عام 2018: نحو عالم لا يظلم فيها الانسان
مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
2018-01-01 06:00
"ان للدين الإسلامي كليات وقواعد عامة قابلة للتطبيق في كل عصر ومصر"
(الامام الشيرازي)
حمل عام 2017 بين طياته الكثير من الاحداث التي لا يمكن تجاهلها من قبل الباحث او المراقب، وهي احداث فندت مزاعم الكثيرين، مثلما اثبتت صحة العديد من النظريات التي لو طبقت لتخلص العالم والبشرية من الفوضى التي يرزح تحتها منذ زمن طويل، وبالمحصلة فإن دراسة هذه الاحداث واخذ العبر منها لا يتم الا بالعودة الى منابع الحكمة الحقيقية التي وهبها الإسلام لمسلمين والبشرية جمعاء لتنهل منها صافي المعرفة والحرية والتخلص من قيود العبودية والتبعية.
ولعل أبرز الاحداث التي وقعت في عام 2017 كانت تهديد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بالانسحاب من "عدد من الاتفاقات الدولية كالتبادل الحرّ والمناخ والهجرة والصحة واليونسكو ومن ثم انتهى الأمر بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل وتهديده بقطع المساعدات المالية عن الدول التي تنتقد قراراته في الهيئات الأممية".
أضف الى ذلك، الرعب النووي العالمي نتيجة للتهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية والعالم، في وقت شهدت فيه العولمة فشلاً ذريعاً في توحيد العالم في بوتقة الحداثة والتطور (الذي جاء خالياً من القيم المعنوية والروحية التي تحدث عنها الإسلام)، بل شهد العالم انهيارات في بنى كانت حتى الوقت القريب من الثوابت السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثلما حدث في موجة خروج بريطانيا وغيرها من الاتحاد الأوربي.
اما موجات المجاعة والفقر والإرهاب والعنصرية، فقد شهدت هي الأخرى تنامي غير مسبوق في افريقيا واسيا واوربا وامريكا الشمالية، حتى أصبح الإرهاب والعنصرية (على سبيل المثال لا الحصر) سمة مميزة لعام 2017.
يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، "إنّ إدارة العالم اليوم، إدارة سخيفة، وإدارة ظالمة، لا على مستوى السياسية فحسب، بل على مستوى العالم. فكم من الناس يموتون يومياً من الجوع، وكم منهم يُقتل يومياً سياسياً، وكم منهم يسجنون سياسياً؟ وأمّا في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يوجد حتى فقير واحد بقي على فقره إلى آخر حياته أبداً".
في الوقت ذاته وامام كل هذه التداعيات، من منا من لم يجل في خاطره البحث عن أسباب ما يجري على المسلمين خاصة والبشرية عامة من اهوال ونكبات وحروب ومجاعة وفقر ودمار في كل يوم، بل وفي كل ساعة ودقيقة، حتى يكاد الخبر المفرح يضيع في زحمة الحوادث المفجعة، والتي اختلفت المدارس والمذاهب والتفسيرات في الوقوف على كنه حقيقتها مثلما اختلفت في الوقوف على السبيل الى انقاذ البشرية من دوامتها اللامتناهية، وصولاً الى بر الأمان والنهضة بكل المستويات السياسية والاقتصادية والعمرانية والثقافية...الخ.
الحكومة العالمية
يرى المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي بأن الحل لإنقاذ المسلمين (ومنه يمكن الانطلاق نحو انقاذ البشرية جمعاء) وانتشالهم من وحل المشكلات الى جادة الصواب لا يكون "الا بإيجاد حكومة عالمية واحدة لهم، وتكون بالاختيار الحر لرئيسها المرضي لله تعالى، مبتنية على الحريات الإسلامية والشورى والتعددية، وتكون الاحكام إسلامية بحتة لا مستوردة من الغرب او الشرق، ليعيش المسلمون تحت ظلها في امن ورفاه، وسيادة وسعادة، وتقدم وازدهار". (كلمات حول نهضة المسلمين).
"على المسرح الغربي نوقشت فكرة الحكومة العالمية من أجل حفظ السلام بين الأمم في العصور اليونانية والرومانية، وفي العصور الأقرب ظهرت الفكرة في القرن 14 في بحوث دانتي، وفي عام 1625 كتب القانوني الهولندي هوغو غروتيوس كتابه (قوانين الحرب والسلام)، وهو عمل ينظر إليه عموماً باعتباره نقطة البداية في القانون الدولي الحديث".
في الوقت ذاته "يرى البعض في نماذج قديمة في التاريخ أشكالاً من الحكومة العالمية، منها إمبراطورية الإسكندر، أو الإمبراطورية المغولية، أو الإمبراطورية البريطانية خلال النصف الأول من القرن العشرين جرت عدة محاولات لتأسيس منظمات دولية لحل النزاعات بين الدول بطرق سلمية، أشهر تلك المحاولات مؤتمر هاغو عام 1899 و1907 الذي فشل في تجنب وقوع الحرب العالمية الأولى، وعصبة الأمم (1919-1938) التي فشلت في منع الحرب العالمية الثانية".
في المحصلة النهائية يرى الخبراء انه "لا توجد في عالم اليوم أي مؤسسة عالمية يمتد نفوذها على سائر الكوكب، سواء كقوة عسكرية أو تنفيذية أو تشريعية أو قضائية أو دستورية أو مؤسسة عالمية مستقلة لمراقبة الفساد، الكرة الأرضية مقسمة الآن من ناحية جغرافية وسكانية إلى بنى سياسية مستقلة يطلق عليها اسم (دول) أو (أمم)، هناك أعداد هائلة من الهيئات والمؤسسات والاتحادات والتحالفات والمعاهدات والعقود بين هذه السلطات، ولا شيء يضمن التزام الأطراف بأي من هذه المعاهدات سوى التوافق والقبول المتبادل بين الأطراف على تنفيذها، كما أن استخدام العنف بين الدول ليس محرماً ولن يحول دونه سوى الخوف من الرد الانتقامي المحتمل، وما لم يوجد هذا الاحتمال يمكن للدولة أن تستخدم العنف ضد دولة أخرى".
وقد ولدت جميع هذه المؤسسات (بمختلف تسمياتها: حكومة، امبراطورية، منظمة دولية، امة، دولة) وعناصر ضعفها وموتها مرافقة لها، لذلك انتهت وماتت اغلبها مع الزمن، لأنها افتقرت الى المقومات الأساسية لاستمرارها وديمومتها وقوتها، ومن مقومات هذه المؤسسة (الحكومة العالمية)، بحسب ما اورده الامام الراحل الشيرازي الأمور التالية:
1. التنظيم الإسلامي العالمي، سواء في بلاد الإسلام ام غيرها، وذلك بعد نشر ثقافة التنظيم والتعددية التي أرادها الإسلام وامر بها.
2. التوعية الإسلامية العالمية، توعية سياسية اقتصادية اجتماعية إسلامية شاملة (ايجاباً)، وضد الاستعمار والتجزئة العالمية عامة (سلباً).
3. السلم في الحركة ونبذ العنف بكل اشكاله ووسائله، حتى يمكن الاخذ بالزمام، قال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة)، وقال تعالى: (كفوا ايديكم واقيموا الصلاة).
4. الجماهيرية، بأن لا يصبح التنظيم صنماً، والا فإن ذلك يسوقه نحو السقوط.
5. الاستغناء عن البضائع والأفكار الشرقية والغربية المستوردة، كل ذلك وان طالت المدة.
المستقبل وانقاذ البشرية
"ان مهمة انقاذ المسلمين، بل مهمة انقاذ العالم البشري، الى رحمة الإسلام وعدله، مهمة كبيرة وصعبة، فلا بد من التهيؤ لها".
يعاني العالم في الوقت الراهن من مشاكل جمة تعصف بالإنسان على مر الزمان، فالمشاكل الاقتصادية التي تولدت من افكار مشوهة لمدارس اقتصادية انتجت الطبقية وتركيز الثروات الطبيعية ورؤوس الأموال بيد القلة مقابل مئات الملايين من الفقراء والمعدمين.
في وقت زادت فيه الازمات الأخلاقية العالمية في مختلف المجتمعات الإنسانية، خصوصا المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا، حتى انحدر العالم الى الحروب النووية والكيميائية المدمرة، وفرض الحصار وافتعال الازمات ونهب خيرات الدول الأضعف.
كما لم تلبي جميع القوانين والمقررات العالمية توفير العقيدة الصحيحة التي يتسبب فقدانها بـ"الموت المعنوي" بحسب ما أشار اليه الامام الشيرازي، سيما وان العالم "قد جرب مرارة هذا الداء، وذاق شدة البلاء، ولم يشفه ما وضعه المقننون من لائحة حقوق الانسان، ومقررات مجلس الامن وغير ذلك، لأنها قوانين وضعية، لا تستوعب ما جاء به الإسلام من قانون السماء الشامل، ومنهج الأنبياء الكامل".
بالمقابل فان من يوفر الحل المثالي لجميع هذه المشاكل وغيرها هو الإسلام، فالمستقبل لإسعاد الانسان والشعوب هو الاسلام، "حيث ان الإسلام يعطي كل متطلبات الانسان وفي أنظف إطار" ، لكن بشرط ان "ان يعرض القائمون عليه عرضاً صحيحاً مناسباً للعصر الحاضر كون الحلول للمشاكل تناسب عصر الصناعة" ، وللإسلام العديد من القواعد الممكن تطبيقها لو احسن القائمون على التطبيق ادارتها وصياغتها لتتناسب وروح العصر، فالحرية وانتخاب الحاكم بالاستفتاء العام، وقاعدة لا ضرر، والأرض لله ومن عمرها والاقتصاد والتنافس نحو الخير والتعددية والشورى... الخ كلها قواعد تصب في مصلحة خدمة الانسان وتوفير الحياة الكريمة.
التوصيات
للإنسان رغبة ملحة في البحث عن العيش الرغيد والحياة الامنة والحرية والانفلات من القيود المصطنعة التي يكبل بها منذ اليوم الأول لولادته وحتى ساعة مماته، لكن هذه الرغبات لا تتحقق الا بجملة من الدعائم الأساسية الواجب السعي لتحقيقها وغرسها في الانسان والمجتمعات حتى يتحقق الخير للإنسان:
1. التنظيم: فاللازم تنظيم كل شيء دينياً ودنيوياً، من الروضة الى ما بعد الجامعة، ومن الزوجين الى العائلة الكبيرة، ومن الاعمال الفردية الى المؤسسات الكبيرة على ان تشمل الجميع وبدون استثناء.
2. تطبيق الاقتصاد على نحو لا رأسمالي غربي او شيوعي شرقي وما اخذ منهما من ألوان، بل اقتصاد إسلامي مما يجعل المال مقابل خمسة أشياء: (العمل، الفكر، المواد، الشرائط، العلاقات الاجتماعية).
3. بعد ان عجز العالم اليوم من القوانين الوضعية من ناحية (كمنظمة حقوق الانسان، والأمم المتحدة، والنقد الدولي... الخ) ومن الالحاد من ناحية ثانية، ومن المادية من ناحية ثالثة، لا بد من العودة الى الدين الإسلامي الحنيف، لأنه دين الفطرة الذي يوفر كل متطلبات الانسان الدنيوية والمادية.
4. العفو والتسامح من القواعد الإسلامية والتي لها الدور الكبير في تطبيق ما يصبو اليه الإسلام من مبادئ التعايش السلمي والسلم الاجتماعي والتعددية والاخوة في إطار نظام عالمي لا يظلم فيه الانسان بخلاف ما حدث ويحدث في عالمنا المعاصر.