القائد الإداري والقدرة على النقد الذاتي
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2018-08-20 07:04
من الصفات اللازمة التي لا يمكن أن يستغني عنها الإداري الناجح، كما أكد عليها ونصح بها الإمام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (فقه الإدارة)، الثقافة التي يجب أن يحصل عليها الإداري لكي يواكب العلوم الإدارية والتطورات التي تستحدَث في هذا الفضاء المهم لتطوير الحياة، ونعني به الفضاء الإداري، لذلك ينبغي أن يكون المدير المسؤول عن إدارة مؤسسة أو مشروع من أي نوع كان، مثقفا وذا رؤية واضحة وإطلاع واسع ليس في مجال الثقافة العامة فحسب وإنما في الجانب التخصصي أيضا، فينطبق عليه القول المأثور أو الحكمة التي تقول: اعرف كلَّ شيء عن شيء ما، واعرف شيئا عن كل شيء.
فالإنسان بشكل عام، والإداري على وجه الخصوص ينبغي أن يتقن الإدارة بكل تفاصيلها وما يستجد فيها كونه متخصص بها، وعليه أيضا أن يحصل على ثقافة عامة خارج علم الإدارة تتيح له معرفة شؤون الحياة وأسرارها، فيكون متخصصا بشيء معين وعارفا به بصورة تفصيلية، وفي نفس الوقت يتقن الثقافة العامة التي تجعل منه مؤهلا لمعرفة الناس وخصائصهم مهما اختلفت ثقافاتهم ومبادئهم وتوجهاتهم الفكرية أو سواها
لذا ينبغي أن يجتهد الإداري بحسب قول الإمام الشيرازي في اكتساب: (الثقافة العامة والسعي لزيادتها باستمرار. والمعرفة المتخصّصة والسعي لتجديدها، حسب التصاعد في الثقافات. والرغبة الملحّة في الإطلاع على الحياة).
هذه الثقافة الخاصة والعامة سوف تساعد المدير على فهم الواقع المعاش والتكيّف معه والتفاعل بصورة إيجابية مع حيثياته، بمعنى أن المدير الناجح يمكنه أن يحقق الهدف بما يتوافر له من عوامل ساندة له حتى لو كانت أقل مما يطمح أو أدني مما يحتاجه لكي يحقق أهدافه بأقل ما يمكن مما هو متوفر في الواقع، بالطبع هناك من يتحجج بالنقص الحاصل في عوامل الانجاز، لكن هناك من يتكيّف معها ويحقق النجاح أيضا، هذا هو الإداري الناجح الذي يؤكد عليه الإمام الشيرازي.
فهو المسؤول الإداري الذي لا تهزمه نواقص الواقع، ولا يجعل منها أسببا للتنصل من إنجاز المهمة المطلوب، وإنما الإداري المتميز هو من يحقق النجاح ويستكمل الهدف بما يتوافر له في الواقع الفعلي الذي قد لا يكون مثاليا في الدعم المادي وحتى المعنوي، هنا تبرز السمة القيادية المتميزة للقائد الإداري، فهو لا يمكن أن يُهزم أمام معضلة الواقع ونواقصه، إنما نجده يمتلك عقل متوقد يجد البدائل الممكنة حتى في أعقد الظروف وأصعبها، حتى يقترب من حافة المستحيل، والمهم هنا أنه شخصية وعقلية غير قابلة للتراجع عن الانجاز حتى في أسوأ الظروف وأشدها تعقيدا.
لذا ينصح الإمام الشيرازي قائلا: على الإداري (التكيّف مع الواقع لتحقيق الهدف بالإمكانات المتوفّرة أو المتاحة. والاستفادة من الممارسة والتجارب والخبرة).
استخلاص الدروس والعِبَر
ومن الصفات المهمة التي غالبا ما يتحلى بها المدراء المتميزون، هي قدرتهم على توظيف عناصر النجاح والفشل لصالحهم في التجارب التي يخوضون غمارها، أي أنهم يمكن أن يخلقوا من العوائق التي يواجهونها في أثناء أداء مهامهم الإدارية عناصر دفع وتحفيز تجعل منهم أصحاب قدرة وتميز على استبدال الإجراءات الإدارية الفاشلة بسواها من الخطوات التي تقربهم من أهدافهم، وتحقق لهم نجاحات كبيرة يُشار لها بالبنان.
وثمة أسلوب إداري لا يمكن للمدراء الناجحين أن يتخلوا عنه، كونه يضمن لهم درجة عالية من الفوز في قطف الثمار النهائية الأفضل للانجاز، ونعني بهذا الأسلوب الإداري المتميز هو إظهار المدير درجة عالية من الكفاءة في المزواجة بين النظري والعملي، أي بين الفكر والتخطيط من ناحية وبين ما يتم عمله وتطبيقه فعليا من ناحية أخرى، وإذا ما تمكّن المدير من تحقيق الدمج المناسب والصحيح بين هذين القطبين (النظرية والتطبيق)، فإن النجاح في المهمة الإدارية ستكون مضمونة النتائج ومحققة لدرجة عالية من النجاح.
لذا يقول الإمام الشيرازي: ينبغي على المدير أن يتحلى بـ (القدرة على استخلاص الدروس والعِبَر من التجارب الفاشلة أو الناجحة، سواء بالنسبة إلى مؤسّساته أو سائر المؤسّسات. والكفاءة في الدمج بين النظريّة والتطبيق للحصول على أعلى مردود عملي).
والإجراء أعلاه الذي يقارب ويطابق بين النظري والتطبيقي، سوف يمنح الإداري قدرة مضاعفة على مواجهة التحديات، شريطة أن يتصف المسؤول بخاصية الصبر والأناة والتروي والبحث عن الحلول الصائبة بعلمية وتأنٍ، لا أن يتهرب من المصاعب التي تواجهه أثناء المنجز الإداري العملي، على أن يتحلى أيضا بالقدرة على مواجهة المواقف الطارئة أو المفاجآت غير المحسوبة بسرعة، وأن يكون التعامل معها مرِناً ينطلق من ذكاء الإداري وقدرته على التعامل مع كل التحديات التي تبرز أثناء العمل.
يقول الإمام الشيرازي: على المسؤول الإداري (التصدّي لمواجهة الصعوبات، وعدم الهروب منها. والتصرّف تجاه المواقف الطارئة بسرعة ومرونة، حسب ما يتطلّبه الموقف).
المسؤول الإداري ومحاسن النقد الذاتي
ومن المواصفات الجيدة التي يجب أن يتميز بها القائد الإداري قدرته الواضحة على تلخيص المناقشات التي تتعلق بالتجارب الإدارية وما يمس أعماله وتخصصه، وعليه أن يحلل المواقف بصورة صحيحة ويحتفظ بها كمخزون يمد تجربته بالحلول اللازمة، ويمنحه إمكانية كبيرة في عرض رأيه بصورة مقنعة للأطراف الأخرى كالعمال والموظفين وغيرهم.
وإذا تمكن الإداري من إتقان هذه السلسلة المترابطة من الخطوات التي تبدأ بالقدرة على تلخيص المناقشات، ويمكّنهُ ذلك من تحقيق النجاح في عرض الرأي الذي يؤمن به المدير ويتبناه، ليحقق بالنتيجة إمكانية عالية في إقناع المرؤوسين والمعنيين بالأنشطة الإدارية التي يشرف عليها ويقودها المسؤول الإداري، فإذا تمت الحجة بشكل متكامل وتوافر عنصر الإقناع فإن الانخراط التفصيلي في الانجاز سوف يتحسن وينمو في هذا الاتجاه وصولا إلى النتائج الإدارية الباهرة.
حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أهمية تحلّي المدير بـ: (القدرة على تلخيص المناقشات والمواقف. والقدرة على عرض الرأي، والإقناع بقوّة الحجّة والمنطق).
ومن أهم ما يجب أن يتميز به المسؤول الإداري قدرته على النقد الذاتي، وهذا يتيح له ولفريقه من القيام باكتشاف الأخطاء والمعوقات ونقاط الضعف التي تتخلل طرائق العمل في مراحلها المختلفة، وهذا يعني أن الإداري ينبغي أن يتقبل النقد برحابة صدر حتى من الأطراف الأخرى التي قد تنافسه أو تختلف معه في الرؤية أو المدرسة الإدارية التي يؤمن بها ويجري أعماله الإدارية في ضوئها.
علماً أن صيغة النقد وطريقة طرحها قد تأخذ أشكالا وصورا مختلفة، فقد يكون هادفا إلى التصويب الناتج عن الحرص، وقد يكون العكس من ذلك، ولكن في جميع الأحوال يجب أن يتحلى الإداري بصفة القبول بالنقد الذاتي، ومن ثم يقوم بنوع من الفحص والغربلة للآراء الناقدة، فإذا كانت من النوع الأول الحريص الهادف فسوف يستفيد منها كثيرا في تصحيح مساراته الإدارية، وإذا تبين له العكس، أي أنه نقد تهديمي تقويضي عند ذاك سوف تكون هناك فرصة كافية للإداري المتروّي الناجح في تجنبها وعدم الأخذ بها، ولكن على العموم ينبغي أن يتعامل الإداري الناجح مع النقد بموضوعية عالية حتى تكون النتائج إلى جانبه.
لذلك يقول الإمام الشيرازي: مهم أن تكون لدى الإداري: (القدرة على النقد الذاتي، وعدم التحاشي عن توجّه النقد إليه، وإنما ينظر إلى النقد بموضوعيّة).