هل يمكن إعادة هيكلة الأحزاب العراقية؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2019-04-15 07:37

للأحزاب السياسية العراقية اليوم دور يتبوّأ الصدارة في صناعة النظام السياسي العراقي، وهذا ينعكس بصورة كبيرة على طبيعة هذا النظام من حيث إجادته لإدارة الدولة أو إخفاقه، فبعد أن حُكم العراق في ظل نظام سياسي يعتمد أسلوب الحزب الواحد، وعانى ما عاناه العراقيون من التفرّد السياسي والأحادية الطاغية في اتخاذ القرار وفي إدارة شؤون الدولة والشعب، ها هم العراقيون يجربون - منذ عقد ونصف من السنوات- نظام الأحزاب المتعددة، فهل وُفِّقتْ الأحزاب المشاركة في صياغة وتكوين النظام السياسي الحالي في إثبات قدرتها على القيادة الناجحة؟

إن الواقع السياسي يجيب بوضوح عن السؤال أعلاه، فالنتائج على الأرض ليست مشجعة، وهي لا تميل إلى صالح الأحزاب، ولكن هل يعني هذا أن النظام المنبثق من تعددية الأحزاب أقل قدرة على العمل السياسي من النظام القائمة على قيادة الحزب الواحد أو الأوحد؟، في سياق ما سيأتي في هذه الكلمة سوف نبيّن بالأدلة أي النظامين أفضل من الآخر مستندين في ذلك على الدلائل التاريخية في الحيّز السياسي، ومع ذلك هنا من يرى في تعدد الأحزاب مشكلة وعدم قدرة على النجاح في إدارة الدولة!.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه الثمين الموسوم بـ (الشورى في الإسلام):

(هناك من يرى أن تعدد الأحزاب قد لا يساعد على بناء مؤسسات الدولة كما يجب).

ولكن لو أننا بحثنا في الفارق بين نظام الحزب الواحد والأحزاب المتعددة من حيث الجودة والإخفاق، سوف نجد أن فاعلية الحرية السياسية، وسعة المشاركة بعملية صنع القرار في ظل نظام الأحزاب المتعددة يفوق بكثير نظام الحزب الواحد الذي يعتمد حصراً على رأي وقدرات فرد واحد هو قائد الحزب وهو غالبا ما يكون رئيس النظام السياسي الذي يحكم البلاد.

وحين نقارن بين تعدد الآراء والخبرات والرؤى حول أمرٍ معين، وبين أن يكون الرأي والرؤية واحدة، فإننا نستطيع أن نفهم أفضلية النظام الذي يقوم على تعدد الأحزاب كبديل لنظام الحزب الواحد، فالحرية الأصيلة التي يتيحها نظام الأحزاب لا يمكن أن نعثر عليها في ظل نظام سياسي منبثق عن حزب واحد لا يسمح لسواه من الأحزاب الأخرى أن تشاركه في صياغة القرارات وإدارة الدولة.

يقول الإمام الشيرازي حول ذلك:

(هناك خلاف بين المفكرين في أفضلية النظام القائم على حزبين على القائم على عدة الأحزاب، إذ يذهب بعض المفكرين إلى الرأي الثاني انطلاقاً من علل عديدة منها: أصالة الحرية والتي يوفرها بشكل اكبر وجود عدة أحزاب).

التعددية وانتخاب الهيئة الحاكمة

إن المزايا الكبيرة بين نظام التعددية الحزبية والانفراد الحزبي بالحكم لا تحتاج إلى إثبات، وإذا تعثرت تجربة معينة في العراق أو غيره ولم تفلح الأحزاب في تشييد نظام سياسي مقتدر، هذا لا يعني أن الخلل في نظام التعددية، بل هناك مشكلة في هيكلية هذه الأحزاب، وفي أساليبها الإدارية وربما في مبادئها وأفكارها، أما التجارب التاريخية والآنية في كثير من الأمم والشعوب، فهي تؤكد أفضلية النظام السياسي المنبثق من تعددية حزبية على نظام الحزب الواحد.

فالتعددية الحزبية تعني عدم الانفراد بالسلطة، وتُبعد شبح الدكتاتورية عن مؤسسات الدولة، بل ستنعكس التعددية الحزبية على نظام الحكم نفسه، وتنتقل إلى مؤسسات الدولة المهمة، مثلما تنعكس حالة التفرّد بالسلطة في نظام الحزب الواحد على الدولة والحكومة، وتختصر جميع العقول والخبرات في عقلية القائد القاصرة في معظم الأحيان كونها لا تؤمن إلا برأيها ورؤيتها الفردية المتأتية من شخصية مأزومة مريضة متضخمة تشطّ عن الصواب في الغالب.

الإمام الشيرازي يقول عن ذلك:

(إنّ تعدد الأحزاب السياسية وطبيعة تنظيماتها لهما تأثير كبير جداً في انتخاب الهيئة الحاكمة، وان هذا التأثير يكون ملحوظٌاً بشكلٍ اكبر في الهيكلية الداخلية للمؤسسات الحكومية).

ويكمن التأثير الكبير للأحزاب في تدخلها بقضية توجيه الناخبين وتوجيههم وإدخالهم في عملية منافسة انتخابية تجعل الجميع يشعر بمسؤوليته في صناعة القرار من خلال اختيار ممثلين له في الحكومة عبر الانتخابات، كذلك في نظام التعددية يتم اختيار الكابينة الوزارية والحكومة ورئيسها من قبل الأحزاب، مما يؤكد أنها تتدخل في عمل الناخبين والمرشحين في نفس الوقت، وهي مهمة أساسية للأحزاب تعتمد عليها عملية النجاح والفشل السياسي لهذا النوع من النظام، لهذا تقع مسؤولية نجاح أو فشل النظام السياسي التعددي على عاتق الأحزاب السياسية.

يقول الإمام الشيرازي:

(إن الأحزاب السياسية، لا تكتفي بتصنيف الناخبين والمرشحين بل تسعى أيضاً، إلى التأثير في اختيار الوزراء ونواب الوزراء وأعضاء البرلمان).

حجر الزاوية يكمن في ديمقراطية الأحزاب

لذلك يجب أن تكون الأحزاب في بنيتها التنظيمية والهيكلية ديمقراطية، ومتطورة في فكرها وتطبيقاتها حتى ينعكس ذلك على النظام السياسي وطبيعته التي تؤخَذ من الطبيعة السياسية للأحزاب، فإذا كانت تطبّق المنهج الانتخابي في اختيار قيادتها ولجانها وهيئتها الإدارية ونشاطاتها المختلفة، فإنها في هذه الحالة تسلك السلوك الديمقراطي في عملها التنظيمي والإداري والقيادي، وهذا يعني أنها سوف تعكس هذا المنهج على الحياة العامة في المجتمع ومؤسساته المختلفة النقابية والمهنية والعلمية وسواها.

ويمكن أن تنتقل تجربة الانتخابات الحزبية وآلياتها كطريقة الاقتراع والترشيح والضوابط التي تحكم ذلك إلى المجتمع ومؤسساته، فالمدرسة والجامعة تحتاج إلى منظمات أو اتحادات تدير شؤون الطلبة، في هذه الحالة سوف ينعكس نظام الأحزاب الديمقراطية إلى المؤسسة العلمية بمختلف مراحلها، كذلك الحال في الدوائر والمنظمات والنقابات وسواها، هذا الأسلوب الديمقراطي لا يمكن أن يكتسب جودته الفاعلة إلا في نظام سياسي تعددي تشترك في بنائه أحزاب عديدة، تؤمن بالديمقراطية والانتخابات عبر مؤتمرات دورية منتظمة تقوم على المنافسة الشريفة.

لذلك يجب أن تكون الأحزاب ديمقراطية بذاتها ويجب أن نستدل على صفتها هذه من خلال تنظيم الانتخابات الديمقراطية في داخلها أولا، ويجب أن تكون هذه الانتخابات نزيهة ولا يصح أن تبقى الوجوه القيادية وتكرر نفسها بل يجب أن تكون هناك دماء جديدة تتبادل الأدوار في القيادة والإدارة، لأن هذا الأسلوب سوف ينعكس على النظام السياسي للدولة، وهذا ما نحتاجه اليوم في العراق، لأننا لا نحتاج لأحزاب تفشل في تطبيق الديمقراطية داخل تنظيماتها!.

لذلك يقول الإمام الشيرازي:

(يقال لحزب انه ديمقراطي فـي حال ما إذا انتخب زعماؤه، من قبل أعضاء الحزب من خلال انتخابات حقيقة وبالاقتراع السرّي أو العلني، والمنهج والسياسة العامة لمثل هـذه الأحزاب سواء على صعيد التنظيمات أو القرارات، يتم تعيينهما وتحديدهما في المؤتمر العام للحزب).

على العكس من ذلك هو الحزب الدكتاتوري الذي لا يجرؤ على تغيير قادته كون أعضائه محكومون بفردية قيادة الحزب التي تقود النظام السياسي كما كان يحدث في عهد البعثيين، وقد عايش العراقيون فشل ذلك النظام الدكتاتوري الذي استمد نسخته الحكومية من نسخة الحزب الواحد وتنظيماته القائمة على الفردية والفشل.

من هنا يقول الإمام الشيرازي:

(يُقال لحزب إنه ديكتاتوري، في حال ما إذا تم تعيين قادته بحلول النائب مَحلَ القائد، وهلمّ جرا، ويكون منهجُ الحزب تجسيداً لما يريده قادة الحزب، ويكون الرأي المخالف للمنهج العام فيه ممنوعاً).

إننا في العراق نحتاج إلى نظام التعددية الحزبية كما هو الحال اليوم، لكن في ذات الوقت يجب على الأحزاب أن تُصْلح الهيكلة القائمة عليها، ويجب أن تثبت بالفعل أنها ديمقراطية قائمة على المنافسة الحرة، كما أنها مطالبة بكسب تأييد الشعب من خلال دورها الفاعل في بناء نظام سياسي قوي يرفض الفساد بكل أنواعه، ويثبت للجميع بأنه نظام التعددية والشفافية والعدالة الاجتماعية الراسخة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي