كيف تنجح الأحزاب ولماذا تفشل؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2020-01-13 08:38
بسبب الأزمات المتلاحقة، السياسية منها على وجه الخصوص، باتت الأحزاب السياسية متهمَّة باختراق مؤسسات الدولة، والهيمنة على مقدَّراتها ونشر الفساد بسبب لهاث الأحزاب نحو المغانم والمناصب والفوائد المادية غير المشروعة، فما هو المطلوب من الأحزاب، وهل يمكن إقصاءَها من دورها أو إبطال مهمتها، أو التشجيع على ذلك، بالطبع لا يمكن ذلك في الدولة الديمقراطية ولكن هذا لا يعني عدم انتقاد الأحزاب عندما تفشل في الامتثال للدستور أو توغل في مظاهر الفساد أو تفشل في أداء دور يقوّم الدولة ويبني مؤسساتها.
لذلك لا يمكن أن نجد تبريرات مقبولة تحاول أن تبرِّئ الأحزاب من إخفاقها وأخطائها، لكن دورها يبقى مطلوبا في خلق التوازن السياسي المطلوب، ومع أهمية دور الأحزاب في تشكيل الهيكل الحكومي وطبيعة إدارة وتنظيم شؤون الدولة، لكن ينبغي أن يكون التمسك بالعمل الدستوري من لدن الأحزاب أمرا مفروغا منه، علما أن القول بإلغاء الأحزاب لا يمكن أن يصب في مصلحة بناء الدولة لاسيما أن العراقيين جربوا نظام الحزب الواحد وعانوا من ويلاته.
يجب التركيز على الدور الاستشاري للأحزاب وتطبيقه بصورة محكمة، إذ يؤكد علماء السياسة أن الشورى وهي تقابل الديمقراطية كمصطلح معاصر، تعني حرية الرأي والتشارك في اتخاذ القرار ونبذ الفردية وعدم حصر السلطات في شخص واحد، ليتحول أعضاؤه الى إمّعات لا دور لهم في رسم سياسات الحزب ولا قدرة لهم في بناء نظام سياسي تعددي.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكّد في كتابه القيّم الموسوم بـ (الشورى في الإسلام) على: (إنّ قدرة التفكير والإرادة الحـرة والبصيرة لدى منتسبي الحزب وجماهيره، تزول وتمحى، وتزول معها قدرتُهم على خلق القيم وتبلورها، بسبب التوزيع غير المُتعادل وغير المتكافئ للإمكانيات الحزبية، ولهذا فانّ الكذب والنفاق وفقدان الإيمان والمُبالغة في الأمور والخوف تطغى على الأخلاقيات والتقاليد الحزبية السليمة).
التملق الذي ينتهجه بعض أعضاء الأحزاب يسبب مشكلة في الأداء السياسي، فمن الظواهر التي تم تشخيصها في العمل الحزبي، خاصة على مستوى الإدارة الداخلية لشؤون الأحزاب، النفاق والتملق للقائد الأعلى للحزب، أو الأعضاء المؤثرين فيه، ولعل السبب الأساس يكمن في قائد الحزب نفسه، وإدارته المستبدة الفردية، وهكذا عندما يكون هناك قائد متجبّر للحزب السياسي، مع غياب السلطة الجماعية الاستشارية للحزب، فإن العيوب ستكون كثيرة أثناء الأداء السياسي للحزب، وهذه ثغرة واضحة أمكن ملاحظتها في عدد من الأحزاب السياسية التي نشطت في ساحة العمل الإسلامي والعربي، حيث ظهرت أحزاب (دكتاتورية)، لم تسهم بدور جيد في البناء الدستوري للحكومات.
النفاق والتملق وبوادر الفشل!
الإمام الشيرازي ينصح قادة الأحزاب بانتهاج جوانب تنظيمية لإدارة شؤون الحزب، منها وربما أهمها أن لا يكون القسر والإجبار، طريقا لإنتاج التملق والنفاق، وهو أول ثمار الطغيان الفردي في الحركة الحزبية، وإذا بقي هذا المسار الخاطئ متفشيا في الحركة الحزبية فإن النتائج المتوقعة ستكون بالغة السوء، بسبب غياب الإرادة الحرة لأعضاء الحزب وانتشار حالة الخوف بينهم ومن ثم التزلف والتملق للشخص الأقوى في الحزب أملا بكسب رضاه، وهذا المرض الاستبدادي سوف ينتقل حتما إلى الحكومة.
يقول الإمام الشيرازي: (إنّ المُنتسبين إليه من وجهةِ النظر الشخصية هم أكثر حقارةً وتزلفاً ونِفاقاً وخوفاً ولا عقائدية، وهم بالطبع أكثر انقياداً واستسلاماً، لكن مثل هذا المنتسب الحزبي هو من أكثر العوامل والعناصر المؤلفة لهيكلية الحزب ثقةً وتقرباً عند القائمين عليه).
من العوامل المساعدة على الأزمات عندما لا تتوافر الديمقراطية والانتخابات في الحزب، لذا من الطبيعي أن النظام السياسي الذي تنتجه أحزاب لا تؤمن بالديمقراطية والاستشارة، سوف يبتعد كل البعد عن التعددية، فحين يبدأ أعضاء الحزب حياتهم الحزبية بالتملق والتزلف والكذب لقائد الحزب، فإن العواقب لابد أن تكون وخيمة على قادة الحزب وأعضائه جميعا، ومع ذلك يبقى العضو المنافق والمتملق هو الأقرب للقائد من غيره إذا كانت قيادة الحزب دكتاتورية.
والمشكلة أن هذا الأسلوب الحزبي سوف ينتقل بدوره إلى النظام السياسي حيث يكون الاستبداد والفردية منهجا له، ولكن هناك من يعترض على هذا النوع من القيادة المتجبرة، فيعلن اعتراضه بصوت عال ولا يخشى العواقب مهما كانت صعبة، على العكس من الأعضاء المتملقين، حيث غالبا ما يكونوا مقربين من القائد الأوحد للحزب حتى لو كانوا كاذبين، بينما يجب أن يسود الوعي والتفكير والمشاركة في صنع القرار الحزبي والحكومي، وهذا غير ممكن إذا كانت الأحزاب لا تؤمن ولا تطبّق الديمقراطية والاستشارية في نظامها الداخلي.
الإمام الشيرازي يقول بأنَّ: (الأفراد الشجعان من ذوي الإيمان والإرادة والذين لا يتلاءم طبعهم الذاتي مع الانقياد الأعمى والطاعة المطلقة، لا يمكنهم أن يكونوا موضعَ ثقة واطمئنان هؤلاء القائمين والمشرفين على شؤون الحزب بل لا يمر زمان إلاّ ويُطردون من الحزب).
الحزب الذي يبتعد عن الأسلوب الديمقراطي، قد لا تعرف قيادته بأنها تذهب بنفسها وحزبها للانهيار، فهل هناك خطر من الممكن أن تتسبب به الأحزاب السياسية على الدولة والحكومة والشعب؟، بالطبع ستأتي الإجابة بنعم، ولعله من اخطر ما تفرزه مثل هذه الأحزاب في الساحة السياسية، أنها لا تسهم قط في البناء الدستوري للحكومة او دولة المؤسسات، كونها أحزاب قائمة على التفرد بالسلطة، ولا تعتني بآراء أعضائها، ولا تعطي أهمية للصوت الذي يعارضها سواء من داخل الحزب او من خارجه، حتى لو كان غير معارض لها لكنه يرصد أخطاء لا يصح الاستمرار بها!.
خطر اختراق الأحزاب لمؤسسات الدولة
يعثر المراقبون على بعض المشاكل في الأحزاب التي تفتقد للاستشارة وحرية التحاور والتشارك في اتخاذ القرار وما شابه، فمن المؤكَّد أنها سوف تؤول إلى السقوط، بسبب عدم قدرتها على تمثيل مصالح الجماهير، ولعل النتيجة الأكثر خطورة تتمثل في ابتعاد الجماهير عن الأحزاب، بل ومقتها للانخراط في العمل الحزبي، بسبب غياب الثقة الجماهيرية بها، كونها تمثل صورة مصغرة للدكتاتورية وغياب حرية الرأي، مما يؤدي الى انتعاش الكذب والغش في الإدارة الفاشلة لشؤون بعض الأحزاب وأعضائها.
سوف تتناسل العقبات، وتزداد المشكلات والأزمات في هذه الأحزاب، منها وقد تكون أخطرها مشكلة ابتعاد الشعب عن الأحزاب، إذا كانت قيادتها دكتاتورية، لسبب واضح وبسيط أن الشعب لا يثق بالحكومة المستبدة، فكيف يثق بالأحزاب التي تقودها قيادات دكتاتورية؟؟ لذلك في هذه الحالة، تكون هناك فجوة كبيرة بين الشعب وحكومته، وهذا يجعلها غير دستورية، او فاقدة للشرعية بسبب عدم قبول الجماهير على أدائها، ومن تجربتنا الشخصية مع الأحزاب ملاحظ فقدان تأثيرها في المجتمع بسبب انتفاء رابط الثقاة بين الطرفين.
الإمام الشيرازي يقول: (في البلدان النامية، تفقد الأحزاب تلقائياً نفوذها الاجتماعي وطبيعتها الشعبية إذا كانت مُمثلةً بصورة مباشرة للحكومات والنظم السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد، فانّ مثل هذه الأحزاب تفتقد للجاذبية السياسية والشعبية، وذلك لأنّها ديكتاتورية بطبيعتها، والديكتاتور ينفضّ الناس من حوله وإنّما يبقى بمشنقته وسجنه وتعذيبه).
الأحزاب يجب أن تتنبّه لأخطائها، وتتجنب نظرة الشعب لها على أنها فاشلة، فهناك ضوابط وأساليب تقرّب الأحزاب من الجماهير؟، منها إذا أراد الحزب أن يكسب الجماهير، عليه أن يتمسك بالقانون، ويحرص على تطبيق الدستور، وينبغي أن يبدأ بنفسه أو وأعضائه، دعما للحكومة الدستورية، وفي حالة حصول العكس، أي عندما لا يكون الحزب ديمقراطيا استشاريا، فإنه لا يمكن أن يسهم في البناء الدستوري للحكومة.
فلابد أن يفهم الحزب السياسي بأن فقدانه لمنهج الشورى سيقود بالنتيجة إلى رفض الشعب له، وقد يكون هذا هو السبب الذي يقف وراء فتور العلاقة بين الأحزاب السياسية والشعوب النامية، وهي ظاهرة أمكن ملاحظتها من لدن علماء السياسة والمعنيين، فعندما لا يستطيع الحزب أن يمثل تطلعات الناس، فإن السبب يكمن في قيادته وطريقة أدائها، وربما معظم الأحزاب الكبيرة تكون على هذه الشاكلة، وقد أثارت هذه الظاهرة، جملة من الأسئلة لدى النخب، كونها أدت الى قطيعة بين الأحزاب والجماهير، وفشل في المشاركة بالبناء الدستوري السليم للمنهج التعددي في إدارة الدولة مع ضبط الأمور الإدارية بقوة الالتزام الأخلاقي والمبدئي الذي يحمي الحقوق والحريات على أفضل وجه.
يؤكد الإمام الشيرازي ذلك بقوله: (تبقى هناك أسئلة حائرة على أًلسنة المثقفين والذيـن فوجئوا بالأحزاب وذاقوا الويلات وهي: هل للأحزاب مقدرة على تجسيد الخيارات الاجتماعية؟ وهل هي قادرة على التعبير عن رؤيتها العالمية وتحسسها بقضايا الأمة؟؟).
إعادة الأحزاب النظر بسلوكياتها وأساليبها، وابتعادها عن الاستشارة والأساليب الديمقراطية، يعدّ من أهم الخطوات التي يجب أن تقوم بها على وجه السرعة، لمعالجة أو ردم الفجوة الآخذة بالاتساع بينها وبين الشعب، أما الاستمرار بالأسلوب النفعي الذي يتضارب مع مصلحة الشعب، فإنه لا يخدم الأحزاب ولا يضمن بقاءَها حتى لو امتلكت القوة والأموال!.