في اليوم العالمي للتوحد: لماذا يغرق الاطفال في دوامة العزلة؟

مروة الاسدي

2019-04-03 06:39

التوحّد هو اضطراب في التطور النفسي والعصبي، يظهر عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. يؤثر هذا الاضطراب على التفاعل والتواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ظهور سلوك نمطيّ متكرر واهتمامات محدودة، وقد تكون أحياناً مرفقة باضطرابات أخرى كالتأخر الذهني، الصرع، حركة مفرطة وضعف في التركيز.

ويؤثر اضطراب طيف التوحد على واحد بالمائة من سكان العالم، ويصيب الأطفال الذكور أكثر بأربع مرات من الإناث، وهو مرض لا يسهل إيجاد العلاج المناسب الذي يخفف من أعراضه ويساعد المصابين به، إلا بتضافر جهود المختصين والأهل والمجتمع المحيط.

ويحيي العالم في الثاني من إبريل/ نيسان من كل عام، اليوم العالمي للتوعية بطيف التوحد، منذ عام 2008 الذي حددته الأمم المتحدة، بناء على قرار الجمعية العامة في ديسمبر/كانون الأول 2007، داعية جميع الـدول الأعـضاء ومؤسـسات منظومـة الأمـم المتحـدة والمنظمـات الدوليـة الأخـرى والمجتمع المـدني، بمـا في ذلـك المنظمـات غـير الحكوميـة والقطـاع الخاص، لإذكـاء الوعي العام بمرض التوحد.

وأعلنت الأمم المتحدة في بيان أصدرته للمناسبة، أن الاحتفال باليوم العالمي للتوعية بالتوحد لعام 2019 يهدف إلى التركيز على الاستفادة من استخدام تقنيات التكنولوجيا المساعدة للأشخاص المصابين بمرض التوحد بوصفها أدوات تزيل الحواجز التي تحول دون مشاركاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكاملة في المجتمع، كما تساهم في تعزيز المساواة والإنصاف والشمول.

وأكدت المنظمة أن إشراك الأشخاص المصابين بالتوحد في تحقيق التنمية المستدامة، وإفادتهم من خططها أمر ضروري، وهو الأمر الذي تبناه زعماء العالم عام 2015 في إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030، حين أعاد المجتمع الدولي تجديد التزامه القوي بالتنمية الشاملة المستدامة التي من المفترض أن تكون في متناول الجميع. فما هو مرض التوحد وما هي أعراضه وكيف يحتفل به العالم للمزيد من التوعية به؟

كيف أعرف أن ابني يعاني التوحّد؟

لا يزال مرض التوحّد يواجه غموضاً بالرغم من البحوث الحديثة والتطورات التي قطعت شوطاً كبيراً في مرحلة تشخيصه وأعراضه وكيفية دمج الطفل المتوحّد مع مجتمعه، صحيح أن العوامل البيولوجية والوراثية تلعب دوراً رئيسياً في الإصابة به، لكن أعراضه تختلف بين طفل وآخر، وتتراوح بين خفيفة ومتوسطة وشديدة. لذلك يمثّل التشخيص الدقيق للتوحّد القاعدة الأساسية للبرنامج التعليمي والعلاجي الأكثر ملاءمة للحالة.

كيف يمكن التشخيص؟، غالباً ما تظهر أعراض التوحّد قبل الشهرا الثامن عشر، إلا ان التشخيص النهائي يكون في سن الثالثة. لذلك يُشكّل التشخيص المبكر عنصراً مهماً في تقديم العلاج وتقديم الدعم المعنوي والنفسي والسلوكي لتطوير مهارات وتفاعل الطفل. وعلينا أن نعرف أنه كلما كان التشخيص قبل سن الثالثة، نجحنا في التدخل السريع ومساعدة الطفل على الدمج الاجتماعي والأكاديمي.

على الأهل أن يستعينوا باختصاصي في علم النفس الطفولي، واختصاصي في الأمراض العصبية عند الأطفال لفحص الطفل ومراقبته بالاستناد إلى بعض المعايير الطبية المنصوص عليها من منظمة الصحة العالمية والجمعية الأميركية للطب النفسي لتشخيص الحالة بطريقة دقيقة وصحيحة.

وبناء عليه، على الأهل أن يراقبوا أطفالهم ويستشيروا الطبيب فوراً عند ظهور هذه الأعراض:

- الضعف المعرفي والإدراكي إلى حد ما، تأخير في اكتساب المهارات اللغوية، عدم التفاعل مع الآخر، يرفض أي تغيير في حياته وأنشطته اليومي، يُعيد تكرار بعض الحركات مثل الاهتزاز أو اللعب باليدين أو ضرب رأسه في الحائط، يتعرض إلى نوبات صرع وغضب، يظهر سلوكيات عدوانية، لا ينظر في عيون الشخص المتحدث، وقد لا يستجيب عند مناداته باسمه، تنتابه حالة بكاء شديدة عند رؤية الضوء أو سماع ضجيج

نعرف جيداً انه لا يتوافر علاج لاضطرابات التوحد إلا أن التدخلات النفسية والاجتماعية السريعة والمبكرة يمكن أن تحد من المصاعب المصادفة في التواصل والسلوك الاجتماعي وتؤثر تأثيراً إيجابياً في تحسين نوعية الأشخاص وحياتهم. من المهم جداً الإيمان بالمتوحد حتى يتمكن من شق طريقه في المجتمع. على الأهل الإستعانة بفريق عمل متعدد الإختصاصات كإختصاصي نفسي واختصاصي في علاج النطق والإختصاصي في العلاج الحسي- الحركي لتعليم المهارات الإجتماعية وكيفية تطوير مهارات اللعب وتنمية مهاراته الإدراكية.

تشخيصات مختلفة

يحدد المختصون مرض التوحد بأنه متلازمة تقع تحت مجموعة من الاضطرابات تسمى اضطرابات طيف التوحد. ويتضمن تشخيص تلك الاضطرابات:

1- اضطراب التوحد: هو مرض التوحد الذي يتميز بمشاكل التواصل والتفاعلات الاجتماعية.

2- اضطراب الطفولة التفكيري: يؤثر هذا النوع من التوحد على الأطفال الذين يتطورون بشكل طبيعي لمدة عامين على الأقل، ثم يفقدون معظم تواصلهم ومهاراتهم الاجتماعية. إنه اضطراب الطفولة التفكيري وهو أمر نادر الحدوث.

3-متلازمة أسبرغر: يعاني الأطفال المصابون بمتلازمة أسبرغر من نفس المشكلات الاجتماعية مثل اضطراب التوحد. لديهم نطاق محدود من الاهتمامات لكنهم لا يواجهون أي مشاكل مع اللغة، ويسجلون قدراً متوسطاً أو أعلى من مستويات الطلاب عموماً.

4-اضطراب النمو المتفشي (الطفرة الجينية): يشبه أيضاً مرض التوحد النموذجي. هو اضطراب يصيب الأطفال الذين يعانون من بعض سلوكيات التوحد لكنهم لا يتناسبون مع أي من الفئات المذكورة أعلاه من ذوي اضطراب طيف التوحد.

أعراض طيف التوحد

1- تحديات التواصل الاجتماعي: يجد الصغار والكبار المصابون بالتوحد صعوبة في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وربما لا يفهمون التعابير واللغة التي يسمعونها، أو لا يعرفون استخدامها بالشكل المناسب. ومن تلك الصعوبات أو التحديات التي لا يتقن مريض التوحد استخدامها أو فهمها هي:

-اللغة المحكية (حوالي ثلث المصابين بالتوحد لا يعبرون بالكلام).

-الإيماءات.

-اتصال العين.

-تعابير الوجه.

-نبرة الصوت.

-أسلوب التعبير المجازي.

-التعرف على مشاعر ونوايا الآخرين.

-التعرف على عواطف الفرد.

-التعبير عن العواطف.

-البحث عن الراحة العاطفية من الآخرين.

-الشعور بالإرهاق والتعب في المواقف الاجتماعية.

-التناوب في المحادثة.

-تحديد المساحة الشخصية.

2- السلوكيات المقيدة والمتكررة، وهي مختلفة بين المصابين بطيف التوحد، ويمكن أن تشمل:

-حركات الجسم المتكررة (الهز، الطرق، الدوران، الركض ذهابًا وإيابًا)

-حركات متكررة باستخدام الأشياء (لف العجلات، هز العصا...إلخ)

-تحديق بالأضواء أو بالأشياء التي تتحرك برتابة وتكرار.

-سلوكيات طقوسية (صف الأشياء، لمس متكرر الأشياء المرتبة)

-عدم الاهتمام المطلق أو الاهتمام الكبير والملح بأمور محددة.

-مقاومة التغيير والحاجة للروتين(الجدول اليومي، وقائمة الوجبات، والملابس، والطريق إلى المدرسة...إلخ)

مفاهيم خاطئة عن التوحد

يرتبط اضطراب طيف التوحد مع مجموعة كاملة من الأساطير والمفاهيم الخاطئة، بحسب موقع Autism Awareness الأسترالي. ويشير إلى خمسة مفاهيم مغلوطة يتداولها الناس وهي بعيدة كل البعد عن الحقائق العلمية والسلوكية الخاصة بتلك الفئة من الناس.

1- مرض التوحد ناتج من التطعيم: أكدت العديد من الدراسات العلمية المعيارية واسعة النطاق عدم وجود دليل علمي يدعم هذه الفرضية. والتوحد مرض معقد يبدو أنه جيني إضافة إلى التأثيرات البيئية، وتبذل جهود هائلة لفهم التوحد بشكل أفضل ومعالجة أعراضه بطريقة إيجابية.

2-طفل التوحد لا يرغب بتكوين صداقات: هذا غير صحيح في معظم الحالات، ومقابل وجود أطفال وبالغين منعزلين بسبب المرض ويختارون الابتعاد عن الآخرين إلى حد كبير، هناك الغالبية ممن يحبون التواصل الاجتماعي. والمشكلة بالنسبة لهم هي أنهم لا يعرفون كيفية التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما يرتكبون أخطاء، وهذا يشعرهم بالقلق. الرغبة لديهم في التواصل موجودة غالبًا، والأمر متروك للعائلة والمعلمين والمعالجين لمساعدتهم.

3-طفل التوحد لا يمكنه التعلم: طفل التوحد قادر على التعلم، إذا أدرج منهج تعليمه ضمن خطة العلاج. بعض أطفال التوحد يتعلمون بصعوبة ويكون تقدمهم بطيئًا للغاية، لكن الأمور تتحسن إذا استمر أفراد الأسرة والمعلمون باستخدام طريقة فعالة للتدريس.

4-التوحد ناتج عن سوء التربية: هذا غير صحيح، وإن كانت الأبوة أو الأمومة السيئة لا تساعد في تربية أي طفل، إلا أنها حكماً لن تسبب مرض التوحد. وإلى جانب ذلك يشعر بعض الآباء والأمهات ممن لديهم طفل متوحد بأن عدم تفاعل طفلهم معهم ناجم عن خطأ فيهم. والحقيقة أنه كلما زاد فهمهم لأطفالهم، ازداد تفاعل وارتباط أطفالهم بهم.

5-طفل التوحد لديه مهارات علمية: بالتأكيد يمكن لبعض المصابين بالتوحد القيام ببعض الأعمال المذهلة تتعلق بقوة الذاكرة مثلاُ، ولكن هذا ليس شائعًا. ويتشارك العديد من أطفال طيف التوحد ببعض نقاط القوة، مثل الذاكرة البصرية الجيدة. ويمكن استخدام نقاط القوة هذه لمساعدة هؤلاء على التنقل حول العالم.

العالم باللون الأزرق أو ألوان الطيف

يتلون العالم في اليوم العالمي للتوعية بالتوحد باللون الأزرق أو بألوان الطيف. بعض الجهات المعنية تعتبر اللون الأزرق هو لون الصفاء والهدوء ويعكس الحالة التي يجب أن ننظر إليها لمرضى التوحد ونسعى للوصول بالمجتمع المحيط بهم إلى فهمهم واستيعاب حالاتهم، إضافة إلى مساعدتهم لإيجاد عالم محيط من الهدوء والسلام. وترى جهات أخرى أن ألوان الطيف هي المعبر الأفضل عن طيف التوحد لأنه متعدد الأشكال والأحوال ولا يتصف بسمات محددة ثابتة وإنما تختلف من مريض إلى آخر.

شريط باللون الأزرق: اعتماد اللون الأزرق في اليوم العالمي للتوعية بالتوحد هو حدث معترف به دوليًا، استناداً لالتزام الأمم المتحدة "بتعزيز المشاركة الكاملة لجميع المصابين بالتوحد، وضمان حصولهم على الدعم اللازم ليكونوا قادرين على ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية". ولذلك تضاء المباني والمعالم الهامة والأساسية في جميع أنحاء العالم باللون الأزرق لزيادة الوعي بالتوحد.

شريط بألوان الطيف: ترى جمعيات تعنى بمرض التوحد أن اللون الأزرق وحده لا يعبر عن طيف التوحد، وإنما تعدد الألوان أكثر تعبيراً عن مرض معقد ومربك للأهل وللمحيطين بالمريض. وعن ذلك يوضح موقع Autism Society الأميركي أن الشريط الملون بألوان الطيف وعليه رسوم قطع البازل هو المعبر الأقوى عن مرض طيف التوحد، اعتمد عام 1999 كعلامة عالمية للوعي بالتوحد.

ويرى الموقع أن هذا الشريط يدل على تعقيد طيف التوحد، فالألوان والأشكال المختلفة ترمز لتنوع الأشخاص والأسر التي تعيش مع هذه الحالة، إلى جانب هدفه بزيادة الوعي بالتوحد، وبضرورة التدخل المبكر والوصول إلى الخدمات والدعم المناسب. وتدافع الجمعية عن الشريط الملون لدلالته أيضاً على أن علاج التوحد يسير على جبهات عدة حتى يكتمل؛ وإن قطع اللغز (البازل) ليست أكثر من مرآة تعكس حال الشخص المصاب الذي يحيرنا، وكيف أن المصابون وغير المصابين بالتوحد يسيئون فهم بعضهم بعضاً، وكيف يمكنهم تطوير الاحترام المتبادل للاختلافات بينهم.

التوحد بالأرقام

- يصيب التوحد واحدا من كل 160 طفلا حول العالم، حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.

- الذكور أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بأربع مرات مقارنة بالإناث، إذ يصيب التوحد واحدا من كل 37 طفلا ذكرا، وواحدة من بين كل 151 طفلة حول العالم.

- يمكن اكتشاف التوحد مبكرا، قبل سن عام، لكن في الأغلب ما يتم تشخيصه بعد سن الثالثة.

- يعاني المصابون بالتوحد من تأخر في تطور اللغة، و40 في المئة منهم لا يتحدثون.

- معدل الذكاء لدى 44 في المئة من المصابين بالتوحد، أعلى من المتوسط.

- لا يوجد علاج طبي للتوحد.

- التدخل المبكر قد يساعد في تطوير مهارات التواصل لدى المصابين.

- الآباء والأمهات الذين لديهم طفل مصاب بالتوحد، ترتفع نسبة إنجابهم لطفل ثان مصاب إلى 18 في المئة.

- تظهر الدراسات أن بين التوائم المتطابقة إذا كان أحد الطفلين مصابا بالتوحد، فسوف يتأثر الآخر بنسبة تتراوح بين 36 إلى 95 في المئة ، أما في التوائم غير المتطابقة فإن نسبة الإصابة للطفل الآخر، تبلغ نحو 31 في المئة.

- تشير الإحصائيات إلى أن ثلث المصابين بالتوحد يتواصلون بشكل غير لفظي.

- يتعرض ما يقرب من ثلثي الأطفال المصابين بالتوحد الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 سنة، إلى التنمر.

- يظل الغرق أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال المصابين بالتوحد في سن 14 أو أقل، وتبلغ ما يقرب من 90 في المائة من الوفيات المرتبطة بالهروب والشرود.

- الأطفال الذين يعانون من التوحد أكثر عرضة من غيرهم للاضطرابات الهضمية المزمنة بنسبة ثمانية أضعاف.

- ثلث المصابين بالتوحد بين سن الثانية إلى الخامسة يعانون من زيادة الوزن، و 16 في المئة يعانون من السمنة المفرطة.

- تؤثر اضطرابات القلق على ما يقدر بـ 11 إلى 40 في المائة من الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد.

- تكلف رعاية طفل مصاب بالتوحد نحو 60 ألف دولار سنويا، وتزيد التكاليف في حال كان الطفل معاقا ذهنيا، وبعد وصول المصاب مرحلة البلوغ.

- المصابون بالتوحد يعيشون أقل مقارنة بغير المصابين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي