بارقة أمل في علاج داء أُلزهايمر: أحد مكملات الليثيوم يعالج فقد الذاكرة

Nature Masterclasses

2025-08-28 04:33

تشير دراسات للقوارض والبشر إلى أن انخفاض مستويات هذا المعدن يسهم في التدهور الإدراكي. بحسب ما تشير دراسة نُشرت مؤخرًا في دورية Nature، تعويض مخزون الدماغ الطبيعي من الليثيوم قد لا يقي فحسب من داء أُلزهايمر، بل ربما يعالجه أيضًا.

إذ تفيد الدراسة بأن تحليلات الأنسجة الدماغية البشرية وسلسلة من التجارب التي أُجريت على الفئران يظهران نمطًا ثابتًا، يميل فيه تدهور الذاكرة والمؤشرات العصبية المميزة لداء أُلزهايمر - وهي لويحات الأميلويد، والتشابكات الليفية في بروتين تاو - إلى التفاقم مع انخفاض تركيزات الليثيوم في الدماغ، كذلك وجدت الدراسة أدلة على أن نوعًا معينًا من مكملات الليثيوم في الفئران يُبطل آثار هذه التغيرات العصبية، ويعالج ويدرأ فقدان الذاكرة، ليعيد إلى الدماغ بعضًا من شبابه وصحته.

تعقيبًا على هذه النتائج، تقول آشلي بوش، اختصاصية علم الأعصاب من جامعة ملبورن في أستراليا، والتي لم تشارك في الدراسة: "إنه لاكتشاف ثوري. لم يمض وقت طويل على اكتشافنا لأول عقار يُعدل مسار داء أُلزهايمر، وهو لا يستهدف إلا لويحات الأميلويد. أما هذه المقاربة، فتستهدف جميع الاعتلالات المثيرة للقلق في هذا الداء".

وإن تأكدت صحة هذه النتائج في التجارب الإكلينيكية، فقد تكون لها دلالات عميقة الأثر. إذ يعاني من الخرف أكثر من 55 مليون شخص على مستوى العالم، غالبيتهم من المصابين بداء أُلزهايمر. والعلاجات المضادة لتراكم لويحات الأميلويد في السوق تبطئ التدهور الإدراكي، لكنها "لا تضع نهاية له. ولا تعيد القدرة على أداء الوظائف الحيوية" التي يشلّها هذا الداء، بتعبير بروس يانكر، اختصاصي علم الوراثة والمؤلف المشارك في الدراسة من كلية هارفارد للطب في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية. فيضيف: "لا نملك بين أيدينا بعد علاجًا ناجعًا لعلاج داء أُلزهايمر".

استخدامات الليثيوم ما بين الماضي والحاضر

في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، رُوج لتناوُل الليثيوم في الطعام والشراب بوصفه عنصرًا مُحسنًا للمزاج ومجددًا للطاقة، حتى إنه أُعلن عنه كمادة مُنشطة في وصفة قديمة لمشروب الطاقة «سيفن أب» 7-Up. ولاحقًا، في سبعينيات القرن الماضي، اشتهر من جديد بوصفه العلاج القياسي والأمثل للاضطراب ثنائي القطب . ولم يمض وقت طويل قبل أن يتنبه العلماء إلى بطء شيخوخة الدماغ بين من يتناولون الليثيوم مقارنة بها بين من لا يتناولون هذا العنصر. وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسات وبائية أن المناطق التي حوت إمداداتها المائية آثارًا طفيفة لليثيوم انخفضت فيها نسبيًا معدلات الإصابة بالخرف. غير أن التجارب الإكلينيكية لاختبار فاعلية الليثيوم فيما يخص التدهور الإدراكي تباينت نتائجها.

على سبيل المثال، في أبحاث للوقوف بوضوح على دور الليثيوم، أثبت يانكر وفريقه للمرة الأولى أن المعدن يوجد بصورة طبيعية في الدماغ، حيث يلعب دورًا فيسيولوجيًا مهمًا.

وقد تنامت الأدلة على ذلك. إذ وجد الفريق البحثي أن مستويات الليثيوم في مناطق الدماغ البشري المصابة بداء أُلزهايمر أقل منها في المناطق غير المصابة به. كذلك تبين للفريق البحثي أنه لدى المصابين بدرجة طفيفة من القصور الإدراكي، وهي المرحلة السابقة على الإصابة بداء أُلزهايمر، تحتجز لويحات الأميليويد ليثيوم الدماغ، تاركة نسبة أقل منه لأداء وظائف الدماغ الأساسية. وعلى حد قول يانكر، فإن هذا الانحسار لمستويات الليثيوم "تزايدت حدة آثاره مع تقدم المرض". وعلى النحو نفسه، تراجعت مستويات الليثيوم في أدمغة نماذج الفئران المصابة بداء أُلزهايمر.

الفئران التي وُجدت مستويات ليثيوم طبيعية في أدمغتها انخفض لديها عدد لويحات الأميلويد (الصورة في الركن العلوي يسارًا)، كما انخفض لديها عدد التشابكات الليفية في بروتين تاو (الصورة في الركن السفلي يسارًا)، مقارنة بالفئران التي انحسرت لديها مستويات الليثيوم (الصورتين في الركن العلوي والسفلي يمينًا).

الفئران التي وُجدت مستويات ليثيوم طبيعية في أدمغتها انخفض لديها عدد لويحات الأميلويد (الصورة في الركن العلوي يسارًا)، كما انخفض لديها عدد التشابكات الليفية في بروتين تاو (الصورة في الركن السفلي يسارًا)، مقارنة بالفئران التي انحسرت لديها مستويات الليثيوم (الصورتين في الركن العلوي والسفلي يمينًا).

حقوق نشر الصورة: Yankner Lab

وفي تجارب أخرى أُجريت على الفئران، نشأ لدى الفئران المصابة بنقص الليثيوم عدد أكبر من لويحات الأميلويد مقارنة بالفئران التي تمتعت بمستويات طبيعية من الليثيوم. وهذا أطلق حلقة مفرغة يُحتمل أنها تُترجم إلى التقدم المدمر لداء أُلزهايمر: فانحسار الليثيوم في الدماغ يفضي إلى تراكم المزيد من لويحات الأميلويد، ما يؤدي بالتبعية إلى انخفاض مستويات الليثوم أكثر.

كذلك وجد يانكر وفريقه البحثي علاقة بين تراجع مستويات الليثيوم ومؤشرات الداء الأخرى، مثل تراكم التشابكات الليفية في بروتين «تاو» واختلاف مستوى نشاط جينات أخرى مرتبطة بالإصابة بالمرض. بل ووقف الفريق البحثي على طريقة محتملة لكسر هذه الحلقة المفرغة المدمرة.

ففي حين أن غالبية التجارب الإكلينيكية التي أُجريت في هذا الإطار اختبرت فاعلية شكل من الليثيوم هو كربونات الليثيوم، برهن فريق يانكر البحثي على أن لويحات الأميلويد تحتجز بسهولة هذا الشكل من الليثيوم، بينما تفلت أشكال ليثيوم أخرى، مثل أوروتات الليثيوم، من هذا المصير. وعندما أعطى الفريق البحثي الفئران المصابة بداء أُلزهايمر جرعات منخفضة من أوروتات الليثيوم، عولج التلف الدماغي الناجم عن الداء لديها، واستعادت ذاكرتها. أما كربونات الليثيوم، فلم تحقق الفائدة ذاتها، ما قد يفسر النتائج المتباينة التي أسفرت عنها التجارب الإكلينيكية السابقة.

على أن النتائج التي تتمخض عنها التجارب على الفئران لا تنطبق دائمًا على البشر. لكن بالنظر إلى أن عدة خيوط تشير إلى هذه النتائج، يشعر مؤلفو الدراسة بتفاؤل مشوب بالحذر.

الحكم النهائي

تبقى أسئلة أخرى عالقة بلا جواب، منها على سبيل المثال، كيف تحديدًا تبدأ عملية استنزاف الليثيوم. في هذا الإطار، يقول يانكر: "أعتقد أن ثمة أسبابًا بيئية أو جينية أخرى تقف وراء قصور امتصاص الليثيوم في الدماغ.

ويرى باحثون أن غياب حالات السمية بالليثيوم في الدراسة، حتى بين الفئران التي عولجت على مدار حياتها البالغة كلها تقريبًا به من شأنه أن يسهم في دعم التجارب الإكلينيكية، ويقدم إجابات في غضون السنوات القادمة لما إذا كان بالإمكان علاج المصابين بداء أُلزهايمر بالمعدن. غير أن هذا بافتراض حصول العلاجات بالليثيوم على الدعم المالي التجاري والحكومي بصورة كافية. فالليثيوم عنصر موجود في الطبيعة، من ثم لا يمكن أن يخضع لحقوق براءة اختراع. حول ذلك، يقول توماس هاجيك، اختصاصي علم النفس من جامعة دالهوسي في هاليفاكس بكندا: "لن تجني أي شركة دوائية أية أرباح من إنتاج الليثيوم".

إلا أن الفوائد المحتملة لهذا المعدن قد لا تقتصر على علاج الخرف. ففي مجموعة المقارنة المرجعية التي شملتها الدراسة وضمت أشخاصًا غير مصابين بقصور إدراكي، وجد الفريق البحثي أن من ارتفعت لديهم مستويات الليثيوم أحرزوا درجات أعلى من نظرائهم في عدد من اختبارات الذاكرة. وتشير بوش إلى أن المصابين باضطراب ثنائي القطب، بالأخص من كبار السن، قد يستفيدون من أوروتات الليثيوم أكثر مما قد يستفيدون من العلاج القياسي الممثل في كربونات الليثيوم.

ختامًا، يقول هاجيك: "لا أعتقد أن ثمة الكثير بعد مما قد يتسم بهذه الدرجة من الموثوقية والأمان في خطط الإنتاج القادمة. الليثيوم بخس الثمن. مع ذلك، قد يحمل فوائد هائلة للأشخاص".

ذات صلة

الاختبار الصعب بين مرارة الدنيا وحلاوة الآخرةاصلاح القضاء وبناء الشرعية الدستوريةفي ذكرى وفاة السيدة سَكينة بنت الإمام الحسين: البطولة في العفّة والكَلِمةالإنسان المعاصر بين بناء الحضارة والبحث عن الذاتما وراء الفصل العنصري والإبادة الجماعية في فلسطين