عشرون مليون كتاب لعشرين مليون صداقة
قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-
محمد علي جواد تقي
2019-06-19 06:38
مقدمة:
الجميع يعرف أن الكتاب يساوي الوعي، والثقافة، وهو نور يمزق ظلمات الجهل والعبودية للحاكم، وخير وسيلة لنشر العلم والمعرفة، بيد أن المشكلة أن الجميع ايضاً يقف متفرجاً على تهميش هذه الوسيلة العظيمة، وتجاهل تأثيراتها بشكل غريب، ربما الذريعة والتبرير في تقنية النشر الحديث، وضرورة مواكبة التطور على انه يساعد على إيصال الكلمة والفكرة الى أوسع مساحة من الجمهور بالاستفادة من الانترنت، فبدلاً من أن يكون الكتاب ورقياً، بات اليوم الكترونياً.
فهل هذه الذريعة كافية لتبرير غياب الكتاب وابتعاده عن الجمهور؟
المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه- يشير الى أهمية نشر الكتاب على نطاق واسع ومطالعته، وحجم التأثير الذي يتركه على الواقع الاجتماعي والسياسي.
لنستمع الى هذا المقطع الصوتي، ففيه دعوة الى رفع مستوى الطموح لإيصال الكتاب الى كل بيت، وكل شاب متعلم.
لسنا بمستوى الطموح
"عندما نقول أننا بحاجة الى عشرين مليون نسخة كتاب، فهذا ليس بمبالغة، فقد بلغني أن الشيوعيين في ايران وزعوا خلال السنة الاولى بعد انتصار الثورة، عشرين مليون كتاب في ايران.
فأنت الذي تعد نفسك من أهل البلد، وتحمل مسؤولية نشر أحكام الاسلام، كم تحتاج لطباعة رقم كبير كهذا؟
علينا أن لاننظر الى تكاليف الكتاب، بقدر نظرنا الى تأثيراته العميقة والواسعة، علماً أن الرقم المذكور يعود الى حزب سياسي واحد في ايران.
ولعلمكم؛ نحن وخلال الفترة المشابهة، طبعنا ووزعنا حوالي مليون كتاب، ولكن! أين آثار هذه الكتب؟
لا أثر!، السبب أنها لم تتمكن من مواجهة تأثير تلك الملايين من الكتب في الساحة، فكان حالها، حال ملعقة الملح في حوض ماء كبير، هل يغير من طعم هذا الماء"؟!
المطالعة الحقيقية للكتاب
نعم؛ الكثير في الاوساط الثقافية يدفع باتجاه النشر الالكتروني وبحماس كبير، مبرراً ذلك أولاً: وقبل كل شيء، مجانية القراءة، وتجاوز مشكلة غلاء الكتاب في الوقت الحاضر. ثم المبرر الثاني: سهولة الحصول عليه وتداوله دون كثير عناء كما في الحالة الورقية. فالهاتف المحمول في الجيب ربما يكون بمنزلة مكتبة كبيرة تضم مؤلفات في شتى التخصصات، بل وحتى الموسوعات الضخمة، فما حاجتنا للذهاب الى المكتبات العامة، وتجشم ذلك العناء أيام زمان، وربما حتى اليوم لدى القليل من الرواد؟ ثم ما حاجتنا لحمل الكتاب هنا وهناك للاطلاع على الافكار والعلوم؟
العبرة ليست بالضرورة في الكمّ، بقدر ما هي في الكيف، فعندما نتحدث عن عشرات الملايين من الكتب، وبعناوين مختلفة تطبع وتنتشر في العالم، فان النتيجة في عدد المطالعين، وآثار هذا الكتاب او ذاك في الكشف عن خبايا، او إثارة قضايا فكرية او عقدية او تاريخية، وهذا ما كان عليه الاهتمام في العقود الماضية.
صحيح كانت ثمة نسبة من النشر للترف الفكري او التسلية، بيد ان معظم العناوين كانت تحمل قضايا كبرى تستجيب لحاجات الساحة في مجالات عدة، لذا كانت قراءة الصحف والمجلات غير قراءة الكتاب، فلكل كانت له منزلته واجواءه الخاصة، بينما اليوم اصبح المتابع لبعض المواقع الخبرية، او حتى مواقع التواصل الاجتماعي، بمنزلة المنظر والجامع للمعارف والعلوم والملعومات من كل مكان، وبامكانه اصدار الاحكام وتقييم الامور كيف يشاء، فعندما يكون الكتاب على الهاتف النقال، او حتى على جهاز الحاسوب فانه لن يقاوم المصادر الاخرى للمعلومة والتي باتت تطرح بقوالب وأشكال حديثة، مثال ذلك؛ في الخبر البسيط أيام زمان، تحوّل اليوم الى "قصة الخبر"، والمقال تحوّل الى دراسة مفصلة للموضوع، وهو متخم بالمعلومات والارقام والاستنتاجات بغض النظر عن صحتها وسقمها.
ولذا نجد سماحة الامام الشيرازي يشير بوضوح الى مسألة التأثير وليس توزيع الكتاب وحسب، وهذا لن يكون إلا بوجود الكتاب بين يدي أكبر عدد ممكن من القراء، وفي مناسبات عديدة أكد سماحته على ضرورة رفع اعداد النسخ المطبوعة من الكتب لتصل الى عشرات الملايين لتأخذ اكبر مساحة ممكنة في المجتمع وتغطي على ما سواها، فليس بالضرورة ان كل نسخة كتاب تكون مقروءة بالحال، إنما يحصل أن نسخة من كتاب تكون مقروءة بعد فترة من الزمن عندما تكون في مكتبة مدرسة، او على رصيف لبيع الكتب، او في جامعة، لاسيما اذا كان عنوانه مثيراً بموضوع مهم تاريخياً او عقدياً او فكرياً، فاذا لم يقرأه الأب في البيت، فان الابن ربما يأخذه ويقرأه بعد سنوات ويترك التأثير المطلوب عليه.
ولعل هذا يفسّر لنا اسباب الإقبال على بعض المؤلفات لمفكرين مضى على وفاتهم عقود من الزمن، واذا نلاحظ إقبال الشباب اليوم عليها وشرائها بأسعار غير زهيدة، ولعل من هذه المؤلفات، ما تركه لنا سماحة الامام الراحل نفسه، من كتب طبعت قبل حوالي ثلاثين او اربعين سنة، وقد ناقشت قضايا وهموم نعيشها اليوم اليوم، وقدم فيها سماحته –رحمه الله- كل المعالجات والحلول الواقعية.
وعندما نسمع من سماحته المطالبة بالإكثار من توزيع الكتب، فهو يرنو الى الكتب ذات الموضوعات المتصلة بواقع المجتمع والامة، وليست كتب الترف الفكري، فهو الذي أحاط بقلمه معظم الاهتمامات والتخصصات –إن لم نقل جميعها- من سياسة واجتماع واقتصاد وقانون وتاريخ وفلسفة وغيرها كثير، فانه يطمح الى ظهور جيل جديد من الشريحة المثقفة التي تواصل هذا النهج في تناول افكار معمّقة تعالج امور حيوية، تتعلق بحياة الانسان وبطريقة تفكيره ومعيشته، وليكن الاسلوب متطوراً، والطرح جذاباً، كأن يكون الكتاب حوارياً، او قصصياً، بما يمكن ان يُشرك القارئ في فكره ورأيه مع رأي المؤلف، كما لو أن الكاتب يتحدث مع القارئ بعينه وهو ممسك بالكتاب بين يديه.
إن وجود الكتاب بين يدي القارئ يمثل خطوة متقدمة لنشر الوعي وبناء الشخصية الانسانية، لان هذا الكتاب سيكون جليس صاحبه، ضمن علاقة يحكمها نوع من الاحترام المتبادل، لنتصور الاعداد الممكنة لعلاقة وصداقة من هذا النوع في المجتمع والامة، ماذا نكسب؟ وما التأثيرات المترتبة على الواقع الذي نعيشه؟