الشيخ حسن الغسرة يروي بعض ذكرياته عن الإمام الشيرازي
عقيل ناجي
2019-06-01 04:22
في لقاء جميل مع أخي وصديقي الشيخ حسن الغسرة[1]، من أهالي بني جمرة[2] في مملكة البحرين، وسكان مدينة حمد،[3] الدوار الثامن، وذلك عصر يوم الثلاثاء 22 أبريل 2019م، وكان الغرض من اللقاء أن أسجّل ذكرياته عن تواصله مع المرجع الراحل الإمام السيد محمد الشيرازي ورغم أنه لم يوفق للالتقاء بسماحته إلا أنه جرت بينهما عدة محادثات هاتفية، كما سمع من بعض أقاربه بعض المواقف التي تستحق التوثيق، أما عن الاتصالات الهاتفية فمن خلالها ربطتهما علاقة وطيدة، حتى أن الإمام الشيرازي كان يسأل عنه عندما يزوره أيّ وفد من الزوار البحرينيين، ويطلب منهم أن يبلغوه السلام، كما يطلب منهم أن يوصلوا إليه بعض وصاياه وإرشاداته.
وبما أن الشيخ حسن يعاني من آثار المرض والضعف البدني بسبب ما يعانيه من السّكر، شفاه الله وعافاه، إلا أنه كان يتحدث لي بقدر جهده وبلهجته البحرينية التي تعوّد عليها، وهو لا يزال حتى تاريخ هذا اللقاء يعاني من حالة ضعف في وضوح النطق بسبب الجلطة التي أصابته قبل سنوات قليلة ماضية، وقانا الله وإياه وكل المؤمنين وأدام علينا وعليه الصحة والعافية، وقد أثار الشيخ حسن ذكرياته من خلال بعض الاتصالات الهاتفية التي أجراها مع سماحة المرجع الراحل، وقد رأيت أن أوثقها في هذه المادّة بعد تحريرها وصياغتها.[4]
الوالدة وحالة حزن
يقول الشيخ حسن الغسرة:
أتذكر أن الوالدة – رحمها الله – تأثّرت كثيراً بعد أن قال لها البعض أن تقليدها باطل لأنها اخبارية وباقية على تقليد مرجع ميّت، فحزّ في نفسها هذا الأمر، وحزنت كثيراً إلى حدّ البكاء، وعندما سألتها عن سبب حزنها أخبرتني بذلك وقالت: إنهم يريدونني أن أقلّد المرجع الفلاني..[5] فقلت لها: لا عليك يا أمّاه سأُوافيكِ بالإجابة التي يطمئنُّ لها قلبك، وتزيل همّك، فتنقضي كلّ أحزانكِ، وتتبدد متاعبكِ.. و لا عليك من كلّ هؤلاء وعليك البقاء على تقليدك.. ولكنني وزيادة في الاطمئنان بعد صلاتي المغرب والعشاء سأتصل بسماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي لأسأله عن مشكلتك هذه وأوافيكِ بالخبر اليقين حتى تهدأ نفسُكِ ويطيبُ خاطرك.
وبالفعل قمتُ بالاتصال بمكتب الإمام الشيرازي، فأجاب على المكالمة أحد العاملين، فقلت له: أريد التحدث مع سماحة المرجع السيد محمد الشيرازي.. وكان ذلك على ما أظن في بدايات التسعينيات الميلادية عندما كنت أسكن في بيت والدي في "بني جمرة"، وبالفعل تحدثت مع سماحة السيد وأخبرته بالقصة كاملة والوالدة تقلد الشيخ حسين العصفور وباقية على تقليده، وقد تأثّرت من كلام البعض عندما قالوا لها إن تقليدك باطل لأنه لا يجوز تقليد الميت وعليك الرجوع إلى فلان من المراجع.
فقال لي سماحة الإمام الشيرازي -بما معناه-: قل لها أن تبقى على تقليد الشيخ حسين العصفور وتقليدها صحيح.
على هامش قضية دعوة السفارة:
يقول الشيخ حسن الغسرة:
هذه الحادثة حصلت في حوالي 1990م على ما أتذكر، لأنه أُفرِج عني من السجن عام 1988م، وأثيرت بعد ذلك دعوة السفارة وحدثت ضجة كبيرة، وصدرت فتاوى من البعض، وكنت متأثراً بهذا الحدث كثيراً لشذوذهِ عن طريق الجادّة، وكان فحوى هذه الفتاوى مقاطعة دعوة السفارة التي ظهرت في البحرين وانتشرت في بعض الأماكن الأخرى، وقد رأيت أن أتصل بسماحة المرجع محمد الشيرازي وأخبره بأن يصدر فتوى لمقاطعة هؤلاء ويكون أحد هؤلاء المراجع الذين وقفوا بقوة ضدهم.
وقد اتصلت بالفعل بمكتب المرجع الشيرازي وأجابني: أنا أفتي للناس وليس ضد الناس.. لأنني لو أفتيت ضدهم فهذا يعني تعظيماً لشأنهم ولا تفيد هذه الفتوى أحداً على الإطلاق، قال تعالى: (...فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).[6]
وفي تلك الفترة ضاقت الدائرة على أنصار دعوة السفارة في البحرين، ولم يتوسعوا في أنشطتهم، حيث تأثروا بشيئين وهما:
1- عدم توسعة نشاطهم العملي في الساحة.
2- عدم زواج بناتهم، بسبب مقاطعتهم من الناس.
وحسب وجهة نظري أن سماحة المرجع محمد الشيرازي أحسن كثيراً عندما لم يصدر فتوى ضدهم، ولو أصدر فتوى ضدّهم لجعل لهم مكانة في المجتمع، وكان الأفضل تجاهلهم فيتجاهلهم الناس، وهذا ما حدث بالضبط فلا قيمة لأي نشاط يقومون به ما دام غالبية أبناء المجتمع وقفوا ضدهم بالمقاطعة، رغم أنهم ينطلقون من مقر تحت اسم (جمعية التجديد) بالقرب من مستشفى السليمانية عند مصنع البيبسي، وقتئذٍ، ولديهم ترخيص، ولا زالوا يقيمون محاضرات وندوات ومؤتمرات، ويدعون شخصيات علمية من مختلف الأماكن، وقد أصدروا بعض الإصدارات حول دعوى السفارة، حيث يدعون بعدم إيمانهم بالسفير الرابع للإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) محتجين بـمقولة: (من ادعى السفارة فكذبوه)، وعدم إيمانهم بالسفير الرابع يعني بقاء دعوى السفارة مفتوحة مما يترك لهم فضاء أوسع للحركة بينما هم يدّعون ما ليس لهم على الحقيقة، وما هذه إلا دعوى باطلة بحكم العقل والشرع، والقرائن التاريخية أيضاً تنكر عليهم هذه الدعوى.
إهداء كتابي (التعصب وتدمير الذات)
يقول الشيخ حسن الغسرة:
طبعت كتابي (التعصب وتدمير الذات) عام 2000م، وأرسلته مع الشيخ علي العصفور، من قرية دمستان،[7] إلى سماحة المرجع السيد محمد الشيرازي، فاتصل بي الشيخ علي من مكتب سماحة المرجع وأعطى السمّاعة لسماحته ليتحدث معي، فشكرني سماحته على هذا إصدار هذا الكتاب، وقال لي: إن شاء الله تطبعون مائة كتاب، وبقي عليكم تسعة وتسعون كتاباً.. وأقترح عليك أن تكتب كتاباً عن فضائل الإمام الحسين عليه السلام.
وبالفعل جمعت فيما بعد بعض كرامات الإمام الحسين وسميته بنفس الاسم، وأرسلته مع بضع الزوار لسماحة المرجع، فاتصل بي سماحته ليشكرني على هذا الكتاب، وقال لي من ضمن ما قال: كان عليك أن تسميه (من كرامات الإمام الحسين "ع") فمن تبعيضية[8] وكرامات الإمام الحسين كثيرة جداً ولا يمكن لأي منا الوقوف على عددها.
مع كتاب (توجيهات شرعية)
يقول الشيخ حسن الغسرة:
جمعت ملفاً وهو عبارة عن أسئلة موجهة لسماحة السيد محمد الشيرازي وأطلقت عليه (توجيهات شرعية)، وأرسلته مع ابن عمتي الحاج حسين عبد الرسول الغسرة، حيث كان ذاهباً لمشهد المقدسة لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ثم زيارة السيدة المعصومة في قم المقدسة، وعندما زار ابن عمتي سماحة المرجع محمد الشيرازي، اتصل لي سماحته ليسألني عن سؤال غير واضح، ماذا أقصد من هذا السؤال بالضبط، فأجبت سماحته ووضحت له مقصودي من السؤال، وهذا ينمّ عن الاهتمام الكبير من سماحته بكل من يتواصل معه ويسأله أي مسألة شرعية في أي زمان ومن أي مكان، فهو بحقّ مرجع الأمة، ولا يستكف شخصياً عن متابعة أي استفسارات تُوجّه إليه.
وقد أجاب سماحته عن جميع هذه الأسئلة، وقامت وقتئذٍ (مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر – بيروت، لبنان) والقائم عليها الشيخ علي الفدائي بطباعة هذا الكتيب مع إجابات سماحة السيد المرجع محمد الشيرازي.
كنت أصحح كتيبات الإمام الشيرازي:
يقول الشيخ حسن الغسرة:
هناك موقف طريف حصل لي وأنا طفل صغير في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية – على ما أتذكر -، حيث كان الوالد رحمه الله عندما يذهب إلى كربلاء يُحضر معه كتيبات السيد المرجع، تلك الكتيبات التي تم طباعتها بالألوف وتم توزيعها على زوار السيد المرجع وأكبر قدر من زوار العتبات المقدسة وقتئذٍ، بل وُزعت في كثير من مدن وقرى العراق، وكذلك مدن وقرى دول الخليج في تلك الفترة، نظراً لكثرة أتباع الإمام الشيرازي، وسعة أنشطتهم في كل المنطقة تقريباً، وبعد وفاة الوالد عام 1973م كنت أنظر في هذه الكتيبات وهي -على ما أتذكر- (أعرف الشيعة) طبع في مطبعة الآداب بالنجف عام 1384هـ، و(من هم الشيعة) الآداب، 1385هـ، و(قصة الشيعة)، و(واقع الشيعة)، و(قضية الشيعة)، و(مقالة الشيعة) و(هوية الشيعة) و(أفكار الشيعة) وبقية هذه الكتيبات التي علمت لاحقاً أنها وُزعت بالألوف في موسم الحج بالحرمين الشريفين، إلا أن والدي حصل على بعضها من كربلاء ذاتها، وكانت ضمن مقتنياته وظلت لدينا حتى بعد وفاته رحمه الله، ولأنني كنت طفلاً لا أعي أهمية الكتاب وقتئذٍ فكنت أقلد على الأستاذ في الصف الأول والثاني الابتدائي، عندما يقوم بتصحيح الدفاتر بالقلم الأحمر، فكنت لفرط جهالتي أصحح في هذه الكتيبات وقد اعتبرتها كالدفاتر تماماً، وأتذكر أنني وضعت علامة 10 على 10 في بعضها وبعضها كنت أضع أقل من ذلك.. ولن أنسى هذا الموقف الطفولي الطريف، علماً أنني عندما كبرت قرأت هذه الكتيبات جميعها، وأقتني في مكتبتي أكثر عدد ممكن من إصدارات آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي "قده".
مع المحامي صالح عبد الوهاب الجمري:
يقول الشيخ حسن الغسرة:
نقل لي المحامي الحاج صالح بن عبد الوهاب بن علي الجمري،[9] ابن عمتي، قائلاً: ذهبنا إلى مدينة قم المقدسة – في نهاية التسعينات قبل الـ 2000م– وكانت في زيارة لمجموعة من الشخصيات وقابلتهم شخصياً وكنت أسأل كل منهم العديد من المسائل في القانون الحديث ومشاكله وتضاربه مع بعض المسائل الشرعية لدينا في الفقه الإسلامي بشكل عام والفقه الجعفري بشكل خاص، ولكنني لا أحصل منهم على بغيتي بالضبط، ولم أحصل على إجابات عن أسئلتي القانونية على الإطلاق؟
ورجعت من ذلك الطريق وإذا بي قريبا من مكتب المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي.. فقال لي قريبي منير الغسرة: دعنا ندخل، فقلت له – ممتعضاً-: نحن لا نقلد السيد الشيرازي وليس لنا أي علاقة به لذلك سنذهب للفندق لنستريح.. وكنت قد استصحبت نفس الحالة التي وجدتها لدى الآخرين الذين للتوّ قد انتهينا من زيارة العديد منهم.
فأصرّ المرافق على أن ندخل مجلس السيد محمد الشيرازي.. فدخلنا مكتب السيد المرجع الشيرازي، وكان الوقت ظهراً، فكانت المفاجأة.
لم أكن أتوقع أن أقابل مرجعاً من المراجع بكل هذا التوسع في الاطلاع والإحاطة بمختلف العلوم، ومنها القانون بمختلف جوانبه التشريعية، وما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، والقوانين الوضعية المستقاة من القانون الإنجليزي والقانون الفرنسي، وموضوعات القانون المقارن، والقانون الجنائي، والقانون التجاري، إلى آخر هذه القائمة من أنواع القانون ومختلف موضوعاته.[10]
كنت في مجلس السيد جالساً ولم أنطق ببنت شفة، ولكن السيد الشيرازي بطبعة وأريحيته يحب التعرف على الجميع، فسألني: من معنا؟ فقلت له: أنا المحامي صالح عبد الوهاب الجمري.. فصار السيد يسألني في القانون وأنا أجيبه، ثم قمت أسأله وأطرح عليه بعض الإشكالات في القانون، فأجابني إجابات وافية وسريعة ودون أي تردد وكانت إجاباته تجمع بين القانونين الأرضي الوضعي، والقانون الشرعي المستقى من أدلة الاستنباط، وهكذا استولت حواراتنا على أغلب وقت الجلسة، وقد أعطاني سماحة السيد إجازة شرعية وبعض الإرشادات المكتوبة في القانون فيما يتعلق بإدارة شؤون القُصّر، وبالذات عندما تتعلق قضاياهم في المحاكم وتتأخر معاملاتهم في ظل القوانين الوضعية.