عودة الايدز .. عواقب انسانية ومالية كارثية

مروة الاسدي

2015-10-17 08:44

بعد ما كان قريبا من نهايته يعاود مرض الإيدز الظهور مجددا، بسبب تنامي الافة الاجتماعية وتلوث البيئة، بالإضافة إلى النمو السكاني في بعض الدول المتضررة يزيد من عدد الاشخاص المصابين بالفيروس الذي لا علاج قاطع له ويتطلب علاجا مدى الحياة.

فعلى الرغم من التقدم الذي حققته الجهات المكافحة لمرض الايدز نهاية العام الماضي بتحسين حصول المرضى على العلاج ، الا الكثير من المختصين حذوا من عودة قوية للفيروس المسبب للايدز، لذا صرح ميشيل سيديبه المدير التنفيذي ليو.إن.ايدز بقوله "علينا ان نتحرك الان. اذا لم نفعل ستكون العواقب الانسانية والمالية كارثية، وهناك 35 مليون شخص مصابون بفيروس اتش.آي.في وقتل المرض منذ بدء انتشاره قبل 30 عاما 40 مليونا على مستوى العالم.

لذا يرى الخبراء بهذا الشأن إن الحفاظ على مستوى العلاج الحالي للفيروس وعلى جهود الوقاية سيتطلب على الاقل ثلث اجمالي الانفاق الحكومي في غالبية الدول الافريقية المتضررة من عام 2014 حتى عام 2030.

ويرى هؤلاء الخبراء ان السنوات الخمس المقبلة اساسية في الحد من انتشار الايدز في العالم، ولتفادي ارتفاع نسبة الاصابات بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (ايدز) بدفع من زيادة معدلات الاصابات والنمو السريع لعدد سكان العالم.

على الصعيد نفسه خلصت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إلى أن فوائد ختان الذكور تفوق مخاطره، أما في إطار الكشف عن تفاصيل جديدة عن الأصول المرضية لأعراض نقص المناعة المكتسب (أيدز) قال العلماء إن نصف سلالات فيروس المرض نشأت من الغوريلا في الكاميرون قبل انتقالها للبشر وربما حدث ذلك من خلال تناول لحوم الحيوانات البرية، إذ يتألف الفيروس الرئيسي المسبب للايدز من أربع مجموعات جاءت كل منها من نسخة فيروسية منفصلة ظلت تتناقل عبر الأنواع بين القردة لتصل الى الانسان في نهاية المطاف.

وعليه فانه مع النمو السكاني العالمي، يزداد عدد الشبان الذين يصبحون ناشطين جنسيا، ما يهدد القدرة على تحقيق الهدف القاضي بالقضاء على التهديد الذي يمثله الايدز على الصحة العامة بحلول سنة 2030.

لذا من واجب الجهات المسؤولة والمنظمات المعنية اعادة اطلاق الجهود الوقائية خصوصا لدى السكان الاكثر عرضة للخطر بموازاة الغاء التمييز القضائي والاجتماعي، وبهذا سيبقى هدف القضاء على الايدز طموح لكنه واقعي.

ومن الجدير بالذكر ان فيروس نقص المناعة المكتسب المسبب للإيدز ينتقل من خلال الدم والمني وحليب الثدي. ولا يوجد علاج للعدوى لكن بمقدور المصاب تحييد المرض لسنوات بالحصول على تشكيلة من العقاقير المضادة للفيروسات.

وتذكر بيانات الأمم المتحدة أن عدد المصابين بالفيروس سجل نحو 35 مليون شخص في 2013 منهم 2.1 مليون اصيبوا حديثا بالفيروس بينما توفي حوالي 1.5 مليون بالايدز، وتسجل أفريقيا جنوب الصحراء أعلى نسبة للمصابين وبفارق كبير عن غيرها، وتفشى وباء الايدز منذ أكثر من ثلاثين عاما وأودى بحياة ما يصل الى 40 مليون شخص حول العالم.

العلم لن يتوقف إلى أن يقضي على الايدز

في سياق متصل تستعد العالمة فرانسوا باري سينوسي بعد مرور أكثر من 30 عاما على تعرفها على واحد من أشرس الفيروسات القاتلة التي تصيب الإنسان والتي اقتسمت جائزة نوبل للطب لاكتشافها فيروس (اتش.آي.في) للتقاعد وخلع معطفها الأبيض الذي ترتديه في المختبر، انها تشعر بقدر من خيبة الأمل لعدم تمكنها إعلان النصر الكامل في معركتها ضد الفيروس المسبب لمرض الإيدز لكنها تشعر في الوقت نفسه بالفخر لأن هذا الفيروس تراجع خلال العقود الثلاثة الماضية.

ورغم أن التوصل إلى علاج للإيدز قد يحدث في حياتها وقد لا يحدث إلا أن فرانسوا (68 عاما) تقول إن التوصول إلى حالة "الخمود" حين يتمكن المرضى المصابين بالفيروس من السيطرة عليه داخل اجسامهم هو بالقطع في المتناول.

وقالت لرويترز في مقابلة في مختبرها بمعهد باستور في العاصمة الفرنسية باريس حيث اكتشفت هي ومعلمها لوك مونتانييه فيروس (اتش.آي.في) عام 1983 "أنا شخصيا اعتقد ان الخمود يمكن ان يتحقق. متى؟ لا أعلم لكن هذا ممكن"، وأضافت "لدينا ‘دليل على المفهوم‘ لدينا مرضى (دراسة) فيسكونتي الشهيرة الذين عولجوا في وقت مبكر جدا. مر الآن أكثر من عشر سنوات على توقف علاجهم ولازالوا بحالة جيدة للغاية".

وكانت تشير إلى دراسة شملت 14 مريضا فرنسيا بدأ علاجهم بمضادات الفيروسات القهرية خلال عشرة أسابيع من اصابتهم بالفيروس وظلوا على هذا العلاج لثلاث سنوات في المتوسط، وبعد مرور عشر سنوات على وقف العلاج كانت مستويات الفيروس لدى غالبية المرضى متدنية للغاية بدرجة لا يمكن رصدها.

وكانت هذه الحالات إلى جانب حالات فردية أخرى لخمود المرض هي التي أعطت الأمل لما يصل إلى 37 مليون مريض على مستوى العالم مكنتهم الانجازات العلمية من أن يظلوا على قيد الحياة رغم اصابتهم بفيروس الإيدز.

عودة قوية للفيروس المسبب للايدز

من جهتها حذرت الامم المتحدة وخبراء من ان التفشي العالمي لفيروس (اتش.آي.في) المسبب للايدز قد يعود بقوة مجددا خلال خمس سنوات فقط ما لم يتحقق تكثيف سريع لجهود منع وعلاج الفيروس القاتل.

ورغم التقدم الذي تحقق في تحسين حصول المرضى على العلاج الا ان التحليل الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايدز (يو.إن.ايدز) ولجنة من الخبراء مكلفة من دورية لانسيت الطبية خلص إلى ان معدلات الاصابة الجديدة بفيروس (اتش.آي.في) لا تنخفض بالسرعة المطلوبة.

وقال بيتر بايوت مدير كلية لندن للصحة والطب المداري المشارك في كتابة التقرير "علينا ان نواجه الحقيقة المرة.. اذا استمر المعدل الحالي للاصابات الجديدة بفيروس اتش.آي.في فلن يكفي مجرد الحفاظ على الجهود الاساسية الجارية بالفعل لمنع تزايد حالات الوفاة بالايدز خلال خمس سنوات في دول كثيرة". بحسب رويترز.

من جهته قال المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس الإيدز ("يو ان ايدرز") ميشال سيديبيه ان "السنوات الخمس المقبلة تقدم فرصة هشة لتعجيل الرد على وباء الايدز وانهائه بحلول العام 2030"، وأضاف "اذا لم نفعل ذلك، ستكون التداعيات على الصعيدين البشري والمالي كارثية".

ودعا تقرير اعدته منظمة "يو ان ايدز" ومجلة "ذي لانسيت" الطبية بدعم من شخصيات معروفة في المعركة المستمرة ضد مرض الايدز منذ 34 عاما، الى اعطاء المرض اولوية كبرى ضمن اهداف التنمية للامم المتحدة بعد العام 2015. بحسب فرانس برس.

كذلك تحدث التقرير عن تقدم ايجابي بدءا من ظهور المضادات الفيروسية سنة 1996، وهو ما ساهم في انقاذ ارواح كثيرة عبر السماح بالسيطرة على الاصابة رغم عدم نجاح ذلك في الشفاء من المرض.

وجاء في التقرير انه "بين 2001 و2013، تراجعت نسبة الاصابات السنوية بالامراض الناجمة عن فيروس +اتش اي في+ بنسبة 38 % لتنتقل من 3,4 ملايين في 2001 الى 2,1 مليون في 2013". كما أن هذه الاصابات سجلت لدى الاطفال بين عامي 2002 و2013 "تراجعا بنسبة 58 % مع 240 الف اصابة جديدة سنة 2013 في مقابل 580 الفا سنة 2002"، وفي جنوب افريقيا، أحد اكثر البلدان تضررا جراء هذه الافة، شهد متوسط أمد الحياة المتوقع ارتفاعا سنة 2005 للمرة الأولى منذ 1997.

لكن لا يزال ثمة الكثير من مواضع القلق، ففي العام 2013، قضى 1,5 مليون شخص لأسباب مرتبطة بالإيدز، كما أن اكثر من عشرة ملايين من هؤلاء لم يكونوا قد بدأوا العلاج بالمضادات الفيروسية، ومن اصل 35 مليون شخص يعيشون مع فيروس "اتش اي في"، 19 مليونا يجهلون أنهم مصابون به.

الغوريلا أصل نشأة نصف فيروسات الايدز في العالم

من جانب مختلف كانت أبحاث سابقة قد حددت الشمبانزي في جنوب الكاميرون كمصدر للمجموعة (إم) من الفيروس اتش.آي.في-1 الذي أصاب أكثر من 40 مليون شخص في شتى أرجاء العالم وهو ما فجر الانتشار الواسع للايدز الى جانب المجموعة الفيروسية (إن) ذات الانتشار الجغرافي المحدود والتي اصابت 20 شخصا فقط، وحتى الآن لم يتأكد بصورة قاطعة مصدر المجموعتين الفيروسيتين الاخريين وهما (إو) و(بي)، وأظهرت نتائج الدراسة الحديثة التي أوردتها دورية الأكاديمية القومية للعلوم ان المجموعتين (إم) و(إن) نشأتا في غوريلا المناطق الغربية المنخفضة من جنوب الكاميرون. بحسب رويترز.

وقالت عالمة الفيروسات مارتين بيترز من معهد البحوث والتنمية وجامعة مونبلييه في فرنسا "إذن فان الشمبانزي والغوريلا كليهما احتضنا الفيروسات القادرة على اجتياز الحواجز القائمة بين الأنواع لتصل الى البشر وتتسبب في إصابات مرضية كبيرة".

وفحص الباحثون عينات من فضلات عدة أنواع من الغوريلا في منطقة وسط افريقيا بما في ذلك الغوريلا التي تعيش بالمناطق الغربية المنخفضة من جنوب الكاميرون وايضا المناطق الشرقية منها والغوريلا الجبلية في الكاميرون والجابون وجمهورية الكونجو الديمقراطية واوغندا بحثا عن شواهد على مجموعات السلالات المنتشرة بهذه المناطق.

وأشارت التحليلات الوراثية للسلالات الفيروسية الى امكانية ان تكون غوريلا المنخفضات الغربية هي مصدر المجموعتين (إو) و(بي)، وقالت بيترز "ربما تكون طريقة الانتقال الأكثر ترجيحا هي التعرض لدم و/أو أنسجة ملوثة خلال عمليات الصيد والذبح للحصول على لحوم حيوانات غير مستأنسة"، وانتشرت المجموعة الفيروسية (أو) المسببة للايدز عبر كاميرون والجابون ونيجيريا ودول مجاورة وأصابت نحو 100 ألف شخص أما فيروسات المجموعة (بي) فلم ترصد الا لدى مريضين من الكاميرون، وقال الباحثون إن المجموعة (أو) ظهرت في مطلع القرن العشرين ثم ظهرت المجموعة (بي) في وقت لاحق من القرن نفسه، وهناك مجموعة فيروسية رئيسية أخرى للايدز هي اتش.آي.في-2 تقتصر على غرب افريقيا وهي أقل نشاطا بالنسبة للانتشار وانتقلت للانسان من القردة بغرب افريقيا.

فوائد ختان الذكور تفوق مخاطره

فيما وجدت المراكز أن إجراء الختان للذكور تحت اشراف طبي قد يساعد في تقليل خطر انتقال فيروس (إتش.آي.في) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) كما يساعد في تقليل الأمراض الجنسية بالإضافة إلى مشاكل صحية أخرى، تأتي التوصية التي تتضمن تقديم المشورة لوالدي الأطفال الذكور حديثي الولادة حول فوائد ومخاطر الإجراء في وقت تراجعت فيه نسبة ختان الذكور في الولايات المتحدة. بحسب رويترز.

ووفقا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها فإن المعدل القومي لختان المولودين حديثا تراجع ما بين عامي 1979 إلى 2010 بنسبة عشرة بالمئة إلى 58 بالمئة، وقالت الوثيقة "هذه التوصيات مبنية على تقييم للمعلومات المتوفرة عن المخاطر والفوائد الصحية المرتبطة بإجراء عملية الختان للذكور تحت اشراف طبي جيد تم تطويرها لتخص الذكور والأطفال حديثي الولادة في الولايات المتحدة"، وأشارت دراسات عديدة أجريت في أفريقيا إلى أن الختان قد يساعد في تقليل انتشار الفيروس المسبب لمرض الإيدز، وقالت المراكز إنها طورت مسودة إرشادية بناء على مراجعة منهجية للمخاطر والفوائد الصحية للختان واستشارة خبراء في الوقاية من الإيدز ومجالات أخرى.

القضاء على الايدز بحلول 2030

الى ذلك أعلنت الأمم المتحدة ان بإمكان العالم القضاء على مرض الايدز بحلول عام 2030 مؤكدة نجاح الدول في طرح عقاقير لانقاذ الحياة خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، وقال برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز إن الاهداف الانمائية للالفية التابعة للامم المتحدة لمنع المرض ووقف انتشاره قد تحققت، ويقود برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز الجهود للقضاء على المرض في موعد غايته 2030 من خلال تمكين الجميع من الحصول على الخدمات الوقائية والعلاجية والدعم الطبي، وقال بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير صدر خلال مؤتمر للتمويل عقد في اثيوبيا "القضاء على وباء الايدز بوصفه خطرا يتهدد الصحة العامة بحلول 2030 هدف طموح لكنه واقعي مثلما تبين خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة". بحسب رويترز.

ويتلقى نحو 15 مليون شخص علاجات مضادة للفيروسات الارتجاعية لعلاج الايدز وهو الرقم الذي يمثل زيادة هائلة ارتفاعا من أقل من 700 آلاف مريض في عام 2000، وبحلول ذاك الوقت يتعين على المرضى تناول ثمانية أقراص في المتوسط يوميا بتكلفة عشرة آلاف دولار في العام فيما يمكن شراء هذه العقاقير الآن بمبلغ 100 دولار في السنة.

وتمنع هذه العقاقير الفيروس من النمو والتكاثر ما يؤدي إلى إطالة اعمار المرضى فيما يقلل من فرص نقل فيروس المرض لاخرين، وقال مايكل سيديبي المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز في التقرير "خلال السنوات العشر الاولى لظهور المرض لم يكن بالامكان مد يد العون لشخض يحتضر بسبب الايدز"، وأضاف ان مفتاح التغيير يكمن في كسر القبضة الحديدية التي تفرضها الصناعات الدوائية على السياسات الحكومية وأسعار الدواء، وقال التقرير إن الوفيات المرتبطة بالايدز تراجعت بنسبة أكثر من 40 في المئة منذ 2004 الى 1.2 مليون سنويا كما تناقصت أعداد الاصابات بنسبة 35 في المئة من 2001 الى مليوني شخص سنويا عام 2014.

وتزايدت الاستثمارات في علاج الايدز الى نحو 22 مليار دولار عام 2015 من أقل من خمسة مليارات عام 2001، وقال البرنامج إن من أبرز النجاحات الحد من الاصابات الجديدة بين الأطفال بنسبة 58 في المئة بين عامي 2000 و2014، أصبحت كوبا الشهر الماضي أول دولة في العالم تقضي على انتشار الايدز من الأم للطفل، وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من التراخي وأشارت في بيان إلى انه لا يزال أكثر من نصف 37 مليون شخص حاملين لفيروس الايدز على مستوى العالم لا يمكنهم الحصول على العلاج.

ذات صلة

كيف تتخلص من الفخ الدنيوي؟مركز آدم ناقش الحق في الخصوصية الجينيةماهي فدك ولماذا انتزعت من السيدة الزهراء (ع)؟أسباب فوز دونالد ترامب والتداعيات المحتملةتجربة المسفرين العراقيين وتجربة اللاجئين اللبنانيين