ما علاقة ضبط الاعصاب بتحقيق النجاح؟

قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه

محمد علي جواد تقي

2018-10-10 04:15

مقدمة

الجميع يرنو الى النجاح في حياته، بيد ان الغالبية تختار أقصر الطرق وأقلها تكلفة، بينما مفردات مثل؛ الصبر، والتأنّي، والهدوء، تكلف وقتاً وضغوطاً نفسية وربما بعض الخسائر المادية، مما يستدعي اطلاق العنان للرغبات النفسية واستعجال الامور لتحقيق المنشود، وقد يقع في روع الكثير في هذه البرهة الزمنية أن أي لحظة توقف او تأمّل تعني التخلف عن قافلة التطور الصاروخية في العالم، فلا مجال للاعتناء بالمحيط الاجتماعي وما يمكن ان يسقطه هذا الاستعجال من تجاوزات على الحقوق والكرامة.

ويقف الغضب في قمة الاسقاطات النفسية للمستعجلين، وفي المقطع الصوتي الذي نقرأه في ذه السطور، يعيد هذه الحالة السلبية النفسية، الى أزمة في الجهاز العصبي لجسم الانسان، مما نراه يدعو الى ضبط الاعصاب والحفاظ مستوى مقبول من البرودة والحؤول عن دون تأثير المنفرات والمنغصات عليه، ويربط بين مدى نجاح الانسان في تبريد اعصابه والسيطرة عليها، وبين مستويات النجاح والتقدم في حياته.

لنستمع معاً:

برودة الاعصاب من صفات العظماء

"من أهم بنود النجاح؛ بروة الاعصاب، فالطريق غير مفروشٌ بالورود والازهار، انما هنالك المنغّصات والمشاكل، وهذا كان من صفات الانبياء والمصلحين، فقد كانوا اكثر الناس برودة للاعصاب.

عندما نقرأ سيرة أمير المؤمنين، عليه السلام، يجب ان نقرأ الى جانبه؛ كيفية معاملته، عليه السلام، للخلفاء وغيرهم بأعصاب باردة جداً، فنجده يجالس شخصٌ قتل زوجته – عمر بن الخطاب الذي كان السبب في استشهاد الصديقة الزهراء، عليها السلام- ويعطيه المشورة، وكأن شيئاً لم يحصل، على الاقل بامكانه التنصّل عن أية مسؤولية إزاءه، كما يفعل الكثير في مواقف كهذه، فيقولون: "وما شأني به..."؟!

ونفس الموقف اتخذه أمير المؤمنين، عليه السلام، في لحظة قتل عمر بن ود العامري، عندما دعوا الامام بأن يحتز رأسه فوراً، ولم يفعل، انما تريّث لحظات ثم قتله، وفيما بعد قال: "حتى يكون عملي هذا خالصاً لوجه الله"، وليس استجابة للحظة غضب تسبب بها العامري عندما أهان الامام، عليه السلام.

وهكذا كانت سيرة الامام الحسن والامام الحسين، عليهما السلام، ويتصور البعض أن منهج الامام الحسن يختلف عن منهج الامام الحسين، بينهما امتداد لخط واحد. فالهدنة لا تعني الاختلاف مع القتال في كربلاء، في حين ان الصبر الذي تحمله الامام الحسن، تحمّله ايضاً الامام الحسين في ساحة المعركة.

ان الصبر وعدم الغضب، ليست مسألة نظرية ودعوة تقال ، بقدر ما تحتاج الى تطبيقات عملية، وهي مسألة صعبة تحتاج من الانسان ان يستوعب حالة برودة الاعصاب لتكون جزءاً من كيانه وثقافته، بحيث يمكنه معاشرة الخمّار والسارق والمرابي وعدم إظهار مشاعر الغضب امامهم، في سبيل تحقيق الهدف الأسمى، ثم يحاول تغييرهم وإعادتهم الى جادة الصواب.

الاهداف الكبيرة تساعد على ضبط الاعصاب

من الواضح أن ما يصدر عن الانسان من مشاعر سلبية او ايجابية، او أي حركة منه، إنما يتم ذلك بإيعاز من الدماغ للرد على موقف او حالة معينة تعترض الانسان في حياته، فهو بامكانه أن يكره أو يحب، او أن يعفو او يقسو، وهكذا أي موقف او حالة اخرى يظهر بها للواقع الخارجي، بيد أن السؤال الجدير المطروح على العلماء والخبراء في علم النفس، عن العوامل التي تحرك الدماغ لارسال هذه الايعازات او تلك؟ فالقضية لا تتعلق كليةً بالصحة النفسية، وبما يمكن معالجته من أزمات او اختلالات في الجهاز العصبي.

ان طريقة تفكير الانسان وما يؤمن به في الحياة له مدخلية مباشرة التحكم بالاعصاب وردود الفعل إزاء ما يحدث في المحيط الاجتماعي، وهذا ما يشير اليه سماحة الامام الشيرازي عندما يستشهدف بالانبياء والأئمة المعصومين، عليهم السلام، وكيف انهم تحلّوا بصفة برود الاعصاب خلال معايشتهم الواقع غير السليم والذي يعرفون فساده، وهذه البرودة في الاعصاب وطول أناتهم مع الناس، هو الذي غيّر تقييمهم إزاء أهل البيت، وكشف لهم زيف اداعاءات الحكام الامويين والعباسيين ضدهم.

بالامكان مراجعة أمثلة عديدة تجسد برودة الاعصاب التي تحلّى بها الأئمة الاطهار مع مبغضيهم وأعدائهم، كما حصل لأمير المؤمنين، ومن كفره، والامام الحسن، ومن سبّ أباه امامه، والامام الحسين ومقتل ابنه الرضيع بين يديه، وايضاً مقتل اخوته وابنائه واصحابه، حتى إن احد افراد عمر بن سعد، قال: "ما رأيت مكسوراً قط أربط جأشاً من الامام الحسين...".

فالذي يمكّن الانسان من السيطرة على اعصابه وعدم الانفعال مهما كانت الصدمة، هو ما يحمله من اهداف في حياته، فهو يغلّب الأهم على المهم، ويرحل ردود الفعل الى وقت آخر من اجل الحفاظ على اهدافه وبرامجه في مجالات العمل والانتاج والتربية وامور حياتية كبرى، فلا يخسر اهدافه الكبيرة في لحظة انفعال قد يندم عليها طوال حياته.

لنأخذ الأب في طريقة تعامله مع ابنه، فعندما يشعر انه مسؤول عن بناء شخصية ابنه، فانه لن ينفعل لمجرد تصرف خاطئ يصدر منه، بل حتى وإن صدر خطأ كبير، لان الانفعال واطلاق العنان لاشكال ردود الفعل السيئة، ربما تكون نتائجه أكثر خطورة وسوءاً مما صدر من الابن.

هذا الموقف الأبوي الحكيم هو الذي يسجل نقطة النجاح الكبرى للأب عند الابن، فيكون العضيد والبار والوفي الذي يلتزم بما يراه الأب ويقتدي به ويجعله نبراساً لحياته.

وبعكس هذا، نجد حالات الانفعال والغضب من أناس ضيقي الأفق، يعيشون اللحظة، ولا يتطلعون الى الغد، انما يعدون مواقفهم الانفعالية نوعاً من الرد الحازم والشجاع إزاء الطرف المقابل، ولكنهم على المدى البعيد يخسرون أهلهم واصدقائهم ويثبتون لانفسهم الفشل في الحياة.

وقد تنبأ سماحة الامام الشيرازي منذ حوالي اربعين عاماً لاحد ابرز عوامل التخلف في الامة في سرعة الغضب وعدم القدرة على السيطرة على الاعصاب، وهو الداء المزمن الملازم لكثير من الناس، ونخصّ بالذكر منهم؛ الشريحة المثقفة والواعية التي تقع عليها مسؤولية البناء الفكري والثقافي، فاذا كانت هذه الشريحة قدوة الجماهير في التحكّم بالاعصاب وبالمشاعر، يمكننا الاستبشار بمراحل تغيير عملية للواقع الفاسد، وهذا ممكن عندما يكون الخطيب والكاتب والعالم متفهّم للواقع الذي يعيشه ولا يعده امراً طارئاً او نازلاً عليه من السماء، كون المجتمع عبارة عن خليط غير متجانس من الاذواق والانتماءات والعادات، وهم يشكلون قدرات متنوعة، ويقف في المقدمة؛ شريحة الشباب، وتحديداً الشباب المتعلم، يحتاجون جهداً كبيراً للاستيعاب وعدم الانفعال لمجرد خطأ يرتكبونه او عمل معين يصدر منهم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي