سقوط العالم الرأسمالي
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2018-11-12 06:57
يوم بعد آخر تتكشف الحقائق التي لا يمكن إخفاؤها بغربال، حيث تتفاقم الأزمات في عالم اليوم لأسباب عديدة، يتحمل مسؤوليتها الغرب، والرأسمالية ومن يقف وراءها على وجه التحديد، وقد نبّه إلى ذلك عدد من العلماء والمفكرين، الذين رأوا أسباب هذا الانحدار بعقولهم بعد التحليل والاستنتاج، الذي قادهم إلى نتائج خطيرة سيتحمل وزرها العالم أجمع بسبب القيادة الرأسمالية له بما لا ينسجم ولا يتوافق مع الفطرة الإنسانية.
وما الأزمات العاصفة التي تتخلل عالم اليوم، وما الحروب التي أودت بعشرات الملايين من النفوس إلا سببا من الأسباب التي يتحمّل مسؤوليتها القائمون على المنهج الرأسمالي تنظيرا وتطبيقا، فقد بلغت الخسائر البشرية في الحرب العالمية الأولى: العدد الكلي للإصابات والقتلى في صفوف العسكريين والمدنيين في الحرب العالمية الأولى أكثر من 37 مليون نسمة. مقسمة إلى 16 مليون حالة وفاة و20 مليون إصابة مما يجعله من أكثر الصراعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية في تاريخ البشرية. وفي الحرب العالمية الثانية التي تعد من أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ، قُدّر إجمالي عدد ضحاياها بأكثر من 60 مليون قتيل مثلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5% من إجمالي تعداد سكان العالم.
ولا تزال الأزمات والحروب بأشكالها المسلحة والاقتصادية والثقافية تنشر حرائقها في بقاع واسعة من عالمنا، وكل ما حدث ويحدث اليوم يقف وراءه المحتكرون (الربويون) الذي كدّسوا أموال العالم وثروات في الغرب، وحتى في الغرب نفسه حصروا الأموال بأيدي قلة قليلة من الأفراد وأصحاب الشركات، لذلك فالمشاكل التي تسببت بها الرأسمالية للعالم أجمع هي التي ستطيح بها، وهذه المشاكل أو العوامل هي التي عجَّلت أو ستعجّل بسقوط الرأسمالية.
الاستعمار صنيعة سيئة للرأسمالية
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، نبّهَ في كتابه القيم الموسوم بـ (الفقه: القانون)، العالم أجمع من خطورة النظام الرأسمالي، وفصّل العوامل التي خلقها الرأسماليون لتقف وراء تأجيج الصراعات والأزمات، وتجعل العالم أجمع أشبه بـ كرة النار التي لا تقبل الانطفاء، وقد أجمل سماحته تلك العوامل التي صنعتها الرأسمالية في الفكر وفي التطبيق على شكل نقاط في كتابه المذكور، وقد ثبّت تلك العوامل والأسباب, وأسهب في تفصيلها ومنها كما أكّد سماحته، الاستعمار، وهو صنيعة رأسمالية بحتة.
يقول الإمام الشيرازي في هذا الجانب:
إن الرأسمالية صنعت (الاستعمار بكل أشكاله، فمن المعلوم أنه لا فرق عند الفطرة في قبح أن يضرب الشخص عائلته أو جيرانه، وحقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب إذا افترضنا تطبيقها – وهو فرض يتنافى مع الواقع- خاص بالغرب لا بغيره، وهذا هو خلاف صريح لفطرة الإنسان).
ومن أشدّ الأساليب الرأسمالية فتكاً تشجيعها للربا، فهو أسلوب يستهين بكرامة الإنسان ويستغل الضعف المادي للفقراء بحجة إنقاذهم من العوز، لكنه في الحقيق يزيد الفقراء فقرا، ويزيد الأغنياء ثروات وغنى، وقد قال الإمام الشيرازي حول هذه النقطة بالذات:
(إن الربا من أقوى أسباب تكديس الأموال في أيدي قلة قليلة، حتى في بلاد الرأسماليين أنفسهم، وحرمان غيرهم – وهم الأكثرية الساحقة- من أولويات الحياة. وقد نشروا هم بأنفسهم إحصائيات تؤكّد: بأنّ في أمريكا – زعيمة الرأسمالية- أكثر من ثلاثين مليون فقير) آنذاك. يُضاف إلى ذلك أنّ الربا أحد أقوى الأسباب التي تقف وراء تخبط العالم في الديون المتراكمة حتى في أمريكا نفسها، وقد قدروا هم بأنفسهم أنه في عقد واحد – من الثمانين إلى التسعين- صارت ديون أمريكا ثلاثة أضعاف ديونها في مدة 200 سنة بدءا من عهد جورج واشنطن أول رئيس لأمريكا في سنة 1789.
أما العامل الآخر الذي أفرزته الرأسمالية والذي أسهم في مضاعفة حالة الاحتقان التي يعيشها عالمنا برمّته، هو السلاح، ولعل الترسانة النووية وحدها تؤكّد بما لا يقبل الشك، أن الرأسمالية دفعت بالعالم إلى الانتحار، إن لم يتم ذلك اقتصاديا من خلال الأزمات المالية المتعاقبة، فيوجد الانتحار بالسلاح الذي صنعه الإنسان بنفسه، وهو قادر على تدمير كوكب الأرض بحسب تقديرات القوة الانفجارية للأسلحة النووية المخزونة في الغرب وأمريكا وحدها.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن صناعة السلاح من أشد ما مني به العالم الحالي من خراب، لأنه تخريب غريب بذاته، وتخريب غريب بمفعوله، لذا ينبغي إلغاؤه جملة وتفصيلا).
الحروب العالمية رسمتها الرأسمالية
وبسبب وفرة السلاح النووي والتقليدي، والسباق المجنون في تطويره بين دول العالم الكبرى ودونها، صارت هناك حاجة لتجريب هذا السلاح، فكانت الحروب التي رسمت لها الرأسمالية، كي تستفيد اقتصاديا، وليذهب العالم والإنسانية إلى الجحيم!.
يقول الإمام الشيرازي: كانت (الحروب تدار من قبل الرأسمالية مباشرة أو غير مباشرة، وهذه الحروب حتما تلقي بخسائرها على كاهل تجارها قريبا أو بعيدا). وهذا يعني أن من يشعل فتيل النار سوف يحترق به آجلا أم عاجلا. ومن العوامل الأخرى التي أفرزتها الرأسمالية (القومية الإقليمية واللغوية وما أشبه، فإنها خلاف طبيعة البشر. إذ طبيعة البشر كما وردت في القرآن الكريم (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ويقول الرسول (ص) (الناس سواء كأسنان المشط).
ومن العوامل التي أسهمت في إشاعة الخراب العالمي، والتي صنعتها أيدي الرأسمالية الإرهاب، والكبت، وهي أساليب تتنافى أولا مع فطرة الإنسان، وتتناقض كليّا مع المعلَن في الغرب حول حقوق الإنسان، ويبدو أن الرأسمالية غير معنية إلا بحقوق الإنسان الغربي، ومن يعيش خارج دائرة الغرب لا يهمها، بل حتى الإنسان الغربي يعاني من الإرهاب والكب رغم التبجّح الرأسمالي بالتحرر وحماية الرأي، وهذا بحد ذاته يمثل تضاربا مع ما تتوق إليه النفس من ميول مغروسة في ذاتها ومجبولة عليها، فقد خُلق الإنسان وخُلِقَت معه حريته.
أما الإرهاب فهو صنيعة رأسمالية لا يختلف على حقيقتها المفكرون والباحثون والمؤرخون غير المأجورين، وقد نشأت هذه الصنيعة المدمِّرة في ظل النظام الرأسمالي، من أجل أهداف جلّها بالنتيجة تعود بالربح المادي على الرأسمالية وأربابها، ومع أنهم حاولوا التملّص من هذه الحقيقة، لكنهم فشلوا في ذلك بسبب الأدلة الدامغة التي تدينهم.
يقول الإمام الشيرازي في هذا الجانب:
إن (الكبت والإرهاب الذي أشاعه الغرب في بلاد الغرب كثيرا وفي سائر البلاد أكثر، يتنافى مع طبيعة البشر التي تتوق إلى الحرية). فحتى الغرب نفسه لم ينجو من هذا المرض الخطير الذي أنجبته وعززته الأنظمة الاحتكارية التي كان ولا يزال جلّ مرامها وأهدافها الفوز بالأموال بغض النظر عن النتائج التي تلحقها بالناس.
وهناك نقطة أخرى بالغة الأثر، تنبّه لها الإمام الشيرازي، تتجسد في نشر النمط الاستهلاكي بين الطبقات المترفة، حيث يبلغ الإسراف والتجمّل أعلى درجاته، وفي الوقت التي يتضاعف فيه الفقر وتنتشر فيه المجاعات عالميا، وتفتك بالملايين فقرا أو جهلا أو مرضا، نجد أن الإسراف يبلغ ذروته، وهو طبيعة ثقافية سلوكية أشاعها النظام الرأسمالي، كي يعزز من سيطرة الأقلية على الأكثرية عالما.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي بالقول:
إن (التجمل والإسراف تصاعد حتى طغى على الإنسان، ولذا نرى ملايين الشباب من الجنسين لا يتمكنون من الزواج وملايين عاطلين عن العمل بسبب تجمّل الطبقة المرفهة). وأخيرا هل هناك من يرى ما يراه الإمام الشيرازي من مخاطر تحيط بالعالم، وهل هناك من سيسعى إلى معالجة ما يجري في عالم المجانين كما وصفه الإمام الشيرازي في مؤلّفٍ آخر له؟.