التعددية الحزبية
من قاموس الامام الشيرازي
حيدر الجراح
2015-04-29 02:08
تناول المرجع الراحل الامام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) ظاهرة التعددية الحزبية من زوايا عديدة في كل ماكتبه حول هذا الموضوع، تجاوزت الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة، حيث ينقسم الحكم التكليفيّ وهو الحكم المتعلّق بأفعال الإنسان والموجّه لها مباشرةً إلى خمسة أقسام:
1- الوجوب: وهو الحكم الشرعيّ الذي يبعث نحو الشيء الذي تعلّق به بدرجة الإلزام، بشكلٍ لا يسمح الشارع بالمخالفة، نحو وجوب الصلاة، ووجوب الحجّ، ووجوب الصوم.
2- الاستحباب: وهو الحكم الشرعيّ الذي يبعث نحو الشيء الذي تعلّق به بدرجة دون الإلزام، لذلك توجد إلى جانبه دائماً رخصةٌ وإجازةٌ من الشارع في مخالفته، نحو استحباب صلاة الليل، واستحباب الصدقة، واستحباب الدعاء في ليالي القدر.
3- الحرمة: وهو الحكم الشرعيّ الناهي والزاجر عن الشيء الذي تعلّق به بدرجة الإلزام، بشكلٍ لا يسمح الشارع بالمخالفة، نحو حرمة الربا، وحرمة الزنى، وحرمة بيع الأسلحة من أعداء الإسلام.
4- الكراهة: وهو الحكم الشرعيّ الناهي والزاجر عن الشيء الذي تعلّق به بدرجةٍ دون الإلزام، لذلك توجد إلى جانبه دائماً رخصةٌ وإجازةٌ من الشارع في مخالفته، فالكراهة في مجال الزجر كالاستحباب في مجال البعث، كما أنّ الحرمة في مجال الزجر كالوجوب في مجال البعث، ومثاله كراهة النوم بين الطلوعين، وكراهة خلف الوعد.
5- الإباحة: وهو الحكم الذي يفسح فيه الشارع المجال للمكلّف ليختار الموقف الذي يريده، حيث يخلو الشيء الذي تعلّق به حكم الإباحة من أيّ نحوٍ من أنحاء الإلزام، ونتيجة ذلك أن يتمتّع المكلّف بالحريّة فله أن يفعل وله أن يترك. الى تحليل تجارب الحركات والأحزاب في الساحة الإسلامية ومقارنة ذلك بأداء بعضها ولا سيما الأحزاب العلمانية في الدول الغربية والشرقية..
تعامل الامام الراحل (قدس سره) مع شرعية الحزب في الدولة الاسلامية من زاويتين:
الأولى: أصل التنظيم
الثانية: وظائف الحزب
التنظيم صفة كونية نقلها الامام الشيرازي الى المجتمعات الإسلامية، حيث يركز على الصفة الإيجابية للتنظيم، ويحاول ان يصف بها الهيئات والأحزاب التي تقوم على فكرة التنظيم ليضيف مشروعية على وجود الأحزاب داخل المجتمعات المذكورة، كما يرد ذلك في كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه).
اضافة الى التنظيم، اكد الامام الراحل على الحرية في مسألة تشكيل الاحزاب وغيرها من حريات اخرى للانسان، لانه لانها اصل في الاسلام ممتدة الى كل افعاله، ولكنها بالمقابل مقيدة بشرط عدم التعارض مع الإحكام الإسلامية، والتي جاءت كوابح في مجال النواهي للفعل الإنساني لمعارضتها الفطرة الإنسانية ودوافع في مجال الأوامر لتكون حركة الإنسان منسجمة مع الفطرة الإنسانية والغاية من وجود الإنسان. ومن هذا الفهم للحرية في الإسلام انطلق الامام الشيرازي في تأكيده شرعيه الأحزاب الإسلامية اذ ان الحرية لديه تشمل: حرية التعبير عن الرأي وحرية التكتل والتنظيم، ولذلك فهو يعتقد ان هذه القضية تعد من صميم وجود الإنسان بل تكاد تكون من لوازم وجوده ولذلك فهو يقول "المسلمون أحرار في تأسيس الأحزاب والتكتلات الا في المحرمات الشرعية" كما في كتابه استفتاءات حول السياسة الإسلامية.
وهكذا يوازن الامام الراحل بين مبدأ الحرية والضبط الاجتماعي الإسلامي عندما يجعل الإنسان حراً في تأسيس ما يعتقده صالحاً من أحزاب أو تكتلات، ولكنه يقيده بضابط أن تكون هذه التكتلات في ضوء ما أصّله الله انطلاقاً من إدراكه أن أي تجمع لا يقوم على أساس الشريعة الإسلامية سوف لن يخدم حركة الإنسان الإيجابية في الأرض.
ويتطرق الامام الشيرازي الى قضية مهمة جداً وهي علاقة الدولة بالأحزاب وبالأخص حقها في المنع أو التدخل لتنظيم وجود الأحزاب، اذ تذهب اتجاهات سياسية الى اعطاء الدولة مثل هذا الحق بدعوى المحافظة على الوحدة الوطنية وهو أمر قاد اغلب الدول التي تتبنى مثل هذا الاتجاه الى الدكتاتورية والتسلط وآخر يمنح الدول حق التشجيع على ممارسة مثل هذا الدور. هذا الخلاف ناجم من اختلاف الفلسفة السياسية لدى كل اتجاه فالأول يركز على الجماعة ويعزز من دور الدولة على حساب الفرد والأخر يضخم من دور الفرد، ويقلل من فائدة تدخل الدولة في هذا المجال. والامام الراحل ومن خلال تحليله لطبيعة دور الدولة وعلاقتها بالفرد على وفق الرؤية الإسلامية ذهب الى ان الدولة لا تمتلك حق منح تشكيل الأحزاب اذ اجاز تشكيلها دون موافقة الدولة، انطلاقا من إيمانه بان الأصل في الإسلام الحرية الفردية ما لم ترد قيود عليها من قبل الشارع المقدس وانه لا توجد مثل هذه القيود.
ان هذا المنح لا يعني عدم تدخل الدولة في تنظيم عمل الأحزاب طبقاً لقانون الأحزاب في البلدان التي تؤمن بالتعددية، فان حرية التشكيل لا تعني حرية العمل وفق أساليب يرتأيها الحزب، بل ان هناك قيود على عمله ووسائله يمكن ان تنظم بقانون علماً بان هذه القيود مستمدة من الشريعة الإسلامية ولابد من توضيح أمر هام جداً في هذا المجال ان الامام الراحل عندما يتكلم عن حرية الإنسان في تشكيل الأحزاب فانه يعالج المسألة في ظل دولة اسلامية وهو يتحدث عن أحزاب اسلامية، ولذا فان منح الدولة التدخل في موضوع الموافقة على تشكيل الأحزاب يختص بهذا الجانب(الأحزاب الإسلامية) اما غيرها فان السيد الشيرازي وان لم يتطرق الى ذلك صرامة لا انه المتأمل في أقواله يجد ان من واجب الدولة منح الأحزاب التي تتخذ من الإسلام عدوا لها في إيديولوجيتها. ولم يكتف السيد الشيرازي بمنح الدولة ممارسة الضغوط على تشكيل الأحزاب الإسلامية بل دعاها الى توفير الحريات ومنها حرية تشكيل الأحزاب. ان الرأي الذي يتبناه السيد الشيرازي حول تشكيل الأحزاب وعلاقة الدولة بذلك يمكن ان يكون في ظل افتراضات ثلاثة هي:
ان يكون هناك حكومة اسلامية تؤمن بالتعددية الحزبية، وفي هذا الغرض فان هذا الرأي يجد له مصداقاً على أرض الواقع. وإما ان تكون هناك حكومة علمانية تؤمن بالتعددية الحزبية ومنها الأحزاب الإسلامية وهنا أيضاً يمكن ان يكون لهذا الرأي مصداق على الساحة.
وأما ان تكون الحكومة اسلامية أو علمانية ولا تؤمن بالحزبية أو تؤمن بها ولكن لا تؤمن بوجود أحزاب اسلامية وهذا الغرض هو السائد في اغلب البلدان الإسلامية وهنا تنبع وجود مشكلة الحزب الإسلامي على رأي الامام الراحل المذكور. وفي مثل هذه الحالة عادة ما يتم التخلص من الأحزاب انطلاقاً مما تتمتع به السلطة من قوة أو تدخل الأحزاب في صراع واحتراب معها من اجل الدفاع عن حقها في التواجد في الساحة، وهذا الصراع غير متكافئ يضعف الحركة أو يضيق عليها بحيث تتحول الى حركة مهاجرة في حالة تعاطي دولة مجاورة لها أو مهاجرين في دولة أخرى.
وقد حدد الامام الراحل وظائف عدة للأحزاب أو التكتلات الإسلامية تضفي على وجودها أحيانا الوجوب الشرعي وعلى النحو الآتي:
الوظيفة التربوية - وظيفية تجسيد المفاهيم السياسية الإسلامية - إدارة الدولة - الوظيفة التغييرية - الانتصار على الأعداء.