لماذا نعاني من أزمة أخلاق؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2022-06-20 07:29

(حين لا تصل يد الإنسان إلى ما يبتغي مادّيا، تتوتر أعصابه وتسوء أخلاقه)

الإمام الشيرازي

كثيرة ومتنوعة تلك الأزمات التي يمكن أن تُضعِف عوامل التماسك الاجتماعي، وتحيل المجتمع إلى نوع من الفوضى والتنازع الذي لا يتوقف، وتشير زيادة المشاكل والنزاعات في المجتمع، إلى بوادر أزمة أخلاقية خطيرة، فالإنسان الذي تسوء أخلاقه، تضيع لديه القيم الجيدة، والصفات الحميدة، ولا يعترف بالقوانين ولا بالأعراف الاجتماعية.

لذلك يحذر الفلاسفة والعلماء الاجتماعيون وغيرهم، من ضعف أو تدهور الأخلاق عند الإنسان فردا كان أو مجتمعا، لأن أزمة الأخلاق تعني انتشار الظلم، وغياب الإنصاف، وزيادة النزاعات الفردية والجماعية، وقلة في المروءة والشهامة، وعدم تفكير الإنسان بحقوق غيره، وحصر كل جهوده في تحصيل الغنائم والملذات وكنز الأموال بكل السبل.

حين تقل الأخلاق تزداد النزاعات والمشاكل، وهو ما نلاحظه في المجتمعات والشعوب التي خسرت أخلاقها، كما أن المسؤولين فيها لم يفكروا في بناء قواعد أخلاقية تحمي المجتمع من الشراهة المادية، لهذه الأسباب وسواها ازدادت النزاعات بين مكونات المجتمع، بدءا من الأسرة صعودا إلى التكتلات الاجتماعية الكبيرة، وما يحدث اليوم من نزاعات بين بعض العشائر خير دليل خير دليل على ضعف التماسك الاجتماعي.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه لله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (الأزمات وحلولها):

(من أخطر الأزمات في المجتمع أزمة الأخلاق، فإن الأخلاق العامّة صارت سيئة، ولذا كثر النزاع في مختلف طبقات المجتمع، من الأسرة الصغيرة الى التكتلات الكبيرة).

إن أزمة الأخلاق هي المحرّك الأقوى الذي يقف وراء جميع المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، فضعف الأخلاق ينتهي إلى مشادّات ومعارك مختلفة، تجعل من الناس في حالة خطيرة ومؤذية من التوتر المستمر، وهذا التوتر بدوره يحصل بسبب اللهاث المحموم والسباق الهائل بين الناس على المكاسب المادية التي تتسبب بحدوث صدامات ونزاعات هائلة فيما بينهم، فكل منهم يريد كل شيء له حتى لو تم ذلك بطرق غير صحيحة.

المهم عند الناس أن يحصلوا على الغنائم بأية طريقة كانت، مع عدم التفكير بالأضرار التي تُلحَق بالآخرين، وعدم مراعاة حقوقهم ولا مشاعرهم، فالإنسان اليوم يعيش كأنه الوحيد على الأرض، ويفكر أن يستحوذ على كل شيء له ولذويه، أما الآخرون فلا تعنيه حاجياتهم ولا حقوقهم ولا مشاعرهم، وهذا يضاعف من الأزمة الأخلاقية التي تعصف بالمجتمع، وتجعله يعاني من أزمات وصراعات ونزاعات هائلة.

القيم الأخلاقية كصمّام أمان

هذا يدل بلا أدنى شك بأن القيم الأخلاقية هي صمام الأمان الذي يحمي المجتمع من الانحدار نحو القيم والسلوكيات الضالة، ولذلك يذكّر الإمام الشيرازي بخطورة أزمة الأخلاق، ويحذر الجميع منها، فكل الأزمات من الممكن معالجتها والتصدي لها، لكن أزمة الأخلاق تضرب البنية الاجتماعية من الجذور، وتخلخل البناء والتماسك المجتمعي، وتعرضه للهشاشة وعدم الاستقرار بصورة دائمة قد تؤدي به إلى الانهيار.

لا يمكن أن تسيطر الأنانية على الجميع، ومن العيب السماح بانتشار هذه الظاهرة، لأنها تؤدي بالنتيجة إلى فقدان التوازن الاجتماعي، من خلال ظهور التفاوت الطبقي بشكل كبير، فكل فرد يريد أن يستحوذ على كل شيء ويحرم الآخرين منه، ولا تعنيه كيفية الحصول على ذلك وهل هي شرعية أو خلاف ذلك، المهم بالنسبة له أن يحصل هو فقط على ما يريد!!

لهذا يقول الإمام الشيرازي:

(أسباب المشاكل الاجتماعية كثيرة، ولكن أكبرها هو توتر الأعصاب بسبب إرادة كل إنسان كي يحوز على أكبر قدر من المال والجمال ومباهج الحياة، حتى لو تم ذلك عن الطرق غير الشرعية، حتى يسبق الآخرين في كل شيء).

منظومة الأخلاق وحدها تغني الإنسان وتحميه من الانزلاق في متاهة الشراهة المادية، فالإنسان غير المحصّن بالأخلاق يخطط ويسعى للحصول على مغانم مادية لا حدود لها، وحين يعجز عن ذلك لسبب أو لآخر سوف يُصاب بالتوتر، وتسوء أخلاقه أكثر فأكثر، وتنعدم لديه القيم بسبب غياب أو ضعف القواعد الأخلاقية التي يجب أن يستند إليها في جميع أعماله وسلوكياته، لذلك تسوء أخلاقه أكثر ويشعر بالغبن مع أنه ليس صاحب حق!

وتقل قناعته بشكل كبير، وفي نفس الوقت تزداد شراهته المادية بشكل كبير، فيريد أن يحصل على كل شيء من دون أن يعنيه حق الآخرين بالمساواة معه، فهو لا يرى سوى نفسه، ولا يفكر بمن يعيش معه في هذا المجتمع ولا المكان الذي يجمعه بالآخرين، غايته الفوز والربح بكل شيء، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

كيف يفكر معدومو الأخلاق؟

بهذه الطريقة يفكر معدومو الأخلاق، ولا يعنيهم سواءً عاش الآخرون أو ماتوا، أو ماذا أكلوا وماذا شربوا وماذا لبسوا وكيف هي معيشتهم؟، فيكون الطمع مرافقا لهؤلاء الذين يفتقدون للأخلاق والقيم ولا تعنيهم بشيء، فعدم الوصول للهدف المادي تصيبه بالتوتر، ومن ثم الشعور بعدم القناعة والسخط وعدم الرضا، ومن هنا يبدأ الانحدار المادي الخطير.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:

(حين لا تصل يد الإنسان إلى ما يبتغي من أهداف وأمور معظمها مادية، تتوتر أعصابه وتسوء أخلاقه، ويؤدي ذلك إلى عدم الرضا بالقسمة، والاتِّصاف بعدم القناعة، وقد ورد في مقولة معروفة: (عزَّ من قنع وذلَّ من طمع).

هناك أسباب أخرى تقود الإنسان إلى النتائج نفسها، منها حين يكون محكوما بالقمع والإكراه، ففي ظل الأنظمة القمعية يصبح الإنسان في حالة توتر مستمرة ومؤذية جدا، تقوده بالنتيجة إلى الانحراف بأشكاله المختلفة، مما ينعكس على طبيعة حياته الفردية والأسرية، بل وينعكس ذلك على المجتمع أيضا، حين تتحول قضية ضعف الأخلاق من حالة فردية إلى مجتمعية جماعية تنتهي بالمجتمع نحو مستنقع الرذائل.

ومع قلة الأخلاق وضعفها، يتحول الإنسان من الخير إلى الشر، ومن الصلاح إلى الفساد، وبهذا يكون عاملا مساعدا على تدمير المنظومة الأخلاقية ليس لنفسه وعائلته فحسب، وإنما يمتد ذلك ليؤثر في الآخرين أيضا.

كما نلاحظ في قول الإمام الشيرازي:

(من الأسباب التي تؤدي إلى عدم تمكن الإنسان من توفير حاجياته، كثرة القيود، والاستبداد، والقمع، وأساليب الإكراه وما أشبه، وهذا يقود بدوره إلى توتر الإنسان وقلقه أيضا، مضافاً إلى جملة من المشاكل السابقة التي تساهم في انحراف الأخلاق عن موازينها).

وهنا يظهر الدور الخطير للاستبداد في تدمير المنظومة الأخلاقية للمجتمع، فالنظام المستبد لا يريد مجتمعا صالحا، متماسكا، متكافلا، متعاونا، متعلّما، وإنما يريد مجتمع ضعيف الأخلاق حتى تسهل مهمة الهيمنة عليه، ولدينا أمثلة سابقة وحالية عن هذا التوصيف، فالمجتمعات غير الأخلاقية، وغير المتماسكة، وغير المؤمنة، سهلة التحكم وسريعة الانصياع والقبول بالاستبداد والقمع.

تقوم الأنظمة المستبدة والفاسدة بمحاربة الأخلاق، بل تعلّم الناس على أساليب لا أخلاقية وعدم احترام المسؤولية، فتصنع التوتر الذي يصنع بدوره النزاعات والصدامات بين الناس، فيسودهم الضعف وقلة الأخلاق، ومن ثم سهولة القيادة والانصياع.

يقول الإمام الشيرازي:

(إن بعض الحكومات الاستبدادية لها الدور الكبير في تعليم الناس الأخلاق السيئة، فإن (الناس على دين ملوكهم)، والأخلاق السيئة تؤدي إلى التوتر وصناعة النزاعات، ومضاعفة المشاكل في المجتمع).

في الختام هل نعاني كمجتمع أو كأمة من أزمة أخلاق؟، في الحقيقة الاجابة يمكن استقائها من الواقع، ومما موجود بالفعل في مجتمعاتنا، وما الذي يجري فيها، وبعد التحري والتمحيص من قبل الجهات المسؤولة عن ذلك، لابد من النظر بمسؤولية لتصحيح المسارات، فأية أمة أو مجتمع بلا منظومة أخلاقية راسخة، سوف تكون الصراعات والمشاكل ملاصقة له دائما وأبدا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي