لماذا يتسبب أوميكرون في إيداع المزيد من الأطفال بالمستشفيات؟
موقع للعلم
2022-02-12 01:42
بقلم مارلا برودفوت
حتى وقت قريب جدًّا، كان الجانب الإيجابي الوحيد للجائحة هو أن الأطفال بدوا وكأنهم قادرون على الإفلات من أشدّ الأعراض التي يسببها الفيروس؛ إذ لم يمرض بدرجة خطيرة أو حتى بصورة طفيفة سوى عدد قليل جدًّا منهم، مقارنةً بالبالغين، بيد أن هذا الجانب الإيجابي ربما يتلاشى حاليًّا؛ فقد زادت أعداد الأطفال الذين دخلوا المستشفيات زيادةً مفاجئة وسريعة في الأسابيع الأخيرة بالتزامن مع الارتفاع الحاد في أعداد الإصابات بالمتحور «أوميكرون»، مما يثير المخاوف بشأن الخطورة التي يمكن أن تمثِّلها النسخة الأخيرة من فيروس كورونا على الأطفال أكثر من غيرها من النسخ.
وعلى الصعيد الوطني، يدخل 881 طفلًا في المتوسط دون سن 17 سنة المستشفيات بسبب «كوفيد» يوميًّا، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ولكن ارتفعت أعداد الأطفال الذين دخلوا المستشفيات ممن تقل أعمارهم عن الخامسة -غير المؤهلين لتلقِّي لقاح كوفيد- لتتراوح بين مثلي وأربعة أمثال الأعداد المسجلة في فترات ذروة الإصابات السابقة.
يعتقد الخبراء أن السبب وراء تلك القفزة يعود على الأرجح إلى اقتران عاملَين معًا، أحدهما طبيعة «أوميكرون» المتمثلة في قدرته الأعلى على الإصابة بالعدوى مقارنةً بالمتحورات الأخرى، والآخر ربما كان ما اكتُشِفَ مؤخرًا بشأن تفضيله اختراق الممرات الهوائية أعلى الرئتين؛ إذ تنسد هذه الممرات بسهولة أكثر لدى الأطفال الصغار.
تكمن المشكلة الكبيرة في قدرة «أوميكرون» على إصابة أعداد أكثر بكثير مقارنةً بغيره، تقول سوزان كوفين، المختصة بالأمراض المُعدية بمستشفى فيلاديلفيا للأطفال: "نطلق على هذا الأمر اسم «ظاهرة المقام الحسابي»"، يجري احتساب معدلات دخول المستشفيات بواسطة قسمة أعداد الحالات التي دخلت المستشفيات: البسط، على عدد الحالات المؤكدة: المقام، ويُعتَقَد أنه كلما ازداد المقام، سيزداد البسط تباعًا.
وبالفعل، يشير تقرير حديث صادر عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إلى أن المقام الحسابي، وخاصةً المرتبط بأعداد حالات الإصابة لدى الأطفال، ينمو بمعدلات هائلة، فمن بين أعداد الحالات التي ثبتت إيجابية إصابتها بـ«كوفيد-19» لدى الأطفال والبالغة نحو 9.5 ملايين طفل منذ بدء الجائحة، وقعت 20% تقريبًا من هذه الإصابات في أول أسبوعين فقط من شهر يناير 2022.
وحتى الآن، لا توجد مؤشرات دالة على أن الحالات الناجمة عن الإصابة بمتحور «أوميكرون» أكثر خطورةً من غيرها، بل إن الأدلة الأولية تشير إلى أن العكس ربما كان صحيحًا، أقدمت رونج شيو -عالِمة البيانات في جامعة كيس ويستيرن ريزيرف- على تحليل السجلات الصحية لما يقرب من 80 ألف طفل دون الخامسة أصيبوا بـ«كوفيد-19» قبل ظهور المتحور «أوميكرون» وبعده، فاكتشفت شيو أن احتمالية دخول مَن أصيبوا عندما كان هذا المتحور سائدًا إلى المستشفى كانت ثلث مثيلتها عندما كان المتحور «دلتا» هو السائد (1% مقابل 3%)، تتسق نتيجة هذه الدراسة مع نتائج أبحاث سابقة توضِّح حدوث اتجاهات مماثلة لدى الأطفال من جميع الأعمار، ويدعمها تحليل حديث أُجري على مرضى «كوفيد» في كاليفورنيا. (جميع هذه الدراسات واردة في أوراق بحثية في مرحلة ما قبل الطبع، ولم تخضع بعد لمراجعة الأقران أو تُنشر في دوريات علمية).
إذًا، فلماذا حدثت هذه القفزة في أعداد الأطفال الذين دخلوا المستشفيات؟ تقول شيو: "نسبة احتمالية دخول المستشفى ليست صفرًا، وإذا ضربت هذه النسبة في رقم كبير -أي إذا أصيب المزيد من الأطفال- فسترى أعدادًا أكبر بكثير في المستشفيات".
وعلى الرغم من أن العلماء ما زالوا يحللون خصائص «أوميكرون» التي تمكِّنه من الانتشار بهذه السرعة الشديدة بين الأطفال والبالغين على حدٍّ سواء، فإن إحدى السمات التي ربما ساعدت المتحور على هذا الانتشار السريع هي قدرته على الإفلات من الاستجابة المناعية، وقد أبلى الأطفال في الموجات الأولى من الجائحة بلاءً أفضل من البالغين، ويعود السبب في ذلك -إلى حدٍّ كبير- إلى أن الأجهزة المناعية الفطرية لدى الأطفال أقوى، فهي تطلق استجاباتٍ أوليةً سريعة تقاوم الميكروبات التي تجتاح الجسم، وفي المقابل، لدى البالغين أجهزة مناعة تكيفية أفضل، تستجيب بفاعلية للعدوى بعد أن تبدأ في التأثير على الجسم، تقول بيتسي هيرولد، طبيبة الأمراض المعدية لدى الأطفال بكلية ألبرت آينشتاين للطب: "لم يكن لدينا كلنا أي معلومات في البداية، فلم نرَ هذا الفيروس من قبل"، أثبتت هيرولد في دراسة نُشِرَت في عام 2020 أن الأطفال أطلقوا استجابةً مناعيةً فطريةً سريعةً قاومت فيروس «كوفيد» وأنتجت الكثير من البروتينات القوية المضادة للفيروس التي تُعرَف باسم الإنترفيرونات والإنترلوكينات، والتي سحقت فيروس كورونا في وقت مبكر من الإصابة.
غير أن الظروف قد تغيرت بعد مرور عامين في ظل استمرار الجائحة وظهور متحورات جديدة من الفيروس تحمل أسماء الحروف الهجائية اليونانية، وقد أفادت دراسة حديثة أجراها باحثون من معهد العلوم البيولوجية الكمِّية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وزملاؤهم بأن فيروس «سارس- كوف-2» طرأت عليه طفرات قادرة على إضعاف الاستجابة المناعية الفطرية، يقول ميهدي بوهادو، الذي شارك في قيادة الدراسة، إنه بينما ركزت تجاربه هو وزملائه على المتحور «ألفا»، حمل المتحوران «دلتا» و«أوميكرون» نفس الطفرات العائقة لعمل المناعة، وبسبب ظهور هذه الطفرات في المتحورات الثلاثة، لا يمكن الاستناد إليها وحدها في تفسير الزيادات الكبيرة في أعداد الأطفال الذين دخلوا المستشفيات، سيطلق بوهادو وهيرولد كلاهما دراسات لبحث ما إذا كان «أوميكرون» له تأثير استثنائي على المناعة الفطرية، تقول هيرولد: "أعتقد أن الجهاز المناعي الفطري لا يزال قويًّا، ولكن الأمر أشبه بكفتي الميزان، أليس كذلك؟ فإذا كان لديك طن من الفيروس، لن يفيد وقتها مدى قوة استجابتك المناعة الفطرية في الكفة الأخرى، إذ سينتصر عليها جزء من هذا الفيروس بالتأكيد".
وفي حالة «أوميكرون»، هناك طن بالفعل من الفيروس؛ إذ يتكاثر هذا المتحور بمعدل يفوق معدل تكاثر «دلتا» بسبعين مرة في الممرات الهوائية لدى البشر، وفقًا لبيانات أولية أصدرتها جامعة هونج كونج حديثًا في نشرة إخبارية، تثبت هذه الدراسة ذاتها، بالإضافة إلى عدد كبير من الدراسات على الحيوانات، أن المتحور يواجه صعوبة أكبر في التكاثر داخل أنسجة الرئتين، مما يشير إلى سبب إحداثه أعراضًا مرضيةً أقل خطورةً مقارنةً بغيره من المتحورات، يقول بوهادو إن هذه الرحلة التطورية التي ينتج عنها متحور لديه قدرة أكبر على الانتقال ولكن الأعراض التي يسببها أقل خطورةً كانت متوقعةً بشكل أو بآخر، ومع هذا لم تكن مضمونة، ويضيف بوهادو قائلًا: "الفيروسات تتطور في المعتاد لتصير أقل خطورةً مع مرور الوقت".
ومع ذلك، فإن تفضيل «أوميكرون» للجزء العلوي من الجهاز التنفسي فوق الرئتين يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية للأطفال الأصغر سنًّا الذين تتسم الممرات الهوائية لديهم بأنها أضيق وأقل اكتمالًا في النمو منها لدى البالغين، تقول كوفين إن انسداد هذه الممرات الهوائية الدقيقة بالمخاط والالتهاب يكون أسهل، مما يتسبب في أن يصدر الرضع والأطفال حديثو المشي صوت أزيز عند التنفس أو يتسبب في حدوث الخانوق، وهي حالة مرضية تشتهر بسعالها النباحي، تفيد كوفين بأن "هذه المتلازمات تقليدية في مرحلة الطفولة، ونعلم جيدًا كيف نتعامل معها"؛ فعلى الرغم من أن هذه الحالات قد تؤدي إلى دخول الطفل المستشفى، فإن علاجها سهل، بغض النظر عن الفيروس المسبب لها، سواء كان «سارس-كوف-2» أو أي فيروس آخر.
في بعض المناطق من الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت الآن أعداد الأطفال الذين يدخلون المستشفيات تنخفض تدريجيًّا بالتزامن مع تراجُع أعداد حالات الإصابة، ينصح الخبراء بأن تستمر الأسر التي تحاول النجاة من هذه الموجة في بذل أقصى ما في وسعها للحفاظ على سلامة أطفالها، مثل الحصول على التطعيم والجرعات المنشطة له عند الإمكان، وارتداء الكمامات، وتجنُّب الأنشطة الاجتماعية عند ظهور الأعراض الأولى، تقول كوفين: "هذه هي التدابير التي ثبتت جدواها مرةً بعد أخرى على مدار العشرين شهرًا الماضية، وهي مفيدة فعلًا للوقاية من أوميكرون، أيضًا".