أوروبا تتنظر الاصعب: بين تداعيات كورونا الاقتصادية ومخاطر الموجة الثانية
دلال العكيلي
2020-05-21 04:30
تعود الحياة في الدول الأوروبية ببطء وحذر شديدين إلى طبيعتها قبل تفشي كورونا، الذي شل كل مناحي الحياة تقريبا وخنق السكان في منازلهم أو قيد تحركاتهم، والآن تحاول حكومات هذه الدول مواجهة التداعيات الاقتصادية الكارثية.
بعد أكثر من خمسة أشهر على ظهور فيروس كورونا المستجدّ في الصين، يعتاد العالم على فكرة العيش بشكل مستدام مع هذه الآفة التي قد لا تختفي أبداً وفق قول منظمة الصحة العالمية، وتتكثف الجهود لمحاولة إعادة إنعاش الاقتصادات التي دخلت في ركود غير مسبوق.
وأدى فيروس كورونا حتى الآن إلى وفاة أكثر من 303 آلاف شخص في مختلف أنحاء العالم، وقد حذّر مسؤول بارز بمنظمة الصحة العالمية من أن أوروبا قد تواجه "موجة ثانية قاتلة" من تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الشتاء المقبل، مشددا على أن الجائحة لم تنتهي بعد، فقد سعى الاتحاد الأوروبي إلى فتح تدريجي للحدود داخل التكتل بعد إغلاقها لمكافحة انتشار فيروس كورونا قائلا إنه لا تزال هناك فرصة لإنقاذ جزء من موسم السياحة الصيفي مع الحرص على سلامة الناس، وحثت المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذية للاتحاد على عودة إلى "حرية الحركة دون قيود" داخل أوروبا مع اتباع خطط تشمل إلزام ركاب الطائرات بوضع كمامات الوجه والتباعد الاجتماعي على متن القطارات، وقالت مارجريت فيستاجر وهي مسؤولة بارزة بالمفوضية عرضت الاقتراحات "يتحول تفكيرنا في الوقت الراهن إلى الصيف والأماكن التي نود السفر إليها".
وأضافت "يعني هذا اتخاذ خطوات تدريجية حذرة للمساعدة في سبيل عودة السفر تماشيا مع ما يقوله لنا العلم" وقوبلت الاقتراحات بالثناء من قبل شركات السياحة بوصفها خطوة أولى لإنقاذ أعمالها لكنها غير ملزمة لدول التكتل البالغ عددها 27 دولة، ولا تتعجل الدول الأوروبية، التي تعطلت الحياة فيها بشدة لمكافحة بعض من أسوأ موجات تفشي الفيروس في العالم، السماح بقدوم السائحين بأعداد كبيرة وقال مصدران بوزارة الخارجية الإسبانية لرويترز إن إسبانيا تعتزم مواصلة غلق حدودها أمام معظم المسافرين حتى يوليو تموز.
وخلت المتاحف والشواطئ والساحات من الزوار في أوروبا منذ توقف حركة السفر بالكامل تقريبا مما أدى إلى خسارة وظائف وأثر تأثيرا ساحقا على قطاعي الطيران والسياحة وقوض مبدأ حرية الحركة داخل أوروبا، وقالت المفوضية "إلى أن يتوفر لقاح أو علاج، يتعين الموازنة بين الاحتياجات والفوائد من السفر والسياحة ومخاطر تسهيل انتشار الفيروس مما قد يؤدي إلى زيادة الحالات مرة أخرى وربما عودة إجراءات العزل"، وستعيد النمسا وألمانيا فتح الحدود بينهما بالكامل يوم 15 يونيو حزيران مما سيساعد قطاع السياحة النمساوي الذي يعتمد كثيرا على السائحين الألمان.
بريطانيا
تجاوزت حصيلة المتوفين بمرض كوفيد-19 في المملكة المتحدة 40 ألفا مما يجعلها الأسوأ في أوروبا ويثير المزيد من التساؤلات حول إدارة رئيس الوزراء بوريس جونسون لأزمة فيروس كورونا، ويحسب الأرقام التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطنية لانجلترا وويلز صار العدد الرسمي للمتوفين في المملكة المتحدة 38289 حتى الثالث من مايو أيار بحسب إحصاء رويترز لسجلات الوفيات التي تشمل أيضا اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وطبقا لأحدث البيانات اليومية توفي منذ ذلك الحين 2251 مريضا على الأقل في مستشفيات انجلترا مما يرفع حصيلة المتوفين الفعلية إلى أكثر من 40 ألفا.
وفي حين يؤدي تفاوت طرق الإحصاء إلى صعوبة المقارنات مع الدول الأخرى فإن الرقم أكد أن بريطانيا من بين الدول الأشد تضررا من الجائحة التي قتلت حتى الآن أكثر من 285 ألفا في مختلف أنحاء العالم، ونُشرت أحدث البيانات بعد يوم من خطة تدريجية وضعها جونسون لإعادة بريطانيا إلى العمل شاملة نصيحة بوضع الكمامات المصنعة في المنازل على الرغم من أن محاولته لرفع العزل العام المتصل بفيروس كورونا أثارت البلبلة، وقال زعماء الأقاليم المتمتعة بتفويضات وهي اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية إن خطة جونسون تنطبق على انجلترا فقط. وطلبوا من الناس البقاء في البيوت.
ويزيد مثل هذا المعدل الكبير للوفيات الضغط على جونسون وتقول أحزاب المعارضة إن رئيس الوزراء كان بطيئا أكثر من اللازم عندما فرض العزل العام وكان بطيئا أكثر من اللازم عندما بدأ الفحوص كما كان بطيئا أكثر من اللازم في تسليم معدات الوقاية للمستشفيات، ورسمت البيانات صورة قاتمة لدور رعاية المسنين التي تضررت بشدة على نحو خاص من الفيروس، وقال الإحصائي نيك سترايب من مكتب الإحصاءات الوطنية لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية "من المحزن أن دور رعاية المسنين هي الأبطأ في التراجع".
وأضاف "للمرة الأولى التي أستطيع أن أتذكرها كانت هناك وفيات أكثر إجمالا في دور رعاية المسنين عما كانت في المستشفيات" ويعادل عدد المتوفين في دور رعاية المسنين الآن ثلث حصيلة المتوفين بكوفيد-19 في انجلترا وويلز، وقالت وزيرة الرعاية هيلين ويتلي في بيان "مما يبعث على الارتياح أن عدد الوفيات في دور رعاية المسنين يتراجع لكن المحزن أنه ما زال يمثل نسبة كبيرة من عدد الوفيات بفيروس كورونا وأننا لا ننجح في عملنا".
بلجيكا
قال وزير الدولة البريطاني لشؤون الصحة يوم الخميس إن المملكة المتحدة على نفس مستوى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فيما يتعلق بعدد وفيات كوفيد-19 لكل مليون نسمة، لكن وضع بلجيكا أسوأ، وقال الوزير إدوارد آرجر لقناة سكاي نيوز "إذا نظرنا لمعدل الوفيات لكل مئة ألف أو لكل مليون، سنجد أننا فعليا على مستوى مماثل لفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. أما بلجيكا فهي تتخطانا والولايات المتحدة أقل منا"، وتابع قائلا "الإحصائيات المختلفة يمكن تصويرها بأشكال مختلفة"، ويتجاوز عدد الوفيات الناجمة عن مرض كوفيد-19 في المملكة المتحدة الآن 40 ألفا، وهو الأسوأ وبفارق كبير في أوروبا حتى الآن، وفقا لإحصائيات بريطانية رسمية نشرت.
فرنسا
تبين دراسة أجراها معهد باستور أن 4.4 بالمئة فقط من سكان فرنسا، أي 2.8 مليون شخص، أصيبوا بفيروس كورونا وهو ما يزيد بكثير عن الإحصاء الرسمي للحالات لكنه أقل بكثير من العدد اللازم لتحقيق ما يطلق عليه "مناعة القطيع"، وذكر الباحثون في دراسة نُشرت في دورية ساينس أن معدل العدوى في المناطق الأكثر تضررا في فرنسا وهي شرق البلاد ومنطقة باريس يتراوح بين تسعة وعشرة بالمئة في المتوسط، وتقول الدراسة "ينبغي أن يكون 65 بالمئة تقريبا من السكان محصنين إذا كنا نريد السيطرة على الجائحة بوسيلة المناعة وحدها".
ويشير مصطلح مناعة القطيع لوضع يكتسب فيه عدد كاف من السكان مناعة من العدوى بحيث يمكن وقف انتشار المرض على نحو فعال، ورصد معهد باستور معدل العدوى بدءا من 11 مايو أيار وهو اليوم الذي بدأت فيه فرنسا تخفيف إجراءات العزل العام التي دامت قرابة شهرين، ويقول الباحثون "نتيجة لذلك تظهر نتائجنا أنه بدون لقاح لن تكون مناعة القطيع وحدها كافية لتجنب موجة ثانية عند نهاية العزل العام، لهذا يتعين تطبيق إجراءات مكافحة فعالة بعد 11 مايو".
وزادت حصيلة الوفيات بالفيروس في فرنسا إلى 27074 وهو خامس أعلى معدل في العالم فيما بلغ عدد حالات الإصابة وفقا للإحصاءات الرسمية 177700 إصابة وهو سابع أعلى معدل عالمي، وقال معهد باستور إن العزل العام الذي بدأته فرنسا في 17 مارس آذار أدى لتراجع شديد في معدل تكاثر فيروس كورونا حيث تراجع من 2.9 إلى 0.67 خلال حالة الإغلاق التي استمرت 55 يوما هناك، وخلصت دراسة إسبانية نُشرت إلى نتائج مماثلة وقالت إن نحو خمسة بالمئة من السكان أصيبوا بالمرض ولا توجد مناعة قطيع في إسبانيا التي بدأت بدورها تخفيف إجراءات العزل العام تدريجيا.
إيطاليا
ذكرت وكالة الحماية المدنية في إيطاليا أن حالات الوفاة الناجمة عن مرض (كوفيد-19) الذي يسببه فيروس كورونا قفزت 262 حالة مقابل 195، في حين ارتفعت الإصابات الجديدة إلى 992 من 888، وهذا أكبر عدد وفيات في يوم واحد منذ السابع من مايو أيار، وقالت الوكالة إن إجمالي الوفيات منذ ظهور تفشي الفيروس في إيطاليا يوم 21 فبراير شباط ارتفع إلى 31368، في ثالث أعلى معدل في العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.
وارتفع عدد حالات الإصابة المؤكدة إلى 223096، ليكون بذلك خامس أعلى معدل بعد الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا وروسيا، وتراجع عدد الأشخاص المسجلين كحاملي المرض إلى 76440 من 78457 في اليوم السابق، ويرقد 855 شخصا في وحدات الرعاية المركزة انخفاضا من 893، في استمرار لتراجع هذه الحالات منذ فترة طويلة. وأعلنت السلطات تعافي 115228 مصابا مقابل 112541، وقالت الوكالة إنه جرى إخضاع 1.820 مليون شخص لاختبارات الفيروس مقابل 1.779 يوم الاربعاء، من بين 60 مليون نسمة، هم عدد سكان البلاد.
روسيا
مع عدد وفيات منخفض إجمالا بفيروس كورونا المستجدّ، بدأت روسيا رفعاً حذراً لإجراءات العزل في بعض المناطق، ولو أنها سجّلت مرة جديدة أكثر من 10 آلاف إصابة إضافية بالمرض خلال 24 ساعة لتصبح ثاني دولة تسجل أعلى عدد إصابات في العالم بعد الولايات المتحدة، وفي مناطق عدة أقلّ تأثراً بالوباء، فُتحت الثلاثاء بعض المتاجر على غرار صالونات تصفيف الشعر، لكن معظم الأماكن العامة لا تزال مغلقة بما في ذلك المطاعم، في حين تُحظّر التجمّعات حتى إشعار آخر.
في منطقة باشكورستان (أورال)، أعلن المسؤول الاقليمي راضي خابيروف إعادة فتح "ضفاف الأنهر والمرافئ والحدائق" خلال ساعات النهار وسمحت منطقة ماغادان في الشرق الأقصى الروسي من جهتها بممارسة الرياضة الفردية خارج المنزل، في موسكو، البؤرة الرئيسية للوباء في روسيا، لا يزال العزل شبه الكامل سارياً، وبات وضع الكمامات والقفازات إلزامياً اعتباراً من الثلاثاء في وسائل النقل العام ومتاجر المواد الغذائية، ومع 232243 إصابة مؤكدة منذ بدء تفشي الوباء بينها 10899 إصابة جديدة، وفق إحصاءات رسمية، تُعدّ روسيا ثاني دولة في العالم من حيث عدد الإصابات، ومنذ بداية شهر أيار/مايو، تحصي روسيا أكثر من 10 آلاف إصابة كل يوم، الأمر الذي تفسّره السلطات بتطبيقها سياسة الفحوصات المكثّفة، إذ إنها أجرت حوالى 5,8 مليون فحص، ولا يزال عدد الوفيات جراء الفيروس منخفضاً مع 2116 وفاة، وأقلّ بكثير من الوفيات في إيطاليا وفرنسا أو حتى ألمانيا التي تُعتبر إجمالا نموذجاً في إدارتها للأزمة.