عوامل تقدم المسلمين.. تجنب الملذات، من قاموس الامام الشيرازي
حيدر الجراح
2015-05-18 12:25
يروي البخاري في صحيحه قائلا: يدخل انس بن مالك الى الشام وهو يبكي حينما يراقب مجتمع العاصمة الاموية فلا يجد في سلوكهم شيئا من الاسلام، يقول: كل شيء ضاع الا الصلاة وهي الان ضاعت ايضا..
وهذا مانبه اليه الامام علي (عليه السلام) حين قال وهو يرى حجم الهاوية التي اخذ المسلمون ينحدرون اليها من خلال فتوحاتهم والاموال المتحصلة عن تلك الفتوحات، يقول عليه السلام: (لم يبق من الاسلام الا اسمه، ومن الدين الا رسمه).
كان التنبيه الصادر من علي (عليه السلام) تنبيه المترفع عن الغنائم التي يتحصل عليها الفاتحون في جيوش المسلمين، واستمر معه حتى بعد ان اصبح حاكما، حيث ثار الجيش عليه كي يأخذ الغنائم فمنعهم الامام من ذلك. فلا توجد غنائم في حروب الامام علي عليه السلام.
وكان تنبيهه تنبيه العارف بما ستؤول اليه الاموال المتحصلة من الفتوحات وهي تصب في خزائن وجيوب بطانة خاصة من المسلمين، ستخلق منهم طبقة خاصة لايهمهما من الاسلام الا المنافع المادية والملذات الدنيوية.
ينبه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) الى عدة عوامل ساهمت في تقدم المسلمين ذاك التقدم الهائل وإنقاذهم للعالم من براثن الكفر والجهل والمرض والغفلة والفوضى والحروب وما أشبه التي شملت العالم قبل بزوغ الإسلام.
وهذا التنبيه ايضا غايته إعادة العالم إلى استقراره ورفاهه وحريته وسلامته من جديد من تحلّي المسلمين بهذه الصفات والتي ذكرت في القرآن الحكيم في مئات الآيات، وفي السيرة الطاهرة في ألوف الروايات، كما طبقها الرسول (صلّى الله عليه وآله) والامام علي عليه السلام في حكومته.
من هذه الامور:
تجنب الملذات المعوقة عن الانطلاق:
إن المسلم كان يتجنب الملاذ فلا يهتم بالحياة بقدر اهتمامه بإنقاذ الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
ويستند الامام الشيرازي في هذا الامر على جملة من الآيات المذكورة في القرآن الحكيم .
مثل قوله سبحانه: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) (التوبة: 20).
وقوله سبحانه: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (التوبة: 24).
فنرى في هذه الآية المباركة أن الواجب على الإنسان المسلم أن يتجنب كل المشتهيات من آباء وأبناء وأخوان وأزواج وعشيرة وأموال وتجارة ومساكن ويستعيض عن كل ذلك بالحب لله ولرسوله والجهاد في سبيله، وإلا فإنه ليس من الإسلام في شيء، ويسميه الله سبحانه وتعالى فاسقاً فيقول: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) (التوبة: 24).
حيث إن الله يأتي بأمره بسبب مؤمنين من هذا الطراز.
(والله لا يهدي القوم الفاسقين) (التوبة: 24).
فالمسلم الذي لا يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليه من هذه الأمور فهو فاسق في منطق القرآن خارج عن أوامر الله تعالى.
وقال تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين) (النساء: 75).
فالقتال إما لأجل تطهير الأفكار عن الخرافة وتطبيق شريعة الله، وإما لأجل إنقاذ المستضعفين من براثن المستكبرين.
وقال سبحانه ليذكر المسلمين بما يجب عليهم: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) (التوبة: 34 ـ 35).
وهذه الآية الكريمة تعريض بالذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، فاللازم على المسلم أن لا يكنز الذهب والفضة، بل ينفق الذهب والفضة في سبيل الله، حسب الموازين المقررة في الشريعة الإسلامية وجوباً واستحباباً.
ويقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير) (التوبة: 38 ـ 39).
فاللازم على المسلم أن ينفر في سبيل الله سواء كان سبيل الجهاد، أو سبيل التبليغ، أو سبيل الإصلاح والهداية أو سائر السبل، ولا يجوز أن يثّاقل إلى الأرض من جهة مال أو زوجة أو تجارة أو مسكن أو ما أشبه، وإلا كان راضياً بالحياة الدنيا بدلاً من الآخرة، واللازم على المسلم أن يعلم أن الحياة الدنيا بالنسبة إلى الآخرة متاع قليل، وانه إذا لم ينفر في سبيل الله فإن الله سيعذبه عذاباً أليماً، وأنه يذهب ويأتي بعده غيره ممن لا يكون مثله.
ويقول الله سبحانه: (انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) (التوبة: 41 ـ 42).
وفي هذه الآية يأمر الله سبحانه وتعالى بالنفر، سواء كان الإنسان خفيفاً أو ثقيلاً، خفيفاً من جهة الجسد أو ثقيلاً، شاباً أو شيخاً، مديناً أو غير مدين، بديناً أو غير بدين، واللازم عليه أن يجاهد بماله وبنفسه في سبيل الله، وأن لا يفرق بين السفر القريب والسفر البعيد والهدف البعيد والهدف القريب، وإن هؤلاء الذين يفرقون بين السفرين ويفرقون بين الخفيف والثقيل إنما يهلكون أنفسهم وعند الله هم الكاذبون.
ثم يقول الله سبحانه وتعالى: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) (التوبة: 44 ـ 45).
فاللازم أن لا يستأذن المؤمن بالنسبة إلى الجهاد بماله وبنفسه سفراً وحضراً، والذي يستأذن فهو عند الله غير مؤمن وهو عند الله مرتاب القلب وإن كان يصلي ويصوم ويحج ويلتزم بكثير من لوازم الإيمان.
ويقول سبحانه وتعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثَّبطهم وقيل اقعدوا مــع القاعدين) (التوبة: 46).
فالمسلم إذا أراد الخروج أعدّ العدة وذلك دليل إرادته الحركة، ومن لا يعد العدة فهو مبغوض عند الله سبحانه وتعالى ويكره الله انبعاثه فيثبطه ويجعله قاعداً مع القاعدين.
وهكذا كان شأن المسلمين السابقين تجنب الملاذ لأجل الله، ولأجل رسوله.