لماذا الفشل في ادارة السلطة؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2018-03-19 06:08
لا يمكن تنظيم الحياة البشرية بكل أشكالها إلا وفق أسلوب إداري يتناسب مع المحيط والهدف المطلوب إدارته، فالجميع يحتاج الإدارة بدءاً من الفرد إلى العائلة والجماعة والمصنع والشعب والدولة، فكل هذه المسميات والعناوين لا يمكن لها أن تعيش بطريقة عشوائية، وقد ابتكر الإنسان هذا منذ بدايات النشوء البشري كيفية إدارة أعماله البسيطة، وحين انتقل من عصر الترحال إلى بدايات التجمع السكاني ظهرت الحالة لإدارة شؤون هذه التجمعات عبر إدارة السلطة وتنظيم شؤونه الجماعة، التي أصبحت في عصرنا (الدولة) بأركانها المعروفة.
وفي كل عمل فردي أو جماعي بغض النظر عن نوعه الإنتاجي المادي أو الفكري، فإنه يحتاج إدارة، وتطورت هذه الإدارة فظهرت الحاجة إلى قيادة وتنظيم العمل الإداري، فصار لابد من وجود رأس أعلى يدير أمور الجماعة، ويتحمل مسؤولية الإخفاق في حالة حصوله، ومع تعاقب العصور صار الإدارة طريقة لتوجيه السلطة والتحكم بها، بعد أن ظهرت الحاجة إلى وجود مدير أو رئيس أو قائد يفق في قمة الهرم كي يدير الأمور المختلفة التي تتعلق بالأفراد والمجتمعات.
يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (نحو إدارة ناجحة):
(إن الإدارة هي فن التحكم بالسلطة).
إذاً لا يمكن أن تتسق مسارات الحياة وتنتظم في اتجاه صحيح إلا إذا كانت هناك إدارة تنظمها وتوزع الأدوار بحسب التخصصات والمؤهلات والمهارات وسواها، وبقدر الحاجة للإدارة والتنظيم، فثمة حاجة توازي هذه الأهمية وهي قيادة العمل الإداري للجماعة، هنا تظهر الحاجة للسلطة والصلاحيات، فلا يمكن أن تنجح الإدارة من دون قيادة وقائد، ولا يمكن لهذا المدير أن ينجح في عمله الإداري بلا صلاحيات معروفة تساعده على النجاح في مهمته، لهذا السبب ظهرت الحاجة لإدارة السلطة التي تُسنَد إلى أحدهم بحسب الصفات والمؤهلات التي يحملها، من هنا أصبحت الإدارة مرتبطة بالسلطة بطريقة أو أخرى، لتظهر قضية أخرى تتعلق بنوع السلطة، فهل أما أن تكون مشروعة أو مستباحة، وربما يجعل منها البعض ذات صلاحيات مطلقة.
حيث يقول الإمام الشيرازي: إن (الإدارة هي فن ممارسة سلطة الإنسان على أفراد جنسه أو على الطبيعة، ولكن هذه السلطة تختلف من شخص إلى آخر، فبعض يستحقها وبعض تقمّصها، وعند البعض تكون الإدارة هي السلطة المطلقة).
المداراة من حُسن الإدارة
ان التجارب التي خاضها الإنسان في رحلته التاريخية الطويلة، عرف الحاجة الحتمية للإدارة والتنظيم، ثم برزت الحاجة للسلطة التي تتولى العمل الإداري، وهنا برزت نتيجة أخرى هي النجاح والفشل في إدارة السلطة، فهناك من ينجح فيها بسبب امتلاكه لعناصر النجاح، وثمة من يفشل في هذه المهمة، أما معايير النجاح والفشل فإنها مرتبطة بطبيعة القائد أو الرئيس أو المدير، فهناك من يجعل سلطة الإدارة مطلقة وغيره يحصل عليها وفق الأسس الشرعية، ومنهم من يصل إليها باستخدام القوة مقصياً الشرعية بعيدا.
لذلك ظهرت نتائج جديدة مرتبطة بالكيفية التي تُدار في منظورها السلطة، حيث تنقسم الإدارة إلى ناجحة وأخرى فاشلة، أما أسباب النجاح والفشل فهي ترتبط ارتباطا وثيقا، بتوافر مقومات النجاح الإداري للسلطة، وما يلتحق بها من شروط عديدة يتسبّب غيابها فشل الإدارة، أما حين نتكلم عن مقومات الإدارة الناجحة، فهي في الواقع متعددة، ولك ثمة منها ما هو أهم وأكثر تأثيرا وفاعلية وتقريبا من النجاح، حيث يؤكد الإمام الشيرازي على أن:
(الإدارة تنقسم إلى قسمين: إدارة ناجحة، وإدارة فاشلة، ولكل منهما أسباب، فالإدارة الناجحة لا تكون إلا بمقوماتها من شروط ومقتضيات، وإلا ستكون فاشلة، ومن أهم مقومات الإدارة الناجحة: هي المداراة).
لذلك ركّز الإمام الشيرازي كثيرا على هذا الشرط، حيث يدخل من ضمنه مراعاة حقوق الناس، والحفاظ عليها وتنظيمها بالشكل الأمثل، كذلك ينبغي تأمين كرامة الناس وحفظها، مع الأهمية القصوى لتوفير اشتراطات الحياة الكريمة، من شراب ومأكل ومسكن ومأوى آمن، مع الأهمية القصوى بضمان سلامة الأفراد والمجتمع، وإطلاق الحريات في إطارها المجدي وليس المسيء للفرد أو المجتمع، لذلك لا يمكن للإدارة أن تقترب من درجة النجاح ما لم تكن المداراة من أهل المقومات التي تقوم عليها أساليب القائد في إدارة شؤون الناس، وفق معيار عادل بعيدا عن التمايز الطبقي والفردي، مع أهمية كفالة العيش الرغيد المرفّه للجميع، وضمان حق الأجر المناسب، تبعا للمؤهلات العلمية والمهارات الشخصية، وضمان حصول الجميع على فرصة العمل اللائق، فالمداراة بالنتيجة ستكون سببا لإنعاش المجتمع وتقدمه.
يقول الإمام الشيرازي: (إن من أهم ما يلزم الاهتمام به من قبل الجميع: المداراة، التي هي من حُسن الإدارة).
الإدارة المطلقة والإنسان العادي
وتبقى المشكلة الأكبر التي أفرزتها الإدارة باعتبارها نوع أساس من أنواع السلطة، إذ لا يمكن أن يوجد عمل إداري بغض النظر عن حجمه، قادر على الديمومة والاستمرار من دون قيادة عليا، فالدولة لا يمكن إدارتها دون حكومة، وهنا يحصل ارتباط وثيق بين الإدارة والسلطة، ولكن قد تصبح السلطة مطلقة كما أكد لنا التاريخ وحتى الواقع هذا النوع من إدارة السلطة.
فجميع الأنظمة الدكتاتورية تكون سلطة الحاكم فيها مطلقة، وحتما ستكون نتائجها خطيرة وعواقبها وخيمة على الشعب، بسبب إطلاق السلطة وربطها بشخص الحاكم، وطالما أنه إنسان عادي لا يختلف عن غيره من البشر، فإن السلطة التي جعل منها الدكتاتور مطلقة ستصبح وبالا على الشعب وحتى على الدكتاتور نفسه بوصفه مسؤول إداري أعلى يدير الأمور بوساطة السلطة التي ينبغي أن تكون شرعية حاصلة على موافقة الشعب، لكن الحاكم المستبد لا يعنيه هذا الأمر، وعلى الرغم من أنه إنسان عادي ولا يجوز أن تكون سلطته مطلقة، لكن جميع الحكام المستبدين أهملوا هذه القضية، وأصبحوا يدرون شؤون شعوبهم بإدارة مطلقة، علما أن هذا النوع من السلطة ليس من اختصاص الإنسان العادي وإنما هي من خصائص الله تعالى.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (لا يؤيد الإسلاميون تسليم الإدارة المطلقة للإنسان العادي، بل الإدارة المطلقة والولاية المطلقة تكون من خصائص الباري عز وجل وهو عادل لا يظلم أحداً).
لذلك ما أن يصل الإنسان العادي إلى السلطة، حتى يبدأ باستثمارها لتشديد قبضته على رقاب الناس، حتى وإن وصل إلى قمة هرم السلطة بطرف غير شرعية، فبمجرد وجوده في هذا الموقع الأعلى، سوف يتمتع بصلاحيات واسعة تتيح له تحول إدارة السلطة من عمل إداري جماعي استشاري ديمقراطي، إلى عمل إداري فردي تتحكم فيه نزعة الحاكم الفرد الذي يقصي جميع الآراء باستثناء من يتملقه ويحابيه ويوافقه حتى على أخطائه السلطوية المدمِّرة.
لذلك فإن إدارة السلطة لا يمكن أن تكون في قبضة الفرد الحاكم وحده، بل لابد من المشاركة التعددية في صياغة وصنع القرار وتنفيذه على الوجه الأدق، لكن الحاكم المستبد، يهمل شروط النجاح في إدارة السلطة، ولا تعنيه المداراة، وهو غير معني بفن الإدارة الذي عرّفه الإمام الشيرازي بأنه فن إدارة السلطة، فمنهم من ينجح وهؤلاء هم الحكام الاستشاريون، ومنهم من يفشل فشلا ذريعا وهؤلاء هم الحكام المستبدون.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن الشخص الذي يترأّس الإدارة حتى وإن لم يكن مؤهلاً لها شرعا، لكنه يمتلك صلاحية كاملة في توجيه ما يريد وكيفما يريد وأينما يريد، وهذه الفكرة عادة ترسخ عند الاستبداديين ومن يدور في فلكهم).