المضادات الحيوية.. عندما يتحول الدواء الى داء!

مروة الاسدي

2015-12-20 08:28

تعد المضادات الحيوية من أكثر الأدوية التي يتم وصفها للمرضى، لكن لهذه المضادات آثار جانبية، تتمثل بتلف الجهاز الهضمي وضعف المناعة، خصوصا وان الكثير من الناس يلجؤون الى تناول مضادات حيوية بجرعات عالية عند الإصابة ببعض الأمراض التي يعتقد أن المضاد الحيوي يقضي عليها، بينما ثبت علميا أن هذا يقوي مناعة البكتيريا أمام المضادات، حيث يظن معظم المرضى ان اجسام الاشخاص الذين يفرطون في تناول المضادات هي التي تصبح مقاومة للبكتيريا، ولكن في الحقيقة فان البكتيريا نفسها هي التي تطور مقاومتها للعقاقير فتصبح اشد فتكا وتنتقل من جسم الى آخر.

يقول الخبراء في هذا المجال انه خلال العقود الماضية نشأت بكتريا مقاومة للمضادات الحيوية وتحورت في الوقت الذي خفض فيه منتجو العقاقير من حجم الاستثمارات في مجال ايجاد سبل لمقاومتها ما أوجد مخاطر صحية عالمية ليصبح من المستحيل القضاء على سلالات البكتريا المقاومة للعقاقير مثل تلك المسببة للالتهاب الرئوي والسيلان وغيرها.

وظلت مشكلة البكتريا المقاومة للمضادات تؤرق العلماء في مجال العلوم والطب منذ اكتشاف البنسلين عام 1928، وتحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تتحور البكتريا من خلال الطفرات لتصبح مقاومة للمضادات الحيوية المستخدمة في علاج العدوى ويؤدي الإفراط في استخدام المضادات الحيوية أو اساءة استخدامها الى زيادة كبيرة في نمو البكتريا المقاومة للعقاقير، وتؤدي العدوى بالبكتريا المقاومة للعقاقير -بما في ذلك الصور المقاومة لعدة عقاقير تعالج الالتهاب الرئوي والتيفود والسيلان- الى وفاة مئات الآلاف من البشر سنويا مع تزايد هذا التوجه، من جهتها أعلنت منظمة الصحة العالمية ان سكان العالم في حيرة من أمرهم بشأن حجم الخطر الحقيقي الذي تمثله البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية على الصحة العامة ولا يعرفون كيفية الحد من تلك المخاطر، كما حذرت المنظمة الأممية مرارا من أن العالم يتجه إلى "عصر ما بعد المضادات الحيوية" حيث سيتعذر القضاء على بعض الأمراض باستخدام الأدوية الحديثة المتاحة حاليا، ودعت المنظمة في تقرير لها إلى بذل الكثير من الجهد للحد من زيادة مقاومة المضادات الحيوية من جانب مجموعة كبيرة من الأمراض.

إذ لا تملك 75 في المئة من دول العالم أي خطط جاهزة لحماية وتطوير الأدوية المضادة للميكروبات، حسبما تقول منظمة الصحة العالمية، ووصف خبراء الأمر بأنه "وضع مروع"، وتتسم الميكروبات بالقدرة على تطوير مقاومة للأدوية التي نستخدمها لمواجهتها، وإذا أصبحت الأدوية غير فعالة، ستصبح بعض الأمراض الشائعة، كالسل، قاتلة مرة أخرى.

وتعتمد العمليات الجراحية وعلاج السرطان بصورة أساسية على الأدوية لإبقاء المرضى على قيد الحياة، ورغم التركيز الكبير بالمضادات الحيوية، توجد تحذيرات حول مقاومة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) للأدوية المضادة للفيروسات والملاريا التي أصبحت لا تستجيب لوسائل العلاج الأخيرة.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنه وعلى الرغم من ذلك فإن عددا قليلا من الدول لديها خطط لحفظ المضادات الحيوية وغالبيتها في مناطق غنية من العالم مثل أوروبا وأمريكا الشمالية حيث توجد أنظمة صحية أكثر تنظيما وتمويلا وقدرات علمية أكثر تطورا.

وعليه فعلى الرغم من ان الاطباء والخبراء لم يكفوا عن التحذير من الآثار الجانبية للإسراف في استخدام المضادات الحيوية، والتي ربطت دراسة حديثة بين تعاطيها خلال مرحلة الطفولة وبين خطورة التعرض للمزيد من الامراض، لكن الأسباب مازالت محل تكهنات الأطباء.

خطر قد لا يستثني احدا

في سياق متصل حذرت منظمة الصحة العالمية من ان مقاومة المضادات الحيوية تشكل الخطر الصحي الاكبر في العالم، ومقاومة المضادات الحيوية ناجمة عن قدرة البكتيريا المسببة للامراض على تطوير نفسها بحيث لا تؤثر فيها المضادات.

وقالت مارغريت تشان مديرة المنظمة اثناء عرضها دراسة حول هذا الموضوع ان مقاومة المضادات الحيوية "بلغت مستويات خطرة في كل العالم"، واظهرت الدراسة المنشورة في جنيف ان اي شخص في العالم قد يكون معرضا للاصابة بمرض مقاوم للمضادات الحيوية، والسبب الاساسي لهذه الظاهرة هو الافراط في استخدام المضادات الحيوية، او استخدامها بشكل خطأ، وتبين ان 44 % من الذين شملتهم الدراسة في 12 بلدا يظنون ان مقاومة المضادات الحيوية لا تصيب الا من يفرطون في تناولها. بحسب فرانس برس.

كما اظهرت الدراسة ان ثلثي المستطلعين يعتقدون ان من يتناولون المضادات الحيوية بشكل سليم لا يمكن ان يصابوا ببكتيريا مقاومة لهذه العقاقير، لكن في الحقيقة، "يمكن ان يصاب اي انسان في اي وقت كان وفي اي بلد كان بمرض مقاوم للمضادات الحيوية"، بحسب المنظمة الاممية التي تنظم بين السادس عشر والثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الاسبوع العالمي لحسن استخدام المضادات الحيوية.

وتوصي المنظمة بعدم تناول المضادات الحيوية الا بوصفة طبية، وفي نيسان/ابريل الماضي، اعربت منظمة الصحة العالمية عن اسفها لكون الاجهزة الصحية في العالم لا تتحرك بما فيه الكفاية لمكافحة سوء استخدام هذه العقاقير الذي يؤدي الى وقوع وفيات جراء اصابات بكتيرية كان من الممكن علاجها.

مبيعات بلا ضوابط

من جانب اخر قالت مراجعة جرت تحت إشراف الحكومة البريطانية إن تزايد مبيعات المضادات الحيوية المنتجة عالميا دون ضوابط فضلا عن بيع المضادات عن طريق الانترنت يؤدي الى تضاعف أعداد البكتريا الفتاكة المقاومة للعقاقير.

وفي وسط قلق عالمي بشأن اكتشاف حديث في الصين لجين يجعل البكتريا أكثر مقاومة لأحدث طائفة من المضادات الحيوية- قال الاقتصادي جيم اونيل الرئيس السابق لبنك (جولدمان ساكس) إن هذا الخطر يتفاقم بفعل قيام المرضى بطلب الادوية بانفسهم من الصيدليات عبر الانترنت دونما استشارة طبية.

ودعا اونيل -في بيان ارفق بالتقرير- الحكومات والجهات الرقابية وشركات الانترنت في العالم الى الحد من مبيعات المضادات الحيوية غير المرخصة عبر الانترنت مع تحسين الرقابة على جودة العقاقير. بحسب رويترز.

وقال باحثون إن جينا -اكتشف حديثا يجعل البكتريا أكثر مقاومة لأحدث طائفة من المضادات الحيوية- رصد في البشر والخنازير بالصين بما في ذلك عينات من البكتريا ذات القدرة على نشر الأوبئة، ووصف العلماء هذا الاكتشاف بانه يبعث على القلق وطالبوا بوضع قيود عاجلة على استخدام طائفة بوليمكسين من المضادات الحيوية ومنها عقار كوليستين الذي يشيع استخدامه في تحصين الثروة الحيوانية، وقال اونيل إن مما يثير القلق بالفعل ان طائفة من المضادات الحيوية القوية والمهمة يمكن ان تباع عبر الانترنت دون وصفة طبية، وقال اونيل إن معظم بلدان العالم تحظر مثل هذه المبيعات -التي تتم في شرق أوروبا وجنوبها- وان هذه الاجراءات مطبقة بحذافيرها لدى بعض الدول. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد طلب العام الماضي من اونيل اجراء مراجعة شاملة عن هذه المشكلة وطرح حلول لها، وقال في تقريره المبدئي إن مشكلة البكتريا المقاومة للعقاقير قد تقتل مليون شخص سنويا وتكبد خسائر تصل الى 100 ترليون دولار بحلول عام 2050 ما لم يتم القضاء على المشكلة. واقترح انشاء صندوق حجمه مليارا دولار للابداع والتجديد تموله شركات الادوية للاستثمار في الابحاث وسرعة ابتكار أدوية جديدة لمكافحة هذه البكتريا.

التيفود تنتشر في العالم

من جهة أخرى كشفت دراسة عالمية كبيرة ان سلالة من حمى التيفود مقاومة للمضادات الحيوية انتشرت على مستوى العالم وان ذلك وراءه أسرة واحدة من البكتيريا يطلق عليها اسم إتش58.، وشارك في الدراسة 74 عالما من أكثر من 20 دولة وتعد الأكثر شمولا للبيانات الجينية لعوامل العدوى البشرية. ويقول العلماء إنها تقدم مشهدا مثيرا للقلق "لخطر متزايد على الصحة العامة"، وينجم مرض التيفود عن شرب مياه ملوثة أو تناول طعام ملوث وتشمل اعراضه الغثيان والحمى والام في البطن وظهور بقع حمراء على الصدر. ويمكن ان يؤدي المرض في غياب العلاج الى حدوث مضاعفات في القناة الهضمية والاحشاء والرأس ويمكن ان يسبب الوفاة لنحو 20 في المئة من المرضى، ويوجد لقاحات للمرض لكنها بسبب التكلفة غير مستخدمة على نطاق واسع في الدول الفقيرة ويمكن علاج السلالات المعتادة للعدوى بالمضادات الحيوية. بحسب رويترز.

لكن هذه الدراسة خلصت الى ان سلاسة إتش58 المقاومة للمضادات الحيوية أصبحت هي المهيمنة، وقال الباحثون في بيان "سلالة إتش58 تزيح سلالات التيفود الاخرى وتغير تماما التركيبة الجينية للمرض وتخلق تفشيا مستمرا لم يحصل على اهتمام كاف من قبل"، وتقول فانيسا وونج من معهد ويلكام تراست سانجر البريطاني التي شاركت في الفريق الدولي إن التيفود يؤثر على نحو 30 مليون شخص سنويا ولذلك يحتاج الامر إلى متابعة دولية جيدة لاحتواء المرض، ونشر بحث الفريق في دورية نيتشر جينيتكس، وتتبع الباحثون في الدراسة الخريطة الجينية لما وصل الى 1832 عينة لبكتيريا سالمونيلا تيفية تم جمعها من 63 دولة في الفترة ما بين 1992 و2013، ووجدوا ان 47 في المئة كانت من سلالة إتش58.

وخلص الباحثون الى ان سلالة إتش58 نشأت في جنوب آسيا منذ 25 او 30 عاما وانها انتشرت الى جنوب شرق اسيا وغرب اسيا وشرق وجنوب افريقيا وفيجي. كما اكتشفوا أدلة على وجود موجة عدوى في عدد من الدول الافريقية حدثت مؤخرا ولم يتم الابلاغ عنها مما قد يمثل تفشيا مستمرا.

معظم الدول غير مستعدة لمكافحة الفيروسات المقاومة للمضادات الحيوية

الى ذلك قالت منظمة الصحة العالمية إن 34 دولة فقط لديها خطط وطنية للتصدي للخطر العالمي الذي تمثله الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية وهو ما يعرض خدمات الرعاية الصحية الأساسية للخطر، وفي مسح عن الخطط الحكومية للتعامل مع الموقف قالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن ربع الدول فقط من بين 133 دولة شاركت في المسح بدأت التعامل مع المشكلة، وقال كيمي فوكودا مساعد المدير العام للأمن الصحي في المنظمة "هذا أكبر تحد منفرد الآن في الأمراض المعدية. كل أنواع الجراثيم بما في ذلك الكثير من الفيروسات والطفيليات أصبحت مقاومة، "هذا يحدث في كل أنحاء العالم ولذلك على كل الدول أن تفعل ما يتوجب عليها للتعامل مع هذا الخطر العالمي". بحسب رويترز.

وقالت المنظمة في تقريرها "على مزيد من الدول...التحرك" لوضع استراتيجيات شاملة "لمنع اساءة استخدام المضادات الحيوية" وكبح انتشار الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية، على الصعيد نفسه كثفت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة من مكافحتها لهذه البكتريا بنشر حملة توعية عامة وقالت إن 64 في المئة ممن وجهت لهم أسئلة في البحث كانوا يعتقدون على سبيل الخطأ ان العقاقير المشتقة من البنسلين والمضادات الحيوية الأخرى يمكن ان تعالج نزلات البرد والانفلونزا على الرغم من حقيقة ان هذه العقاقير لا تؤثر على الفيروسات، وأضافت ان نحو ثلث من شاركوا في الدراسة المسحية كانوا يظنون أيضا انه يتعين عليهم التوقف عن تعاطي المضادات عند تحسن حالاتهم بدلا من استكمال المقرر العلاجي.

وقال كيجي فوكودا ممثل منظمة الصحة المتخصص في مكافحة الكائنات المضادة للعقاقير "هذه النتائج ... تشير الى الضرورة الملحة لتحسين الفهم المتعلق بالكائنات المقاومة للعقاقير والمضادات"، وقال "يتطلب أكبر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين ان يغير الأفراد والمجتمعات من السلوك العالمي". بحسب رويترز.

وقالت مارجريت تشان مديرة منظمة الصحة العالمية في بيان "تمثل الزيادة في مقاومة المضادات الحيوية أزمة صحية عالمية. لقد بلغت مستويات عالية خطيرة في جميع بقاع العالم"، وشملت دراسة منظمة الصحة العالمية مسحا لحالات عشرة آلاف شخص في 12 دولة بالعالم هي -باربادوس والصين ومصر والهند واندونيسيا والمكسيك ونيجيريا وروسيا وصربيا وجنوب افريقيا والسودان وفيتنام- وتوصلت الى الكثير من أوجه سوء الفهم التي تبعث على القلق، كان البيت الابيض قد أبلغ المراكز الامريكية لمكافحة الامراض والوقاية منها في الآونة الاخيرة بضرورة الخفض الحاد لمعدلات العدوى الناجمة عن البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية بحلول عام 2020 وذلك في اطار خطة للحد من هذه النوعية من الوفيات مع تقييد الإفراط في استخدام المضادات للبشر والحيوان.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا