّقة تحمل رائحة الجنة، حتى إن أباها النبي (ص)، كلما أراد أن يشم ريح الجنة يسعى إلى ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) فيشمّها.
كما يرد ذلك في ما قاله الإمام الشيرازي في كتابه المذكور أعلاه، حيث يقول (رحمه الله):
لقد (لُقبت فاطمة (عليها السلام) بالحوراء الإنسية: لأن رسول الله (ص) قال: لما عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة (عليها السلام) ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة).
ومن ألقابها العظيمة أيضا (سيدة نساء الأولين والآخرين) وكما هو واضح، لقب كبير يؤكد المكانة العظيمة لفاطمة الزهراء (عليها السلام)، حيث يصف الرسول الأعظم ابنته (فاطمة الزهراء) على أنها (قلبي الذي في جنبي)، ما أعظم هذا الوصف، وما أكبر قيمته، فمن عرف قيمة هذا الوصف النبوي وأعطاه حقه، فإنه سوف يعرف ويؤمن بالقيمة العظيمة التي تمثلها فاطمة الزهراء لأبيها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ليس هناك أكثر وضوحا مما يقوله الرسول (صلى الله عليه وآله) في حق ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وهي التي أفنت عمرها في مقارعة الظلم وعلمته لأبنائها ذكورا وبناتا (الحسن والحسين وزينب الحوراء)، هؤلاء الأفذاذ الذين يشكلون الامتداد النبوي والعلوي العظيمين، ومن لا يعرف حكمة الإمام الحسن (ع)، وبطولة وإيثار الإمام الحسين (ع)، وصمود جبل الصبر السيدة (الحوراء زينب)؟
بضعة النبي
كما يؤكد الرسول (ص) على أن الزهراء (بضعة مني)، وهذا يعني أنها تنتمي روحا وقلبا وجسدا إلى الدوحة النبوية الخالدة، ولذلك حذر رسول الله أبو فاطمة (صلوات الله عليهما)، حذر من إلحاق الأذى بريحانته، وأعلن على الملأ انتماءها له (ص)، ولهذا فإن كل من يؤذي الزهراء يؤذي الرسول (ص)، وكل من يؤذي الرسول يؤذي الله تعالى.
هذا ما جاء في نص ما كتبه الإمام الشيرازي قائلا:
(من ألقابها (عليها السلام): سيدة نساء الأولين والآخرين، لما مرّ من الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام). ومنها: بضعة رسول الله. ومنها: قلب رسول الله. روي أنه خرج رسول الله (ص) وقد أخذ بيد فاطمة (ع) وقال (ص): من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا).
ومن أعظم الألقاب التي أُسبِغت على فاطمة الزهراء (عليها السلام) لقب أو صفة (المحدَّثة) بمعنى يحدِّثها الله تعالى وجبرائيل، من هنا جاءها لقب (المحدَّثة) وهو استحقاق الأفذاذ الذين صنعوا التاريخ الإسلامي والبشري المشرق، وليس أدل على ذلك من الإرث الخطابي العلمي الذي تركته لنا الصدّيقة الطاهرة عبر الخطب العظيمة التي جهرت بها أمام من يعاديها وفي مجالسهم التي كانت تغص بالكراهية والعداء لآل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
كما أن الزهراء (عليها السلام) كانت محدَّثة من الملائكة، كما كانوا يحدّثون السيدة (مريم بنت عمران، وهذا هو الاحتفاء الأعظم بمن تستحق هذا الاحتفاء الإلهي والملائكي، لأسباب معروفة، وفضائل مقرونة بشخصها واسمها وإرثها، وما قدمته من بلاغة عظيمة وأفكار ومبادئ خالدة عبر الخطب المتفرّدة التي حملت مبادئ أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومبادئ شريك حياتها الإمام علي سيد البلغاء (عليه السلام).
الإمام الشيرازي يؤكّد على إن فاطمة الزهراء (عليها السلام):
(لُقِّبتْ بالمحدَّثة، بالفتح: لأن الله كان يحدّثها وكذلك جبرائيل والملائكة. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما سُمّيت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران).
في الخلاصة ونحن نستذكر استشهاد سيدة نساء العالمين، البتول، الصدّيقة الطهرة، المحدَّثة، الحوراء، فاطمة الزهراء (عليها السلام)، حريّ بنا أن نطّلع على إرثها الخطابيّ، وعلى الأفكار النورانية التي تحملها، كما علينا فهمها وتعليمها وتوصيلها لمن لم تصل إليه، مثلما علينا العمل بالمبادئ التي ركّزت عليها في خطاباتها، ومنها مقارعة الظلم وفضح الظالمين الجائرين الفاسدين بلا خوف منهم، وبكل الوسائل المتاحة.