التوظيف الحكومي الناجح للشورى
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2019-10-21 07:20
تشير دلائل ما يجري في بعض الدول العربية والإسلامية، أن الحكومات والعاملين في السياسة، لا يفقهون ولا يؤمنون بالدور الكبير الذي تلعبه عملية التشاور أو (الشورى) في صناعة القرار وإدارة الدولة، وهناك من الحكام والساسة من لا يؤمن بأن التقدم الموسوعي، أو ما يسمى بالتقدم الكلّي في المجالات المختلفة، يقتضي تطبيق الشورى في إدارة السلطة، وليس ثمة مغالاة إذا قلنا أن النظام السياسي الذي يفتقر للشورى، يحفر حتفه بنفسه، لأسباب كثيرة منها عزل الطبقة السياسية لنفسها عن الشعب من خلال تفضيل مصالحها على المصالح العامة.
وأمامنا التاريخ، وحتى التجارب الواقعية تدل دلالة قاطعة عن نجاح الشورى في التقريب بين الحاكم وشعبه، أي أننا كلّما عثرنا على تطبيق سليم لمبدأ الشورى في حياة الأمة، سنجد التقدم والازدهار حاضرا، ويصح العكس بطبيعة الحال، وهكذا لابد أن يكون المعيار الذي يحدد مدى تقدم الأمم، مرتبطا بمدى الرقي الفكري السائد في تنظيم حراكها وأنشطتها كافة، ولعل التشاور ورفض القسر والإجبار في التعاطي مع شؤون الحياة لا ينتج إلا في ظل تسيّد الأفكار الناضجة والوعي الايجابي المعاصر، بالإضافة إلى اعتماد مبدأ الشورى من قبل النظام السياسي الحاكم في الدولة.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (يرحمه الله)، يؤكد في كتابه الموسوم بـ (الشورى في الإسلام) على: (إنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما انّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: "عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ"، كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكرهُ).
من الأمور المسلّم بها أنّ الإنسان لا يمكن أنْ يبقى حبيس الصمت إذا رأى الحكومة تنتهك حقوقه، بل يسعى لإعلان حالة الاحتجاج والانتفاض على الحاكم وحكومته (كم حدث في عدد من الدول ومنها ما يدور الآن في لبنان والعراق)، وكذا الحال عندما يتم إهمال مبدأ الشورى في إدارة الحكم، لذلك حين تبحث الأمة عن التطور في السياسة لابد أنها تعتمد الفكر المتقدم، وهكذا تأتي الحاجة إلى الفكر والأجواء المتحررة مساوية لحاجة الإنسان للفكر كغذاء للعقل والروح معا، الإمام الشيرازي يقول حول ذلك: (إنّ الناس عندما يرون أن الحاكم لا يُطبَّق قانون الشورى ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه).
تقويض الحكومات الفاسدة
وهكذا يصبح مصير الحكومات القمعية هو السقوط الحتمي بسبب غياب الحرية وفرض ما تراه السلطة الحاكمة من دون أخذ حاجيات الأمة بنظر الاعتبار، كما يحدث اليوم في بعض الدول الإسلامية حيث تتقدم مصالح الحكام على مصالح الشعوب، والسبب هو عدم كفاءة الحاكم وحكومته بسبب عدم اعتماده منهج الشورى بالصورة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وليس كما يريدها الحاكم، ولعل المنطق السياسي السليم يؤكد إن الاستفادة من التجارب وتصحيح الأخطاء يمكن أن يعيد مسار الحاكم وحكومته إلى الجادة الصحيحة، ولكن تشبث الحكومة بالقشور والزيف سيأخذ بها إلى النهايات المحتومة.
الإمام الشيرازي يقول: (إن حُسن الاستنباط والتـطبيق لا يـكون إلاّ بالاستشارية، لذلك نجد إنّ الحكومات التي قامت باسم الإسلام في هذا العصر، لم يمضِ إلاّ زمن يسير عليها، حتى انفضَّ الناس من حولها، ثم عملوا لتقويض تلك الحكومات).
من الغريب حقا أن يصرّ الحاكم بغباء شديد على منهج القمع واستغفال الناس، مع قمعهم، أملا منه وحكومته أن يكف هؤلاء عن المطالبة بحقوقهم، وبدلا من الاتعاظ والتمسك بمنهج الشورى في حكمهم، يذهبون إلى الأسلوب المعاكس تماما، فيفتحون أبواب السجون للناس، ويلقون بالمعارضين في الزنازين المظلمة، لأنهم يظنون بأن هذا الأسلوب سوف ينهي المعرضة، لكنها تتزايد أكثر فأكثر بسبب الاستفزاز وتواصل الصراع بين الحاكم المستبد والأمة، وهكذا يبدأ الصراع ويتصاعد بين الشعب الباحث عن حرياته وحقوقه وبين الحكومة المستبدة التي تحاول أن تفرض أجنداتها وتحمي مصالحها بالقوة على حساب مصالح الشعب، فتبدأ رحلة الخداع التي غالبا ما يلجأ إليها الحكام الطغاة، إذ أنهم يقربون الإمعات والمرتزقة منهم لكي يؤيدوهم في أفعالهم وأعمالهم السيئة، ويوظفون الإعلام لصالحهم، وفي نفس الوقت يتحدثون عن الحرية والديمقراطية ويدّعون بأنهم يعملون بها، في الوقت الذي يقمعون شعوبهم بقوة السلاح والسجون وانتهاج أساليب التعذيب والقمع وحتى التصفية الجسدية، وهو أسلوب أثبتت جميع التجارب أنه فاشل ولا يمكن أن يثني الشعوب عن مطالبتها وسعيها نحو تحقيق أهدافها.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة بالذات: (في ذات الوقت الذي يتكلم فيه الحكام حول الديمقراطية والشورى نجدهم يقربون المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والإمعّات لهم بأموال الأمة ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام).
متى تضاعف الحكومة من السجون؟
وليس غريبا على الطبقة السياسية البعيدة عن منهج الشورى وإحقاق حقوق الأمة، أن تلجأ إلى أسلوب مناقض تماما للشورى، إنه منهج القمع وفتح أبواب السجون لكل من يعترض على أساليب إدارة الدولة، ورفض الاستئثار بثروات البلد لصالح مجموعة من الأشخاص أو الأحزاب التي لا تعبأ إلا بمنافعها بعيد عن السياسات الحكيمة التي تحقّ حقوق الجميع.
الإمام الشيرازي يقول: (ونجد هؤلاء الحكام يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة).
متى يمكن أن تتأجج موجات الاحتجاج على الحاكم وحكومته؟، إن الشعب حين يصل إلى حافة اليأس، وفي نفس الوقت حين يصل الاستبداد إلى مستوى الذروة، فإن الاحتجاج يبدأ ويصل الذروة بين الشعب المنتهكة حقوقه من جهة وبين الطبقة الحاكمة الذين يدّعون أنهم مسلمون من جهة ثانية، فإن حالات الاحتجاج ستبدأ ولن تتوقف، وغالبا ما تكون الغلبة للشعوب في نهاية المطاف، ولكن الأمر الغريب أن الحكومات الفاسدة والمستبدة لا تريد أن تتعظ من تجارب غيرها، على الرغم من أن جميع التجارب والدلائل والأسانيد تؤكد غلبة الشعوب على حكامها المستبدين، حيث تعرض لنا صفحات التاريخ فضائح أنظمة الحكم القمعية، ونهاياتها التي تأتي عليهم جميعا عبر ثورات كبيرة يعجز الحكام الطغاة عن إطفائها أو حتى تقليل أوارها، بعد أن قام هؤلاء الحكام وحكوماتهم بكل الأفعال والأعمال التي يندى لها الجبين على المستوى الإنساني والحقوقي، كونهم تجاوزوا كل الخطوط الحمراء في مجال تخريب الدولة.
الإمام الشيرازي يقول: (لذلك ترى الحكام أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء، وتكثير السجون، وتخريب البـلاد، وإذلال العباد، ممن سبقهم الذين ما كانوا يسمون أنفسهم بالإسلاميين).
لابد أن يفهم الحاكم وحكومته وجميع الساسة المؤيدين له، أن نهاية الاستبداد والفساد هي نتيجة جميع من تجاوزوا على حقوق شعوبهم، وهذه هي النتيجة الطبيعية لأي حاكم متسلط يهمل الشورى ويضع سورا يحميه من شعبه، حتى لو استخدم أبشع طرق الاستبداد، ففي كل الأحوال وكما تشير التجارب يكون الطرف الخاسر هو الحاكم الإسلامي بالاسم والذي يستبد برأيه ويفرض ما يراه صحيحا بالقوة على الشعب، ويستبد في مساره ويضع التشاور خلف ظهره!!.