ثقافة التحرير

المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي

2018-01-13 06:46

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(ثقافة التحرير) كتاب كتبته للإشارة إلى الأسس التي تُبنى عليها التحرّر عن نير الغرب والشرق عبر الاستقلال الثقافي، الذي هو مقدمة للاستقلال السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي وغيرها.

فإن المسلمين بعد طولِ نيامٍ دام ما لا يقل عن قرنين حيث رأوا بأمّ أعينهم تقدّم الغرب المادي كان منطقهم العملي ــ وإن لم يكن منطقهم الفكري ــ (ناموا ولا تستيقظوا) و(ما فاز إلاّ النُوَّم) وعدم وضع الخطوات الجادة لأجل أن يكونوا في مصاف الغرب، فضلاً عن منطق الإسلام الذي يقول: (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه)(1). ويقول: (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غده شرّاً من يومه فهو ملعون)(2) أي مطرود(3) في الدنيا والآخرة، فإن الطرد معناه الابتعاد عن الخير، ومن الخير التقدّم على غيرهم.

ويقول: (سَارِعُوا)(4).

ويقول: (استَبِقُوا)(5).

ويقول: (فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُون)(6).

وقد ظهرت بوادر الوعي شيئاً فشيئاً في المسلمين، وذلك منذ قرن بالرجوع إلى الاستقلال عن الخارج، والشورى ونبذ الاستبداد في الداخل، وما حركات النهضة في العراق وإيران ومصر وباكستان وأفغانستان وتركيا وسوريا وفلسطين والمغرب العربي الإسلامي، وإندونيسيا وأفريقيا، وأخيراً في الأجزاء الإسلامية من روسيا وغيرها إلاّ أدلة على ذلك، مثلاً في فترة زهاء قرن كانت حركة (التنباك) وحركة استقلال العراق في (ثورة العشرين) وحركة (المشروطة) في إيران وحركة التخلص من الغرب في الحرب العالمية الثانية في العراق.

وذلك بقيادة المراجع العظام، أمثال:

الميرزا الكبير (7) في الأول..

والميرزا الثاني (8) في الثاني..

والآخوند (9) في الثالث..

ومراجع النجف وكربلاء في الرابع.

إن هذه الحركات وغيرها وإن نجحت موضعياً أو وقتياً إلاّ أن النجاح العام العميق لم يحصل. إنه لاشك في أن القائمين بهذه الحركات كانوا في أشد الإخلاص لا يبغون بذلك إلاّ نجاة المسلمين وتحريرهم ديناً ودنياً إلاّ أن الأمر بقي كما كان حيث الاستعمار والتأخر، وكيفما كان: فـ(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (10).

والآن حيث الوعي الإسلامي في كل بلاد الإسلام، مما هو ثمرة تلك الجهود منذ قرن، فاللازم أن يجعل لها أسس وأُطُر، إذا أريد لها النجاح العميق الكامل بإذنه سبحانه، وإلاّ فهذا الوعي يمُتص لا إلى السابق بل إلى الأسوأ كما اُمتص وعي إيران إلى البهلوي، ووعي العراق إلى صدّام، ووعي مصر إلى السادات، ووعي تركيا إلى أتاتورك، ووعي الأفغان إلى (أمان الله) و(ترقي) وهكذا.

وما نذكره في هذا الكتاب ثوابت، لعل كل عقلاء الحركيين يتفقون عليها، فاللازم الاهتمام البليغ للتطبيق بإذن الله سبحانه، حتى ترجع إلى المسلمين حالتهم السابقة من المساواة للعالم المادي في الأمور الدنيوية، إن لم يكن تقدم عليهم حسب وعد الله سبحانه، بأنهم إن نصروه ينصرهم(11)، وحينئذ فلا غالب لهم، ثم يأتي دور (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ)(12) بإذن الله تعالى.

والله المسؤول أن يوفّقنا لفهم أحكامه وتطبيقها في الخارج العملي، وما ذلك على الله بعزيز.

اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذّل بها النفاق وأهله، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة (13).

وهو الموفق المستعان.

ليلة الجمعة 3 شوال 1415 هـ ق-قم المقدسة-محمد الشيرازي

 

1
المظلة الإسلامية

المهم في الجماعة التي تجاهد لأجل إعادة حكم الإسلام أن تربي أفرادها لأن تكون مظلة للكل، بحيث يعيش المسلم وغير المسلم تحت تلك المظلة بكل أمن ورفاه وسلام.

والسلم من (الأمن)، والرفاه من (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) كما ذُكرا في الآية الكريمة: ­(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (14).

فالأول: يشمل بالملاك كل لوازم الجسد.

والثاني: يشمل الأمن من الفقر في المستقبل والمرض، والخوف من الفوضى، وما أشبه ذلك.

فإنها هي المظلة التي جعلها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) إبّان حكومتهما على تسع دول في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) وخمسين دولة في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) حسب خارطة اليوم، وهذا هو الشيء الذي يمكن أن يجلب الناس إلى طرفه كما ذكرناه بتفصيل أو إيجاز في مختلف كتبنا. أما إرادة إعادة خلافة مذكورة في التواريخ ملؤها المآسي، أو ولاية لم يقرها شرع أو عقل فهو أول خطوة في السقوط.

نعم لا شك أن المنكرات يجب أن تمنع حسب الإمكان.

أما صنع مثل هذه المظلة فكرياً، وإخراجها إلى عالم الوجود عملياً، فهما بحاجة إلى جمع كبير من الخبراء الدينيين والزمنيين ومزاولة ومدارسة في الأفكار والأعمال على طول الخط قبل قيام الدولة وبعد قيامها، حتى تكون السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وما إلى ذلك حالها حال الدروس الحوزوية العالية من البحث الحرّ والنقاش العلمي، والمداولة، والتعايش السلمي في الأخذ والعطاء، والتي كلها كانت مفقودة في المظلتين الخلافية والولائية اللا شرعية.

2
لا خوف على الحكم

إذا كانت الانتخابات حرّة ـ لا بالاسم بل بالواقع ـ في الحكومة الإسلامية المرتقبة، فإن كثرة المسلمين في البلاد (ألفي مليون مسلم) حسب الإحصاءات الأخيرة، هي التي تأتي بالعدول الخبراء الزمنيين والدينيين في الحكم.

نعم إذا كان هناك إرهاب داخلي كما هو المشاهد في أكثر بلاد الإسلام، أو خارجي كما في أكثر حكومات الانقلابات العسكرية ونحوها، فإن الحكم يكون بيد من يتمكن من أخذ السلاح بيده والغالب هم من غير الصالحين، أو بيد من ينتخبه المستعمرون وهم من العملاء الذين لا يرون للصلاح وزناً.. إنما همّهم (الإذلال) و(الإفقار) للشعب، و(جعل بلاد المسلمين بقرةَ حلوبٍ للأجانب).

ولا يخفى أن الإتيان بالأشخاص الصالحين لا يكون إلاّ عبر (الوعي) و(الاقتصاد السليم) إذ لولا الوعي لصفّق الجماهير لكل من يأتي إلى الحكم، كما هو المشاهد في أكثر بلاد الإسلام، ولولا الاقتصاد السليم لكان الاحتياج إلى الغرب ونحوه، والمحتاج لا نصيب له من الحكم.

إنّ العاصمة الفلانية من بلاد الإسلام تعيش في الفوضى والقتل والاختطاف وما أشبه والجيش لا ينزل لاستتباب الأمر، لأن الانتخابات أتت بحاكم بريطاني والجيش أمريكي ـ حيث إنّ المعونات الأمريكية هي عصب حياة الجيش ـ ولو كان الاقتصاد سليماً فلا حاجة إلى أمريكا التي تمنع الجيش عن النزول لإرجاع الأمن إلى العاصمة.

3
الإرهاب والأزمات

من أهم وسائل المستعمرين في بلاد الإسلام ــ بل في كل العالم الثالث ــ الإرهاب والأزمات، وذلك لإشغال الناس بالتوافه عن التفكير في مصيرهم الأسود وحاضرهم البائس.

كما رأينا كلا الأمرين في عراق الجمهوريين ـ منذ ثلث قرن ـ فيوم كان إرهاب (شقاق البطون)، ويوم كان إرهاب (أبو الطبر)، ويوم كان إرهاب (مؤامرة) و(مؤامرة) و(مؤامرة) موهومات وهكذا.

أما الأزمات فكل يوم أزمة، أزمة مسحوق الغسيل (التايدات)، وأزمة معجون الطماطم، وأزمة حتى المكنسة، يوقفون الناس في صفوف طويلة من نصف الليل إلى الظهر، أو من الصبح إلى الغروب لهذا أو ذاك، والويل لمن قال لماذا؟ إنه يعارض النظام وجزاؤه الإعدام!.

وذات مرة طلبت الحكومة جماعة من الخطباء محذرة لهم من أن يتفوهوا بشطر كلمة حول (الغلاء) وإلاّ فمصيرهم السجن، وقد أخذ الغلاء بخناق البلاد حيث ارتفعت الأسعار من الواحد إلى (عشرة آلاف) أو (عشرين ألفاً) أو حتى (ستين ألفاً) وقد تنزّل الدينار العراقي من معادلة (الدينار الكويتي ومائة فلس) إلى معادلة (ربع فلس كويتي) وهكذا، وبعد ذلك فالواجب عليك أن تسبّح بحمد الحكومة عموماً، وسيادة الرئيس المقدام البطل خصوصاً.

4
رفع الحيف

إن رفع الحيف عن بلاد الإسلام بحاجة إلى أمرين:

الأول: في خارج بلاد الإسلام مما فيه بعض الحريات، كالبلاد الغربية ــ الأعم من الأوربية والأمريكية وأمثال اليابان ــ وذلك بنشر الوعي الإسلامي الحضاري للغربيين وللمسلمين هناك بوسائل الإعلام الحديثة حتى يخفف من عداء الغرب التقليدي للمسلمين، وحتى يعي المسلمون الدور الحضاري الذي يمكن أن يؤدوه هناك لإنقاذ بلاد الإسلام عن التخلّف والفوضى.

وبعد هذا الوعي يحتاج الأمر إلى المؤتمرات الكثيرة، ومراكز الدراسات المتعددة، ثم الإضرابات والمظاهرات السلمية، وبدون هذه الأمور الثلاثة (الوعي والمؤتمرات والإضرابات والمظاهرات السلمية) من غير الممكن عادة حسب الموازين الطبيعية، نجاة المسلمين من التخلّف الذي يغوصون فيه إلى أذرع فوق رؤوسهم.

الثاني: في داخل بلاد الإسلام حيث الأمر يحتاج أيضاً إلى (الوعي الحضاري والمؤتمرات والإضرابات) وكلّ الثلاثة يُبدأ بها أولاً في البلاد الإسلامية التي فيها بعض الحريّات كلبنان وباكستان ونحوهما، فإذا قويت الثلاثة في كلا البلدين ـ الإسلامية والغربية ـ يمكن أن يؤتى بها شيئاً فشيئاً إلى بلاد الكبت والإرهاب كالعراق وأمثالها، حيث إنّ قوّة الأمور الثلاثة في كلا البلدين يخفف من قبضة الحكام الديكتاتوريين في بلاد الإسلام، وإذا ارتخت قبضتهم أمكن عقد المؤتمرات وإنشاء الإعلام ثم الإضرابات والمظاهرات فيها، لنجاتها من الديكتاتور الذي هو جذور التخلف.

لكن لا يخفى إن كلا شقي الأمر ــ في بلاد الغرب وبلاد الإسلام ــ لا يمكن إلاّ بأموال وفيرة، وهي بيد الحكومات والأثرياء، فاللازم إيقاظهم إلى البذل والعطاء وتفهيمهم بأن ذلك يعود إليهم بأضعاف الفائدة، إنّ الفائدة ليست منحصرة بالتجارة المحدودة ونحوها، بل قسم كبير منها مرتبط بالحرية في عمارة الأرض والاتجار الحرّ واستخراج المعادن وما إلى ذلك.

فبدون بذل المال الوفير لا تكون أمثال هذه الحريات التي هي وليدة الأمرين السابقين، فمثلاً إنّ الأراضي السودانية بالأموال الخليجية والأيادي المصرية يمكن استثمارها ـ كما قرّره الخبراء ـ في الاكتفاء الذاتي الزراعي للبلاد العربية كافة، من الحبوب والفواكه واللحوم وما إلى ذلك، فهل من الممكن في ظلّ التخلف الحالي من إنجاز هذا المشروع؟!

وإذا تحقق ذلك فأيّة فائدة كبيرة تعود إلى الحكّام والتجّار؟!

ومن الواضح أنّ الفائدة المذكورة لا تكون ممكنة بدون المقدمات التي ذكرناها، وهكذا يقال بالنسبة إلى مثل إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان وكل واحد من التجمعين يمكن التلاقي بينهما في وحدة أقوى، وهكذا بالنسبة إلى سائر بلاد الإسلام.

ومن المعلوم أنّ المسلمين إذا دخلوا تحت المظلة الحضارية الحديثة ـ بمبادئهم السماوية ـ يكون ذلك في نفع الغرب والشرق وأمثالهما من البلاد غير الإسلامية.

5
الحوزة والجامعة

قبل الحضارة العلمية الحديثة كان في كل من بلاد الإسلام وبلاد غير الإسلام سلسلة واحدة من العلم، هي علم الفقه بمختلف مقدماته ومقارناته، أما مثل النجارة والحدادة والزراعة وما أشبه فكانت ـ عادة ـ تقليدية يرثها الأبناء عن الآباء، ولذا لم يكن تدافع بين سلسلتين من العلم كما حدث ذلك بعد التقدم الصناعي الحديث.

وفي تقدم العلم الصناعي حدث تدافع غريب بين السلسلتين.

ثم في العالم المسيحي استسلمت الكنيسة للعلم الحديث وذهبت إلى زوايا الخمول، وكان السرّ أن الكنيسة لم تكن إلاّ عِلم اللاهوت، فإنهم نسبوا إلى المسيح (عليه السلام) أنه قال: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)(15)، وبذلك لم يكن الدين يوجّه الحياة، ولذا وقعت البلاد المسيحية في مفاسد تفوق الخيال، من الاستعمار والدمار والحروب والأمراض والاستثمار والانسلاخ عن معاني الإنسانية، كما يصرّح بذلك عقلاؤهم.

وحيث إن الإسلام دين الحياة، كما قال تعالى: (لِمَا يُحْيِيكُمْ)(16)، ودين الدنيا والآخرة، كما قال عزوجل: (آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً)(17) وقع التدافع الشديد بين الحوزة والجامعة مما هو مستمر إلى الآن، والعلاج أن ينظم لهما جذر واحد يشمل العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، ثم يجعل برامج لكلا العلمين في وقت الانفصال بينهما، بعد الجذور للتلاقي الكافي بينهما على طول الخط.

ومن الواضح أنّ ذلك لا يمكن إلاّ في ظل (شورى الفقهاء) و(التعدديّة الحزبية) حتى ترجع بلاد الإسلام إلى حالتها الطبيعية بلا إفراط ولا تفريط لا في الدّين ولا في الدنيا.

6
التوكل

قد رأيت في تقرير علمي حول بدن الإنسان أنه يشتمل على مليارات الخلايا الحيّة، وأن الخلية الواحدة تحتوي على ثلاثة أمور:

1. السور، الذي هو كسور المدينة تحتوي على آلاف الثقوب.

2. الوسط، الذي فيه يعمل العاملون لإدخال الغذاء من الخارج وتبديله إلى المادة الصالحة لبدن الإنسان في الداخل.

3. مركز القيادة، الذي هو بمثابة ثلاثين ألف طابق، بعضها فوق بعض، مما هي محل الأوامر والنواهي الصادرة إلى العمّال.

وأشياء وأشياء في العالم تفوق الخيال (في عالم المادّة).

هذا كله في جسم الإنسان فقط، فهل يمكن أن يعقل أنّ أيّ واحدة منها بدون خالق ومنظّم ومربٍّ في أية لحظة؟!

إنّ الله وحده هو الخالق البارئ العالم البديع المربّي المحي المميت وهو على كل شيء قدير.

أما الروح والعقل والنفس في المعنويات ــ وإن كانت كلها ماديات بمعنى عدم تجردها حيث قالوا بأن المجرّد هو الله وحده ــ فلا يعلم شيء منها إطلاقاً وقد قال سبحانه: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) (18)، وقال تعالى: (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)(19).

وفي الحديث: (إنه ما خلق الله خلقاً أحب إليه من العقل)(20).

نعم (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (21).

أليس مثل واحد من هذه الأمور، يقود الإنسان إلى أن يلتجأ إلى الله عزوجل ويطلب منه تعالى أن ينصر البشرية ــ أولاً وبالذات ــ على الشيطان ويوفقها للهدى والفلاح، وأن ينصر المسلمين بصورة خاصة على ما وقعوا فيه من المشاكل وضنك الحياة، وذلك لا يكون إلاّ بتوفيقه سبحانه إياهم لسلوك سبيله، فإن الانحراف عن سبيله يوجب الضنك كما قال سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى) (22).

ولذا فمن الضروري على العاملين في حقل التحرير ـ الذي نحن بصدده في هذا الكتاب ـ أن يهتموا للارتباط بالله سبحانه، بأن يتوكلوا عليه ويعتصموا بحبله ويطلبوا العون منه، ويصدقوا في تطبيق أوامره، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر)(23)، وأن يكثروا من الدعّاء فإنه (سلاح المؤمن)(24) و(مخّ العبادة) (25) كما في الحديث الشريف، وقد قال سبحانه: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)(26).

إنّ نجاة البشرية بيد الله وحده، وهو وحده الذي يجيب المضطر ويكشف السوء ويجعل من يشاء خلفاء الأرض(27)، وبيده وحده الإعزاز والإذلال، وإعطاء الملك ونزع الملك ممن يشاء(28)، كما في الآيات المباركات.

فاللازم التوجه إليه تعالى، وذكره كثيراً في كلّ حال، كما قال سبحانه: (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(29).

وقد ورد في التواريخ أن المسلمين الذين تقدموا ذلك التقدّم الهائل كانوا رهبان الليل وفرسان النهار، بالإضافة إلى أنهم كانوا يسلكون الطرق التي قررها الله سبحانه للنجاة والنجاح، كما قال تعالى: (ثُمّ اَتْبَعَ سَبَباً) (30)، فلنكن نحن كذلك حتى يأذن الله لنا بالنصر كما قال سبحانه: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (31).

7
مراعاة الحقوق

إنّ من أهم ما يسقط الحركات عدم مراعاتهم للحقوق وعدم ملاحظتهم حدود أنفسهم وحدود غيرهم، فكم هو حدّ نفسه؟ وكم هو حدّ سائر الناس؟

ولذا نرى كثيرا من الناس ـ إلاّ من عصمه الله سبحانه ـ لا يلاحظ حق الآخرين، بل يزعم أن الكلّ حقه وكل المجالات مجاله، وبذلك يلفظهم المجتمع فتراهم بعد خمسين سنة من العمل ليس لهم إلاّ مجال صغير أصغر من مجالاتهم الواقعية مرات ومرّات.

وقد ورد أنّ من أشد الأشياء (إنصاف الناس من نفسك)(32)، فلك النصف ولغيرك النصف، ولا يراد النصف الهندسي بل النصف العرفي العدلي.

نعم لا شك أنّ الإنصاف يوجد في قليل من الناس فهو من قبيل المثال المشهور: (بأوراد قليلة لا يحصل الربيع)، فاللازم تنظيم الاجتماع بحيث تكون المنافسة الحرة حتى لا يتمكن كل أحد من الخروج عن حدوده وتطلّب أكثر من حقوقه، كما هو كذلك في الدول ذات الأحزاب الحرّة ـ ولو في نسبة ضئيلة ـ

أما في العالم الثالث فالغالب أنّ الحزب الواحد إذا لم يجد السلاح والسلطة يأخذ في سبّ الناس وإهانتهم والابتعاد عنهم ونسبتهم إلى الخرافة والجمود والجهل وألف منقصة ومنقصة، فإذا وجد السلاح والسلطة استبد بالأمر وأخذ بيده السجن والسلاح والإعلام وبدأ يكلّم الناس بمنطق القوّة لا بقوّة المنطق، وقد خفي عليه (إنّ من قتل الناس قُتل) و(من أهان الناس أهين) و(من صادر أموالهم وسجنهم صادروا أمواله وسجنوه) ولو بعد حين، وهذا ما أثبتته التجارب ودل عليه التاريخ، كما ورد في كلمات أهل البيت (عليهم السلام): (من سل سيف البغي قُتل به)(33).

لا يقال: فهل أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمامان الحسن والحسين (عليهما الصلاة السلام) قتلوا الناس حتى قُتلوا؟

لأنه يقال: قتل هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) بيد الأشرار، كان نتيجة ظلم الأشرار وحقدهم وبغيهم، على عكس قتل الظلمة والطغاة فإنه نتيجة ظلمهم، هذا وقد أراد الله تعالى أن يجمع لهؤلاء الأطهار (عليهم السلام) العواطف إلى الأبد مما يوجب هداية الناس على طول الخط، وكان الطريق لذلك أن يُقتلوا في سبيل الله، وإلا فقد كان بإمكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحضر معه جماعة مسلحين في ليلة 19رمضان حتى لا يُقتل، وكان للإمام الحسن (عليه السلام) أن يجتنب الأكل والشرب من يد (جعدة)، وكان للإمام الحسين (عليه السلام) أن لا يخرج نحو العراق، ولا يفرّق جيشه من المدينة وإلى كربلاء حيث كان (عليه السلام) يخطب فيهم ويقول كراراً: إنه يسير نحو القتل، فمن لا يريد القتل فليتركه، وقد ورد: (شاء الله أن يراني قتيلاً) (34).

وعلى أيّ فمراعاة الحقوق من أهم أسباب البقاء ثم التقدم والاتساع.

8
التقدّميّة والحركة

من أهم ما يلزم على الحركيين والدولة الإسلامية: اتخاذ حالة التقدمية فإنه بدون ذلك لا يمكن للحركي الوصول إلى الدولة، ولا للدولة الاطراد والاستقرار، بل سرعان ما تسقط الدّولة وإن قامت، كما شاهدنا ذلك في الدول التي قامت ثم سقطت سواء في بلاد المسلمين أو غيرها.

والمراد بالحركة التقدمية اتصاف المسئولين ــ سواء في الحركة أو في الدولة ــ بمقومات التقدم والتي منها:

الزهد في الدنيا والهدفية في جميع أمورهم، من زواجهم وولاداتهم وعزائهم، وفي نفس الحركة وفي سلوكهم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) خير أسوة في هذه الأمور، كما أنّ علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) كان كذلك خير أسوة، وهكذا حال سائر الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، ولذا نجد أنّ الحركات التي تعلّمت منهم تمكنت من الوصول، بينما من لم تتعلم منهم لم تصل، وعلى تقدير الوصول سقطت بأول هبة من الرياح لعدم وجود الجذور لهذه الشجرة.. مثلاً: إن الزواج يلزم أن يكون بسيطاً وهادفاً هدفاً إسلامياً بحتاً، فمن أين للحركي بالمال حتى يتزوج زواجاً ضخماً ويمهر مهراً ضخماً، ثم إذا كان حركياً واقعياً فمن أين له من الطاقة طاقتان: طاقة مالية وزمنية للضخامة والتجملات، وطاقة مالية وزمنية للحركة، ثم الزواج الهادف هو أن يختار الحركي الزوجة التي تخدم الإسلام.

وكذلك في الزوجة بالنسبة إلى الزوج.

فاللازم أن يصب الزواج ـ كمثال ـ في بوتقة الحركة، لوصول الأمة إلى الدولة، ثم لبقاء الدولة ثابتة ومطردة، فالوقت والمال إما يصرفان في شهوة النفس أو في سبيل الإسلام، وكذلك الزوج والزوجة أما يكونان في طريق العمل للإسلام أو في طريق غير هادف، وهكذا حال ما إذا مات من الإنسان ميّت، وحال سائر العاديات من المنزل والمركب والأثاث، وحال السفر، وحال الولادة، ولذا ورد في الدعاء: (بعد أن شرطت عليهم الزهد...)(35)، وقبل ذلك قال الله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) (36) فإنهم بوحي من ضمائرهم النقية اتخذوا الرهبانية والله سبحانه كتبها عليهم وقررّها فلا منافاة بين الابتداع والكتابة، وعدم الرهبانية في الإسلام ليس لأجل اختلاف أديان الله سبحانه بل لأجل أنّ الظرف لمثل تلك الرهبانية انقضى كانقضاء ظرف المدرسة الثانوية بعد تكميل الطالب لها ومجيء ظرف الجامعة، إنّ المادية المتغلغلة في الناس حين ظهور عيسى (عليه السلام) أوجبت جذب الحبل شديداً إلى جانب الزهد ليعتدل الأمر.

ولما جاء الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك انقضى وقت الزهد بتلك الكيفية فألغيت تلك الرهبانية الصعبة وبقي الزهد المعتدل، ومن هنا ورد: (إنّ لبدنك عليك حقاً) (37). و: (ليس منّا من ترك دنياه لآخرته) (38). و: (اعمل لدنياك...) (39). وقبل ذلك قال القرآن الحكيم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً...) (40).

9
اللاعنف

يجب على القائمين بالتحرير التحلي باللاعنف المطلق في كل ميادين الحياة، فإن العنف وما يستلزمه من عنف آخر وهكذا، يوجب تلف وقت الإنسان وهدر طاقاته والقضاء على كفاءاته وقدراته البناءة، ويجعل من الشخص عامل فساد وإفساد وهدم وتخريب، وحينئذ لا يمكن التحرير أبدا.

وقد فصلنا الكلام عن السلم واللاعنف في بعض كتبنا.

وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) خير دليل على ضرورة التحلي باللاعنف(41).

10
الأخلاق

يجب ــ أيّما وجوب ــ أن تتحلى الفئة العاملة للتحرير بأرفع مستويات الأخلاق في كل أبعادها، فإن الأخلاق كالكيمياء الذي يحوّل الصفر ــ النحاس ــ إلى الذهب بالنسبة إلى نفس الإنسان، وكالمغناطيس الذي يجلب الناس حول الإنسان، ولذا كان الأنبياء والأوصياء والمصلحون (عليهم السلام) في أرفع درجات الأخلاق وفي كل أبعادها.

وحيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المثل الأعلى للأخلاق، كما قال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(42) نذكر في هذا الباب شيئاً من أخلاقياته (صلى الله عليه وآله) لنتخذه أسوة في هذا الحقل المهم، كما أنّه أسوة في كل حقول الحياة، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فتأسى متأس بنبيه.... وإلاّ فلا يأمنن الهلكة)(43). ولعل المراد الأعم من الهلكة الدنيوية أي السقوط، والهلكة الأخروية أي العذاب.

والله سبحانه المسؤول أن يوفق الفئة العاملة وسائر البشرية بالاقتداء بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة، وما ذلك على الله بعزيز.

خاتمة
من أخلاقيات الرسول (صلى الله عليه وآله)

من أهم عوامل انتصار النبي (صلى الله عليه وآله) في تبليغه للإسلام هو: سمو أخلاقه (صلى الله عليه وآله) وحسن سيرته وكلامه، وقد كتب العلماء كتباً عديدة تحت عنوان (أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله)) وما أشبه.

وبذلك مدحه الله تعالى بقوله عز من قائل: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(44).

وقال عزوجل:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللهِ لِنتَ لَـهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَـهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ إِنّ اللهَ يُحِبّ المُتَوَكّلِينَ)(45).

وكلمة (لو) تفيد الامتناع لامتناع كما ذكره علماء العربية، فقوله (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً) تبين أن الخشونة والشدة بعيدة عنه تمام البعد، لأن كلمة لو تستعمل غالباً في الأمور التي يستحيل وقوعها وتنفي ما بعدها.

وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(46).

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ)(47).

فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتحلى بأشد الحياء وكان (صلى الله عليه وآله) يستحي من أصحابه، وأن بعض أصحابه كان يدخل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) من دون إذنه وكان يجالسه قبل الطعام وبعده، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يتأذى من ذلك ويتحمله ويصبر عليه ولم يخبر أصحابه، حتى لا يجرح عواطفهم.

إن أخلاقيات النبي (صلى الله عليه وآله) كانت تجذب حتى ألد أعدائه فكانوا يتأثرون بها وكثير منهم أسلموا لخُلقه الكريمة.

فقد أصاب النبي (صلى الله عليه وآله) ما أصابه من قريش، حتى قال: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)(48)، حيث تألبوا عليه وجرعوه ألوان الغصص، فاضطر إلى مغادرة أهله وبلاده ووطنه، لكنه لما فتح مكة حيث نصره الله عليهم وأظفره بهم عفى عن جميعهم.

ودخل الجيش الإسلامي على غفلة من أهل مكة، وكان بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) حتى إذا لم يرد الانتقام منهم وقتلهم بأجمعهم كما كان دأب الفاتحين، أن يشكّل محكمة عادلة لمعاقبة المجرمين، الذين طردوا المسلمين وصادروا أموالهم وممتلكاتهم وأقاموا الحروب عليهم، والذين قاموا بتعذيب المؤمنين، والذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.

ولكن رغم كل سوابقهم السيئة الإجرامية، فإن رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله) أصدر أمراً بالعفو العام عنهم جميعاً، وغض الطرف عن جميع الجرائم التي صدرت منهم،

وقال: ((لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)... اذهبوا فأنتم

الطلقاء) (49).

وكانت هذه مفاجأة كبيرة للأصدقاء والأعداء، وكان عفو النبي (صلى الله عليه وآله) سبباً في دخول المشركين في دين الله أفواجاً.

هكذا كان النبي (صلى الله عليه وآله):

عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: سألت أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف كان سيرته في جلسائه؟

فقال (عليه السلام):

(كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ، ولا غليظ، ولا صخاب(50)، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمله.

قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً، ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عوراته، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث) (51).

من صفات النبي (صلى الله عليه وآله):

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يصف أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله):

كان (صلى الله عليه وآله) (أجود الناس كفاً، وأرحب الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفى الناس ذمةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، من رآه بديهةً هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر مثله قبله ولا بعده)(52).

خلقيات سماوية:

ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة لنفسه(53).

وكان (صلى الله عليه وآله) لا يتأنق في مأكل ولا ملبس، يأكل ما وجد، ويلبس ما وجد(54).

وكان (صلى الله عليه وآله) يخصف النعل بيده، ويرقع الثوب، ويكون في مهنة أهله(55).

وكان (صلى الله عليه وآله) يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويجيب دعوة الغني والفقير، ويحب المساكين ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم، لا يحقر فقيراً لفقره، ولا يهاب ملكاً لملكه(56).

وكان (صلى الله عليه وآله) يركب الفرس والبعير والبغلة والحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره، ولا يدع أحداً يمشي خلفه ويقول: دعوا ظهري للملائكة(57).

وكان (صلى الله عليه وآله) يلبس الصوف، وينتعل المخصوف. قيل: كان أحب اللباس إليه الحبرة، وهي ثوب بسيط من برود اليمن فيها حمرة وبياض(58).

وكان خاتمه (صلى الله عليه وآله) من فضة، فصه منه، يلبسه في خنصره الأيمن.

وكان (صلى الله عليه وآله) يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد أوتي بمفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يقبلها واختار الآخرة عليها(59).

وكان (صلى الله عليه وآله) يكثر الذكر، ولا يقول اللغو، ويطيل صلاته إن صلاها بمفرده، ويراعى حال أضعف المأمومين إن صلاها جماعة، وكان يقصّر الخطبة.

وكان (صلى الله عليه وآله) أكثر الناس تبسماً، وأحسنهم بشراً مع كونه متواصل الأحزان دائم الفكرة(60).

وكان (صلى الله عليه وآله) يحب الريح الطيبة، ويكره الريح الخبيثة.

وكان (صلى الله عليه وآله) يتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي عن أحد بشره ولا خلقه(61).

وكان (صلى الله عليه وآله) يرى اللعب المباح فلا ينكره، ويمزح ولا يقول إلاّ حقاً، ويقبل عذر المعتذر إليه(62).

وكان (صلى الله عليه وآله) لا يرتفع على عبيده ولا إمائه في مأكل ولا ملبس، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله، أو فيما لابد له أو لأهله منه(63).

وكان (صلى الله عليه وآله) يهتم حتى بالحيوانات، فيرعى الغنم، وقال: (ما من نبي إلاّ قد رعى الغنم)(64).

استقامة النبي (صلى الله عليه وآله):

لما رأى المشركون التقدم السريع للإسلام وانتشاره، حاولوا إغراء النبي (صلى الله عليه وآله) بالأمور المادية لكي يتنازل عن تبليغ رسالات ربه.

فاقترحوا عليه (صلى الله عليه وآله) الأموال الطائلة، وأن يزوّجوه بأجمل بناتهم، وعرضوا عليه الجاه والمقام والملك، وما إلى ذلك من الأمور المادية، فلم يقبل.

ورد أن الوليد بن المغيرة وهو أحد زعماء الشرك كان قد عرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أموالاً طائلة، وحلف أنه سيعطيها ل‍ (محمد) إذا تخلى عن مبدئه ودينه.

ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله)لم يقبل بذلك أبدا، وتحمل ما تحمل في سبيل تبليغ الدين وهداية الناس.

لم أستطع فراقك:

كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع أصحابه تعامل الأصدقاء الأوفياء، وقد أحبه أصحابه أشد الحب، بحيث كانوا لا يستطيعون فراقه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (جاء رجل من الأنصار إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله ما أستطيع فراقك، وإني لأدخل منزلي فأذكرك، فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر إليك حباً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة، وأدخلت الجنة، فرفعتَ في أعلى عليين، فكيف لي بك يا نبي الله؟، فنزلت: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (65)، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) الرجل فقرأها عليه وبشره بذلك)(66).

مواساة الفقراء:

روي أنه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا ولم يشبع حتى من خبز الشعير(67).

وقالت بعض زوجاته (صلى الله عليه وآله): (كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوتهم نار، وكان قوتهم التمر والماء)(68).

وعن بعض الصحابة: قال: أما والله قد صحبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويشيع جنائزنا، ويغدو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير.

مع رجل من أهل البادية:

كان من عظيم أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يهتم بجميع أفراد المجتمع على مختلف طبقاتهم، يستمع إليهم، ويجيب على أسئلتهم، ويقضي حوائجهم.

قال أنس: جاء رجل من أهل البادية، وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟

فحضرت الصلاة فلما قضى صلاته، قال (صلى الله عليه وآله): (أين السائل عن الساعة؟).

قال: أنا يا رسول الله.

قال (صلى الله عليه وآله): (فما أعددت لها؟).

قال: والله ما أعددت لها من كثير عمل صلاة ولا صوم، إلا أني أحب الله ورسوله.

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): (المرء مع من أحب).

قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشد من فرحهم بهذا.

مع بياع الزيت:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهتم بأصحابه ويسأل عنهم إذا افتقدهم.

روي أنه (صلى الله عليه وآله) إذا فقد رجلاً من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده(69).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رجل يبيع الزيت، وكان يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حباً شديداً، كان إذا أراد أن يذهب في حاجة لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد عرف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كان ذات يوم دخل فتطاول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته، فلم يكن بأسرع من أن رجع.

فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك، أشار إليه بيده أجلس، فجلس بين يديه، فقال: ما لك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل؟

فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق نبياً، لغشى قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي، رجعت إليك، فدعا (صلى الله عليه وآله) له وقال له خيراً.

ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أياماً لا يراه، فلما فقده سأل عنه، فقيل له: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام، فانتعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتعل معه أصحابه، فانطلق حتى أتى سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته، فقالوا: يا رسول الله، مات... ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً، إلا أنه قد كان فيه خصلة... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لقد كان يحبني حباً، لو كان بخاساً(70) لغفر الله له).

لا يكافئ السيئة بالسيئة:

ورد عن أنس قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: يا محمد احمل لي علي بعيرَيّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك!

فسكت النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال (صلى الله عليه وآله): (المال مال الله،وأنا عبده، ثم قال: ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي)؟!

قال: لا. قال (صلى الله عليه وآله): (لِمَ؟)

قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة.

فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً.

حتى مع اليهود:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير فتقاضاه، فقال (صلى الله عليه وآله) له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك.

فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني.

فقال (صلى الله عليه وآله): إذن أجلس معك.

فجلس (صلى الله عليه وآله) معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتهددونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟

فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك!

فقال (صلى الله عليه وآله): لم يبعثني ربي عزوجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره.

فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب(71)، ولا متزين بالفحش، ولا قول الخنا(72)، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله، وكان اليهودي كثير المال)(73).

لا تقتله فإنه حسن الخلق:

عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (ثلاثة نفر آلوا باللات والعزى ليقتلوا محمداً (صلى الله عليه وآله) فذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده إليهم وقتل واحداً منهم وجاء بآخرين، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قدّم إليّ أحد الرجلين، فقدمه فقال(صلى الله عليه وآله): قل لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله، فقال: لَنقل جبل أبي قبيس أحب إليّ من أن أقول هذه الكلمة، قال (صلى الله عليه وآله): يا علي أخره واضرب عنقه.

ثم قال (صلى الله عليه وآله): قدّم الآخر، فقال (صلى الله عليه وآله): قل لا إله إلاّ الله واشهد أني رسول الله.

قال: ألحقني بصاحبي.

قال (صلى الله عليه وآله): يا علي أخّره واضرب عنقه.

فأخره وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضرب عنقه، فنزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخي في قومه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي أمسك، فان هذا رسول ربي يخبرني أنه حسن الخلق سخي في قومه.

فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك؟

قال (صلى الله عليه وآله): نعم.

قال: والله ما ملكت درهماً مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا ممن جرّه حسن خلقه وسخائه إلى جنات النعيم).

قمة التواضع:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) متواضعاً في جميع أبعاد الحياة، متواضعاً مع ربه، متواضعاً مع نفسه، متواضعاً مع شعبه، متواضعاً في الأكل والشرب، متواضعاً في المشي والركوب، متواضعاً في الملبس، متواضعاً في المسكن، متواضعاً في سائر الأمور.

ورد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يركب الحمار بغير سرج(74).

وفي رواية أنه (صلى الله عليه وآله) عاد سعداً وأردف خلفه أسامة بن زيد(75).

وكان أنس رديف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند رجوعهم من خيبر(76).

وكان (صلى الله عليه وآله) يجلس على الأرض، ويأكل (صلى الله عليه وآله) على الأرض(77).

وكان (صلى الله عليه وآله) يحلب شاته بيده(78).

روي أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيب دعوة العبد، ويعود المريض، ويركب الحمار، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل أكل العبد، ويجلس جِلسة العبد، وكان يأكل على الحضيض(79)، وينام على الحضيض)(80).

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (مرت امرأة بذية(81) برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحك وأيّ عبد أعبد منى؟

قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها.

فقالت: لاوالله إلاّ التي في فيك.

فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها.

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا روحها)(82).

وفي المحاسن: عن أبي خديجة، قال: سأل بشير الدهان أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل متكئاً على يمينه أو على يساره؟ فقال (عليه السلام): (ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل متكئاً على يمينه ولا على يساره، ولكن يجلس جلسة العبد تواضعاً لله)(83).

وعن زيد الشحام(84)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متكئاً منذ بعثه الله حتى قُبض، وكان يأكل أكل العبد(85)، ويجلس جلسة العبد)(86)، قلت: ولم ذلك؟ قال: (تواضعاً لله)(87).

وفي مكارم الأخلاق: (وكان (صلى الله عليه وآله) يشرب في أقداح القوارير التي يؤتى بها من الشام، ويشرب في الأقداح التي تتخذ من الخشب، وفي الجلود، ويشرب في الخزف)(88).

وفي الحديث بأسانيد كثيرة أنه (صلى الله عليه وآله) قال:

(خمس لا أدعهن حتى الممات:

الأكل على الحضيض مع العبيد.

وركوبي الحمار مؤكفاً(89).

وحلبي العنز بيدي.

ولبس الصوف.

والتسليم على الصبيان لتكون سُنّة من بعدي)(90).

غاية الأدب:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غاية الأدب والأخلاق.

عن أنس قال: (ما أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركبتيه بين يدي جليس له قط) (91).

وروي أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يتقدم على أحد من جلسائه، بل كان يقعد مساوياً لهم في مجالسهم ومحافلهم.

ولا تناول ــ أي أخذ ــ أحد يده (صلى الله عليه وآله) قط فتركها ــ أي فنزعها ــ، حتى يكون هو ــ أي المتناول ــ يدعها أي يتركها(92).

وما جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد قط، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) عنه حتى يقوم صاحبه قبله.

وما وُجد شيء قط من عنبر ومسك وعبير ونحوها وفي حال من الأحوال أطيب من ريح رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وفي رواية: ما قام إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل في حاجة فانصرف عنه قبله حتى يكون الرجل هو المنصرف أولاً(93).

وفي رواية: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صافح أحداً لا يترك يد صاحبه إلا أن يكون هو الذي يترك يده ابتداءً(94).

وفي رواية عن أنس: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا لقيه أحد من أصحابه، فقام معه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياه، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه ناولها إياه، ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه(95).

الشكر والحمد الدائم:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثير الحمد والشكر لله تعالى، فلم يشرب شيئاً ولا أكل شيئاً إلاّ ذكر الله تعالى وشكره.

عن الطبرسي 6 في مكارم الأخلاق: في أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) في مشربه: (فكان له في شربه ثلاث تسميات وثلاث تحميدات) (96).

رفقاً بالأهل والخدم

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في البيت يساعد أهله ويعمل معهم، ورد في أخلاقه (صلى الله عليه وآله) أنه كان في بيته في مهنة أهله، ويطحن مع الخادم، ويعجن معهم (97).

وعن أنس قال: خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشر سنين، وفي لفظ: إحدى عشرة سنة، وأنا ابن ثمان سنين، في السفر والحضر، والله ما قال لي: أف قط، ولا لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لم لِم تصنع هذا هكذا؟ ولا لشيء صنعته أسأت صنعته، أو لبئس ما صنعت، ولا عاب علي شيئا قط، ولا أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، ولا لامني أحد من أهله إلا قال دعوه، فلو قدر أو قال قضي أن يكون كان، وأرسلني في حاجة يوما فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرجت على صبيان وهم يلعبون في السوق، وإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه، وهو يضحك، فقال: (يا أنس، اذهب حيث أمرتك) فقلت له: أنا أذهب يا رسول الله.

عدم رد السائل:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في مكارم أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله): (ما سُئل شيئاً قط فقال: لا، وما ردّ سائلاً حاجة إلاّ بها، أو بميسور من القول)(98)

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سائلا قط، إن كان عنده أعطى، وإلاّ قال: يأتي الله به)(99).

ومع المنافقين:

كانت أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومداراته للناس في أعلى ما يتصور، حتى بالنسبة إلى المنافقين.

لما توفي عبد الله بن أبيّ بن سلول وهو رأس المنافقين في المدينة، جاء ولده ــ وكان رجلاً صالحاً ــ إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: إن أبي قد أوصى أن يكفّن في قميصك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالنبي (صلى الله عليه وآله) أعطاه قميصه ليكفن فيه أباه المنافق.

وهذا يدل على عظيم مكارم أخلاقه (صلى الله عليه وآله) مع ما كان من هذا المنافق من الإيذاء لكنه قابله بالحسنى فألبسه قميصه كفناً وصلى عليه.

مع خدمه وعبيده:

عن أنس قال: (خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعت، ولا لشيء تركته: لم تركته، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا شممت مسكا قط، ولا عنبراً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله (صلى الله عليه وآله)).

وعن أنس بن مالك قال: (خدمت النبي (صلى الله عليه وآله) تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: هلا فعلت كذا وكذا، ولا عاب عليّ شيئاً قط)(100).

عيادة المرضى وصلاة الجنائز:

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم، ويتبع جنائزهم، ولا يصلي عليهم أحد غيره، وإن امرأة مسكينة من أهل العوالي(101) طال سقمها فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل عنها من حضرها من جيرانها، وأمرهم أن لا يدفنوها إن حدث بها حدث فيصلي عليها، فتوفيت تلك المرأة ليلا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز ــ أو موضع الجنائز ــ عند مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليصلي عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أمرهم، فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء فكرهوا أن يهجدوا(102) رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نومه، فصلوا عليها ثم انطلقوا بها، فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل عنها من حضره من جيرانها، فأخبروه خبرها وأنهم كرهوا أن يهجدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ولم فعلتم؟ انطلقوا) فانطلقوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قاموا على قبرها، فصفوا وراء رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يصف للصلاة على الجنائز، فصلى عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

الجوع في سبيل الله:

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: (كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق؟ إذ جاءته فاطمة $ بكسرة من خبز، فرفعتها إليه، فقال: ما هذه يا فاطمة، قالت: من قرص اختبزته لابنيّ جئتك منه بهذه الكسرة، فقال (صلى الله عليه وآله): يا بنية أما إنها لأول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث)(103).

الخليفة من بعده

كان من أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) حرصه على الأمة فلم يتركهم بلا تعيين خليفة من بعده، بل عين بأمر من الله علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً وخليفة من بعده على الناس.

وهذا ما رواه الفريقان في حديث الغدير وغيره.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه). حديث متواتر.

الأعظم معروفاً:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم الناس معروفاً على الخلق، وإن لم يشكروه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكفراً لا يُشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الخلق؟ وكذلك نحن أهل البيت (عليهم السلام) مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يُشكر معروفهم)(104).

أخلاقيات الحوار:

روي عن خارجة بن زيد: إن نفراً دخلوا على أبيه زيد بن ثابت فقالوا: حدثنا عن بعض أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله).

فقال: كنت جاره، فكان إذا نزل الوحي بعث إليّ فآتيه فأكتب الوحي، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا).

ألك حاجة؟

روى ابن شهرآشوب في آداب رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلاّ خفف صلاته وأقبل عليه، وقال: (ألك حاجة؟)(105).

أشد الناس لطفا:

روى أنس قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أشد الناس لطفاً بالناس، فوالله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه، وما سأله سائل قط إلاّ أصغى إليه، فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحد بيده قط إلاّ ناولها إياه، فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه)(106).

مع الأعرابي:

قيل: إن أعرابياً دخل المسجد، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس، فصلى ركعتين فقال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لقد تحجرت واسعا) ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه ليضربوه، فنهاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)... وقال (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، علموا، ويسروا، ولا تعسروا، صبوا عليه سجلا(107) من ماء... ثم قال (صلى الله عليه وآله) للأعرابي: إن هذا المسجد لا يُبال فيه، إنما بني لذكر الله تعالى وللصلاة)(108).

اللهم اهد قومي:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو حتى للمشركين بالهداية، ولم يدع عليهم بنزول العذاب، وكان دائماً يقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) (109).

وروي أنه جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله تعالى عليهم، فاستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) القبلة، ورفع يديه، فقال الناس: هلكوا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اللهم اهد دوسا، وأت

بهم، اللهم اهد دوسا، وأت بهم، اللهم اهد دوسا، وأت بهم)(110).

وروي أن أهل مكة المشركين سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يجعل لهم الصفا(111) ذهباً، وأن ينحّي عنهم الجبال فيزرعون، فجاءه الخطاب الرباني: (إن شئت أن تستأني(112) بهم، وإن شئت أن نعطيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم، قال: بل أستأني بهم).

وروي أنه قيل: يا رسول الله ادع على المشركين، فقال (صلى الله عليه وآله): (لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة)(113).

مراعاة الضعيف:

عن جابر بن عبد الله(114) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخرنا في أخريات الناس ــ أي يمشي نهاية الركب ــ، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم)(115).

الأحسن خلقاً:

سُئلت عائشة عن خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: (ما كان أحد أحسن خُلُقا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وفي لفظ قالت: (كان أحسن الناس خُلُقا، كان خُلُقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشا ولا متفاحشا ولا سخابا في الأسواق، ولا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح).

ثم قالت: اقرأ سورة المؤمنين: اقرأ: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ)(116) إلى العشر(117).

فقرأ السائل: (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ...).

فقالت: هكذا كان خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله)).

الأيسر على الناس:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يختار اليسر للناس، ولا يصعّب عليهم.

روي أنه (ما خُيّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما للناس ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه).

وقال (صلى الله عليه وآله): (إن الله تعالى لم يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما وميّسرا)(118).

لم ينتقم لنفسه أبداً:

روي أنه (ما انتقم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى)(119).

وروي أنه ما ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا بيده، ولا ضرب مولى له، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وما نيل منه شيء فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله تعالى.

لا للفحش:

روي أنه لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحشا ولا متفاحشا ولا صخابا(120) في الأسواق.

وكان (صلى الله عليه وآله) يقول: (إن خياركم أحسنكم أخلاقا)(121).

تلبية الحاجات:

روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يلبي حاجة الجميع حتى العبيد والإماء، فكان العبد ليأخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما ينزع يده من يده حتى يذهب به حيث يشاء، ويجيب إذا دعي، وهكذا كانت الأَمَة تأخذ بعباءته (صلى الله عليه وآله) فيذهب معها ليقضي حاجتها(122).

إذا كلمه شخص:

روي عن بعض الصحابة أنه قال: ما رأيت رجلا التقم أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنحى رأسه عنه، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، وما رأيت رجلا أخذ بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فترك يده، حتى يكون الرجل هو الذي ينزع.

هكذا التعليم:

روي عن أحد الصحابة أنه قال: بينا أنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصلاة إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فحدقني القوم بأبصارهم، قال: فقلت: يرحمك الله، فحدقني القوم بأبصارهم، قال: قلت: واثكل أماه، ما لهم ينظرون إلي، قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم قال: فلما رأيتهم يسكتوني سكت، فلما سلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صلاته دعاني، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما ضربني، ولا سبني، ولا نهرني، ولكن قال: (إن صلاتك هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن)(123).

وهذه المسألة مذكورة في الفقه فليراجع.

مع الشباب:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعامل مع الشباب تعاملاً منطقياً، يسعى في هدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.

روي أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) غلام شاب فقال: يا رسول الله إيذن لي في الزنا!، فصاح الناس وقالوا: مه

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أتحبه لأمك؟)

فقال: لا.

قال: (وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟). قال: لا.

قال (صلى الله عليه وآله): (وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، قال: أتحبه لعمتك؟) قال: لا، قال (صلى الله عليه وآله): (وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم، فأكره لهم ما تكره لنفسك، وأحب لهم ما تحب لنفسك)(124)

مهلا يا عائشة:

عن عائشة: إن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: (السام عليك)!

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (عليكم).

قالت عائشة" فقلت: (بل عليكم، السام عليكم واللعنة).

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (مهلا يا عائشة، إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله).

قالت: يا رسول الله ألم تسمع لما قالوا؟

قال: (قد قلت: عليكم)(125).

قمة العفو:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قمةً في العفو، فمن أراد به سوءاً عفى عنه، وربما لم يذكره به، روى البعض أن رجلاً من الأنصار أراد أن يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله) بعقد عقده وألقاه في البئر، فأخبره ملك من الملائكة بأن فلانا عقد له عقدا، وهي في بئر فلان، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) فاستخرج العقد وحله، ولم يذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا رؤي في وجهه قط، ولم يعاتبه حتى مات.

وفي رواية: فلم يذكر له شيئا، ولم يعاتبه فيه.

وفي رواية: فما رأيته في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا ذكره له حتى مات(126).

وعند المصافحة:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صافحه الرجل لا ينزع يده من يده، حتى يكون الرجل ينزع، وإن استقبله بوجهه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له.

الرفق دائماً:

روي أنه: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحب الرفق في الأمور كلها)(127).

لا تغضبه الدنيا:

روي أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دمثاً(128)، ليس بالجافي ولا المهين، لا يقوم لغضبه شيء إذا تعرض الحق حتى ينظر له، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرض الحق لم يعرف أحداً، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها(129).

أرضيت يا رجل؟:

روي أنه جاء أعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستعينه في شيء، فقال: يا محمد أعطني، فإنك لا تعطيني من مالك، ولا من مال أبيك!.

فأعطاه شيئاً، ثم قال (صلى الله عليه وآله): (أحسنت إليك؟)

قال الأعرابي: لا، ولا أجملت!.

فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار (صلى الله عليه وآله) إليهم أن كفوا، ثم قام (صلى الله عليه وآله) فدخل منزله، ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت، فأعطاه شيئاً، فقال (صلى الله عليه وآله): (أرضيت؟)

فقال: لا.

ثم أعطاه (صلى الله عليه وآله) أيضاً، فقال: (أرضيت؟)

فقال: نعم، نرضى.

فقال (صلى الله عليه وآله): (إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس المسلمين شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب عن صدورهم ما فيها)

قال: نعم، فلما كان الغداة أو العشي جاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن صاحبكم هذا كان جائعاً فسألنا فأعطيناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟)

فقال الأعرابي: (أي نعم، فجزاك الله تعالى عن أهل وعشيرة خيراً).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا إنّ مَثَلي ومَثَلَكم كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه، فأتبعها الناس، فلم يزيدوها إلاّ نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، فتوجه لها صاحبها بين يديها، فأخذ لها من قمام(130) الأرض، فجاءت واستناخت، فشد عليها رحلها واستوى عليها، وأنا لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار، فما زلت حتى فعلت ما فعلت)(131).

وروي عن أنس قال: (كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، قال أنس: حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أثرت بها حاشية الثوب، من شدة جبذته، فقال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضحك، وأمر له بعطاء).

لا للتنفير:

روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ بقوم يتدافعون حجراً بينهم، وكأنه كره ذلك منهم، فلما جاوزهم رجع إليهم مستفسراً فقال: (ما هذا الحجر)؟...

فقال بعض أصحابه: لو نهرتهم يا رسول الله، قال: (إنما بعثت ميسراً، ولم أبعث منفراً)(132).

لبيك:

روي أنه ما كان أحد أحسن خُلقاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما دعاه أحد من أصحابه، ولا من أهل بيته إلاّ قال (صلى الله عليه وآله): (لبيك)(133).

ويعتذر للعبد:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذر للعبيد والإماء عند مواليهم، إذا رأى من أربابهم الشدة والغلظة.

روي أن ابن أبي قحافة أعطى بعيره لغلام له في سفر الحج وكان عليه زاده، فنام الغلام في بعض الطريق فذهب البعير، فقال له أبو بكر أين البعير؟ فقال الغلام: ضل، فقام إليه يضربه!، ويقول: بعير واحدة ضل منك، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبتسم، ويقول: (ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع؟)

فحمل جماعة جفنة من حيس وأقبلوا بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وضعوها بين يديه، فجعل (صلى الله عليه وآله) يقول: هلم، فقد جاء لنا الله تعالى بغذاء طيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (هون عليك، قد كان الغلام حريصاً أن لا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه)(134).

وعليّ جمع الحطب:

روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سفر، وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله عليّ ذبحها، وقال آخر: يا رسول الله عليّ سلخها، وقال آخر: يا رسول الله عليّ طبخها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وعليّ جمع الحطب).

فقالوا يا رسول الله: نكفيك العمل.

فقال (صلى الله عليه وآله): (قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، وإن الله تعالى يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه)(135).

قمة الحلم:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قمة في الحلم والتجاوز عن الجاهلين.

روي أن زيد بن سعنه قال: ما من علامات النبوة شيء إلاّ وقد عرفته في وجه محمد (صلى الله عليه وآله) حين نظرت إليه، وقد شاهدت منه سبق حلمه، وأنه لا يزيده شدة الجهل عليه إلاّ حلماً وهي من علامات النبوة... فعند ذلك قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً عبده ورسوله) وآمن وصدق وشهد مع النبي (صلى الله عليه وآله) مشاهده(136).

خلقه القرآن:

يقول أحدهم: دخلت على عائشة فقلت: حدّثيني عن خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: (كان خُلُقه القرآن، يغضب لغضبه ويرضى لرضاه)(137).

وقالت: سُئلت ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في بيته؟ قالت: (كان بشراً من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه).

أشجع الناس:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشجع الناس، فلم يكن جباناً ولم يكن يجبّن أصحابه يوماً، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (كنا إذا احمر البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه)(138).

وقال البراء: (كنا والله، إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به)(139).

وفي حديث أنس: (كان النبي (صلى الله عليه وآله) أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس)(140).

أسخي الناس:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسخى الناس وأجودهم.

روي أنه ما سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً إلاّ أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: (يا قوم أسلموا، فإن محمداً (صلى الله عليه وآله) يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة)(141).

كثرة الحياء:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثير الحياء، ومن ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) لم يواجه الناس بالعقاب، وكان (صلى الله عليه وآله) إذا كره شيئاً عرف في وجهه.

عن أنس قال: (ما سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا قط فقال: لا. وكان أشد حياءً من العذراء في خدرها، لا يثبت بصره في وجه أحد. وما عاب طعاماً قط، كان إن اشتهاه أكله، وإلاّ تركه. وكان لا يأكل متكئاً، ولا يأكل على خوان، ولا يمتنع من طعام حلال، إن وجد تمراً أكله، وإن وجد خبزاً أكله، وإن وجد شواءً أكله، وإن وجد خبز شعير أو بر أكله، وإن وجد لبناً اكتفى به. وكان يأكل البطيخ بالرطب)(142).

خير خلق الله كلهم:

محمد سيد الكونين والثقليـــــــن

والفريقين من عرب ومن عجم

فاق النبيين في خلق وفى خلــق

ولم يدانوه في علم ولا كـــــــرم

وكلهم من رسول الله ملتمــــس

غرفا من البحر أو رشفا من الديم

وهو الذي تم معناه وصورتـــه

ثم اصطفاه حبيبا بارئ النســـم

منزه عن شريك في محاسنــــــــه

فجوهر الحسن فيه غير منقسم

فمبلغ العلم فيه أنه بشـــــر

وأنه خير خلق الله كلهـــــم(143)

روايات النبي (صلى الله عليه وآله) في حسن الخلق

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(144).

وقال (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).

وقال: (إنما بعثت لأتم حسن الأخلاق)(145).

وكان (صلى الله عليه وآله) يقول في دعائه: (اللهم كما حسّنت خَلقي فحسّن خُلقي)(146).

وقال (صلى الله عليه وآله): (أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق).

وقال (صلى الله عليه وآله): (أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويُؤلفون. وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الإخوان، الملتمسون للبراء(147) العثرات)(148).

وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله): (أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً(149)، الذين يألفون ويؤلفون، وتوطأ رحالهم)(150).

وقال (صلى الله عليه وآله): (عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق، فإن سوء الخلق في النار لا محالة)(151).

وقال (صلى الله عليه وآله): (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار)(152).

وقال (صلى الله عليه وآله): (ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن)(153).

وقال (صلى الله عليه وآله): (إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم)(154).

وقال (صلى الله عليه وآله): (أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، قيل: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه)(155).

وقال (صلى الله عليه وآله): (إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم).

وقال (صلى الله عليه وآله): (حسن الخلق يثبت المودة)(156).

روايات أهل البيت (عليهم السلام) في حسن الخلق

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (حسن الخلق رأس كل بر)(157).

وقال (عليه السلام): (من حسنت خليقته، طابت عشرته)(158).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)(159).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)(160).

وقال (عليه السلام): (من ساء خلقه عذّب نفسه)(161).

وقال (عليه السلام): (إن شئت أن تُكرَم فلِن، وإن شئت أن تُهان فاخشن).

وقال (عليه السلام): (ما يقدم المؤمن على الله تعالى بعمل بعد الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه)(162).

وقال (عليه السلام): (إن الله تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح)(163).

وقال (عليه السلام): (إن الخلق الحسن يميت(164) الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد)(165).

وقال (عليه السلام): (البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار)(166).

وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): (ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلاّ من عفا وأصلح فأجره على الله) (167).

وقال (عليه السلام): (عونك للضعيف من أفضل الصدقة)(168).

قال الإمام الرضا (عليه السلام): (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه، وسنة من نبيه (صلى الله عليه وآله)، وسنة من وليه (عليه السلام)، فأما السنة من ربه فكتمان السر، وأما السنة من نبيه (صلى الله عليه وآله) فمداراة الناس، وأما السنة من وليه (عليه السلام) فالصبر في البأساء والضراء) (169).

وقال (عليه السلام): (لا يتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة، ثم قال (عليه السلام): العاشرة ما العاشرة، قيل له: ما هي؟ قال (عليه السلام): لا يرى أحداً إلا قال: هو خير مني وأتقى)(170).

قال الإمام الجواد (عليه السلام): (لا تعادي أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى، فان كان محسنا فانه لا يسلمه إليك وان كان مسيئا فان علمك به يكفيكه فلا تعاده) (171).

وقال (عليه السلام): (من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض منه بالعطية)(172).

قال الإمام الهادي (عليه السلام): (خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم حامله، وشر من الشر جالبه)(173).

وقال (عليه السلام): (الغضب على من لا تملك عجز، وعلى من تملك لؤم) (174).

وقال الإمام العسكري (عليه السلام): (من كان الورع سجيته، والكرم طبيعته، والحلم خلته، كثر صديقه والثناء إليه) (175).

* * *

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة-محمد الشيرازي

.......................................
(1) اليقين، للسيد ابن طاووس: ص14، الأعلام للشيخ المفيد: هامش ص65.
(2) محاسبة النفس، للشيخ إبراهيم الكفعمي: ص150.
(3) هذا تفسير لقوله (عليه السلام): (ملعون).
(4) سورة آل عمران: 133، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
(5) سورة البقرة: 148، قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(6) سورة المطففين: 26
(7) آية الله العظمى، مجدد المذهب الحاج ميرزا محمد حسن بن السيد ميرزا محمود بن السيد ميرزا إسماعيل الحسيني الشيرازي، ولد سنة 1230هـ وحضر درس المحقق السيد حسن المدرس وبحث المحقق الكلباسي وقصد العراق في حدود 1259 هـ، فاختص بالتلمذة والحضور بأبحاث المحقق الأنصاري (قدس سره) حتى صار يشار إليه بالبنان، فتقلد منصب المرجعية الكبرى بعد وفاة استاذه الشيخ الأنصاري، هاجر إلى سامراء سنة 1291 هـ، وأخذ بالتدريس وتبعه مجموعة من الطلبة حتى أصبحت سامراء قلعة علمية شامخة، توفي (قدس سره) سنة 1312 هـ في سامراء وحمل نعشه الشريف على الرؤوس إلى النجف الأشرف وطيف به المراقد المطهرة ودفن في مقبرة له. أصدر الفتوى المشهورة التي حرم فيها الدخان مما أدى إلى حماية المسلمين في إيران من الاستعمار البريطاني التي سميت ثورة (التنباك).
(8) الشيخ الميرزا محمد تقي ابن العبد الصالح الميرزا محب علي بن أبي الحسن الشيرازي، ولد بشيراز وتوفي في كربلاء المقدسة سنة 1338هـ ودفن في الصحن الحسيني الشريف، هاجر إلى سامراء وتتلمذ هناك على يد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي حتى صار من أعاظم تلامذته وأركان بحثه، كان كثير العناية بشأن سامراء المقدسة لم يخرج منها إلا في سنة الاحتلال وتشرف إلى النجف الأشرف وكان يوم وروده مشهوداً ثم رجع إلى كربلاء المقدسة وانتهت إليه رياسة الأمامية على الإطلاق نحو سنتين وهو زعيم النهضة العراقية ضد الاستعمار البريطاني المعروفة بثورة العشرين التي أنتجت استقلال العراق، ولذا سمي بالإمام المجاهد.
(9) الآخوند الشيخ ملا كاظم، ويقال: محمد كاظم ابن الملا حسين الهروي الخراساني النجفي، ولد في مدينة مشهد خراسان سنة 1255هـ وتوفي فجأة فجر الثلاثاء من ذي الحجة سنة 1329هـ في النجف الأشرف ودفن فيه وكان ذلك في وقت احتلال الروس بلاد إيران، قرأ مبادئ العلوم في مشهد ثم خرج إلى العراق بطريق طهران سنة 1277هـ فأدرك في النجف الشيخ الأنصاري واختلف إلى مجلس درسه أكثر من سنتين إلى أن توفي الشيخ الأنصاري فأخذ في الحضور في درس المجدد الميرزا الكبير الشيرازي، له مؤلفات كثيرة أهمها الكفاية في أصول الفقه الذي أخذ مساحة واسعة في الأبحاث الحوزوية. أفتى بوجوب المشروطية والاتحاد بين الأمة الإسلامية وأمر بعزل السلطان محمد علي القاجار.
(10) سورة البقرة: 134.
(11) إشارة إلى الآية الكريمة من سورة محمد: 7، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
(12) سورة محمد: 35.
(13) مفاتيح الجنان: دعاء الافتتاح.
(14) سورة قريش: 4.
(15) مقولة مشهورة نسبت كذباً إلى النبي عيسى (عليه السلام) والغاية منها فصل أمور الدنيا عن الأمور الدينية وإبطال ما جاء به الأنبياء (عليهم السلام).
(16) سورة الأنفال: 17. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
(17) سورة البقرة: 201.
(18) سورة الشمس: 7.
(19) سورة الإسراء: 85
(20) مستدرك سفينة البحار: ج7 ص316.
(21) سورة الإسراء: 85
(22) سورة طه: 124
(23) نهج البلاغة: ج1 ص105 من كلام له (عليه السلام) في وصف حربهم على عهد النبي (صلى الله عليه وآله).
(24) الكافي: ج2 ص468 باب إن الدعاء سلاح المؤمن ح1، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض).
(25) وسائل الشيعة: ج7 ص27، باب استحباب الإكثار من الدعاء ح14.
(26) سورة الفرقان: 77.
(27) إشارة إلى الآية 62 من سورة النمل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أألهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).
(28) إشارة إلى الآية 26 من سورة آل عمران: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(29) سورة الأحزاب: 41ـ42.
(30) سورة الكهف: 89.
(31) سورة البقرة: 249.
(32) هذا المقطع جزء من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (أشد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى لها منهم بشيء إلا رضيت لهم بمثله، ومواساة الأخ في المال، وذكر الله على كل حال) الخصال، للشيخ الصدوق: ص132.
(33) مستدرك الوسائل: ج12 ص86 باب تحريم البغي ح4.
(34) مقتل الحسين (عليه السلام)، للسيد المقرم: ص65.
(35) مكيال المكارم، للميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج2 ص56 دعاء الندبة.
(36) سورة الحديد: 27.
(37) أعيان الشيعة: ج2 ص591.
(38) الاثنا عشرية، الحر العاملي: ص120.
(39) من لا يحضره الفقيه: ج3ص156 باب كراهة ترك الكسب والتجارة ح3569، والحديث هكذا: روي عن العالم (عليه السلام) أنه قال: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداَ).
(40) سورة البقرة: 201.
(41) راجع كتاب (اللاعنف في الإسلام) و(اللاعنف منهج وسلوك) و(الفقه: كتاب السلم والسلام) للإمام الشيرازي H.
(42) سورة القلم: 4.
(43) مستدرك الوسائل: ج12ص55 باب استحباب ترك ما زاد عن قدر الضرورة من الدنيا ح10.
(44) سورة القلم: 4.
(45) سورة آل عمران: 159.
(46) سورة التوبة: 128.
(47) سورة الأحزاب: 53.
(48) مناقب آل أبي طالب: ج3ص42 باب في النكت واللطائف.
(49) أعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ج1ص225. والآية في سورة يوسف: 92.
(50) الصخب: شدة الصوت.
(51) حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني: ج1 ص176 الباب 19 في صفته (صلى الله عليه وآله)ح1.
(52) بحار الأنوار: ج16ص190 باب 8 أوصافه (صلى الله عليه وآله) في خلقته وشمائله وخاتم النبوة ح27.
(53) المبسوط، الشيخ الطوسي: ج3ص303 كتاب الهبات.
(54) تهذيب الكمال: ج1ص230.
(55) التحفة السنية، السيد عبد الله الجزائري: ص338 باب الورد.
(56) تهذيب الكمال: ج1 ص231.
(57) تهذيب الكمال: ج1 ص231.
(58) تهذيب الكمال: ج1 ص231.
(59) تهذيب الكمال: ج1ص231.
(60) مناقب آل أبي طالب: ج1ص127 فصل في آدابه ومزاجه (صلى الله عليه وآله).
(61) بحار الأنوار: ج16ص228 باب9 مكارم أخلاقه وسيره وسننه (صلى الله عليه وآله) ح24.
(62) مستدرك سفينة البحار: ج9ص378 الدعابة والمزاح والضحك.
(63) أعيان الشيعة: ج1ص222في أخلاقه وآدابه.
(64) بحار الأنوار: ج61ص117 الباب2 أحوال الأنعام ومضارها واتخاذها.
(65) سورة النساء: 69.
(66) الأمالي، الشيخ الطوسي: ص621ح16 المجلس29.
(67) غاية المرام، السيد هاشم البحراني: ج7ص13، ب130 ح24.
(68) تهذيب الكمال: ج1 ص230.
(69) مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص19.
(70) البخس: النقص في المكيال والميزان.
(71) الصخب: الصيحة واضطراب الأصوات.
(72) الخنا: الفحش في المنطق.
(73) الأمالي، الشيخ الصدوق: ص552 المجلس 71ح6.
(74) بحار الأنوار: ج76ص314 باب 109 ح25، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذر: (يا أبا ذر إني ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركب الحمار بغير سرج).
(75) الحدائق الناضرة، المحقق البحراني: ج10 هامش ص16.
(76) الحدائق الناضرة: ج10 هامش ص16.
(77) مكارم الأخلاق: ص16، عن ابن عباس قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك).
(78) الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ج2ص886، باب معجزات محمد (صلى الله عليه وآله) وأوصياءه (عليهم السلام) من جهة الأخلاق.
(79) الحضيض: قرار الأرض وأسفل الجبل.
(80) المحاسن، البرقي: ج2ص457 باب51ح387.
(81) البذاء: الفحش في القول.
(82) الخرائج والجرائح: ج2ص457باب 51ح388.
(83) الخرائج والجرائح: ج2ص457 باب51: باب الأكل متكئاً ح389.
(84) زيد الشحام: وهو زيد بن محمد بن يونس ويكنى أبا أسامة، من أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادق 3 ثقة وله كتاب.
(85) أكل العبد: الأكل على الأرض من غير خوان.
(86) جلسة العبد: الجثو على الركبتين.
(87) بحار الأنوار: ج63ص386 باب12 ح5.
(88) مكارم الأخلاق: ص31 الفصل الرابع في صفة أخلاقه (صلى الله عليه وآله) في مشربه.
(89) مؤكفا، الاكاف والوكاف: البردعة وهي كساء يلقى على ظهر الدابة.
(90) علل الشرائع: ج1ص130 الباب 108 ح1، وسائل الشيعة: ج24ص256 باب8 ح4.
(91) مكارم الأخلاق: ص17 الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
(92) مكارم الأخلاق: ص23 الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
(93) مكارم الأخلاق: ص23 الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
(94) الكافي: ج2ص182 باب المصافحة ح15.
(95) توجد بعض هذه المضامين في الكافي: ج2ص182 باب المصافحة ح15، مشكاة الأنوار علي الطبرسي: ص352.
(96) مكارم الأخلاق: ص31 الفصل الرابع في صفة أخلاقه في مشربه.
(97) مستدرك سفينة البحار: ج10 ص202 في ما ظهر من المنامات في كرامتهم.
(98) مكارم الأخلاق: ص23 الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
(99) الكافي: ج4 ص15 باب كراهة رد السائل ح5.
(100) مكارم الأخلاق: ص16 الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه.
(101) العوالي: وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية.
(102) تهجد القوم: استيقظوا.
(103) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: ص47.
(104) تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي: ج2ص206 نقلاً عن علل الشرائع: ج2 ص560 باب353 ح3.
(105) مناقب آل أبي طالب: ج1ص127 فصل في آدابه (صلى الله عليه وآله) ومزاحه.
(106) حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني: ج3ص262.
(107) السجل: الدلو الضخمة المملوءة ماءً.
(108) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص10 الباب2 في حسن خلقه (صلى الله عليه وآله).
(109) العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي: ص51 ح37.
(110) حلية الأبرار: ج1 ص309 الباب 40.
(111) الصفا: الحجر الأملس وسمي كذلك لأنه يصفو من الطين والرمل.
(112) تستأني بهم: تؤجلهم وتؤخرهم.
(113) أبو هريرة، السيد شرف الدين: ص92.
(114) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي كنيته أبو عبد الله، نزل المدينة وشهد بدرا وثماني عشرة غزوة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقدم الشام ومصر وكف بصره في آخر عمره، روى عنه خلق كثير، مات في المدينة سنة أربع وسبعين وله أربع وتسعون سنة، وكان منقطعا إلى أهل البيت (عليهم السلام) عظيم الشأن، قال الإمام الصادق (عليه السلام) عنه (إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان منقطعا إلينا أهل البيت، وكان يقعد في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)...).
(115) بحار الأنوار: ج16ص233 الباب9 في مكارم أخلاقه وسيره وسننه (صلى الله عليه وآله).
(116) سورة (المؤمنون): 1.
(117) إلى الآية العاشرة:
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ◄ ►فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).
(118) سبل الهدى والرشاد: ج7ص6 الباب 2.
(119) أعيان الشيعة: ج1ص222.
(120) الفحش: كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح، والمتفحش: بالتشديد الذي يتعمد ذلك ويكثر منه، والصخب: الصيحة واضطراب الأصوات.
(121) مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي: ص23، الفصل الثاني في نبذ من أحواله وأخلاقه (صلى الله عليه وآله).
(122) انظر: أعيان الشيعة: ج1 ص222، ومستدرك الوسائل: ج8 ص439 الباب83.
(123) انظر: المعتبر، المحقق الحلي: ج 2ص230.
(124) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص8 الباب2.
(125) شرح أصول الكافي: مولى محمد صالح المازندراني ج11ص118 باب التسليم على أهل الملل.
(126) انظر: مجمع الزوائد: الهيثمي ج6ص218.
(127) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص9 الباب2.
(128) الدمث: اللين الخلق.
(129) مقاطع ومضامين هذه الرواية موجودة في عدة مصادر منها: عيون أخبار الرضا 8: ج2 ص283 في أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله)، حلية الأبرار: ج1 ص174 الباب9.
(130) القمام: جمع قمامة بضم القاف وفتح الميم، ما تقمقمه من المرعى وأصله كناسة الدار ونحوها.
(131) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص11 الباب2
(132) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص12 الباب2.
(133) أعيان الشيعة: ج1 ص223.
(134) سبل الهدى والرشاد: ج7 ص13 الباب2.
(135) أخلاق أهل البيت (صلى الله عليه وآله): ص52.
(136) انظر: أمتاع الإسماع، المقريزي: ج3 ص366.
(137) انظر: التعليقة على الفوائد الرضوية، القاضي سعيد القمي: ص75.
(138) مستدرك سفينة البحار: ج2 ص140 في أقسام الجهاد.
(139) تفسير القرطبي، القرطبي: ج8 ص101 في تفسير الآية (قَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ).
(140) حلية الأبرار: ج1 ص296 الباب37.
(141) شرح أصول الكافي: ج12 ص93.
(142) انظر: مستدرك الوسائل: ج8 ص465 باب93، بحار الأنوار: ج16 ص230 باب9.
(143) الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج2 ص97، القصيدة للبوصيري.
(144) مسند الرضا (عليه السلام)، داود بن سلمان الغازي: ص131.
(145) التمهيد، ابن عبد البر: ج24 ص333.
(146) تحف العقول: ص11 في وصية أخرى له مختصرة.
(147) الملتمسون للبراء العثرات: الذين يتفحصون حتى يقفوا على عثرة للبريء.
(148) تفسير مجمع البيان: ج10ص87 في تفسير سورة القلم.
(149) الأكناف جمع كنف: الناحية والجانب، يقال رجل موطأ الأكناف: أي كريم مضياف.
(150) الكافي: ج2ص102 باب حسن الخلق ح16.
(151) عيون أخبار الرضا 8: ج1ص34 في وصف ذكر لا اله إلا الله ح41.
(152) بحار الأنوار: ج68ص382 في معنى قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ح17.
(153) بحار الأنوار: ج68ص382 في معنى قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ح17.
(154) كشف اللثام، الفاضل الهندي: ج11ص533.
(155) وسائل الشيعة: ج11ص323 الباب 69.
(156) مشكاة الأنوار، علي الطبرسي: 138.
(157) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: ص227 الباب6.
(158) عيون الحكم والمواعظ: ص443 الباب24.
(159) بحار الأنوار: ج68ص373 الباب92ح1.
(160) مستدرك سفينة البحار: ج3ص190 في ذم سوء الخلق.
(161) جامع السعادات، محمد مهدي النراقي: ج1ص271.
(162) الكافي: ج2ص100 باب حسن الخلق ح4.
(163) بحار الأنوار: ج68ص277 الباب92ح10.
(164) يميث: يذيب.
(165) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي: ج3 ص176 في أخبار في مدح حسن الخلق.
(166) منتقى الجمان، الشيخ حسن صاحب المعالم: ج2ص466 باب فعل المعروف.
(167) تحف العقول: ص412 في قصارى كلماته (أي الإمام الكاظم (عليه السلام))
(168) بحار الأنوار: ج75 ص326 الباب25مواعظ موسى بن جعفر (عليه السلام) وحكمه ح32.
(169) بحار الأنوار: ج75 ص334 الباب26 مواعظ الإمام الرضا (عليه السلام) ح1.
(170) أعيان الشيعة: ج2 ص28 في حكمه ومواعظه (الإمام الرضا (عليه السلام)).
(171) مستدرك سفينة البحار: ج10ص390 في مواعظ سائر الأئمة (عليهم السلام).
(172) الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة، الشهيد الأول: ص9.
(173) أعلام الدين في صفات المؤمنين، الديلمي: ص311.
(174) مستدرك الوسائل: ج12ص11 باب53 ح18.
(175) الأنوار البهية، الشيخ عباس القمي: ص319 فصل في ذكر بعض كلامه (الإمام العسكري(ع)

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي