ما مسؤولية المؤمنين في غيبة الإمام المهدي (عج)؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2021-03-29 08:27
(من علامات معرفة الإنسان لإمام الزمان (عج) هي انتظار ظهوره الشريف)
الإمام الشيرازي
يوم بعد آخر تضيق الأرض بسكانها، فتزداد ظلماً وحروبا، ويتراجع فيها العدل بأنواعه المختلفة، فلو ألقينا نظرة متفحصة للنظام العالمي الحاكم لشعوب وأمم ودول المعمورة، سوف نجد الغبن والإجحاف مستمر على قدم وساق، وعادة ما يكون البسطاء هم الضحايا لغياب العدل، حيث احتكار ثروات الأرض كلها من قبل أفراد أو شركات مدعومة بقوى عالمية غير عادلة.
ولو نظرنا إلى علاقات الحكام بشعوبهم، لوجدنا الطغيان والاستبداد والظلم علامة فارقة للحكومات وحكامها، وهكذا نزولا إلى المسؤوليات الأقل أو الأصغر، فهناك مدراء صغار لا يتورعون عن إلحاق الظلم بموظفيهم دونما وجه حق أو عدالة، ويشمل هذا مؤسسات مختلفة، سياسية، حكومية، اجتماعية وسواها.
ولا ينجو حتى الأفراد من الظلم وغياب العدل في العلاقات المختلفة، في العمل، أو الدراسة أو أي نشاط يتحرك فيه الفرد، ومحصلة هذا التعامل المجحف بالنتيجة، عالم مضطرب مصاب بالاحتقان، يُضعفه التفاوت الطبقي، ويحوّله الظلم إلى جحيم، هذه الأوضاع ليست وليدة اليوم، بل وسمتْ حقبا تاريخية متعاقبة، لذلك لا يمكن إقامة حكومة عادلة تنصف البشرية كلها إلا بمعجزة عظمى.
الإنسان عاجز عن صنع المعجزات التي تعدل بين الجميع، إرادة إلهية هي التي تُظهر هذه المعجزة، والمنقذ الذي يخلّص الناس جميعا جحيم الظلم، فيأتي متوّجا بالقوة اللازمة، معزّزا بالمؤمنين المؤيدين الذين استعدوا لهذا الظهور المبارك، إنه ظهور الإمام المهدي المنتظَر عجل الله فرجه، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكّد هذه الحقيقة في كتابه القيّم الموسوم بـ (كتاب الإمام المهدي المنتظر (عج) فيذكر ما ورد عن رسول الله (ص)، حيث قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ـ وفي حديث آخر إلاّ ساعة واحدة ـ لطوّل الله ذلك اليوم أو تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(.
إذاً من غير الممكن، بل من المحال إقامة العدل في الأرض، وهذا أمر مفروغ منه، أثبتته الرحلة البشرية الطويلة، وصراعاتها القائمة على القوة والتجاوز على الحقوق، وحماية المصالح بغض النظر عن كونها مشروعة أو نقيض ذلك، فالمهم وفق النظام الدولي الاحتكاري، ليس العدل ولا المساواة ولا إنصاف الناس في حقوقهم وممتلكاتهم، بل المهم هو حماية المصالح واحتكار ثروات العالم.
لنرسِّخ العدالة السياسية والاقتصادية
يتضّح بجلاء أننا نحتاج إلى القائد الاستثنائي، أو القائد (المعجزة)، حتى تتحقق العدالة الاجتماعية بين بني البشر، ومن ثم يتم تحقيق العدالة في المجالات الأخرى، فيمكن أن تُقام العدالة السياسية والاقتصادية وسواهما، طالما تحققت العدالة الاجتماعية، فعلى الإنسان أن يجعل محور تفكيره وأعماله تنصبّ في إطار دعم القائد (المعجزة)، وهو ذو صفات لا يمكن توافرها في إنسان الأرض الحالي.
إنه الإمام المهدي (عج)، سوف يكمل بظهوره، ما ينقص الأرض، ويبسط العدل في ربوعها، ولكن هناك وظائف ما قبل الظهور، يجب أن يتصدى لها المؤمنون بدور الإمام الحجة (عج)، في معالجة تراكمات الظلم وضعف العدل بل وغيابه، فما هي هذه الوظيفة أو مجموعة الوظائف التي تقع على عاتق مؤيدي ومنتظري ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟
نعم هناك وظائف عديدة يجب التزامها وتحمل مسؤولية انجازها، استعدادا للظهور الأعظم، فما هي هذه المسؤوليات أو الوظائف؟
الوظيفة الأولى تتلخّص في أهمية معرفة الإمام الحجة (عج) ممّن يؤمنوا به، هذا هو الشرط الأول الذي يجب أن يتوافر عند الناس التي تنتظر بصدق وإيمان ظهور الإمام المهدي (عج)، لكي يتحقق هدف العدالة الاجتماعية على الصعيد العالمي، وهذه المعرفة تستدعي بحثا وإطّلاعا وتنقيبا جادّا رصينا، لفهم سيرة الإمام (عجل) وغيبته، وانتظاره، والدعاء لظهوره، وكل ما يتعلق بالإمام (عج)، وبعد أن تتحقق هذه المعرفة المهمة الأساسية، هناك خطوة لاحقة تتبعها.
الخطوة اللاحقة بعد المعرفة الذاتية بالإمام المهدي (عج)، هو نقل هذه المعرفة إلى الآخرين، نعم فهناك أناس كثر ينتشرون في العالم كله، لا يعرفون الإمام الحجة (عج)، ولا غيبته (الصغرى والكبرى)، بل هناك من يجهل حتى نسبه، وأسباب غيبته، وما هي الأهداف التي سوف يظهر لتحقيقها، كل هذا يجب أن يفهمه بدقة مؤيدو الإمام (عج)، ولابد أن يبادروا بتصميم عال نقل هذه المعرفة للآخرين.
يقول الإمام الشيرازي حول الوظيفة الأولى:
(على الإنسان أولاً أن يعرف إمام زمانه، ويزداد معرفة يوماً بعد يوم، ثم يعرّف الإمام (عج) للآخرين حتى يعتقدوا بولايته وإمامته).
يتبع الوظيفة أو الخطوة الأولى خطوة ثانية، إذ لا يكفي للمؤمن أن يعرف إمام زمانه، ولا ينتهي الأمر عند هذه المعرفة، فهناك مهمة كبيرة أيضا، تتلخص في قضية (الانتظار) الحقيقي لصاحب العصر والزمان، وهذا الانتظار يتتوج بالحزن على فراق الإمام (عج)، ومواصلة الانتظار مع الشعور بالحزن، والدعاء المستمر إلى الله تعالى لتعجيل ظهور الإمام المهدي (عج)، ومن هذه الأدعية دعاء الندبة.
الانتظار الإيجابي من علامات المؤمن
لذلك يؤكد الإمام الشيرازي بأن الوظيفة الأخرى في عهد الغيبة هي:
(الانتظار، فإن من علامات معرفة الإنسان لإمام الزمان (عج) هي انتظار ظهوره الشريف، والإحساس الحقيقي باللوعة والأسى لفراقه، وهذا ما يظهر في دعاء الندبة الشريف، الذي يستحب قراءته في يوم الجمعة وسائر الأعياد المباركة، فالمنتظِر الحقيقي يترقّب الظهور بفارغ الصبر، ولا يهنأ بعيد أبداً وإمامه (عج) غائب عن الأنظار).
أما الخطوة الثالثة التي لابد من معرفتها والالتزام بها من قبل المؤمن بإمام زمانه، فهي تتعلق بمدى استعداد المؤمن لظهور الحجة (عج)، وهذا يتطلب عدم انخراط الإنسان في صغائر الدنيا، والفتن، والعداوات، والاحتراب، واللهاث وراء المناصب والمال الحرام، إذ يجب أن يتنزّه الإنسان من مغريات المال والقوة والجاه والسلطة، وأن لا تشغله الدنيا بألاعيبها.
هذه الخطوة يجب أن يتنبّه لها المؤمنون بالإمام المهدي (عج)، فلا تجرفهم المغريات، ولا تنسيهم إمام عصرهم، فمن يؤيد ظهور الإمام (عج) لبسط العدل، عليه أن لا يكون ظالماً، والظلم يتحقق في حالة انشغال المؤمن بالمناصب والأموال وبملاهي الدنيا الكثيرة، وعلى المؤمن أن يتوسل بالأئمة الأطهار (ع) كي يعينوه على عدم السقوط في وحل الرغبات الزائلة.
الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة: (لا يمكن أن يكون الإنسان منتظراً حقيقياً إلاّ إذا أعدّ نفسه وربطها بإمام الزمان (عج) لكي لا يضيع في زوبعة الفتن التي تجرف الناس في آخر الزمان، بالطبع هذا يحتاج إلى التوسل الدائم بأهل البيت عليهم السلام والعناية منهم).
الخطوة أو الوظيفة الأخرى، أن لا يكتفي المؤمن بتعريف الإمام (عج) للمقربين منه، بل عليه تعريفه على المستوى العالمي، فهناك من سمع بالإمام الحجة، لكنه لم يعرفه تمام المعرفة، وهناك من لم يعرفه قط، وهذه مهمة المؤمنين بالإمام (عج)، فعليهم تقع مسؤولية التصدي لحملات التشويه التي يقوم بها أعداء الإسلام ضد الإمام الحجة (عج)، وعدم السماح بالفهم المنحرف أو الخاطئ للإمام (عجل) لاسيما على المستوى العالمي.
حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أن (معظم الناس اليوم في العالم إمّا لا يعرفون الإمام الحجة (عج) أو يعرفونه ولكن معرفة غير صحيحة، بأن سمعوا عنه من خلال أعدائه الذين شوهوا صورته أمام العالم، حيث صوروه على أنه سفاك للدماء، يجلب للبشرية الويلات، في حال أنه (عج) رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة).
وقد يسأل سائل، كيف نعرّف الآخرين بالإمام الحجة (عج)، والجواب سهل، إذ يمكن لكل مؤمن أن يعرِّف العالم بالإمام المهدي (عج)، فالأمر ليس بالعسير فهمه، لاسيما أن وسائل الإعلام اليوم تعدّدت وتنوعت، وجعلت من العالم كله كأنه يعيش في بيت واحد، لهذا بات متاحا لكل إنسان يؤمن بظهور الإمام الحجة (عج)، الإسهام بطريقة أو أخرى في توضيح الأهداف من حكومته العالمية التي سوف ترسي دعائم العدالة، وتخلّص البشرية من ظلم الاستبداد بأنواعه كافة.
وهذا ما يشير إليه الإمام الشيرازي في قوله: (بالطبع يمكن تعريف الإمام الحجة (عج) للعالم بمختلف السبل، ومنها الكتابة حوله سيرته العطرة ونهجه النير، وإلقاء المحاضرات، وعقد الندوات والمؤتمرات العلمية، وتأسيس فضائيات باسمه الشريف، وغير ذلك من سبل المعرفة والتعريف به عجل الله فرجه).
بالمحصلة هناك فرصة أمام من يريد أن يغادر هذه الدنيا بيدين نظيفتين وقلب عامر بالإيمان، لاسيما أولئك الذين تتاح لهم فرص المناصب الحساسة والجاه والأموال والقدرة على الظلم أو الاستبداد، هؤلاء المسؤولين هم أكثر الناس حاجة لاستثمار ولادة الإمام المهدي المنتظر (عج)، والعودة إلى رشدهم، والكف عن الفساد وإلحاق الظلم بالآخرين، وأداء المسؤولية وفق معايير العدالة والإيمان والإنصاف وكل القيم التي تمهّد وتسرّع في ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.