كيف نواجه أنظمة الحكم الفاسدة؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2020-10-26 06:43
(على الإنسان أن يعرف بأن عدوه الحقيقي هي الأنظمة الفاسدة) الإمام الشيرازي
العقد الاجتماعي المتوازن بين الحاكم والمحكوم، هو السبيل الأكثر ضماناً لإنهاء حالة الصراع بين الطرفين، فنظام الحكم يُعرَّف على أنه مجموعة من المؤسسات السياسية التي تكوِّن الحكومة وتنظِّم عملها، أما الحكومة فهي مؤسسة تعد من أقدم المؤسسات السياسية في العالم. ومنذ أقدم العصور كانت المجتمعات بحاجة إلى حكام ومنفذين لإدارة المجتمعات الإنسانية.
تعرَّف الحكومة على أنها شكل من أشكال ممارسة السلطة في المجتمعات. ومن الممكن أن نقول أن هناك حكومة لأي مجموعة سواء كانت رسمية أو غير رسمية، كالعائلة والنادي والنشاط التجاري واتحاد العمل، إلا أننا نطلق كلمة حكومة عادة على الحكومة العامة، كحكومة أمة أو دولة أو ولاية أو محافظة أو مدينة أو قرية.
وقد لوحظَ أن أي نشاط إنساني يتأثر بنوع السلطة الموجودة في جوانب مهمة منه. ولهذا السبب نجد معظم علماء السياسة المتخصصين في دراسة الحكومة يعتقدون أن الحكومة يجب ألا تُدرَس على انفراد، بل يجب الإلمام كذلك بشيء من الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وعلم الاقتصاد والتاريخ والفلسفة والعلوم والاجتماع لفهمها جيدا.
لكل مجموعة من البشر ابتداء من العائلة وانتهاء بالأمة قواعد سلوك تحكم حياة أفرادها. فقد يكون هناك عرف في عائلة مثلا يتطلب حضور جميع أفرادها في أوقات الوجبات. ومن خلال هذا العرف يتمكن أفراد العائلة من تناول الطعام مجتمعين، ثم الانتشار لشؤونهم الخاصة، على أن تتم إدارة شؤونهم بطريقة جيدة، وتتوزع الفرص فيما بينهم بصورة متكافئة وعادلة.
الهدف من هذا هو جعل حياة المجموعة تجري في هدوء. أما القواعد والأعراف التي تضعها مجموعة ما، فهي في حقيقتها قرارات في موضوعات تؤثر في المجموعة ككل، وترمي إلى المطالبة بأنواع معينة من السلوك أو تشجيعها، أو منع أفراد المجموعة عن أنواع أخرى، ضمانا لعدم التراجع أو تسيَّد الظلم والفساد.
يتم هذا عبر تنظيم العلاقة بين السلطة والمحكومين، فهناك أنظمة سياسية ينتج عنها حكومات فاشلة، يطوّقها الفساد وينخر في مؤسساتها، فتعدّ فاشلة نتيجة عجزها عن تلبية طموحات وتطلعات الجماهير، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى سحب بساط الشرعية من تحت الحكومات الفاسدة، وتبدأ رحلة مواجهة الحكومات عن طريق الكفاح المدني، وهذا يحتاج إلى رؤية واقعية في المواجهة كي تكون نتيجة الحسم لصالح الجماهير المنتفضة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يركّز على واقعية حركة الجماهير والتأكّد من صواب رؤيتها، فيقول في كتابه القيّم الذي يحمل عنوان (الصياغة الجديدة):
(يجب أن تكون جماهير الأمة المؤمنة واقعية مع نفسها، وفي رؤيتها ومنظارها إلى الأحداث، وهذه الواقعية تكمن في أننا نخوض صراعاً مريراً لمواجهة أعدائنا، وعلينا أن نحسم المعركة لصالحنا بإعدادنا الجيد لأنفسنا).
فوائد الاحتجاج المدني السلمي المنظَّم
من المعلوم أن كل نشاط معارض أو ساخط أو مضاد للحكومة الفاسدة، لا يؤتي أُكُلُهُ ما لم يكن تحرّكا منظّما ومدروسا، لأن الاحتجاج العشوائي لا يمكن أن يحقق النصر للجماهير في صراعها مع الحكومات الفاشلة، وفي هذه النقطة يجب أن يتحلى الجميع بالصبر، بدءاً بالقيادات ونزولا إلى عامة الجماهير، على أن نعمل بجدية على تكسير وتهديم الحواجز الشاهقة المانعة بيننا وبين الصبر.
كما أن التحلي بالصبر واعتماد التنظيم، والتقارب بين المنتفضين، وجعل التعاون والتنظيم مرتكزا لأهدافها، كل هذا سوف يسرّع من النتائج التي تصب في صالح الجماهير، وذلك من خلال التحلي بالصبر، وتحويل الغضب الجماهيري إلى أداة جماعية يتم شحنها ضد الحكومة الفاسدة، وبهذا الأسلوب الصبور سوف تتراجع قدرات الحكومات وتُهزَم أما الزخم الجماهيري الغاضب.
الإمام الشيرازي يؤكد على: (إن بيننا وبين إعداد أنفسنا لمقارعة الأنظمة الفاسدة، حاجزاً سميكاً وهذا الحاجز يكمن في سعة الصدر وضيقه، فعلينا أن نربّي أنفسنا على شرح الصدر: ربي اشرح لي صدري) (طه: 25)، وأن تكون قلوبنا منشرحة مع الأمة في العمل والمثابرة. لذا يجب أن يتحول ضيق صدرنا إلى عداوة مشحونة ضد الأنظمة الفاسدة).
ما يعيشه العالم اليوم على نحو العموم والمسلمون خصوصا، من أحداث وتمايزات يؤكد انفراط عقد العدالة، وتكالب زمر الفساد على الحكم والسلطة، والنتيجة موجات متواصلة من القمع وتكريس قيم وظواهر اللا عدالة، وهذا يؤكد أن الإنسان في أي مكان من الأرض، يواجه أعداءً يسعون لتدمير حقوقه وسرقة ممتلكاته، وجعله كائنا محطَّما يعيش على هامش الحياة.
لكي يتخلص الإنسان من مشكلة الطبقية والتمايز والتهميش، عليه أن يعرف عدوّهُ ويؤشر الجهة التي تسعى إلى تحطيمه، والحقيقة تؤكد أن الأمم والشعوب تعرف أعداءها جيدا، فالحكومة حين تتلكّأ في القيام بواجباتها تجاه الفرد والمجتمع، هذا يدل على عدم أهليتها وشرعيتها كي تستمر في مراتب القيادة.
إذاً العدو الأول للشعوب المتأخرة هي حكوماتها وحكامها، وهذا الاستنتاج لا يحتاج إلى كثير من العناء أو الذكاء، فالوقائع تؤكد ذلك من خلال عجز الحكومة عن تثبيت ركائز العدل الاجتماعي، وهي معضلة تعاني منها الدول المتأخرة حتى لو كانت غنية بمواردها كما هو الحال مع العراق، حيث يمتلك ثروات طبيعية وموارد بشرية جيدة، لكنه في ذات الوقت يعاني من حكومات الفساد التي تعاقبت على حكمه.
الإمام الشيرازي يقول: (قد يكون هناك أعداء كثيرون للإنسان، ولكن عليه أن يعرف بأن عدوه الحقيقي، هي الأنظمة الحاكمة الغارقة بالفساد. فهذه الأنظمة تريد أن تحطم قوة الأمة).
شروط الخلاص من الحكومات الفاسدة
وقد لوحظَ على مرّ التاريخ، فضلا عن شواهد الواقع، أن الحكومات الفاسدة لا تتردد عن فعل أي إجراء أيّا كان نوعه، كي تحمي عروشها الآيلة للسقوط بسبب ظلمها وفسادها، وبدلا من أن ترعى شعبها بالصورة الحقوقية الصحيحة، نجد أنها توغل في الفساد وتغطس فيه من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.
في هذه الحالة لا يبقى أمام الشعب سوى إعلان وإطلاق الكفاح المدني، ضد الحكومة، لاسيما أن الأخيرة غالبا ما تتهيّأ لإعداد السجون الكافية، وتسعين بخبراء التعذيب وغيرهم، كي تحد من خطورة الكفاح الشعبي المدني لاسترجاع الحقوق المسلوبة.
فهذه الحكومات الفاسدة ليس بمقدورها حكم الشعوب بطريقة منصفة وعادلة، لأن الأساس الذي تقوم عليه تخريبيا، ولا تعنيها القيم أو العدل أو المساواة في شيء، ما يهمها مصالحها أولا ولتذهب الشعوب إلى الجحيم.
يقول الإمام الشيرازي: (تعمل الأنظمة الفاسدة الكثير في سبيل الحفاظ على عروشها، إنها تستورد الخبراء العسكريين، وخبراء (الأمن)، وخبراء التمييع والإفساد، وخبراء التعذيب، وتبني السجون والمعتقلات لتحبس الثوار المؤمنين).
بخصوص ما نتعرّض له من الحكام، فإن هذا الأمر يستوجب أعمالا بطولية في إطار الكفاح السلمي المدني، ولا يوجد طريق بديل للخلاص من الحكومات الفاسدة، فالكفاح المدني المشروع، هو السبيل في الحد من سيطرة حكومات الفساد على حاضرنا ومستقبلنا، ولا سبيل آخر للاقتصاص من أنظمة القمع والظلم والفساد سوى الكفاح البطولي الذي يسترك فيه الجميع.
الإمام الشيرازي يؤكد هذا الشرط للخلاص من الحكومات الفاسدة فيقول: (على كل فرد منا أن يقوم بجهود جبارة وأعمال بطولية تساوي أعمال وبطولات العشرات من أبناء الشعوب الأخرى، لكي نقتص من الأنظمة المتّهمة بالفساد والإهمال).
الحكومات الفاسدة واقع لا يمكن إنكاره، إنه موجود ونعيشه في دولنا المتأخرة، لكن سبل التغيير ومقومات النهوض موجودة لدينا، علينا معرفة أركان الفساد، وتهيئة وسائل ومقومات الكفاح من أجل إنهاء وتعطيل حكومات الفساد، وعدم منحها فرصة الاستمرار في فسادها وعبثها على حساب حقوقنا حاضرا ومستقبلاً.