سياسة التجهيل

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

2015-05-06 03:24

رغم زوال الاستعمار كما عرف سابقا بأشكاله المباشرة التي تعتمد على احتلال البلدان، ورغم حصول المستعمرات على استقلالها وتشكيل حكومات من ابنائها، الا ان نظرة متأملة لواقع البلدان العربية والاسلامية يكتشف انها لازالت اسيرة لمخططات تلك الدول التي استعمرتها، وانها لايمكن ان تتمرد عليها، بسبب الكثير من العوامل.

لا عبرة بالفترات الزمنية التي احتلت فيها الدول الاستعمارية بلداننا، فهي رغم اختلافها في المدة الزمنية الا انها استطاعت ان تكرس الاستبداد والدكتاتورية والفساد في تلك البلدان للحفاظ على مصالحها حتى بعد انسحابها من تلك البلدان.

استخدمت تلك الدول خطوات عديدة في مشاريع سيطرتها وهي ما يمكن تسميته مشاريع التجهيل التي حددها المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في الكثير من كتبه، وسلط الضوء عليها، من ذلك:

1 - تعيين حكام مستبدين

وهو مايسمى اليوم في عرف السياسيين بالدكتاتورية، وهي حكومة الشخص الواحد او الحزب الواحد او العصابة الواحدة او ماشابه.

وغالبا ماتتشكل الحكومات المستبدة من الاقليات، ولو كانت من الاكثرية الشعبية لكانت ديمقراطية، ولان الحكم المستبد يقلق من سيطرة الاكثرية على البلاد ويخشى ان تعي الامة اصالتها، ويحذر من ان تتثقف بثقافتها، فتتبع ائمتها وتأتمر بأمر علمائها، فقد عمد الاستعمار الى تعيين حكاما ارهابيين يقفزون على الحكم بجنح الظلام، كعادة القراصنة والسراق.

والامام الشيرازي يرفض الانقلابات العسكرية جملة وتفصيلاً، فإن الانقلاب ولو تذرع بألف ذريعة ليس إلا سبباً لتدهور أحوال الشعب إلى الأسوأ، وليس ذنب الشعب في حوادث الانقلاب العسكري بأقل من الانقلابيين، حيث أن جماعة من الجيش لا يتمكنون من الاستيلاء على الشعب إذا لم يصفق لهم الشعب، فإذا استولى جماعة من العسكريين على الحكم كان اللازم أن يرفضهم الشعب، ويعاملهم معاملة اللصوص ويقدمهم للمحاكمة.

وكلما رأينا من الانقلابات في أفريقيا وآسيا وغيرهما وجدنا أنها لم تزد الأمة إلا سوءاً، وصار حالهم أسوأ مما كان قبل الانقلاب.

والمنطق ضد تصفيق الشعب لهم، إن الإنسان إذا أراد أن يستخدم خادماً لداره، لا بد وأن يحقق عن أحواله؟

فكيف يصفق الإنسان لمن لا يعرفه وهم يريدون السيطرة على نفسه وماله وعرضه؟

أما أسباب الإنقلاب العسكري فيرجعها الامام الشيرازي ءؤالى:

1 - الفراغ السياسي في البلاد، حيث أن الجاهل دائماً ألعوبة بيد الدجالين وطلاب الشهوات.

2 - السخط العام على الحكومة، حيث أنه يهيئ لجماعة ولو صغيرة أن تتمكن - وبمباركة الناس - من القفز على الحكم.

3 - الهزيمة الحربية للحكومة سواء كانت هزيمة في حرب أهلية كما حدث لقاسم، حيث انهزم أمام الأكراد، بعد أن وقعت حرب أهلية في شمال العراق، أو هزيمة في حرب غير أهلية كالهزيمة في البلاد العربية أمام إسرائيل.

4 - الحروب الأهلية وانقسام البلاد وضعف الحكومة عن إنهاء الحرب (وإن لم تنهزم الحكومة) فإن الناس في أمثال هذه الحالة ينتظرون المنقذ، فإذا قفز جماعة على الحكم، باركوهم - عن لا وعي - زاعمون أنهم المنقذون.

5 - ارتطام البلاد في مشاكل سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، بسبب سوء تصرف الحكومة.

6 - المحافظة على النظام السابق، حيث أن أعضاء الحكومة، حينما يعرفون اهتزاز كراسيهم، وان التذمر بلغ مداه، يقومون بانقلاب عسكري صوري، من الموالين لهم لإنقاذ عروشهم، ولو بقدر، كما حدث في السودان، وباكستان.

7 - ضعف الاستعمار السابق، وقوة الاستعمار الجديد، حيث أن القوي يطيح بعملاء الضعيف كما أطاحت بريطانيا بداود خان الأمريكي (في أفغانستان) لتأتي مكانه بـ (ترقي) ثم أطاحت روسيا بترقي لتأتي مكانه بـ (ببرك) بالنتيجة ولا فرق بين أن يكون ضعف الاستعمار السابق ناجماً عن ضعف في حكومته، أو ضعف في إدارته تلك البلاد المستعمرة، فإن بريطانيا ربّت (ترقي) في الهند منذ عشرين سنة، وكونت له كياناً ليوم انقلابه على (داود) الأمريكي.

8 - ضرب الأمة الإسلامية في بلاد الإسلام حيث أن المستعمر يرى أنه لو ترك الأمر وشأنه، قويت القوة الإســلامية المترعرعة، وضربت مصالحه، فيأتي بجملة عملائه إلى الحكم فــي انقلاب عسكري، لينوب عنه في ضرب الحركة الإسلامية، كما حدث في العراق.

9 - إرادة الاستعمار ضرب القوى الوطنية في بلاد غير إسلامية كما حدث في بعض بلاد إفريقيا.

10 - حب السلطة والغلبة، كما يحدث نتيجة للصراعات العسكرية، فإن العسكر إذا تولى الحكم لا يقدر على حفظه، ولذا ينقلب عليه آخرون حباً للاستئثار بالسلطة...

وكل ذلك يحدث كما يؤكد الامام الشيرازي كونه (نابع عن جهل الشعب، ولذا لا يحدث انقلاب في بريطانيا أو فرنسا، أو حتى في إسرائيل الغاصبة، حيث إن شعوب تلك البلاد لهم من وعي الحياة قدر لا يسمح للانقلاب).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا