التعرف على بروتينات جديدة ترتبط بأمراض التمثيل الغذائي

موقع للعلم

2023-04-06 06:12

بقلم: د. أحمد سمير

تحديد 2923 بروتينًا من "بروتينات البلازما" التي تساعد على فهم أمراض مثل "السكري" و"التصلب المتعدد" بصورة أفضل.. وتقدم طرقًا جديدةً لعلاجها.

خلال السنوات الأخيرة تطورت العلوم المرتبطة بدراسة الجينات على نحوٍ متسارع؛ فمع تقدم تقنية قراءة حروف الحمض النووي، ظهر لدينا مصطلح "الجينومكس"، وهو العلم الذي يختص بدراسة المحتوى الوراثي للكائنات الحية، بما في ذلك دراسة الجينات والمناطق التي لا تُترجَم إلى جينات.

لكن الجينات لا تعمل بنفسها كما هو معروف، بل تُترجَم إلى بروتينات باستخدام الأحماض النووية الريبوزية المختلفة "آر إن إيه"، لذلك ظهر علم جديد يسمى "الترانسكريبتوميكس" (علم النسخ)، وهو العلم الذي يقوم على دراسة كل نسخ الحمض النووي الريبوزي الموجودة في الخلية، والتي يتم إنتاجها بناءً على الشفرة الموجودة في الجينوم في وقت معين أو تحت ظروف معينة، ويُترجم الحمض النووي الريبوزي في خطوة نهائية إلى بروتين يقوم بوظيفة محددة، كما ظهر علم "البروتيومكس" المختص بدراسة مجموع البروتينات الموجودة في الخلية والعلاقة بين البروتينات المختلفة ونشاطها وتغيراتها في الأمراض المختلفة، مثل السرطان وأمراض التمثيل الغذائي المختلفة والأمراض المعدية.

وبين هذا وذاك، ظهرت بعض العلوم البينية مثل علم "البروتينوجينوميك" (Proteogenomic) لدراسة المساحة المشتركة بين الجينوم والبروتيوم، ومن خلال هذه الدراسة تجرى مقارنة وظائف البروتينات مع التعبير الجيني للجينات، وبالتالي يمكن فهم هذه الوظائف على نحوٍ أفضل في الصحة والمرض.

بروتينات البلازما

في السياق، سعى فريق من الباحثين في جامعة "كامبريدج" إلى دراسة مجموع بروتينات البلازما (وهي الجزء السائل من الدم الذي لا يحتوي على خلايا) من أجل فهم آليات العديد من الأمراض.

وتمثل بروتينات البلازما الحلقة الوسيطة بين الجينات الموجودة داخل نواة الخلايا من جهة، والوظائف الحيوية التي تقوم بها الخلايا من جهة أخرى؛ إذ استخدم الباحثون الأجسام المضادة لتحليل البروتينات الموجودة في عينة بلغت 1180 شخصًا، ما ساعدهم في التعرف على 2923 بروتينًا من "بروتينات البلازما".

وفي الخطوات التالية، ربط الباحثون هذه البروتينات بالجينوم الخاص بهم، وبالأمراض التي أصابتهم، ما مكَّنهم من التعرف على 256 موقعًا من مواقع الجينوم التي تؤثر على كمية بروتين معين في الخلايا، وبالتالي تؤثر على وظيفتها، ومن بين المواقع التي تم التعرف عليها في البحث، تبين أن 224 منها يرتبط بـ575 مرضًا أو حالة صحية.

الببتيد المطلق للجاسترين

تشير الدراسة التي نشرتها دورية "نيتشر ميتابوليزم" (Nature Metabolism) إلى أن البروتين الأهم الذي تم التعرف عليه هو بروتين "الببتيد المطلق للجاسترين"؛ إذ أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من هذا البروتين تكون لديهم احتمالات أقل للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني عن طريق تقليل احتمالات إصابتهم بالسمنة.

وتعرَّف الباحثون أيضًا على دور بروتين يسمى DKKL1 باعتباره أحد مسببات مرض التصلب المتعدد (الذي يمثل أحد أمراض المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجسم نفسه)؛ إذ تتسبب زيادة مستوى هذا البروتين في زيادة كبيرة في نشاط الخلايا البائية، التي تمثل إحدى أذرع المناعة الخلوية.

خريطة للأمراض

توضح ماين كوبرولو -طالبة الدكتوراة بوحدة الوبائيات في مركز البحوث الطبية في كلية الطب السريري بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، والباحث الأول في الدراسة- أن "البروتينات المختلفة التي تم التعرف على وظائفها وأدوارها يمكن أن تساعد على فهم العديد من الأمراض بشكل أفضل، أو وضع تصور أفضل لطرق علاجها".

تقول "كوبرولو" في تصريحات لـ"للعلم": يركز مشروع الدكتوراة الذي أعمل عليه على تحليل بيانات الجينوم والبروتيوم وغيرها من الدراسات الجينية، خاصةً في مرض السكري واضطرابات التمثيل الغذائي، من أجل رسم خرائط لحدوث المرض وتطوره، وهذه الخرائط يمكن استهدافها للتدخل في نقطة أو أخرى من أجل تطوير أهداف علاجية، ويمثل هذا البحث نموذجًا لهذه الخطة؛ إذ قمنا بربط النتائج الجينية مع مستويات البروتين في الدم واحتمالات الإصابة بالأمراض في المجموعة التي قمنا بدراستها.

تضيف "كوبرولو": قمنا بربط 900 منطقة في الجينوم مع 2923 بروتينًا موجودًا في الدم، ثم طبقنا هذه النتائج على الدراسات الجينية المتاحة في مئات الأمراض، وساعدتنا هذه الطريقة في التعرف على ارتباط أكثر من 500 بروتين بالعديد من الأمراض، كما ساعدتنا النتائج على فهم وظائف مئات المناطق الموجودة في الجينوم وعلاقتها بالأمراض، ويفتح هذا الفهم الباب أمام استهداف هذه البروتينات كأهداف علاجية.

تحديات كبيرة

يعلق إبراهيم عبد الغفار -مدرس الكيمياء الحيوية بكلية الطب جامعة الأزهر- بأن "الدراسات الجينية تطورت تطورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، والطفرة المشهودة كانت مع ظهور "دراسات الارتباط على مستوى الجينوم بالكامل" (GWAS)، التي تتم فيها دراسة ارتباط مرض معين بعدد كبير من المتغيرات الجينية عبر الجينوم أو في كامل الجينوم، وعادةً ما تُجرى هذه الدراسات على عدد ضخم من الأشخاص، وتُستخدم فيها طرق إحصائية معقدة.

يقول "عبد الغفار" في تصريحات لـ"للعلم": بالرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها "دراسات الارتباط على مستوى الجينوم بالكامل" وما زالت تحققها، إلا أنها لم تنجح في تخطِّي بعض التحديات، وأحد أهم هذه التحديات هو أن هذه الدراسات كانت تنجح كثيرًا في إثبات الارتباط بين أحد الأمراض ومتغير جيني معين في منطقة بعينها من الجينوم، ولكن لا يمكن الجزم بوجود علاقة سببية مع المرض، خاصةً أن معظم هذه التغيرات الجينية وُجد أنها تقع في أجزاء الجينوم التي لا تُترجم إلى بروتين، ومن هنا تبرز أهمية الدراسات القائمة على علم "البروتينوجينوميك"، التي توضح الارتباط بين الأمراض والمتغيرات الجينية من خلال البروتينات التي يتم التحكم فيها بواسطة الجينات، وهذا قد يساعد في تحديد العلاقة بين التغيرات الجينية ومرض محدد.

ويتابع: أعتقد أن الإضافة الرئيسية لهذه الدراسة هي اكتشاف أو تفضيل آلية حدوث الأمراض، وذلك لأن هذا النوع من الدراسات يُبرز دور أحد البروتينات في آلية حدوث المرض، مما يجعل الصورة أكثر وضوحًا.

السكري من النوع الثاني

تقول "كوبرولو": ما يميز دراستنا أنها تربط بين الجينوم من جهة، وبروتينات البلازما كوسيط للوظائف المتعددة، والأمراض من جهة أخرى، وهذه المعالجة مكنتنا من تحقيق فهمٍ أفضل للعلاقة بين هذه العناصر الثلاثة؛ فعلى سبيل المثال، فإن هذه الدراسة هي الأولى التي تشير إلى أن الأشخاص الذين يمتلكون مستويات مرتفعة من الببتيد المطلق للجاسترين لديهم احتمالات أقل للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني؛ إذ يُعتقد أن هذا البروتين يساعد على تجنُّب السمنة.

من جهته، يقول أحمد عثمان، مدرس الأمراض الباطنة والكلي بكلية الطب في جامعة القاهرة: يمثل مرض السكري أحد أهم وأشهر الأمراض التي تصيب البشر، وبالرغم من أهمية هذا المرض والدراسات التي تمت عليه عبر التاريخ، ما زال يمثل تحديًا صحيًّا كبيرًا حول العالم بسبب الأسباب العديدة والمعقدة لحدوثه؛ إذ تؤدي العوامل الجينية وفوق الجينية والبيئية -مجتمعةً- إلى حدوثه، وبالرغم من اكتشاف العديد من المتغيرات الجينية التي ترتبط بحدوث المرض، ما زلنا نرى جزءًا صغيرًا من الصورة الخاصة بوراثة هذا المرض وآليات حدوثه.

يضيف "عثمان" في تصريحات لـ"للعلم": يمثل الببتيد المطلق للجاسترين أحد المركبات التي تعمل على تنظيم إفراز الهرمونات والعصارة الهضمية من المعدة، وهناك أبحاث سابقة تحدثت عن دور محتمل لهذا البروتين في تنظيم مستوى الجلوكوز في الدم في داء السكري، وهناك أيضًا أبحاث تحدثت عن دور هذا الهرمون في فقدان الشهية في البشر وحيوانات التجارب، وهو ما يمكن أن يساعد على تقليل الوزن، والبحث الذي بين أيدينا يضيف دليلًا مختلفًا على دور هذا البروتين في الوقاية من السكري من النوع الثاني، لكن هذا الدليل يحتاج إلى دراسات سريرية تالية لتأكيد أو نفي قيمة هذا البروتين في الوقاية من المرض أو علاجه.

تمييز البروتينات

تعلق "كوبرولو": استهدفت دراستنا تمييز البروتينات التي يمكن أن تسبب الإصابة بالسكري وأمراض التمثيل الغذائي المختلفة وتلك التي يمكن أن تكون نتيجةً لها، ويمثل الببتيد المطلق للجاسترين نموذجًا لهذه السياسة؛ إذ يرتبط بالوقاية من السكري، وبالتالي يمكن التفكير في استخدامه مستقبلًا للوقاية من المرض أو لعلاجه.

يقول "عبد الغفار": أعتقد أن الحديث عن تطبيقات مباشرة لهذه النتائج هو أمر سابق لأوانه، ولكن أحد أهم تطبيقات هذا النوع من الدراسات يتمثل في محاولة إيجاد مستهدف علاجي جديد، وقد ذكرت الدراسة بعض الأمثلة كالبروتينات المرتبطة بمرض السكر من النوع الثاني والتصلب المتعدد واضطراب مستوى الكوليسترول في الدم.

يضيف "عثمان": هناك بعض أوجه القصور في هذه الدراسة؛ إذ إنها أُجريت على مجموعة محددة من الأشخاص من منطقة واحدة وعرق واحد، وبالتالي ليس من المؤكد أن تنطبق هذه النتائج على باقي الأعراق، وأعتقد أيضًا أن عدد المشاركين كان محدودًا إلى حدٍّ ما، وبالتالي فنحن بحاجة إلى دراسات موسعة على عدد أكبر من المشاركين من أعراق مختلفة لتأكيد هذه النتائج قبل المضي قدمًا في التجارب السريرية.

ذات صلة

الإعلام المعادي وتهاون المؤمنينإعادة بناء قبور البقيع.. إشاعة لروح التعايش بين المسلمينمعالم منهجية التوجيه الثقافي في فكر الإمام الشيرازيتداعيات الرد الإيراني على إسرائيلهدم البقيع جريمة لا تنسى