الأكل الواعي في مواجهة عصر التشتيت
شبكة النبأ
2023-11-12 05:55
هل تتناول الطعام وأنت منشغل بتصفح منصات التواصل الاجتماعي أو مشاهدة برنامجك المفضل، ما يصيبك بالانتفاخ، وعدم التأكد من مذاق طعامك؟ أو ربما تشعر بالذنب لتناولك بقايا كعكة الشوكولاتة مباشرة من الثلاجة؟
تعد السرعة أحد السمات المميزة للعالم المعاصر، فلم يعد هناك شيء بطيء، كما أدت عوامل التشتيت المختلفة مثل التلفزيون، والكمبيوتر والهواتف الذكية، إلى تحويل الانتباه بعيدا عن الطعام، حتى أثناء تناوله، فقد أصبح الأكل فعلا نقوم به دون تركيز، فقط لسد الحاجة إلى الطعام، وتخلت العديد من الأسر عن العادات القديمة في تناول الطعام.
وذكر تقرير صدر عن عن وزارة الزراعة الأمريكية عام 2011، أن الشخص الأمريكي يقضي ساعتين ونصف في الأكل، ولكن أكثر من نصف هذا الوقت يقضيه في فعل شيء آخر مع الأكل.
إن الأكل بلا انتباه (أي نقص الوعي بالطعام الذي نستهلكه) يساهم في السمنة وغيرها من الأعراض الصحية الأخرى.
اليقظة (الوعي) تعني التركيز على اللحظة الحالية مع اعتراف وتقبل مشاعرك وأفكارك وما يشعر به جسمك. تنطبق مبادئ الوعي على جميع مجالات الحياة، فهي حالة حضور في اللحظة الحالية مهما كان الشيء الذي تقوم به، أو تفكر به.
من هنا ظهر مفهوم الأكل الواعي (الأكل اليقظ)؛ ويعني بشكل عام أن تكون منتبهاً إلى طعامك أثناء شرائه، وإعداده، وتناوله. إن لم تعد طعامك بنفسك فيكفي أن تكون حاضراً أثناء تناوله. قد يتطلب منك تبني ممارسات الأكل الواعي القيام بكثير من التعديلات على الأنماط السلوكية والفكرية التي كنت تمارسها من قبل.
يعد أسلوب الأكل اليقظ، أحد الأساليب التي تساعد على التحكم في العادات الغذائية، كما يعزز فقدان الوزن، ويقلل من الإفراط في تناول الطعام، ويساعد على الشعور بالتحسن، ويقوم هذا الأسلوب على التأمل والتعرف على ماهية العواطف التي تدفع الإنسان لتناول الطعام، والطريقة السليمة للتعامل معها، كما يُستخدم لعلاج اضطرابات الأكل والاكتئاب والقلق، والسلوكيات الخاطئة المتعلقة بالغذاء.
ويقول المتخصصون إن الأكل الواعي "ينبع من الفلسفة الأوسع لليقظة، وهي ممارسة منتشرة منذ قرون ومستخدمة في العديد من الأديان، واليقظة الذهنية هي تركيز متعمد على أفكار المرء، وعواطفه، وأحاسيسه الجسدية في اللحظة الحالية".
ويتداخل مفهوما الأكل الواعي والأكل الحدسي، ولكنهما يختلفان في بعض النواحي الرئيسية.
وبينما أن مفهوم الأكل الواعي أو الأكل اليقظ يركز على التواجد لتجربة طعامك أثناء تناوله، يركز مفهوم الأكل الحدسي أكثر على تحسين علاقة الفرد بالطعام وصورة الجسم من خلال رفض رسائل النظام الغذائي الصارمة الخارجية.
ويتناسب الأكل الواعي مع جميع أنواع الاستشارات والاستراتيجيات الخاصة بالأكل والوزن والصحة، فهو مفهوم يُعد أكثر سهولة ليتبعه جمهور أكبر لأنه بمثابة أداة يمكن دمجها في العديد من الأساليب المختلفة.
لماذا يستحق الأكل بوعي التجربة؟
تتطور المجتمعات في هذه الأيام بشكل متسارع، وأصبح هناك العديد من الخيارات الغذائية المتاحة للجميع، بالمقابل، زادت العوامل التي تزيد من تشتت الفرد؛ فقد تحول انتباه الفرد عن فعل الأكل إلى الملهيات، كالتلفاز، وأجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية.
في ظل هذه الظروف أصبحت عملية الأكل عملية لا واعية وتحدث بسرعة وطيش أحياناً، وقد أدى ذلك إلى أن يستغرق العقل وقت أطول قد يصل إلى 20 دقيقة لإدراك الشعور بالامتلاء؛ فإذا كنت تأكل بسرعة كبيرة، فقد لا تصل إشارات الشبع إلى الدماغ حتى تتناول الكثير من الطعام. ويشيع هذا الأمر في اضطراب نهم الطعام (الإفراط في تناول الطعام).
فالعقل يحتاج إلى 20 دقيقة للشعور بالشبع، وعندما يأكل الشخص بسرعة، لا يصل العقل إلى إشارات الامتلاء، حتى يكون قد أكل أكثر مما يحتاج.
لكن من خلال تناول الطعام بوعي وبطء، يستعيد الشخص انتباهه، ويتحول تناول الطعام إلى فعل متعمد يدركه العقل، بدلا من كونه فعلا تلقائيا يحدث دون مراقبة.
اهداف الاكل الواعي
تهدف ممارسة الأكل الواعي إلى ما يلي:
- أن تصبح أكثر انسجامًا مع جميع حواسك -البصر، والشم، والسمع، والتذوق، والشعور- والأفكار أثناء تجارب الأكل دون إلهاء.
- استعادة الانتباه أثناء الأكل، بحيث تصبح عملية الأكل فعلية وليست أوتوماتيكية.
- اكتساب الفرد القدرة على التمييز بين إشارات الجوع الحقيقية وإشارات الجوع الناتجة عن اضطراب الحالة العاطفية، وكذلك ستزداد قدرته على تمييز إشارات الامتلاء والشبع.
- اكتساب المقدرة على تمييز المحفزات التي تجعل الشخص يشعر بالرغبة في الأكل بالرغم من عدم الشعور بالجوع الحقيقي؛ فمن خلال إدراك المحفزات، يستطيع أن يجعل الشخص مسافة بينها وبين ردة فعله بحيث يكون لديه الوقت والحرية لاختيار ردة الفعل المناسبة له.
الأكل اليقظ وفقدان الوزن
إن تبني مهارات التغذية الواعية ليست أمراً جديداً وتقنية فريدة، وإنما هي العودة إلى الأمر الطبيعي وهو التركيز والانتباه للأكل في اللحظة، والاتصال بالجسد والاستجابة لإشارته والاستمتاع بعملية الأكل بعيداً عن عوامل التشتيت.
إن الفرق بين ممارسة التغذية الواعية والخضوع للحميات الغذائية هو تجاوز فكرة تقييد وحساب السعرات الحرارية إلى تطوير قدرات الجسم الطبيعية للسيطرة على السلوك الغذائي، عن طريق تعزيز اليقظة والتركيز والانتباه للحالة الشعورية وإشارات الجسم الفسيولوجية. ومع الممارسة ستتغير أنماط الأكل السابقة والتي لم تكن مبنية على وعي كامل.
ونشرت مجلة مراجعة السمنة عام 2000 إحصائية تشير إلى أن حوالي 85% من الأشخاص الذين كانوا يعانون من السمنة وفقدوا وزنهم، قد عادوا إلى الوضع السابق وربما أكثر مما كانوا عليه خلال بضع سنوات.
ويعزى سبب زيادة الوزن أو العودة إلى الوزن السابق بعد النجاح بخسارته إلى:
الأكل بشراهة، والأكل العاطفي، والأكل الناتج استجابة للبيئة الخارجية.
الأكل استجابة للرغبة الشديدة بالطعام وليس الجوع.
التعرض للتوتر المزمن بشكل مستمر يؤدي إلى زيادة الأكل والسمنة.
وتتفق الغالبية العظمى من الدراسات على أن اتباع الأكل الواعي يساعد على خسارة الوزن عن طريق تغيير السلوك الغذائي وتقليل التوتر؛ فقد نشر في مجلة العلاجات التكميلية في الطب عام 2010 أنه نتج عن عقد ندوة جماعية عن الأكل الواعي لمدة 6 أسابيع للأشخاص الذين يعانون من السمنة فقدان للوزن بينهم بمعدل 9 أرطال (4 كغم) خلال الندوة وكانت فترة المتابعة لمدة 12 أسبوع.
وفي النتيجة، عند تغيير الطريقة التي نفكر فيها بالأكل، فإن المشاعر السلبية التي كانت ترافقنا أثناء الأكل تتغير إلى مشاعر إيجابية مبنية على الوعي والانتباه والتحكم بالذات.
إن تحديد سلوكيات الأكل غير المرغوب بها واستبدالها بسلوكيات أكثر وعياً ستزيد من القدرة على فقدان الوزن على المدى البعيد.
وذلك لأن الهضم يتضمن سلسلة معقدة من الإشارات الهرمونية بين القناة الهضمية، والجهاز العصبي، وتناول الطعام بشكل سريع قد يبطئ، أو يوقف عملية الهضم، ويجعلنا نتناول أكثر من احتياجاتنا، لذلك تعد الاكل الواعي أداة قوية لاستعادة السيطرة على طريقتنا في تناول الطعام، وهي تساعد بشكل كبير الأشخاص الذين لم تنجح معهم الطرق التقليدية لفقدان الوزن، كما أنها تجعلنا نحصل على متعة أكبر من الطريقة العادية لتناول الطعام، إذ تتحول تلك اللحظات إلى احتفال شخصي صغير؛ لكنه بسيط، مجرد الشعور والانتباه لما نأكله.
وحذر الخبراء من أن الأكل الواعي لا يعد حلاً سحريًا للقضايا المتعلقة بالغذاء أو الصحة، ولكن الدراسات الصغيرة اقترحت بعض فوائد هذه الممارسة، استنادًا إلى جوانبها التأملية وقدراتها لمساعدة الأشخاص على التمييز بين إشارات الجوع الجسدي والجوع العاطفي.
فبعض الأشخاص لاحظوا فقدان في الوزن أو استقرار الوزن، والحد من القلق والتوتر، وممارسة عادات الأكل الطبيعية، والتخفيف من متلازمة القولون العصبي، وأعراض الجهاز الهضمي.
ويوصف فقدان الوزن دائما بأنه مسألة إرادة، إذا تمكنت من ترسيخ الانضباط الذاتي لتقليل تناول الطعام سنفقد الوزن بالفعل؛ لكن الأنظمة الغذائية التقليدية لا توفر أدوات أو طرقا للتعامل مع الرغبة الشديدة في تناول الطعام أو إدارة الحالة المزاجية، التي تدفعنا لتناول الطعام عندما لا نكون جائعين، بدلا من محاولات كبت تلك الرغبة، تشجع طريقة الأكل اليقظ على استكشافها وتفكيكها.
الأكل اليقظ والأكل بشراهة
الأكل بشراهة هو الإفراط في تناول الطعام بكمية كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة بلا إدراك وبدون تحكم. وهو مرتبط بالعديد من اضطرابات الأكل وزيادة الوزن، حيث يقدر بأن حوالي 70% من الأشخاص الذين يعانون من الشراهة، يعانون من السمنة أيضاً.
إن اتباع أساليب الأكل الواعي يزيد من فرصة التحكم بشدة وعدد نوبات الأكل بشراهة التي تصيب الفرد.
ووجد أن اتباع الأكل الواعي (اليقظ) يقلل من تأثير سلوكيات الأكل التي تعد غير الصحية مثل:
الأكل العاطفي: وهو الأكل استجابة للمشاعر التي ليس لها علاقة بالجوع.
الأكل استجابة للبيئة الخارجية: وهو الأكل استجابة للعوامل البيئية مثل رؤية الطعام أو شم رائحته.
إن هذه الممارسات السلوكية منتشرة بين الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن. وبالتالي فإن الأكل الواعي يمنح هؤلاء الأفراد المهارات التي يحتاجونها للتعامل مع الدوافع المرتبطة بمشاعرهم.
نصائح للأكل الحكيم
الحُضور الذّهني يُعرف بالحالة النفسية للوعي، والممارسات التي تعزز الوعي، وأسلوب معالجة المعلومات. بعبارات أبسط، فإن اليقظة الذهنية تدور حول التواجد الكامل والوعي بمحيطنا في اللحظة الحالية. هذا يعني أن يكون لديك وعي لحظة بلحظة بتجاربك دون إصدار أحكام.
للبدء بتبني عادات الأكل الواعي لتصبح جزءاً من حياتك، هناك سلسلة من التمارين والتأملات التي من الممكن أن تمارسها حتى تصبح عادة لديك، ومن الجيد في البداية حضور الندوات والكورسات وورشات العمل المتعلقة بالتدريب على الأكل الواعي.
ومع ذلك، هناك العديد من الخطوات البسيطة التي يمكنك البدء بها بنفسك والتدرب عليها مثل:
- حاول أن تأخذ العديد من الأنفاس العميقة قبل البدء بالأكل، يساعد ذلك على الشعور بالراحة والتركيز.
- عند البدء بتناول الطعام، حاول أن تدمج حواسك جميعها، أنظر إلى طعامك ومكوناته، تذوق الطعام على مهل وحاول أن تحلل النكهات. استخدم حاسة الشم واستنشق رائحة الطعام. إن دمج الحواس بتركيز يعزز الشعور بالشبع.
- تدرب على تناول الطعام ببطء وحاول التقليل من وتيرة السرعة لديك. على سبيل المثال، خذ فترة من الوقت بين كل قضمة والأخرى للتنفس، وامضغ على مهل وببطء أكثر، حاول تمييز الشعور بالامتلاء أثناء الأكل.
- بعد تناول بضع قضمات من الطعام، حاول أن تأكل لقيمات أصغر.
- حاول أن تأكل في مكان هادئ وأن تبتعد عن عوامل التشتيت أثناء الأكل، مثل التلفاز والهاتف الذكي، أو الأكل أثناء قيادة السيارة. سيساعدك ذلك على التركيز في تجربة أكثر وعياً.
تدرب على ممارسة التأمل، فهو سيساعدك على الشعور بالحضور باللحظة مهما كان الفعل الذي تقوم به. ابدأ بالتأملات البسيطة لدقائق معدودة يومياً، مثل التركيز على النفس أثناء الشهيق والزفير، ثم تستطيع زيادة مدة التأمل تقائياً.
- سجل ملاحظاتك بما يتعلق باستجابة جسمك لإشارات الجوع أو الامتلاء، ليتسنى لك بعد ذلك تمييز هذه العلامات بسهولة، وسيصبح تتبعها كافياً لتحديد متى تبدأ ومتى تنتهي من الأكل.
- إذا شعرت بعلامات الجوع الحقيقي، فاستجب لها، لأن تأخير الاستجابة سيمنح الأولوية لمليء المعدة بدلاً من الاستمتاع بتناول الطعام.
- حاول أن تنتبه بتركيز إلى تأثير الطعام عليك. واسأل نفسك؟
ما الطعام الذي تشعر بأنه مفيداً لجسمك؟
ما هو نوع الأطعمة التي يشعرك بالتعب والكسل بعد تناوله؟
ما هي الكمية من كل نوع التي تشعر بأنها مناسبة لجسمك؟
هل تشعر بأن جسمك يكتفي بكمية أقل من التي اعتدت عليها؟
ما هي المشاعر التي تنتابك أثناء الأكل سواء كانت إيجابية أو سلبية؟
إذا شعرت بشعور سلبي أثناء الأكل مثل الإحساس بالذنب أو القلق، فراقب ذلك الشعور دون الحكم عليه لتعرف مصدره ليتسنى لك التعامل معه بدون مقاومة أو انغماس به.
عزز لدى نفسك الشعور بالامتنان حيال الطعام الذي تتناوله؛ الامتنان لجوهره ومصدره ولكل عملية مر بها حتى وصل بين يديك.
حاول أن تبدأ بتطبيق الخطوات السابقة على وجبة واحدة في اليوم، وركز على جميع النقاط الواردة. بمجرد استطاعتك التحكم بوجبة واحدة، ستصبح عملية تناول الأكل بوعي عادة طبيعية لديك وتستطيع تطبيقها على جميع وجباتك وفي كل الأوقات.
يقود الأكل الواعي الى شعور الأفراد بحقيقة من هم عليه، من خلال تعزيز قبول الذات، كما يشجعهم على تقدير الطعام بدلاً من تقييده والتضور جوعاً، من خلال امتلاك عقل مبتدئ وتقدير كل لحظة بصبر وبوعي كامل، هذا ويشجعهم تبني هذا النهج على الثقة في قراراتهم بدلاً من التقيّد بقواعد حول ماذا ومتى يأكلون، ناهيك عن العيش بشكل كامل في كل لحظة وتقدير حياتهم كما هي.