الشاعر السيد إبراهيم العطار: شاعر البصيرة
محمد طاهر الصفار
2017-01-05 06:30
وإذا تمثلتُ الحسينَ بكربلا *** أصبحتُ ذا قلقٍ ودمعٍ جارِ
لم أنسه فرداً يجولُ بحومةِ الـ *** هيجاءِ كالأسدِ الهزبرِ الضاري
لا غرو إن أضحى يكرُّ على العدى *** فهو ابن حيدرةِ الفتى الكرارِ
حتى أحيطَ به وغُودر مفرداً *** خلواَ من الأعوانِ والأنصارِ
يا للحماةِ لمصعبٍ تقتاده *** أيدي الردى بأزمّةِ الأقدارِ
يا للملا لدمٍ يطلُّ محللّا *** بمحرمٍ لمحمدِ المختارِ
وبنوهُ صرعى كالأضاحي حوله *** ما بين بدرِ دجىً وشمسِ نهارِ
بهذه الأبيات وغيرها من القصائد الباكية المبكية على سيد الشهداء (عليه السلام) كان الشاعر السيد إبراهيم العطار يقضي الساعات الطوال من الليل وهو يناجي أئمته الطاهرين (عليهم السلام)، فتخفق روحه حبا بمدائحهم ويعتصر قلبه ألما في مراثيهم، وقد كف بصره وتساوى عنده الجديدان، وصار جليس بيته، فليله كنهاره ونهاره كليله.
لا أدري لم قدحت في ذاكرتي قصة بطل من أبطال الإسلام عاش قبل أربعة عشر قرنا وأنا أقرأ قصة هذا الشاعر ؟
ربما يُشاركني القارئ هذا الإيحاء حينما يتعرف على تلك الشخصية، فالقاسم المشترك بينهما هو العمى كما يظهر لأول وهلة، ولكنهما في الحقيقة يشتركان بأكثر من هذا العامل رغم اختلاف طبيعة حياتهما وكيفية موتهما حيث يلتقي الإثنان على حب أهل البيت والموت عليه، فالأول حمل الولاء والحب لأهل البيت سيفاً وهو يدافع عن قضيتهم (عليهم السلام) حتى سقط مضرّجاً بدمائه، والثاني حمل ولاؤه وحبه شعراً لهج به حتى مات وذكر أئمته على لسانه.
عمى البصر وهدى البصيرة
تُحيلك قصة هذا الشاعر مباشرة إلى قصة الشهيد البطل عبد الله بن عفيف الأزدي، فما إن تقرأ فصول حياة السيد إبراهيم العطار الأخيرة حتى يجنح بك الخيال إلى موقف ذلك الإنسان العظيم الذي لم يخش في الله لومة لائم وصرخ كلمة الحق بوجه سلطان الظلم والجور والتعسف، ورغم الفارق الكبير في الفترة التي عاش فيها كل منهما والإختلاف في طبيعة الحياة والموت بينهما إلا أنهما يشتركان في شيئين يقربانهما نحو بعضهما ويتّحدان بهما في هدف واحد، الأول: حب أهل البيت والتفاني في هذا الحب والموت على الموالاة لهم (عليهم السلام)، والثاني هو عمى البصر وهدى البصيرة.
الولاء سيفاً وعقيدة
لقد حمل كل منهما حب أهل البيت عقيدة ومنهجاً، واستماتا في الدفاع عن هذه العقيدة والسير على هذا المنهج بالسيف والقلم، الأول كان من كبار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وثقاته، ومن أبطال حروبه، فقد عينه اليسرى يوم الجمل، واليمنى يوم صفين، وبعد استشهاد أمير المؤمنين آيس من الشهادة بين يديه (عليه السلام) وقد كان يصبو إليها.
كان يتعبّد في جامع الكوفة في النهار، وفي الليل كان يناجي ربه ويسأله الشهادة، وبعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء جمع الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد الناس في جامع الكوفة وصعد على المنبر ونال من الإمام الحسين (عليه السلام) ونعته بالكذاب !!!!
الله أكبر، هذا ما لا يطيقه قلب المؤمن المسلم ولا يستطيع السكوت عليه حتى لو كلفه الرد عليه دمه، ولكن المجلس بقي صامتاً فلم ينبس أي أحد ببنت شفة سوى صوت واحد زلزل المكان وجعل ابن زياد يخرس في مكانه.
(يا ابن زياد، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن ولاك وأبوه، يا عدو الله، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين) ؟!
كان هذا الصوت هو صوت البطل عبد الله بن عفيف الأزدي
غضب ابن زياد وأمر باعتقاله غير أن قومه الحاضرين من الأزد استنقذوه ومنعوا الشرطة من القبض عليه وذهبوا به إلى بيته
لكن معدن الخسة والجبن والنذالة ابن زياد (لم يكن ليترك لؤم القدرة) ـ كما قال له مسلم بن عقيل (عليه السلام) ـ وأبى أن يترك هذا الشيخ الضرير فأرسل بالجنود إلى بيته لقتله.
لما سمع ابن عفيف بمقدم الجنود لم يرتعد ولم يخش مقدمهم بل بالعكس فقد كان ينتظر هذه الفرصة منذ سنوات طوال بعد أن آيس منها وهي كرامة الشهادة على حب محمد وآل محمد ثم ارتجز:
أنا ابن ذي الفضلِ عفيفُ الطاهرِ *** عـفيفُ شـيخي وابن اُمّ عـامرِ
كـمْ دارعٍ مـن جمعكمْ وحاسرِ *** وبـطـلٍ جـدّلته مــغـاورِ
فالتف الجند حوله وهو يقاتلهم فكانت ابنته ترشده إلى مكان الجنود فتقول له: عن يمينك وعن يسارك وهي ترى والدها الشيخ الأعمى يقاتل هذه الزمرة الضالة فقالت: يا أبتاه...! ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة !!
كانت هذه الكلمات تقوي من عزيمة الشيخ وإصراره على القتال حتى آخر رمق فكان وهو يقتل منهم يرتجز ويقول:
اُقسمُ لو يُفسحُ لي عن بصري *** ضاقَ عليكم موردي ومصدري
ثم تكاثروا عليه وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد فأمر بضرب عنقه
وأخيرا هي الشهادة
ما هو شعور الإنسان وهو يسمع حكم الإعدام بحقه لنستمع إلى ما قال عبد الله بن عفيف عندما سمع هذا الحكم وليستشف القارئ أي إنسان عظيم هذا البطل ؟
لما أمر ابن زياد بضرب عنقه قال: (الحمد لله أما أنّي قد كنت أسأل الله ربّي أنْ يرزقني الشهادة من قبل أنْ تلدك اُمّك ، وسألت الله أنْ يجعل ذلك على يدَي ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلمّا كُفَّ بصري يئست من الشهادة ، والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرّفني الإجابة بمنّه في قديم دعائي).
ثم فضُربت عنقه وصُلب في السبخة. فهنيئا له مرافقة الشهداء والصالحين
الولاء قلباً وشعراً
غمر حب أهل البيت (عليهم السلام) قلب الشاعر إبراهيم العطار المؤمن بقضيتهم والذي لم يلهج بشعره بغيرهم، فلما فقد بصره كان يجلس الساعات الطوال في الليل وهو يقرأ في مدائحهم ومراثيهم ولا سيما في فاجعة كربلاء ومقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ويستذكر ما جرى على أهل بيت النبي بحسرة وألم تماماً كما كان يجلس عبد الله بن عفيف الأزدي في ليله الطويل وهو يتحسر على الشهادة بين يدي سيده أمير المؤمنين (عليه السلام).
ففي هدأة الليل الطويل الذي يزحف بطيئاً.. ثقيلاً كان يناجي أحزانه بعد أن تساوى عنده الجديدان، فأصبح لا يبالي بالصبح إذا أسفر فهو لا ينتفع بنور الشمس بعد أن كفّ بصره... كان الليل يحمل إليه بعض الراحة قبل أن يفيق على مأساة الدنيا كلها. صار شيخاً مريضاً عاجزاً أقعدته الشيخوخة وأنهكته العلة ولكنه مع كل هذه الآلام فقد كان مطمئن النفس هادئ الضمير أضفت عليه أعوامه السبعون وقاراً وجلالة فكان يصارع الداء وهو على يقين من حبه لأهل البيت (ع) وتمسّكه بهم فيسترسل في نجوى هادئة:
أيبريني السقامُ ؟ وحسنُ ظنّي *** ببرئي فيكمُ، لا بل يقيني ؟
وأخشى أن أُضام ؟ وفي يقيني *** وعلمي أن حبكم يقيني ؟
وتتصاعد نفثاته من روحه المتأوهة:
على مَ صددتم عني وأنتم *** على الإحسان قد عودتموني ؟
لقد عجزت أطبائي ومالي *** سواكم منقذٌ فاستنقذوني
وتغرورق عيناه بالدموع وهو يخاطب أئمته الطاهرين (صلوات الله عليهم):
أبيتُ وللأسى نارٌ بقلبي *** فهل من قائلٍ: يا نارُ كوني ؟
متى يُجلى قذى عيني وتُحظى *** عقيبَ الفحصِ بالفتحِ المبينِ ؟
فدونكمو بني الزهراء نظماً *** يفوقُ قلائد الدرِّ الثمينِ
أرومُ به جلاءَ العينِ منكم *** بعينِ عنايةِ اللهِ المعينِ
عليكم أشرف الصلواتِ ما أن *** شدتْ ورقٌ على ورقِ الغصونِ
وما سارتْ مهجّنة إليكم *** وسار بذكركم حادي الظعونِ
نهاية الليل الطويل
كان هذا ديدنه كل ليلة، وفي إحدى الليالي من شهر شعبان من عام (1230) للهجرة كان قد قضاها على نفس الوتيرة..، تطلع الليل إليه من بين النجوم تاركاً خلفه ما تبقى من ركامِ القتام، وإذا هبط الفجر وتسللت خيوط الصبح أو كادت كان ذلك المريض في إحدى حجراتِ بيته في بغداد وقد أغمض عينيه كلياً متخطياً عتبة العالم الفاني وعلى شفتيه رجاء بأن ينعم بالنور الأبدي الذي ليس له انطفاء وهو شفاعة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام).
السيد إبراهيم العطار
كان ذلك هو إبراهيم العطار من أبرز علماء وأدباء وشعراء بغداد في عصره والذي سخّر قلبه وقلمه لخدمة الدين ونصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
يتصل نسبه الشريف بأشرف أسرة وأقدس بيت فهو السيد إبراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين بن رميثة بن رضاء الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف – من أمراء مكة – وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن (عليه السلام) من جهة الأب وإلى الإمام الحسين (عليه السلام) من جهة الأم فقد حوى نور المجدين والسؤددين.
ولد في بغداد في أسرة أشادت دعائم بيوتها بالعلم والأدب فاستقى مبادئ تعليمه على يد والده السيد محمد بن علي البغدادي الذي كان يعدّ من أعلام الإمامية وكبار العلماء والأدباء وبقي في كنف أبيه الذي كان يرفده بعلمه ويغذيه بأدبه فشابهه بهما حتى توفي أبوه سنة (1171هـ) فهاجر بغداد وتوجه إلى النجف الأشرف.
النجف
لم تزل هذه المدينة المشرّفة قبلة العلم والعلماء، ومهوى القلوب والأفئدة، فمن مجالسها انبجست ينابيع العلوم، ومن حوزاتها تفرّعت روافد المعرفة والحكمة، فلا يبرد غليل طالب العلم دون أن يرد من مناهلها، ولا يجد الضليل ضالته من العلم دون أن يطوف بكعبتها.
فهذه المدينة التي تشرّفت باحتضان باب مدينة علم رسول الله وسيد الوصيين اقتبست منه ذلك النور الذي حام حوله طلاب العلم والحكمة، وكعادة مريدي هذا النور الرباني فقد اقتفى السيد إبراهيم العطار أثر آبائه وأجداده في التزوّد من علوم الإئمة المعصومين (عليهم السلام) وهاجر إلى النجف الأشرف.
أساطين العلماء
كانت النجف الأشرف كما هي عادتها في كل الأزمنة تعج بكبار العلماء وتزخر بأساطين العلم وكان على رأسهم في ذلك الوقت الشيخ محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره) فحضر السيد إبراهيم العطار مجلسه ولازمه وحرص على أن لا تفوته شاردة أو واردة منه، ولكنه لم يكتف بمجلس أستاذه بحر العلوم فكان كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا)، وكان العطار من الصنف الأول بالتأكيد فإضافة إلى حرصه وملازمته مجلس أستاذه بحر العلوم فقد حضر دروس أعلام ذلك العصر من العلماء والأدباء أمثال: الشيخ محمد رضا النحوي، والشيخ محمد الزيني، والسيد صادق الفحّام، والشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي، فبزغ نجمه بينهم وأحتل مكانة متميزة في صفوفهم.
مكانته وما قيل عنه
احتل السيد إبراهيم العطار مكانة عالية ومنزلة سامية في الأوساط العلمية والأدبية في النجف لما يتمتع به من مؤهلات النبوغ والعلم
قال عنه الشيخ جعفر النقدي في (الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والاخير) (ص346): (كان من ذوي الفضيلة والكمال، أديباً جيد الشعر، حي الشعور، له مطارحات كثيرة مع أهل عصره وشعره الغالب عليه الحسن والرقة).
كما قال بمثل ذلك السيد الأمين في أعيان الشيعة (ج5 ص437)
ويقول السماوي في (الطليعة من شعراء الشيعة) في ترجمة السيد إبراهيم العطار: (كان فاضلاً، فقيهاً، شاعراً، وتقياً زاهداً ناسكاً، وله شعر الى أدب ومعرفة باللغة).
عودة إلى شعره في أهل البيت
عُرف السيد إبراهيم العطار بأنه واسع الإطلاع، ووصفه معاصروه بأنه شاعر مجيد تجول في مختلف أغراض الشعر، ونجد في شعره صوراً لا نجدها عند غيره حتى ذاع صيته وعرفه الأدباء شاعراً عقائدياً تفانى في الدفاع عن العقائد الحقة التي هي العامل المطلق لسمو الأخلاق، وقد سخر قلمه للتعبير الصادق عن حبه وولائه لأهل البيت (ع) يقول في إحدى قصائده في مدح رسول الله (ص) وقد قرّض بها تخميس قصيدة الشاعر محمد رضا النحوي لبردة البوصيري:
ومن لرسولِ اللهِ كان مديحُه *** فآثارُه محمودةٌ وعواقبُه
ويعجزُ عمن قد أتاه مفاخراً *** به وليغالبْ من أتاه يغالبُه
ويحمدُ إله العرش جلّ فإنها *** مواهبُ من ذي العزِّ جلّت مواهبُه
ويجد القارئ تجسيد ما وصف به من العلم والزهد والتقوى في ديوانه الذي فاق على الأربعة آلاف بيت أغلبه في مدائح ومراثي أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة في مراثي الإمام الحسين (ع) يقول في إحدى حسينياته:
نحرٌ له الهادي النبيّ مقبّلٌ *** أضحتْ تقبّله شفاهُ شِفَارِ
صدرٌ يرضرضُ بالخيولِ وأنه *** كنزُ العلومِ وعيبةُ الأسرارِ
يا جدُّ هل خُبرتَ أنّ حماتَنا *** قد أصبحوا خبراً من الأخبارِ
ثم يندب الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) للأخذ بالثأر وانقاذ المؤمنين مما أحيق بهم من الآلام:
يا مدركَ الأوتارِ أدركنا فقد *** عظُم البلا يا مدركَ الأوتارِ
فإليكَ يا غوثَ العبادِ المشتكى *** مما ألمّ بنا من الأشرارِ
والمؤمنونَ على شفا جرفِ الردى *** فبدارِ يا ابن الأكرمينَ بدارِ
ويبقى هاجس الشفاعة شغله الشاغل فهو يردده في كل قصائده متوسلاً بسادته كي يشفعوا له عند الله:
يا سيداً بكتْ الوحوشُ عليه في *** الخلواتِ والأطيارِ في الأشجارِ
يا منيةَ الكرارِ، بل يا مهجةَ الـ *** ـمختارِ، بل يا صفوةَ الجبارِ
أتزلُّ بي قدمٌ ومثلكَ آخذٌ *** بيدي، وأنتَ غداً مقيلُ عثاري ؟
ويذوقُ حرُّ النارِ من ينمى إلى الـ *** كرار وهو غداً قسيمُ النارِ
ديوانه
ترك السيد إبراهيم العطار أثرا تعتز به المكتبة الأدبية الإسلامية والعربية وهو ديوان شعره، وقد جمعه بعد موته ولده السيد حيدر الكاظمي جد الأسرة المعروفة، وفيه ما يقارب الأربعة آلاف بيت وهو موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري في الكاظمية المقدسة وبخط السيد عبدالعزيز ابن السيد عباس ابن السيد إبراهيم ابن السيد حيدر ابن السيد إبراهيم العطار، وضم الديوان في أغلب مواضيعه وأغراضه مدح ورثاء العترة الطاهرة (عليهم السلام) وخاصة في مراثي سيد الشهداء (عليه السلام) ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة:
لهفي لتلك الرؤوس يرفعها *** على رؤوسِ الرماحِ أوضعُها
لهفي لتلك الجسوم عاريةٌ *** وذاريات الصبا تلفّعها
لهفي لتلك الصدور توطئ بالـ *** ـخيل ومنها العلوم أجمعُها
لهفي لتلك الأسود قد ظفرتْ *** بها كلاب الشقا وأضبعُها
لهفي لتلك الأوصال تنهبها الـ *** ـسمرُ، وبيضُ الظبا تقطّعُها
لهفي لتلك البدورِ تأفلُ في الـ *** ـتربِ وأوجُ الجمالِ مطلعُها
لهفي لتلك البحورِ قد نضبتْ *** وكم طما دافقاً تدفّعُها
لهفي لتلك الجبالِ تنسفُها *** من عاصفاتِ الضلالِ زعزعُها
لهفي لتلك الغصونِ ذاويةٌ *** ومن أصولِ التقى تفرّعُها
لهفي لتلك الديارِ موحشةٌ *** تبكي لفقدِ الأنيسِ أربعُها
وفي قصيدة يصف أهل زمانه وما ساد فيهم من الجشع والأنانية، كما يصف نكبات الدهر ثم يخاطب نفسه ويدعوها للتأسي بسادة الخلق محمد وآله الطاهرين يقول:
لو أنهم شاهدوا فرعون أو شهدوا *** زمانه ما اغتدوا إلّا فراعينا
يفنى الزمان وتبلى فيه أنفسنا *** وليس نحظى بشيء من أمانينا
واحرّ قلباه قد كادت بفيضِ جوى *** من النفوسِ وتدنو من تراقينا
وإن أيامنا اسودت بأعيننا *** مما نقاسيه فضلاً عن ليالينا
يا نفسُ لا تجزعي مما نكابده *** في دهرنا وتأسي في موالينا