رجل الدين قائد ناجح في فكر السيد الشيرازي
من كتاب: القيادة الفاعلة والإدارة الناجحة في فكر السيد الشيرازي
هاشم احمد المطيري
2017-07-01 06:25
رجل الدين ممثل للإسلام ومبين لقوانينه وانظمته، والاسلام يوفر للناس الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، فاحتياج الناس إلى رجل الدين، هو احتياج إلى سعادتهم، ورجل الدين (مصلح) بما للكلمة من معنى وسعة وعمق وشمول، ورجل الدين الذي لا يقوم بهذه المهمة حاله كحال من اسمى نفسه طبيبا ولا يقوم بمهمة العلاج، وقد يلبس إنسان لباسا، ولا يقوم بشرائط ذلك اللباس، قيل لحكيم (المؤتمن خان) فقال الحكيم كلا وإنما (أؤتمن الخائن).
والصفات التي سوف نذكرها لرجال الدين ظاهرة للعيان، بالنسبة إلى المطلع على حال رجال الدين ـ لا في دور الدراسة والتعليم ـ بل في دور القيام ونشر الإسلام ويبين سماحة الامام الشيرازي (قدس سره) أهمية رجل الدين ودوره في المجتمع من خلال:
1. رجل الدين إنسان نزيه ومثالي:
رجل الدين إنسان نزيه مثالي، والمجتمع بحاجة إلى الإنسان النزيه، للأسوة أولا، ولمحبة الإنسان للخير والجمال، اللذين يمثلهما رجل الدين ـ ثانيا ـ فهل رأيت كيف يعشق الإنسان منظر الطبيعة الهادئة، واريج الازهار الفواحة كذلك يعشق الإنسان الشخص النزيه المثالي، ويملأ النزيه فراغا في نفس الإنسان، بحيث إن لولا النزيه يبقى هذا الفراغ شاغرا.. إن الإنسان ينظر إلى المثاليين بعين النزاهة والاكبار، فيتخذهم اسوة له في الحياة وبذلك يسمو المجتمع ويتقدم البشر قدما إلى الإمام.
2. الإنسان جبل على حب الاستطلاع،
وأول ما يفكر فيه كل إنسان أوتي حظا من الفكر والفطنة هو قصة (المبدأ) انه يفكر: ما هو المبدأ؟ من الذي خلق الكون وكيف ابتدع البشر؟ ورجل الدين لا يجيب على هذه الاسئلة بأجوبة فارغة، ودعاوي لا يسندها الدليل وتفرسات تحتاج إلى (الحلقة المفقودة) بل جوابه مشفوع بالبرهان وكلامه مدعوم بالأدلة القطعية والحجج الواضحة.
3. الإنسان يتلهف لمعرفة المصير، وانه كيف يكون المستقبل؟
فهل يذهب هذا الجمال إلى العدم والفناء الابدي؟ أم هل يبقى وكم يبقى؟ إلى ألف سؤال حول المصير والنهاية، ورجل الدين يجيب على هذه الاسئلة، أجوبة كافية ومقنعة، في الوقت نفسه يمارس الانسان حياته وسط هذا الفراغ الهائل في والتطلع المتلهف نحو المستقبل المجهول، ثم إن معرفة المبدأ والمصير يحدد سلوك الإنسان ومسيره فان رجل الدين يعبر عن هذا من خلال المعصومين فان هذا يؤدي إلى انقياد الناس إليه وهو الذي يوجههم.
4. ماهو الإنسان؟ وماهي النفس؟ ومن أي شيء الروح؟
كلها أسئلة تحتاج إلى الجواب وكلها مشاكل بانتظار الحل، فهل الروح عين الجسد؟ أو إن الروح غير الجسد فكيف المغايرة؟ ومتى والى أين حين الافتراق؟ أسئلة كلها تدور في فلك معرفة الإنسان لنفسه، ورجل الدين هو الوحيد الذي يتمكن من جواب هذه الاسئلة، وحل هذه الالغاز في ضوء العلم والمنطق والبرهان.
5. رجال عمالقة وابطال عظام،
جاءوا إلى الدنيا لإصلاحها وانتشال الناس من هوة الظلم، واسعادهم في مختلف جوانب الحياة يسمون هؤلاء الرجال (بالأنبياء الاوصياء) وكانوا انجح ما يكونوا بقيادة البشر وعلى جميع الاصعدة فمن هم؟ وما هي قصصهم؟ واين هي الادلة والاشارة في حياتهم؟ وما هو المقدار الذي يتمكن الإنسان من الاستنارة بأنوارهم، ليسعد هو بنفسه ويسعد الآخرين بإرشاده ودلالته؟ إلى أسئلة واسئلة تدور في هذا الفلك ورجل الدين يجيبك اجابات كافية رشيقة حول هذه الاسئلة فان رجل الدين المثالي هو تلميذهم أي يستلهم من الأنبياء ويسعى لتطبيق اقوالهم فهو يسير على خطاهم ناشدا الاصلاح، كما كانوا صلوات الله عليهم مصلحين.
6. امم خلت من التاريخ،
وقرون مضت مع الاجيال، وشلالات من البشر جاءت إلى الوجود ثم ذهبت ادراج ثنايا الزمان، وقد اقاموا حضارات وهدموا حضارات بما تنطوي عليه الحضارة من المقارنات والملابسات وما اشتملت عليه حياتهم من عبرة ومماتهم من اشارة، فمن كانوا أولئك الاجيال وكيف كانت تلك الامم؟ إنها أسئلة يجيب عنها رجل الدين اجابات واضحة ويرشدك إلى مواضع العبرة لتتخذ منها دروس وعبر فان دراسة الماضي وتجاربه تفيد للحاضر والمستقبل وتجنب الوقوع في اخطاء الماضي وتعين الايجابيات والالتزام بها.
7. الإنسان ذرة كبيرة،
في عالم كبير مدهش في الكبر، والعالم مرتبط بعضه ببعض ارتباطا وثيقا يكاد الإنسان الفاضل لا يصدقه، والنظرة الكبيرة إلى الكون والحياة بالإضافة إلى إنها توسع افاق التفكير تؤتي ثمارا شهية من السعادة ونتائج طيبة تورث الابتهاج والارتياح، ورجل الدين يوسع آفاق التفكير حول الكون والحياة ويرشد إلى العالم الكبير الذي يبتدئ من الأول ويستمر إلى الآخرة بالعمق والشمول المعاصرين، فتصبح نظرة الإنسان كونية ممتدة من الأول إلى الابد، وهذه النظرة بالإضافة إلى ما تورثه من البهجة والسعة توجب سعة الحركة والعمل مما يأتي بأجمل الثمار واحسن النتائج، أي إن الإنسان عندما يعرف إن عمله في الدين يؤثر تأثيرا كبيرا ويعتبر هو الفيصل في الآخرة فانه لا يسعى إلى السعادة الدنيوية فقط ولكن يعمل بكل ما اوتي من قوة ليكون سعيدا في الآخرة وهذا يجعله غير اناني وذا طموح محدود.
8. رجل الدين يساهم في تعمير البلاد،
فان المساجد والمدارس والحسينيات وسائر الصدقات الجارية، انما تحتاج إلى محفزين يبينون للناس اهميتها ويستدرون عطف الناس إليها حتى يبذلوا الأموال ويصرفوا الأوقات لبنائها واشادتها وتعهدها وتعاهدها، وليس المحفز لمثل هذه المشاريع وغيرها من اعمار البلاد كما عرف قديما بان الأموال التي تنفق في سبيل الله إن كانت في الجهاد أو اعمار الطرق وغيرها لا يرشد إليها في الغالب الا رجل الدين، وان تجميل المدن من الأمور المهمة التي تسعى الحكومات والشعوب لها فان الجمال مما يتوخاه كل إنسان ويتطلبه الأفراد والامم، رجل الدين يساهم مساهم فعالة في هذا بما يبينه في المناهج والدساتير المقررة لذلك وفي رأس القائمة قوله عليه الصلاة والسلام (إن الله جميل ويحب الجمال) جمال الحدائق، جمال الشوارع، جمال وسائل العيش باي لون كانت، إلى غيرها.
9. الرفاه غير الجمال،
فان الشارع الوسيع الموجب لرفاه المارة يمكن إن يكون جميلا، كما يمكن إن يكون بشع المنظر، والسيارة الجميلة يمكن إن تكون بدون رفاه توجب عنت الركاب وارهاقهم. والرفاه مطلوب للإنسان، كما إن ما يوجب الارهاق والضيق مكروه لدى كل فرد ورجل الدين يعلم الناس كيفية الحياة المرفهة، انظر إلى هذا الحديث (من سعادة المرء دار وسيعة، ودابة سريعة، وامرأة مطيعة) وبرامج سعة الدار، التنزه، التوسعة على العائلة وتوسعة الشارع إلى غيرها مما يرشد رجل الدين إليها، ويشير إلى مزاياها وفوائدها توجب الرفاه والسعادة للإنسان، وان الدين الإسلامي لم يترك جزئية صغيرة أو كبيرة في الحياة الا ونظمها وهناك أحاديث عن النبي والائمة الأطهار (صلوات الله عليهم) كثير وهذا ما يبدع به رجل الدين.
10. زراعة الأراضي،
وتعاهد المزارع والبساتين والحدائق، ومن مقومات الحياة السعيدة فان كثرة هذه الموارد المهمة للحياة وهي العامل الاساسي للصحة العامة، بل إن البلاد التي يكون لها اكتفاء ذاتي وتصدر من مواردها الزراعية تعتبر من الدول المتقدمة في التنمية البشرية وعلى سبيل المثال إن أمريكا اكبر دولة لتصدير القمح و كذلك استراليا وغيرها.. ورجل الدين ممن يقود هذه الحركة ويساهم في الزراعة مساهمة فعالة، فان البرامج الزراعية الموجودة في الإسلام والتي ذكرها قدس سره في كتاب (التجارة) (واحياء الاموات) و(المزارعة) و(المساقاة) انما يبينهما للناس أهل العلم، ويحبذون إلى الناس الزراعة والانتاج، ويذكرون ما لذلك من الفضل والثواب عند الله سبحانه وتعالى.
11. رجل الدين يساهم في ازالة الفقر من البلاد،
فان منهج الخمس (العشرين في المائة من الارباح وغيرها) الزكاة بمقاديرها المختلفة من عشر في المائة إلى واحد في المائة والصدقات، والكفارات والنذور والهبات والهدايا وما أشبه ذلك.. مما يبينه رجل الدين للناس ويحثهم عليها، ويرشدهم إلى منافعها وفوائدها والثواب العائد لمن عمل بها، ومن المعلوم مساهمة مثل هذه الأمور لنفي الفقر والعوز ورفع المستوى المعاشي للفقراء والمساكين، بل أكثر من ذلك فان رجل الدين عامل مهم في التوازن الاقتصادي في المجتمع فانه يأخذ من الاغنياء ويعطي للفقراء بدون اكراه، بل يحفز الناس على العطاء والبذل فان الناس يحبون المال حبا كبيرا فعندما يبذل هذا المال إلى الناس المحتاجين أو يعطي ما عليه من حقوق شرعية سوف يتخلى عن هذا الحب للمال ويكون ملتزما ولا يقدم على الفساد في المجتمع من الجانب المالي، فلا اختلاسات ولا احتكار وبالتالي يتخلص المجتمع من الأزمات الاقتصادية وازمة الفقر وجميع الأمراض الاقتصادية والمالية ويكون المجتمع مجتمع رسالي ينظر إلى المصلحة العامة ولا يلغي الفرد وحقوقه.
12. جميع الناس تحت لواء واحد،
وتوحيدهم في صف، بنبذ الفوارق وازالة أسباب التفرقة والانشقاق من اهم ما يحتاج إلي البشر لتطمئن نفسه ويستقر ضميره ثم ليكون هناك التعاون في التقدم إلى الإمام فان الالفة والوحدة منبع الفضائل ومبدأ السعادات ورجل الدين يسعى لهذه الغاية النبيلة والتي نجدها صريحة في القران الكريم ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)) وفي الحديث النبوي الشريف (الناس سواسية كاسنان المشط)، وفي كلمة الإمام علي امير المؤمنين(عليه السلام) (الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فان الدين الحنيف يأمر بالوحدة وعدم التفرقة ونبذ التمييز بين عنصر وآخر وهذا ما يبينه رجل الدين ويسعى إلى تحقيقه في المجتمع.
13. رجل الدين وطني وغيور،
لا يمكن إن يدعو الا إلى الوطن، وعلى رأس برامجه (حب الوطن من الايمان) انه ليس وطنياً بمعنى الاقليمية الضيقة، وإنما بمعنى المكافحة من اجل الاوطان، ومطاردة الاجانب والمستعمرين الذين يستدرون خيرات الوطن، ويريدون له التأخر والانحطاط على حساب تقدمهم وارتفاعهم، وخير دليل على ما تقدم هو مقاومة الاحتلال البريطاني في ابان القرن العشرين فالتاريخ خير شاهد فان من قاوم الاحتلال واستنهض الناس في العراق هم رجال الدين أمثال أية الله العظمى المجاهد محمد تقي الشيرازي (قدس) وغيره من العلماء المجاهدين في ذلك الوقت.
14. النزعة الإنسانية،
من اجمل صفات الإنسان، ولا ينالها الا ذو حظ عظيم وهي عبارة عن الشعور بجمال الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن جميع الملابسات والمزايا والنواقص التي تعتريه، وهذه النزعة إذا وجدت في فرد أو امة تفعل اثرها الفعال في سوق الإنسان إلى كل خير ورجل الدين يعلم من المجتمع هذه النزعة وينميها في الفرد والامه ويتعاهدها بالحكمة والرعاية، متخذاً من قوله تعالى ((ولقد كرمنا بني ادم)) خير دستور ومنهاج لغرس هذه الفضيلة وانمائها في النفوس هو الدين الإسلامي الحنيف، فالإنسان إنسان يجب إن تصان حريته وكرامته فلهو حق العيش الكريم وان دمه وعرضه وماله مصان بدون تمييز ولا يعتدى عليه من اجل عنصره ولا يسلب منه شيئاً بسبب انتمائه العرقي أو الفكري وهذا ما يصر عليه رجل الدين مستلهما من الدين الحنيف هذه القيم السامية.
15. النزعة العالمية،
عبارة عن اهتمام الإنسان بالعالم، انسانه وحيوانه، مدنه وصحاريه، حروبه وسلمه، شجره وحجره وسائر اجزائه وطوارئه وهناك فرق بين (النظرة الكونية) و(النزعة العالمية) في إن الأولى نظرة إلى الكون بما فيه من سماء وارض، وخالق ومخلوق، وحياة وموت إلى غيرها والثانية حالة في النفس تبعث إلى الاهتمام بعالمنا المحيط بنا وكثير من الناس لهم نزعة عالمية وليست لهم نظرة كونية، والنزعة العالمية دليل على ارتفاع مستوى الفكر وسعة افق النفس وتؤتي ثمارها الطيبة في مرافق الحياة العامة..
ورجل الدين ممن يساهم لإيجاد هذه المباركة في الإفراد والمجتمعات وعنوان صحيفته قوله تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)، نعم قد بين سماحته رحمة الله عليه إن الإسلام اممي ويهتم بالبشر جميعا وجميع العالم من مكوناته وان ما على هذه الأرض وما فيها قد سخرها الباري جل اسمه لبني ادم، ورجل الدين يدافع عن إي إنسان قد يصيبه ضرر ويهتم بما يحيطه به فبالتالي ما يوجد من امكانيات خلقها الله تفيد الإنسان بما هو إنسان.
16. رجل الدين يساهم في رفع المستوى الثقافي للامة،
ويحرض الناس على طلب العلم والمعرفة، فهو بذرة طيبة للعلم تؤتي ثمار المعرفة وتوسع دائرة المعلومات وتقلص من الجهل والانحطاط، وأنظر الى هذه الآيات الكريمات ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)) و((يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) وفي الحديث الشريف (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) و(اطلبوا العلم ولو في الصين).
إن ما تقدم به سماحته (قدس سره) هو من اولويات الدين الحنيف، فأول أية نزلت في القرآن على نبي الرحمة هي (اقرأ باسم ربك الذي خلق) والدين هو المعرفة.
يروي لنا التاريخ إن الأنبياء صلوات الله عليهم هم من اخرجوا العلوم المفيدة للبشر، فنبي الله يوسف عليه السلام علم الناس كيفية استثمار الإمكانيات وكيفية الإدارة، والنبي داود عليه السلام قد علم الإنسان صنع لباس الحرب، وان الأئمة عليهم السلام كذلك ساهموا بمختلف العلوم وكذلك العلماء فنرى جابر بن حيان مخترع علم الكيمياء فهو رجل دين وأحد تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام المخلصين وغيره من العلماء الافذاذ.
17. رجل الدين يكوّن الاسر،
ويوجد العائلات، وذلك بتحريضه الدائم على الزواج وتحذيره الدائم من الطلاق والعزوبة، ومن المعلوم فوائد الأسرة ومنافع العائلة، فإنها اللبنة الأولى للاجتماع الكبير، إن عنوان صحيفة رجل الدين.. في هذا الصدد قوله تعالى ((وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله)) وفي الحديث الشريف (ابغض الحلال عند الله الطلاق)، إن الإسلام يحرص كل الحرص على بناء الأسرة واحترامها فهي التي تخرج الفرد إلى المجتمع وهي النواة الأول في المجتمع واهتم الدين الحنيف بتنظيم هذه العلاقة فجعل لكل حركة وسكنة حكما حتى الكلام والتفوه قد نظمه، ورجل الدين هو من يأمر بإصلاح هذه الأسرة فبها يبنى المجتمع كما بين سماحته.
18. رجل الدين يغرس في المجتمع ملكة الدفاع عن البلاد،
ونصرة المظلوم وعنوانه في هذا الجانب المهم من الحياة قوله تعالى في محكم كتابه العزيز ((وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين)) وفي حديث المعصومين (ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا) ولذا كان رجال الدين على طول الخط أقوى سناد للبلاد في الكوارث وفي حالة هجمات الاعداء، سواء كان الهجوم بصورة سافرة أو بالتلصص إي التجسس وغيرها من الافعال العدائية، فان حماية البلاد وصيانة العباد والمحافظة على ارواحهم من المقدسات، ولذا إن من مات دون ماله ونفسه وعرضه وارضه فهو شهيد، فالدين الإسلامي يعلم الكرامة والعزة ويصون ذلك وخير من يدل على هذه العزة بدون التجاوز على الآخرين هو رجل الدين.
19. رجل الدين خير عامل لحفظ التوازن في المجتمع من غلواء الطبقات،
فان المجتمع وان يشتمل على طبقة تملك القوة والمال وطبقة لا تمتلك منهما شيئا، ومن الطبيعي إن يطغى صاحب القوة والثراء، ويثور الفاقد لهما مما يسبب حد التوتر، واخيرا الخصام والاصطدام، ورجل الدين يقف دون طغيان صاحب الثراء أو القوة بالنصح والإرشاد والتهديد والوعيد كما يخفف من حدة عنف الطبقية، ولا فرق في ذلك بين إن يكون صاحب المال والقوة الدولة أو الاثرياء أو الاقوياء فان رجل الدين يقف بوجه الظالم وبصف المظلوم بكل الطرق، وكثير من العلماء الأعلام المتبنين للنهج الإسلامي قد اعطوا الغالي والنفيس للدفاع عن المستضعفين.
20. رجل الدين من اكبر الدعاة إلى السلام،
السلام بين إفراد العائلة وبين الأصدقاء وبين الشركاء وبين البلاد وبين البلاد الأخرى وان عنوانه في ذلك قوله تعالى ((يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة)) نعم الدين الإسلامي دين السلام ودين المحبة والالفة ودين الصفح والعفو، إن عنوان الإسلام منه السلام ورجل الدين الداعي المبلغ وعامل تهدئة المجتمع.
21. رجل الدين الحفيظ الأول للكرامة البشرية،
فانه هو الذي يعرف (إن الإنسان هو خليفة الله في الأرض) وكذلك يقرأ في كتاب الله العزيز ((من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) وقوله تعالى ((ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)) بل حتى الحفاظ عل الانسان بغيابه يحفظه من ازدراء (غيبة) محرمة في الشريعة، بل رجل الدين يذهب إلى ابعد من ذلك اذ يبين إن الإنسان بعد الموت ايضا له كرامة الإنسان، وان كل عمل ينافي كرامته محظور فيه ومعاقب فاعله.
22. رجل الدين وحده يعرف أحسن المناهج القضائية،
لحل الدعاوي والمخاصمات حلا سريعا واقعيا بدون اللف والدوران، وبدون هدر الطاقات والكرامات، وحيث انه يعلم إن(القاضي بين جمرتين من نار) فالقضاء عنده متسم بسمة العدل والحق الى اقصى الحدود الممكنة، والجريمة في المجتمع من ابشع ما منيت به البشرية من قديم الزمان، ورجل الدين يساهم مساهمة كبيرة في الحد من غلو الجريمة، والحيلولة دون انتشارها وعدواها، وذلك بمناهج خاصة قدرها الإسلام كالإرشاد والنصح والتذكير بعذاب الله، والترغيب إلى جنات النعيم لمن عاش طاهرا نقي الثوب، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والرقابة على المجتمع والحث والتشويق وما إلى ذلك من المناهج المعروفة.
23. رجل الدين يعرّفنا،
بالمبادئ والاديان والمذاهب والأفكار والانظمة والقوانين والمعتقدات.. لأنه المسؤول عن معرفة كل ذلك قديمها وحديثها حتى يعرف الحق من بينها ويتمكن من دحض الباطل بالحجة والاقناع، ولذا نجد في كتب الفلسفة والكلام الاسلاميين والتعرض لذلك كله بضرورة مبسطة أو موجزة، وهذا يقودنا الى الحق وتمييزه عما عداه بالإضافة إلى انه موجب لتوسيع افاق الفكر والمعرفة والتعرف على سائر بني الإنسان في عقائدهم وأفكارهم وانظمتهم.
24. رجل الدين يعلّم الناس مبادئ الحرية،
الحرية الصحيحة في حدودها المعقولة المتوسطة بين الافراط المضر والتفريط المقصر، فرجل الدين هو الآخذ بالزمام لئلا يجمد الناس ويهمدوا فان الركود والخمود يضران بمثل ضرر الفوضى والاضطراب وعنوان صحيفة رجل الدين في هذا الصدد (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) وحديث المعصوم عليه السلام (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا) ورجل الدين يحفز المجتمع والافراد للتقدم، بدون ان يرى حدا للمسير وهذه الكلمة العسجدية منهاج رجل الدين في التحفيز والحث (من تساوى يوماه فهو مغبون) فان كنت عالما قال لك: هناك علم آخر، وان كنت صانعا، ارشدك إلى إن امامك صنائع لم تصل إليها البشرية، وان كنت رائدا إلى الفضاء هداك إلى امكان ارتياد المجرات بالعلم والتجربة والكد والنصب، وهكذا في كل المجالات وجميع الآفاق.
نعم يبين سماحته (قدس سره) إن رجل الدين الثائر على كل ظلم واضطهاد بالطريق العقلي المفيد للناس ويرى مصلحة الناس أولا وفي نفس الوقت هو متجدد ولا يتوقف عند آمال محددة فان الله جل وتعالى اعطاه امكانيات هائلة وان البشر يجب أن يستفاد من هذه الإمكانيات بالعلم والعمل فلا طموح محدود لرجل الدين بل عمل وعلم دائم.
25. تنظيم الحياة من الجانب الاقتصادي،
فرجل الدين الرائد الأول في ذلك فان رجل الدين يهتم لتقليل البطالة بل نفيها اطلاقا، فان الحديث الشريف (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) و(إن الله يحب المحترف الامين)، كما إن رجل الدين يحارب الربا والاحتكار والغش والخيانة والتلاعب بالأسواق في جميع صورها وبكل مظاهرها، وذلك بتنفير الناس عن هذه الرذائل وبيان تحريم الإسلام لها والعقاب الشديد المتوعد لمن اقترفها، وهل هناك اشد من هذه الآية الكريمة ((يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) وفي الحديث الشريف (من غش مسلما فليس منا).
وكذلك رجل الدين يبين الاحكام الشرعية المتصلة بجانب المعاملات وهي من الاركان المهمة في الاقتصاد والقانون مثل أحكام (الرهن) و(الاجارة) و(الوديعة) و(العقود وكيفية انعقادها وفسخها وما كان صحيح أو فاسد أو باطل من انعقاد مجلس العقد وشروطه وغيرها، وكذلك ينظم العقود التجارية بما يسمى اليوم القانون التجاري مثل (المضاربة والشركة) وايداع النقود والسندات وغيرها، فهو إي رجل الدين كمعلم للاقتصاد والقانون بل هو (كمشرع القانون) من حيث استنباطه للأحكام عن النصوص والاجماع والعقل وإذا علمنا إن (القوانين الإسلامية) أفضل من كل قانون يصفه البشر علمنا إن رجل الدين معلم لأفضل القوانين، ويا لها من منزلة رفيعة ورتبة اجتماعية ساميه.
تكلم سماحته (قدس سره) عن رجل الدين الذي يتصف بجميع الصفات لهذا المسمى، يجب إن يكون سائرا على منهج النبي (ص) والائمة سلام الله عليهم مستفيدا من النصوص والروايات، وان يكون واقعيا يعمل بالدليل العقلي ميدانيا بمعنى الكلمة متصديا لإدارة المجتمع، وقد سئل (قدس سره)عن المتصدي للمرجعية فأجاب (رحمه الله) إن المرجعية 98% ادارة و2% علم أي إن الاجتهاد مفروغ منه ومسلم لمن يتصدى للمرجعية ولكن إدارة الأمة هي الفيصل فمن يتصدى للمرجعية يكون وكيل المعصوم والوكيل كالأصيل بحدود الوكالة، وخير دليل على ما طرحه السيد المرجع محمد الشيرازي (قدس سره) هو ما قام به نبي الرحمة محمد (ص) من ادارة المجتمع وكذلك الإمام علي(ع) فكان قائدا دينيا وسياسيا اقتصاديا عسكريا واجتماعيا سار كما سار النبي الاكرم، وما احوجنا اليوم إلى رجال الدين يقومون بدورهم كما فعل الاولين.