من لا تاريخ له لا حاضر له
نقض العهد سبب تأخر الأمة
فهيمة رضا
2017-09-13 04:10
يُقال من لا تاريخ له لا حاضر له لأن التاريخ هو الحافز الأساسي للتقدم والنجاح والتعلم من الدروس والعبر، لذلك كلما كانت الأمة متمسكة بتاريخها المشرق تكون في حالة أفضل من قريناتها، ولهذا السبب نلاحظ أن حرب اليوم هي حرب العقول وغزو الثقافات كي يُقضى على جذور الأمم الأضعف ثقافة ولا يبقى منها أي أثر.
إن سطور التاريخ تهدي للبشرية تصورا دقيقا عن الماضي والتجارب التي مرت بها الأمم في السابق، وبالتالي هذه الرؤى تكون عبرة للمتأخرين كي يتجنبوا ما وقع به الأقدمون من الأخطاء وتعلم المرء على التخطيط الدقيق لمستقبل زاهر، ولكي يسهل تجنب عوامل الدمار التي تسب انهيار الأمم، ومعرفة الشروط التي ساعدتها على النهوض من مستنقع الجهل، لتصل إلى خير أمة أخرجت للناس، لأن هذه الأمة سجلت في سنوات عديدة أعلى مستوى للحضارة، ودعت للمؤاخاة والمداراة ونشر القيم الإنسانية في عموم العالم.
أصحابي كالنجوم
لقد كانت رسالة النبي سماوية إلهية لذلك استطاعت أن تضع نفسها في صدارة الأمم وتنمو بسرعة كبيرة بين الناس وتصبح موضع كلام الجميع ومحل إعجاب باقي الأمم، فالدين بين كل صغيرة وكبيرة حتى آداب الطعام لم يغفلها، فهل من الممكن أن تترك الأمة هكذا دون وصي؟ وهل يمكن تجتمع - في أصحاب النبي مع اختلافهم في العقائد والآراء- الشرائط ويكونوا موضع الهداية كما استدل البعض (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
من المؤكد هناك اختلاف في الآراء بين أفراد الأسرة في العائلة الواحدة فكيف يمكن أن يجمع أصحاب النبي على رأي واحد،؟ حتى في واقعة السقيفة نجد هناك اختلاف بين المهاجرين والأنصار، إذن لا نستطيع أن نقتدي بجميع الصحابة وبين يدينا كتب التاريخ التي تشهد بتنصيب الإمام علي (ع) خليفة بعد نبي الإسلام (ص).
ونذكر هنا نماذج مما قاله الرواة في الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حيث ذكر الخوارزمي في مناقبه: ص85 ح74 الفصل السابع في بيان غزارة علمه وانه أقضى الأصحاب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل نبي وصي ووارث، وان علياً وصيي ووارثي).
ويقول أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص104: أخرجه رواه الطبراني وأحمد عن زيد، قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأعن من أعانه...».
ابن ماجة في سننه: ج1 ص43 ب11 في فضائل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرقم 116: عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجته التي حج فنزل في بعض الطريق فأمر الصلاة جامعة فأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من والاه اللهم عاد من عاداه».
وقد ذكر تنصيب علي (ع) لإمامة وخلافة المسلمين يوم غدير خُم أكثر من مائة وعشرين محدث وراوٍ، وألف حوله 26 كتابا قديما من أهل السنة, وحديث الغدير يعتبر من الأحاديث المعتبرة من حيث السند لأنه متواتر عند المسلمين جميعاً سنة وشيعة.
أخذ البيعة من المسلمين
كما ورد بين نصوص التاريخ في واقعة الغدير أمر النبي صلى الله عليه وآله بنصب خيمة وأجلس علياً فيها وأمر من كان معه أن يحضروا عنده جماعات وأفراد ليُسَلموا على علياً بإمرة المؤمنين وأن يبايعوه وقال صلى الله عليه واله: لقد أمرني ربي بذلك وأُمِرتُم بالبيعة لعلي.
بعد ذلكَ أقام النبي صلى الله عليه واله مع أصحابه ثلاثة أيام في ذلك المكان حتى تمت البيعة لعلى, حيث بايع جميع من كان مع النبي في غدير خم وبايعته النساء أيضا ثم أرتحل من خُمٍ وتابع سفره إلى المدينة المنورة. ولقد بايع في من بايع عليٍ، أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزُبير. حتى قال أبو بكر وعمر لعلي بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمناً ومؤمنة.
و ورد في كتاب مسببات العزل بالأحكام السلطانية للماوردي 17-20بيعة الإمام دائمة لا تنقطع إلا إذا مات الإمام أو طرأ عليه سبب يوجب العزل من نقص في الدين أو نقص مؤثر في البدن ولا يصح أن تعقد الإمامة لإمامين للمسلمين.
وقد قال رسول الله: (فوا ببيعة الأول فالأول).
وقال: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما).
فلا يصح تعدد الأئمة ولا يصح أن يعطي المسلم بيعتين لإمامين.
ورد في معنى البيعة
البيعة: هي اختيار أهل الحل والعقد رجلاً ليتولى أمر الأمة لجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار عنها، وقمع الفتن وإقامة الحدود ونشر العدل بينهم وردع الظالم ونصر المظلوم، ويشترط في المختار تسعة أوصاف: أن يكون ذكراً، حراً، بالغاً، عاقلاً، مسلماً، عدلاً، شجاعاً، عالماً، كافيا لما يتولاه من سياسة الأمة ومصالحها. فإذا اختاروه على هذه المواصفات، فقد تمت البيعة له من قبل الأمة، ولزمهم طاعته، وتنفيذ ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إلاّ إذا أمر بمعصية الله، فلا يطاع. لقوله: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" [متفق عليه].
إذاً لا يمكن أن ينقض المرء عهده و يجب أن لا يبايع خليفة ثانية ويجب أن (يُقتل الخليفة الثانية) كما قال رسول الله صلى الله عليه واله، ولكن الأمة خضعت للخليفة الثانية برحابة صدر وسدّ عيون عقلها عن الحق وفي غصون أشهر عديدة أنكرت ولاية ولي الله الأعظم الذي نصبه الباري عز وجل وتراجعت الأمة يوما بعد يوم عن الرشد والسمو، ووصلت إلى ما وصلت اليوم لذلك من لا تاريخ له لا حاضر له.
إن عيد الغدير ليس واقعة تاريخية فحسب بل إنه مجموعة من الوقائع التي تغير مسير البشرية، وهو خلاصة نبوة الأنبياء من آدم إلى الخاتم محمد صلى الله عليه وآله، وهو ثمرة تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
الشجرة التي تأخذ بيد الناس إلى أعلى عليين ويتذوق المؤمن الحقيقي حلو ثمرها في جنات النعيم
يوم الغدير هو يوم حزن الشيطان ويوم ألم الكفار ويأس المنافقين وعيد محمد وآله الطيبين الطاهرين لذلك قد ذكر فضل هذا اليوم في روايات كثيرة وعبر عنه بعيد الله الأكبر ولهذا اليوم أسماء أخرى أيضا، فاسمه في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود.
ويبقى يوم الغدير شوكة في عيون الأعداء وشمس تنير درب الباحثين عن الحقيقة وسراج ينير عتمة الظلمات في ليالي الظلم الموحشة، إنه صرخة حق تعلو ويتردد صداها في ربوع الأرض مهما طال الزمن.