إصلاح الصمام التاجي بالقسطرة يقلل معدلات وفاة مرضى قصور القلب
موقع للعلم
2023-04-12 08:20
بقلم: محمد السيد علي
دراسة حديثة شارك فيها عدة مراكز بحثية تثبت أن هذا الخيار العلاجي يُحسّن بشكل كبير النتائج لمرضى قصور القلب الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية، قصور القلب من الحالات المرضية التي تصيب 64.34 مليون مريض حول العالم، ويحدث نتيجة خلل يؤثر على وظيفة القلب، باعتباره مضخةً رئيسيةً تضخ الدم إلى باقي أجزاء الجسم لإمدادها بالمواد الغذائية والأكسجين، وقد يعاني هؤلاء المرضى من حالة مرضية ثانوية، هي ارتجاع الصمام الميترالي، التي تُسهم إسهامًا كبيرًا في مكوثهم بالمستشفى وتزيد من احتمالات الوفاة، خاصةً بالنسبة للمرضى فوق 60 عامًا.
مضاعفات ارتجاع الصمام الميترالي تعتمد على مدى شدة الحالة، وإذا كان الارتجاع شديدًا، يضطر القلب إلى العمل بقوة أكبر لضخ الدم إلى الجسم، ما يتسبب في إجهاده وتسارُع ضرباته وإضعاف عضلته، ويزيد ذلك من خطر حدوث اضطراب في نُظُم القلب أو فشل القلب، وهي حالات مرضية تزيد فرص دخول المستشفى والوفاة.
وفي محاولة لتقليل احتمالات حدوث هذه المضاعفات، كشفت دراسة أمريكية أن إصلاح ارتجاع الصمام الميترالي عبر القسطرة يقلل معدلات دخول المستشفى على المدى الطويل بنسبة 50٪ تقريبًا، والوفاة بنسبة 29%، مقارنةً بمرضى قصور القلب الذين لا يخضعون لهذا الإجراء، وأوضحت الدراسة -التي قادها باحث من كلية طب ماونت سيناي في الولايات المتحدة- أن هذا الخيار العلاجي يُحسِّن -إلى حدٍّ كبير- النتائج لمرضى قصور القلب الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية، وكانت النتائج قد نُشرت في العدد الأخير من دورية ذا نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين (The New England Journal of Medicine).
يقول جريج ستون، أستاذ أمراض القلب بكلية طب ماونت سيناي، وقائد فريق البحث: إن علاج مشكلة ثانوية كارتجاع الصمام المترالي، لدى مرضى قصور القلب، في أقرب وقت ممكن، باستخدام القسطرة يساعد على تحسين صحة المرضى من كبار السن، خاصةً لمَن لم تفلح معهم الأدوية التقليدية.
وأضاف لـ"للعلم" أن الدراسة أثبتت أن إصلاح الصمام المترالي عبر القسطرة كان آمنًا بالنسبة لمرضى قصور القلب الذي يعانون من ارتجاع في الصمام المترالي بنسبة متوسطة إلى شديدة، وظلوا يعانون من أعراض المرض على الرغم من تناوُل الأدوية التقليدية.
ارتجاع الصمام الميترالي
والصمام الميترالي أو التاجي هو أحد صمامات القلب الأربعة التي تعمل على إبقاء الدم متدفقًا إلى أجزاء الجسم المختلفة في الاتجاه الصحيح، ويحتوي كل صمام على سدائل أو وُريقات تنفتح وتنغلق مرةً واحدة مع كل نبضة قلب، وفي حال عدم انفتاح أحد الصمامات أو انغلاقه على النحو الصحيح، يمكن أن ينخفض تدفق الدم عبر القلب إلى الجسم، وبالتالي لن تتحرك كمية كافية من الدم إلى أجزاء الجسم، ما يجعل المريض يشعر بالإجهاد الشديد والتعب أو ضيق النفَس.
نتيجةً لهذا، عند ارتجاع الدم عبر الصمام المترالي، يتدفق جزء من الدم إلى الأذين الأيسر، وليس إلى الشريان الأورطي كما يحدث طبيعيًّا، ما يزيد من الضغط في القلب، ويرفع خطر دخول المرضى إلى المستشفى والوفاة؛ لأنه يعوق تدريجيًّا تدفق الدم إلى الرئتين، ما قد يؤدي إلى فشل تنفسي حاد ووذمة رئوية في الحالات الشديدة.
علاج ارتجاع الصمام المترالي
بجانب العلاجات الدوائية التقليدية التي لا غنى عنها بالنسبة لمرضى قصور القلب، لا يحتاج بعض المصابين بارتجاع الصمام التاجي إلى علاج إذا كان الارتجاع بسيطًا، لكن إذا كان الارتجاع شديدًا، غالبًا يحتاج المرضى إلى تدخل جراحي لترميم الصمام التاجي أو استبداله أو إجراء القسطرة، لتلافي حدوث اضطراب في نُظُم القلب أو فشل القلب.
يتوقف اختيار نوعية التدخل الطبي غير الدوائي لعلاج ارتجاع الصمام المترالي على سبب المشكلة، وفق ناصر طه، أستاذ أمراض القلب بجامعة المنيا.
وفي حديث لـ"للعلم" أضاف أن هناك 3 أسباب شائعة لهذه المشكلة الطبية، يمكن أن يناسبها التدخل الجراحي التقليدي لإصلاح الصمام المترالي، وهي: الارتجاع الناجم عن الإصابة بالحمى الروماتيزمية التي تؤدي إلى تلف الصمام التاجي في فترة مبكرة أو متأخرة من العمر، واعتلال أو تمزُّق أجزاء من أنسجة الصمام المترالي كنتيجة إصابات الصدر مثلًا، بالإضافة إلى الارتجاع الناجم عن النوبة القلبية التي تُلحق ضررًا بمنطقة عضلة القلب التي تدعم الصِّمام المترالي، ويُعَدُّ الارتجاع في هذه الحالات الثلاث عرضًا رئيسيًّا، ويؤدي التدخل الجراحي لإصلاح الصمام المترالي في هذه الحالات إلى نتائج مرضية جدًّا.
أما علاج ارتجاع الصمام المترالي الذي يحدث كعرض ثانوي لمرضى قصور القلب، وهو ذاته موضوع الدراسة، فإن التدخل الجراحي التقليدي لا يفيد في الغالب؛ لأنه ناجمٌ في الأساس عن اعتلال أو ضعف شديد في عضلة القلب واتساعها، ورغم أنه يمكن أن يحدث في أي عمر، لكنه يزيد مع الوقت ويصيب المرضى كبار السن بنسبة أكبر، وهؤلاء المرضى بطبيعة الحال تزيد عوامل الخطورة لديهم عند التدخل الجراحي التقليدي لإصلاح عضلة القلب الذي قد ينجم عنه تأثيرات جانبية تهدد حياتهم، مثل النزيف وكثرة المكوث في المستشفى بعد العملية، لذلك تُعَدُّ القسطرة القلبية حلًّا مثاليًّا بالنسبة لهم، وفق "طه".
التدخل بالقسطرة
على عكس الجراحة التقليدية التي يتم خلالها إصلاح الصمام يدويًّا بمساعدة خيط الجراح، تُعَدُّ القسطرة القلبية من الإجراءات طفيفة التوغل، إذ يتم إدخالها مع جهاز يدعى مشبك الصمام التاجي أو (MitraClip) في نهايتها، عبر فتحة صغيرة بوريد الفخذ فقط، دون شقٍّ في الصدر أو دون الحاجة إلى جهاز قلبي رئوي.
وحصل مشبك الصمام التاجي المصنوع من سبيكة من الكروم والكوبالت على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لأول مرة في 2013، ووسعت موافقتها في 2019، كخيار علاجي مهم لمرضى قصور القلب الذين يعانون من ارتجاع الصمام التاجي، وفشلت العلاجات الأخرى في تخفيف الأعراض.
وتتحرك القسطرة على طول الأوعية الدموية تحت سيطرة الموجات فوق الصوتية "الإيكو" إلى أن تصل إلى الأذين الأيسر للقلب، وهنا ينفتح مشبك الصمام التاجي، ويوضع على الجانب المصاب من الصمام التاجي، وبعد تثبيت أعتاب المشبك يتم إجراء تخطيط صدى القلب، ويقوم الجراح بتقييم تدفق الدم عبر الصمام التاجي المعاد بناؤه.
يوضح "طه" وظيفة هذا المشبك، وهي ربط الطيّتين الأمامية والخلفية للصمام، ما يخلق جسرًا في وسط الصمام مع فتحتين لذلك، ويطلق على هذا الصمام بعد وضع المشبك "الصمام ذا الفتحتين"، حتى يتمكن من الانفتاح والانغلاق، وبالتالي يمكن تقليل ارتجاع الدم من الصمام.
وما يميز هذه العملية أنها تُجرى في غضون ساعة إلى ساعة ونصف فقط، ويمكن للمريض العودة إلى المنزل في غضون 1-3 أيام بعد العملية، كما أنها لا تُعرّض المريض لمضاعفات الجراحة التقليدية، كشق الصدر وخطر النزيف ونقل الدم.
متابعة لمدة 5 سنوات
لاكتشاف مدى فاعلية التدخل بالقسطرة، أجرى الفريق دراسةً على 614 مريضًا بقصور القلب، استمرت قرابة 5 سنوات، بين 27 ديسمبر 2012 و23 يونيو 2017، في 78 موقعًا في كلٍّ من الولايات المتحدة وكندا، كان جميع المرضى يعانون من اعتلال عضلة القلب وارتجاع حاد في الصمام المترالي على الرغم من تناوُل العلاج الطبي الأمثل لفشل القلب.
قسّم الفريق البحثي المشاركين إلى نصفين؛ إذ خضع النصف الأول لعلاج قصور القلب التقليدي فقط، أما النصف الآخر فقد خضع لإصلاح الصمام المترالي عبر القسطرة باستخدام مشبك الصمام التاجي (MitraClip) مع الاستمرار في تناوُل دواء قصور القلب.
وفي مراجعة أولية لهذه الدراسة، استمرت عامين، ونُشرت في عام 2018، اكتشف الفريق لأول مرة أن علاج ارتجاع الصمام المترالي عبر القسطرة يحسِّن أعراض المرضى ويقلِّل دخولهم إلى المستشفى ويقودهم إلى العيش مدةً أطول.
لكن المراجعة النهائية للدراسة بعد 5 سنوات، خرجت بنتائج مهمة، بعد تقييم المعدل السنوي لجميع حالات الاستشفاء نتيجة فشل القلب، والوفيات الناجمة عن جميع الأسباب، وخطر الوفاة أو الاستشفاء بسبب قصور القلب.
وعلى مدى السنوات الخمس التالية للعلاج، كانت المعدلات السنوية لحالات فشل القلب في المستشفى 33.1% في مجموعة العلاج بالقسطرة، مقارنةً بـ57.2% مع المرضى الذين عولجوا بالأدوية فقط، كما انخفضت الوفيات الناجمة عن قصور القلب بنسبة 29% لدى مجموعة القسطرة، مقارنةً بالمرضى الذين عولجوا بالأدوية فقط.
وعلى الرغم من أن المرضى في مجموعة القسطرة كان لديها عددٌ أقل من الوفيات والاستشفاء بعد العلاج الناجح، في نهاية خمس سنوات، توفي 73.6% منهم أو عولجوا مرةً واحدةً أو أكثر من حالات فشل القلب، مقارنةً بحالات وفاة بلغت 91.5% من المرضى في مجموعة الأدوية فقط.
وعن هذه النتائج يقول "ستون": إن الدراسة تسلط الضوء على الحاجة إلى علاجات متقدمة لمرضى ارتجاع الصمام المترالي، وهي حالة مرضية قلبية ثانوية تصيب ما يقرب من 30% من مرضى اعتلال عضلة القلب، وهو النوع الأكثر شيوعًا من قصور القلب.
وأضاف: "في غضون 5 سنوات، كان مرضى قصور القلب الذين عولجوا باستخدام القسطرة في المتوسط على قيد الحياة وخرجوا من المستشفى لمدة 229 يومًا -ما يقرب من 8 أشهر- أكثر من المرضى الذين عولجوا بالأدوية وحدها، وبالتالي قدم علاج القسطرة فوائد كبيرة لهؤلاء المرضى من حيث طول العمر ونوعية الحياة".
من جانبه، رأى أحمد بنداري -أستاذ أمراض القلب المساعد بكلية الطب بجامعة بنها في مصر- أن إصلاح ارتجاع الصمام الميترالي باستخدام المشبك عن طريق القسطرة يُعَدُّ فتحًا ثوريًّا لهؤلاء المرضى، ذلك لأن معظمهم من كبار السن ويعانون أيضًا من أمراض الشيخوخة مثل قصور وظائف الكلى، ما يجعل التدخل الجراحي التقليدي صعبًا وخطيرًا.
وأضاف لـ"للعلم" أن البيانات الأولى للدراسة أشارت إلى أن إصلاح ارتجاع الصمام الميترالي باستخدام المشبك عن طريق القسطرة أدى إلى تقليل معدلات دخول المستشفى والوفاة مقارنةً بالعلاج الدوائي، ونحن الآن أمام ورقة بحثية أخرى تشير إلى أن هذا الإجراء يتميز بفاعلية تستمر لمدة ما يقرب من 5 سنوات، وهذا أمرٌ مطمْئن.
ولكن نبه "بنداري" إلى أنه يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن هناك دراسةً كبيرةً أخرى منشورة بالمجلة ذاتها في ديسمبر 2018، بدعم من الحكومة الفرنسية، أشارت إلى نتائج مغايرة تمامًا للدراسة الحالية، الأمر الذي أثار نقاشًا محتدمًا بين أطباء القلب والأكاديميين وقتها، واستقر الرأي في النهاية على أهمية تطابُق مواصفات المريض الخاضع لهذا الإجراء مع مواصفات المرضى الذين خضعوا للدراسة، وهو ما نطلق عليه الآن ارتجاع الصمام الميترالي غير المتناسب مع مستوى هبوط عضلة القلب، وبالتالي لا يمكن إطلاقًا تعميم هذه النتائج على كل مرضى ارتجاع الصمام الميترالي.
وأوضح أنه على سبيل المثال هناك مرضى يعانون من ارتجاع الصمام الميترالي بسبب حمى القلب الروماتيزمية، وفيها يكون الصمام متليِّفًا ومتكلِّسًا، ما يستحيل معه إصلاحه عن طريق المشبك فقط، كما أن هناك بعض المرضى صغار السن ممن لا يعانون من مشكلات صحية أخرى سوى ارتجاع الصمام الميترالي فقط، وبالنسبة لهم تكون الجراحة إجراءً غير عالي الخطورة مقارنةً بكبار السن ممن يعانون من أمراض الشيخوخة.
إنجاز كبير
"هذه النتائج تُعَدُّ إنجازًا كبيرًا من حيث تقليل معدل دخول المستشفى ونسب الوفاة؛ لأن أهميتها نابعة من أنها تقدم حلًّا لفئة من المرضى وهم مَن يعانون من قصور القلب ولديهم ضعف في عضلة القلب، وخاصةً إذا كانوا من كبار السن الذين لن تُجدي الأدوية التقليدية نفعًا معهم، كما أن التدخل الجراحي التقليدي أيضًا لا يناسبهم؛ إذ أثبتت دراسات سابقة أنه لا يخفف حالة الارتجاع لديهم"، وفق "طه".
وأضاف أن نتائج هذه الدراسة تتسق مع دراسة شارك فيها، ونُشرت في فبراير الماضي، وهي رسالة دكتوراة بإشراف مشترك بين جامعة المنيا المصرية وجامعة دورتموند في ألمانيا، وتمت خلالها مراقبة 36 مريضًا بقصور القلب وارتجاع الصمام المترالي الشديد تقل أعمارهم عن 65 عامًا، من ٣ مراكز كبرى في ألمانيا، وأثبتت أن هذا الخيار العلاجي يناسب أيضًا مَن تقل أعمارهم عن 65 عامًا، ولا تناسبهم الجراحة التقليدية، وذلك بعد عامين من المتابعة.
وأشار إلى أن ما يعوق انتشار هذا الإجراء بين المرضى، أن تكلفته كبيرة جدًّا لا تقل عن نصف مليون جنيه، وبالتالي فهذه العملية تتوافر فقط للمقتدرين، ووافقه الرأي "بنداري"، مؤكدًا أن هذا التدخل بالرغم من أنه متاح فى مصر على نطاق ضيِّق جدًّا، إلا أنه غير شائع الاستخدام لأسباب تتعلق بتكلفته الباهظة ومنحنى التعلم البطيء لدى بعض الأطباء، بالإضافة إلى بعض العقبات الإدارية الخاصة بالتأمين الصحي العام أو الخاص فيما يتعلق بالموافقات على هذا الإجراء.