مبدأ التطبيق الذاتي للأنظمة والقوانين

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2018-08-13 06:18

أي عمل سينتهي إلى إنتاج من نوع ما، قد يكون صغيرا قليلا أو كبيرا كثيرا، مختلفا في النوع والكم، هذا الإنتاج حتى يتحقق تحكمه جملة من الآليات والخطوات والمبادئ التي لابد من الانصياع لها والالتزام بها، خلاف ذلك أما ينعدم الإنتاج أو يتضرر في النوع والكم نتيجة لعدم احترام مبادئ وآليات وأخلاقيات العمل، وأول المهنيين هنا بالتزام آليات العمل والقبول بها هو المسؤول الإداري الأعلى، أو ما يُطلق عليه بالمدير أو قائد فريق العمل.

هذا المدير أو المسؤول الأعلى عن العمل، أي عمل، يجب أن يكون مثالا لغيره من فريق العمل في الالتزام والقبول بالتنفيذ الحرفي لآليات العمل وضوابطه، حتى تكون النتيجة مضمونة والنجاح حليف المسؤول الإداري وفريقه، ومن أهم حيثيات الالتزام والقبول بضوابط العمل (الانضباط) واحترام الوقت، على أن يكون مدير العمل هو أول الأشخاص في تطبيق هذا الشرط أو الضابط، حتى ينعكس ذلك على جميع فريق العمل، لأن العكس، أي عندما يكون قائد العمل غير منضبط ولا يحترم الوقت فسوف ينتقل هذا المرض المدمّر إلى الفريق كله، وستكون النتيجة أما انعدام تام للإنتاج أو في أفضل الأحوال سيكون الإنتاج بلا جودة وغير قابل للتسويق أو إقناع الزبائن على اقتنائه والتعاطي معه.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الإدارة):

يجب على المسؤول الإداري (الانضباط واحترام الوقت مبتدءًا بنفسه وملتزمًا بتطبيقه على الآخرين، بالقدر الممكن).

إن المدير الناجح هو الذي يحرص على تطبيق الأنظمة والقوانين، وأن يتم تطبيقها على نفسه أولا، لأن حدوث العكس سوف يجعله أمام مرؤوسه غير أهل للثقة ولا يمكن أن يكون نموذجا لهم بالأداء الأفضل، وإذا عجز المدير أو المسؤول الإداري لأي سبب كان عن تطبيق القوانين والأنظمة، فإن ذلك سيكون مؤشرا حاسما على فشله في القيادة الإدارية، وحتى لو كان مُهاباً من قبل مرؤوسيه بسبب نجاحه في أعماله بطرق خارج الأنظمة والقانون فإنه سوف يسقط في عيون العاملين معه، وسوف يتعاملون معه على أنه لا يستحق الاحترام كونه هو أول من يضرب القوانين عرض الحائط، والمشكلة الأكبر التي تنتج عن مثل هذا السلوك، أنه سوف ينتقل إلى مرؤوسيه حتى لو سعى المسؤول إلى ضبط فريقه العامل معه.

يقول الإمام الشيرازي عن ذلك:

إن (احترام القوانين والأنظمة وتطبيقها على شخصه وعلى غيره، فإنّ المدير الذي لا يطبّق القوانين على نفسه يعتبر مديرًا فاشلًا، فإنه مهما كان ناجحًا في أعماله، فإنّ مهابته من القلوب تكون ساقطة، وذلك يسري في غيره أيضًا شاء أم أبى).

عدم التردد في اتخاذ القرار

قد يواجه المدير بعض المعوقات التي تقف في طريق الانجاز، وقد يكون ذلك حجة له لاختلاق المعاذير كي لا يؤدي مهماته الإدارية كما ينبغي، لكن الخطوة الأهم بالنسبة له هي احترام القوانين والأنظمة وعدم التساهل في تطبيق هذا الشرط مبتدئا بذلك في نفسه ومطبقا إياه على فريقه، وينبغي أن يخطط لتسيير العمل تخطيطا جيدا يأخذ جودته من الالتزام بالأنظمة والقوانين وليس في تطبيقها حرفيا، فالصرامة وعدم المرونة في بعض مواقف التطبيق قد تؤدي إلى عكس المطلوب.

كذلك فإن المدير والمسؤول مطالب على الدوام بقضية مهمة وهدف حيوي وهو التفكير بالحاضر والمستقبل، فهناك بعض الإداريين أو المدراء يتركون الحاضر للمستقبل أو العكس، وهذا يعد من أساليب العجز وإشارات التلكّؤ للمدير في إدارته للعمل المنوط به، إذا لا يصح أن نترك بعض خطوات الانجاز المهمة للمستقبل متذرعين بأعذار ليست مقبولة ولا مستساغة ولا يمكن أن تكون في صالح الانجاز، فالمدير الناجح هو الذي يتعامل مع هذين البعدين الزمنين المهمين بصورة صحيحة ودقيقة، فلا يتم ترك الحاضر للمستقبل ولا يجوز العكس أيضا، وإنما يجب استمرارية الانجاز الصحيح كل في وقته المحدد وبحسب المتوافر من الإمكانات وكما هو مخطط في طيات وخطوات العمل.

يقول الإمام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه:

يجب على الإداري (احترام القوانين والأنظمة والتخطيط بروحها وليس بحرفيّتها. والتفكير الدائم بالمستقبل والحاضر، لا أن يترك المستقبل للحاضر أو الحاضر للمستقبل).

ومن الصفات المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها المدير كي يكون متفوقا وقادرا على تحقيق الانجاز الأفضل، صفة الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار، فالمدير عليه أولا أن يدرس حيثيات القرار والأسباب الموجبة لاتخاذه ، فالمعرفة الدقيقة بالظروف التي أدت إلى اتخاذ القرار وما سيتبع ذلك من تحديات وتداعيات أمر بالغ بالغة الأهمية، ويجب على المدير أن يكون واضحا وصارما في هذا الجانب، وعليه أن يدرس قراره قبل اتخاذه بصورة وافية وتفصيلية، وبعد يقتنع به ويرى أهمية حاسمة في إصداره، عليه أن لا يتردد في اتخاذه بعد أن اقتنع به.

يقول الإمام الشيرازي:

ينبغي أن يتحلى المدير بـ (الحزم، وعدم التردّد في اتخاذ القرار. والاستقرار على الرأي والقرار، بعد التأنّي في الوصول إليه والإصرار على تنفيذه بعد ذلك).

سرعة الانسحاب من القرار الخاطئ

إن ساحة اختبار صحة القرارات من عدمها هو التطبيق، فأي قرار يتم اتخاذه في هذا الصدد أو ذاك، قد لا يعرف المدير مدى جودته، ولكن عند تطبيق القرار ستظهر مدى صحة القرار أو عجزه وفشله، لأن ميدان العمل هو المحكّ المباشر لاختبار القرارات النظرية، لذلك من صفات وسمات المدراء الناجحين هو انسحابهم السريع بعد اكتشاف خطأ هذا القرار أو ذاك، إذ لا يصح للمدير أن يبقى متشبثا بقراره وهو يرى فشله أثناء التطبيق، ولكن بعض الوقائع الإدارية أثبتت أن بعض المدراء يبقون متشبثين بقراراتهم ولا ينسحبون من ميدان التطبيق حتى بعد أن يظهر فشلها للعيان، فهناك من تأخذه العزة بالإثم، ويبقى مصرّا على تطبيق قراره الخاطئ.

لذلك من أهم القدرات الإدارية للمدير أن يكون ذا قدرة كبيرة على التكيّف مع الواقع العملي المتاح للوصول إلى الهدف وبحسب ما متوفر من إمكانات لا يمكن الحصول على غيرها، أي العمل بالممكن والمتاح، وعدم التراجع أو الانهزام أمام معوقات شحة أو قلة الإمكانات لأن الإداري الناجح هو من يحقق النجاح بما يتوفر لديه وليس بتوفير كافة عناصر النجاح له، وهناك فرق كبير بين أداري قادر على النجاح بأقل الإمكانات، وإداري لا يضمن لك النجاح إلا بتوفير كافة أسباب النجاح له.

كما يؤكد على ذلك الإمام الشيرازي حين يقول على الإداري: (التكيّف مع الواقع لتحقيق الهدف بالإمكانات المتوفّرة أو المتاحة).

لذلك من الصفات المهمة التي تتوافر في شخصيات المدراء الناجحين أنهم يعملون ويحققون النجاح بأقل ما يمكن من مصادر النجاح، وهؤلاء المدراء الناجحون أنفسهم يتحلون بصفة مرادفة هي قدرتهم على الانسحاب السريع من القرار إذا اثبت التطبيق الملي خطأ ذلك القرار، على العكس من بعض المدراء والإداريين الفاشلين الذين يبقون متشبثين بقراراتهم حتى بعد أن تظهر أخطاؤها جلية أثناء العمل.

يقول الإمام الشيرازي: ينبغي أن يتحلى الإداري بـ (سرعة تمكُّن الانسحاب عن القرار إن ظهر خطأه).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي