الصحافة الحرة والصحفيون الأحرار
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2019-03-11 06:39
معاداة الطغاة للإعلام الحر معروف على مرّ التاريخ، لأنه يهدد عروشهم المحميّة بالحديد والنار، ولكن هناك تداعيات خطيرة على المجتمع والدولة في ظل زعزعة حرية الإعلام، وتوجد معادلة تؤكد أنه كلما كان الخط البياني لحرية الإعلام عاليا، ترسخ وتتأكد ديمقراطية النظام الحاكم، ويصح العكس تماما، من هنا تعد حماية الحريات مقياسا للأنظمة السياسية الناجحة، وحين يتدخل الحاكم ونظامه السياسي في مضايقة الصحافة والإعلام وتهشيم مرتكزات الحرية ويوظّف الرأي لصالح حماية النظام وتلميعه، هذا يؤكد بلا شك قمعية هذا النظام وفشله الذريع، فالحكام المستبدون لا يعترفون بحرية الرأي أو الصحافة وتعنيهم الحريات والحقوق، إنهم يؤمنون بحرية النظام السياسي الذي يقودونه بأنفسهم، وبالرؤية والنظرية التي يضعونها بأنفسهم خدمة لمصالحهم الخاصة وحماية عروشهم من السقوط، وهؤلاء الحكام لا يكتفون بالصلاحيات المحددة لهم، لذلك يخشون الإعلام الحر ويحاصرونه، ويمسخونه تماما حتى يصبح لسانا لهم وملمّعا لمنهجهم الاستبدادي.
الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه الاجتماع ج1)، على إنّ:
(الحكام المستبدون يفرضون أنفسهم على وسائل الإعلام، وعلى المنظمات والملتقيات العامة بواسطة الشرطة السرية، وعلى قطاعات كبيرة عبر الترغيب والترهيب).
ويؤكد سماحته قائلا: (يقوم الحاكم الدكتاتوري بتجييش الإعلام وموارد الأمة للفتنة والفساد والإفساد والاتهام والقول بالافك والإثم حُبَّاً للشهرة، وللإنفراد بالسلطة، ولا سبيل لمواجهة ذلك إلاّ بحرية الأحزاب والإعلام واستقلاليته).
ولا يتوقف هذا النهج المنافي لحرية الإعلام على المستوى الداخلي، بل يمكن أن يتعدى الحاكم ذلك الى خارج بلاده او الدولة التي يحكمها، فيعمل على تحشيد الإعلام وتوجيهه خارجيا لصالح نظامه، لذلك ينبغي على الصحفيين والإعلاميين أن يحذروا من هذه الأساليب، كونها تحد من حرياتهم الإعلامية وتسيء لسمعتهم، لتصب في صالح النظام، من اجل تلميع صورته على الصعيد الخارجي، أي أن الصحافة والإعلام هنا يعملان لصالح الحاكم حتى خارج الصعيد المحلي.
وقد حذّر الإمام الشيرازي من ذلك قائلا:
(ما يجب الحذر مِنه في هذه المناخات ضمن الحدود القطرية يصدق أيضاً خارجها، فقد يذهب الديكتاتور إلى أبعد مِن ذلك فيُسخِّر وسائلَ الإعلام والضمائر ويجيّشها في المنحى نفسه).
الإعلام مهنة المتاعب
إن مهنة الإعلام توصف بأنها بالغة الخطورة، وتنطوي على متاعب هائلة، لكنها في الوقت نفسه مهنة المبادئ والشرف، فما من شك أن مهمة الإعلامي والصحفي على قدر كبير من المسؤولية، وقد تفوق أو تضاهي حالات الخطورة التي تتسبب بها لمن يتخذ من الإعلام مهنة له، ولم يخطئ من وصف الصحافة بأنها (مهنة المتاعب)، فعلى الرغم من مصاعبها، تتطلب نوعا من الحذر وكثيرا من الدقة والنزاهة في نقل الخبر ووصف الحادثة او تصويرها، لذلك غالبا ما تكون مهمة الصحفي او الإعلامي صعبة وخطيرة في ظل النظام السياسي الفردي، او النظام القائم على قيادة الحزب الواحد للبلاد، فكلاهما نظامان يقومان على التفرّد ورفض التعددية.
يقول الإمام الشيرازي:
إن (مهمة الإعلامي والصحفي والباحث الاجتماعي تكون أكثر صعوبة وتعقيداً، وتستدعي المزيد مِن الانتباه والحذر والتدقيق عند ما يكون التحقيق في بيئة تحكمها الأحادية الحزبية، تقديس الفرد، عدم التداول السلّمي للسلطة).
من هنا على الإعلامي أن يتسلح بصفات مهمة مع توافر حرية الرأي والموقف لديه، وأن لا يجعل من نفسه أداة تتلاعب بها إرادة الحاكم او نظامه ونواياهم التي لا تعبأ بكرامة الناس، كذلك لابد أن يبتعد الصحفي او الباحث عن سحب معلوماته من الشائعات، ولابد له أن يستند الى الحقائق والوقائع كما هي فعلا، وليس كما يسمع بها دون أن يراها ويقف عليها بنفسه، ويمرر ما يريد نقله للناس بذكاء وحنكة حتى يحمي نفسه، ليس بمعنى الخوف أو الجبن، وإنما لحماية النفس مع إيصال رأيه بذكاء.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(على الباحث أو الـمُحقق في اللقاءات ونشاطات استقراء ومسح الرأي العام تحاشي الاعتماد على الشائعات والدعايات والمناخات والأجواء الـمُصطنعة، بل يكون له مِن الذكاء ما لا يخلط الحقيقة بالمصطنع).
ومع تقادم التجربة الإعلامية وتراكم الخبرات سوف يحصل الصحفي والإعلامي على تجربة عملية نتيجة لتراكم الخبرة لديه، فهو يستطيع أن يميز في عمله بين الأخبار الملفَّقة والكلمات الكاذبة، ويمكنه أن يعرف ويتلمس الأجواء الحرة ويفرق بينها وبين أجواء التضليل والقمع، فإذا كانت الأجواء حرة فإن العمل او التحقيق الصحفي سوف يسير سلسا شفافا، يستند الى الحقائق بصورة تامة، ويلمس الصحفي تعاونا مكتملا معه، وعلى العكس من ذلك إذا كانت الأجواء مخاتلة وكاذبة، هنا لابد أن يفهم المشتغل في حقل الإعلام انه إزاء فخ السلطة وأهدافها التي تحاول ان تفرض عليه ما يحدد حريته ورأيه، فيفرض عليه هذا النظام الفردي حالات التزوير ونشر الشائعات، وشراء الذمم مقال أموال السحت الحرام التي تدمّر مكانة الصحفي وتهشّم سمعته بالكامل وتسيء لتاريخه وعائلته.
يقول الإمام الشيرازي:
(لابد مِن تجنّب إفرازات وانعكاسات الحاكم المستبد الـمُرّوِج لسياسة التجهيل والمسيطر على الإعلام، في الحوارات والمقابلات والتحقيقات والإحصاءات في عملية البحث عن الحقيقة).
المكانة الكبيرة للسلطة الرابعة
من أهم مهام الصحافة والإعلام بشكل عام، مراقبة السلطات الثلاث /التشريعية /التنفيذية /القضائية، ولابد أن تكون هذه السلطات تحت مجهر السلطة الرابعة، وهي سلطة الصحافة والإعلام بكل فروعه السمعية والبصرية والورقية، هذه السلطة الرابعة عندما تعمل في أجواء الحرية، سو تعطي نتائج باهرة في جميع المجال، وسوف تؤكد أن النظام السياسي ومؤسسات الدولة تعمل وفق إطار دستوري قانوني يحفظ حقوق الجميع، بمن فيهم حقوق الحاكم والمحكومـ لذلك من هنا لابد أن يتم ضبط السلطات الثلاث بقوة السلطة الرابعة، من خلال توفير الأجواء المتحررة لها، وإتاحة العمل أمامها بحرية تامة، مع نفاذ جميع القوانين على سلطة الإعلام وسواها، بمعنى عندما يخطئ الإعلامي والصحفي، سيكون خاضعا لسلطة القانون، فكونه ينتمي الى السلطة الرابعة، هذا لا يعفيه من العقاب العادل إذا كان يستحقه، ولكن في جميع الأحول لابد من رصد ومراقبة عمل السلطات الثلاث بحرية.
يقول الإمام الشيرازي:
(يجب ضبط السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، عبر وسائل عديدة منها الصحافة الحرة والصحفيين الأحرار، إذ يُحاسب الحكام والممثلين والقضاة عن كلِّ صغيرة وكبيرة).
فالإعلامي والصحفي والكاتب الباحث المتقصي عن الحقيقة، عليه شروط ينبغي أن يلتزم بها، مثلما له حقوق ينبغي توفيرها له من اجل أن ينجح في أداء مهامه، تتقدم هذه الأمور والحقوق، حرية العمل الصحفي والإعلامي، وعدم وضع المعوقات أمامه، أو منعه من أداء مهمته مهما كانت الأسباب، إلا ما يتعارض منها مع القانون، او الحريات والإساءة إليها، فالإعلامي لابد أن يعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، كذلك عليه أن يفهم دوره الكبير في النهوض بالدولة ومؤسساتها من جهة، وبالمجتمع ومكوناته كافة من ناحية ثانية، وعندما يكون على هذه الدرجة من تحمل المسؤولية وفهم ما يقوم به من دور كبير، عند ذاك سينجح في عمله وفق جميع المقاييس.
هنا يركّز الإمام الشيرازي على:
(المسؤولية كبيرة وخطيرة وحساسة للكاتب والمحقق والباحث والإعلامي لمساعدة المواطن أو الدولة في الوصول إلى فكر وإعلام دقيق ومحقق، ينهض فيه المفكر والباحث والإعلامي إلى التعاطي الإيجابي الحرّ المتحرر).
هكذا ينظر الإمام الشيرازي على دور الإعلامي والإعلام في رصد الوقائع السياسية وجعل السلطات الثلاث دائما تحت مجهر الإعلام وكشف الحقائق والفساد الذي قد تقع فيه هذه السلطات ومن يقودها أو يكون أحد أعضائها، فالرقابة الإعلامية لها قصب السبق في تعديل الانحرافات ومساعدة النظام السياسي على تنظيف نفسه من الفساد وغيره.