طول مدة الرضاعة ووعي الأم يحسِّنان من النمو المعرفي للأطفال
موقع للعلم
2022-07-07 06:26
في دراسة جديدة، توصل فريق بحثي بريطاني إلى أن الأطفال الذين طالت مدة رضاعتهم الطبيعية عن العام تميزوا بنمو معرفي أفضل، وبنقطتين إلى ثلاث نقاط أعلى في اختبارات الذكاء حتى عمر 14عامًا، مقارنةً بأقرانهم الذين لم يحظوا بالمدد ذاتها من الرضاعة الطبيعية، كما أظهرت الدراسة تحسنًا طفيفًا في النمو المعرفي لدى الطفل إذا ما تمتعت أسرته بوضع اجتماعي واقتصادي أفضل، وامتازت أمه بمهارات معرفية أعلى، وإدراك أكبر لأهمية الرضاعة الطبيعية.
يقول رينيه بريرا إلياس، الباحث الرئيسي للدراسة والباحث بوحدة علم الأوبئة للمواليد والأم بجامعة أكسفورد: إن الربط بين طول مدة الرضاعة الطبيعية وتحسُّن النمو المعرفي للأطفال سبقت دراسته منذ عقود عديدة؛ إذ أجمعت نتائج الأبحاث السابقة على أن طول مدة الرضاعة يحسِّن من المستوى المعرفي للأطفال.
وهو ما تتفق معه رانيا حسني تميرك، أستاذ الأطفال وحديثي الولادة بطب القاهرة، قائلةً: "الدراسة تؤكد نتائج عدد من النظريات التي تربط الرضاعة الطبيعية بأثرها الإيجابي على الاتزان العاطفي والنفسي والكفاءة الذهنية للأطفال، وتلك النظرية مثبتة من قبل".
ولكن كان هناك جدلٌ حول نتائج هذه الدراسات، وبخاصة تلك التي أُجريت في دول متقدمة، حيث الأمهات أكثر ثراءً وتعلُّمًا وذكاءً وفقًا للاختبارات، ويحرصن بالتبعية على رضاعة أطفالهن وقتًا أطول.
وعليه فإن النقطة الجدلية وموضوع هذا البحث كانت، هل طول مدة الرضاعة هو السبب في ذكاء هؤلاء الأطفال أم الحالة الاجتماعية للأم ومستوى تعليمها وذكائها؟
المستوى الاجتماعي وثقافة الأم
يوضح "إلياس" أن هناك دراسات كثيرة ربطت بين المستوى الاجتماعي والتعليمي والمستوى المعرفي للأسر التي يولد فيها الأطفال، في حين ربطت دراسات أقل بين طول مدة الرضاعة والمستوى المعرفي للأطفال، وبالنسبة للدراسات التي أخذت في الاعتبار معيار طول مدة الرضاعة وكذلك المستوى الاجتماعي والتعليمي فلا يوجد اتفاق على أن هذين العاملين يعززان معًا فرص جعل الطفل أكثر ذكاء.
فعلى العكس، هناك دراسات تشير إلى أن طول مدة الرضاعة ليس بالضرورة عاملًا محددًا لكون الطفل أكثر ذكاءً مقارنةً بالطفل الذي لم يحظَ بمدة الرضاعة ذاتها.
لكل ما سبق، أخذ رينيه بريرا هذين المعيارين قيد التقييم، وانتقى من قاعدة البيانات الرسمية تلك الخاصة بدراسات مواليد الألفية، إذ جمعت الدراسة البيانات الخاصة بـ7855 طفلًا (ذكور وإناث بنسب متساوية) من مواليد بريطانيا ما بين عامي 2000 و2002، مع الأخذ في الاعتبار ألا يكون للأبوين أي أطفال آخرين، ورصد مدى تفاعُل الأبوين مع ابنهم الوحيد خلال مراحل نموه.
وقُسم الأطفال إلى ست مجموعات وفق مدة الرضاعة الطبيعية: مَن لم يتلقوا أي رضاعة طبيعية، ومَن تلقوا الرضاعة حتى عمر شهرين، وما بين شهرين و4 أشهر، وما بين 4 و6 أشهر، وما بين 6 أشهر وعام، وأخيرًا مَن أرضعوا لمدة عام أو أكثر.
تلا ذلك إجراء اختبارات لتقييم المستوى المعرفي للأطفال عند أعمار 5، و7، و11 و14 عامًا باستخدام مقاييس مثبتة، إذ قورنت الدرجات المعرفية اللفظية الموحدة (من 5 أعوام إلى 14 عامًا) والدرجات المعرفية المكانية لتقدير المسافات والأبعاد للمجسمات (من 5 أعوام إلى 11 عامًا) عبر مجموعات مدد الرضاعة الطبيعية والعوامل المختلفة المؤثرة عليهم خلال مراحل نموهم، وهي المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأبوين، كما قيَّمت القدرات المعرفية للأمهات عندما كان أولادهن في عمر 14 عامًا.
بريطانيا والدول النامية
وجد الباحثون أن الأطفال الذين حظوا بمدد رضاعة طبيعية أطول من أقرانهم يحظون بدرجات معرفية أعلى في السنوات التالية، وامتد هذا الأثر والتميز في الدرجات المعرفية حتى عمر 14 عامًا، كما أظهر كلٌّ من تعليم الأم والطبقة الاجتماعية للوالدين ارتباطاتٍ متدرجةً ملحوظةً مع مستوى المعرفة اللفظية واللغوية والاختبارات المعرفية المكانية حتى 14 عامًا.
ويضيف "إلياس" أنه مما رُصد من العوامل الاجتماعية المرتبطة بالمملكة المتحدة، أن الأمهات ذوات البشرة البيضاء كن أقل اهتمامًا بإرضاع أطفالهن مدةً أطول مقارنةً بالأمهات من الأعراق الأخرى، كما أن الأمهات اللاتي يتحدثن أكثر من لغة بخلاف الإنجليزية والأكثر تعلمًا ويعملن في وظائف عليا وأعمال مكتبية وإدارية كن أكثر حرصًا على إرضاع أطفالهن مدةً أطول، لإدراكهن أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل، مقارنةً بالأمهات اللاتي لم يحظين بالمؤهلات التعليمية ذاتها.
وفي سؤال لموقع "للعلم" عن مدلول أن تكون الأمهات الأفقر والأقل تعلمًا في بريطانيا أقل اهتمامًا بالرضاعة الطبيعية، علق "إلياس" بأن هذه الحالة ترتبط بالمجتمع البريطاني ولا يمكن تعميمها، ففي الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مثل بيرو بأمريكا اللاتينية، كانت الأمهات ذات المستوى الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي الأعلى أقل حرصًا على إرضاع أطفالهن، مقارنةً بالأمهات الأفقر والأقل تعلمًا، ويمكن تفسير ذلك من منظور اقتصادي، خاصةً وأن تغذية الطفل طبيعيًّا أقل تكلفةً من شراء اللبن الصناعي.
أما بالنسبة للمشهد في بريطانيا، فإن تفسير ذلك يرتبط بمدى وعي الأمهات المتعلمات بصحة الأطفال ونموهم المعرفي والسلوكي، كما أشار "إلياس" إلى أنه من المقرر إجراء دراسة مكملة لمتابعة أثر طول مدة الرضاعة على التحصيل الدراسي للأطفال.
فوائد الرضاعة للأم والطفل
وتعليقًا على نتائج الدراسة، تقول عزة يوسف، أستاذ طب الأطفال واستشاري العلاج السلوكي بطب عين شمس: يحتاج الرضع إلى التعلق الآمن بالأم منذ الولادة؛ من أجل تطوير الكفاءة الاجتماعية المطلوبة للتواصل الاجتماعي، وتضيف أن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصي بالرضاعة الطبيعية باعتبارها أحد عوامل الارتباط بين الأطفال وأمهاتهم، كما أن جودة التفاعل بين الأم والرضيع في عمر 6 أشهر تبدأ بالرضاعة الطبيعية منذ الولادة، ما يعزِّز من أمان التعلق.
وأضافت "تميرك" أن هناك وعيًا أكبر واهتمامًا بالرضاعة الطبيعية حاليًّا في مصر والعديد من دول العالم أكثر من ذي قبل، وبالنسبة للطبقات الاجتماعية الفقيرة فإنهم أحرص على الرضاعة الطبيعية؛ نظرًا إلى أنها تغنيهم عن شراء البدائل الغذائية المكلفة.
ومن جانبها، تؤكد مها حسن -أستاذ طب الأطفال وحديثي الولادة بطب عين شمس- أن الرضاعة الطبيعية من برامج التغذية بالغة الأهمية للمواليد، خاصةً للأطفال المبتسرين، وذلك لأن لبن الأم غذاءٌ للطفل وواقٍ من بعض الأمراض التي قد تصيبه، كما أنه يشمل مركباتٍ غذائيةً تساعد على اكتمال نمو خلايا المخ، مما يحسِّن من نمو المخ حجمًا ووظيفة، إلى جانب نمو شبكية العين واكتمالها.
وعن توصيات الدراسة أوضح "إلياس" أنه من الضروري زيادة الوعي المجتمعي حول الأثر الإيجابي للرضاعة الطبيعية على نمو الوعي المعرفي للطفل، ونوصي بأن تفعل الأمهات ذلك دون ضغط أو إجبار، وأن تحظى بالدعم والمساندة الأسرية والمجتمعية لتغذية أطفالهن، وبالنسبة للسيدات اللاتي لا يمكنهن إرضاع أطفالهن إما بسبب ظروف صحية أو بسبب قلة الدعم المجتمعي أو لاتخاذهن ذلك القرار، فإن هؤلاء الأمهات لا يجب أن يقلقن من نتائج الدراسة، إذ وجدنا أن قدر التميز للأطفال الذين يتم إرضاعهم لا يتعدى نقطتين أو ثلاث نقاط إضافية فقط في اختبارات الذكاء، مقارنةً بأقرانهم الذين لم يحظوا بالرضاعة الطبيعية، وعلى ذلك فإن هذا التميز محدود جدًّا على مستوى الفرد، إلا أنه أمرٌ مميزٌ على مستوى المجتمع.