الاصلاح ماله وما عليه؟!
عبد الهادي الحمراني
2015-10-26 12:07
ان اهمية الاصلاح في اي بلد يعاني من انتشار وتجذر الفساد في مفاصله المختلفة وبشتى انواعه الادارية والمالية والسياسية والاخلاقية تكمن في انتشاله وانقاذه من هذه الآفة التي تنخر في جسده واعادته الى الطريق الذي نادت به السماء وعرفته الفطرة الإنسانية، وهو طريق العدل الذي يتجلى بوضع الشيء في موضعه، او حلول المناسب في المكان الذي يستحقه وحسب ماتقتضيه المصلحة العامة، بالابتعاد عن الافق الضيق في التفسير والتطبيق والذهاب الى الفضاء الاوسع الذي يزيد من ثقة المواطن بالمتصدي للإصلاح، والالتفاف حوله مما يمنحه الشرعية الشعبية والدافع المؤثر في ترسيخ حكم القانون.
وكل ذلك لايتوفر الا بوجود متصدٍ صالح فلا يكون جزء من المنظومة الفاسدة التي ساهمت في تفشي وتدعيم اركان الفساد في مراحل سابقة فمن المستحيل ان يكون الفاسد مصلحا بين ليلة وضحاها، كما يجب ان تتوفر فيه النية الصادقة للإصلاح المشفوعة بالشجاعة في اتخاذ القرارات الجريئة ليس في القضاء على الفاسدين فحسب بل في اقتلاع الفساد من جذوره.
ففي بعض الحالات يتم ازاحة فاسد ليحل محله فاسد اخر لاغير، فقرارات المتصدي يجب ان تتخذ وان كانت في اقسى الظروف او في مواجهة اعتى الطغاة، ولا تكون مجرد قرارات تعلن ليلا ليتم التراجع عنها في نهار لاحق نتيجة ضغوط ٍتمارس، فالقرارات الشجاعة هي التي جعلت من عنق وصدر الحسين العظيم ان يتحديا سيوف ورماح وخيول معسكر الظلم والفساد المتمثل بآل امية، وهي التي جعلت المهاتما غاندي يتحدى الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ودفعت ساكاشفيلي بأن يلقي كبار المفسدين بالسجون فور تسلمه السلطة في جورجيا وفصله لأكثر من 18 الف شرطي في يوم واحد بين مرتش وسارق وقاتل، والتي كادت ان تطيح به وبمستقبله السياسي لولا اصراره واصرار شعبه في الاصلاح وتمسكهم بشعار ((جورجيا بلا فساد))، فإلقاء المفسدين بالسجون وضخ دماء جديدة الى المؤسسات الرسمية من اصحاب الايادي غير الملوثة القادرين على تسنم المسؤولية، لاسيما في القضاء والمفاصل المهمة الاخرى لتحل محل المطعون بنزاهتها تبعث برسائل اطمئنان للشعب الذي سرعان ماتزيد ثقته بالإجراءات الحكومية فتدفعه الى المشاركة بشكل واسع في مواجهة بؤر الفساد والكشف عن الجهات التي عملت على توسيع قواعده وأدواته ومنطلقاته وستكون ذهنيته مهيئة لاستقبال الثقافة الاصلاحية والتفاعل معها بصورة جدية.
فما على المتصدي حينئذ الا تعريفهم بحجم الضرر الحقيقي الناجم عن الفساد وطرق مواجهته والذي اطاح بإمبراطوريات كبرى ناهيك عن الدول الأخرى، التي سرعان ما تُبتلع ويتهشم بنيانها المستند اساساً الى ارضية رخوة وتتحول الى مجرد اقطاعيات تحكمها مجموعة من المافيات التي تزيدها بؤسا وتراجعا فتتوسع فيها مساحة الفقر والجهل والتخلف وهي جوهر مخلصات الفساد.
كما ان انفتاح الحكومة على الشعب بترسيخ الشفافية في عملها كفيله ان تجعله شريك اساس لها في محاربة الفساد فتخلق منه مجتمع قوي يفهم مايدور حوله من خلال ارساء ثقافة الوضوح والقضاء على ثقافة السرية التي حدت ببعض الدول الى انشاء بنايات زجاجية كمقرات لمراكز الشرطة لتعزيز ثقة المواطن بعدم وجود حالات تعذيب بحق المعتقلين او الموقوفين وعدم وجود حالات مخفية تحت اجنحة الظلام فكل شيء امام مرأى الجميع، بل ذهبت ابعد من ذلك بإنشاء حدائق مجاورة لتلك البنايات الزجاجية من جهاتها الاربع لتكون حدائق عامة يستوطنها الشباب حتى ترسخت قناعاتهم بأن السلطة والشعب احدهما خلق من طينة الاخر فكانوا رصيدا مهما يضاف الى ساحة المتصدي للإصلاح وتوسيع قاعدته الجماهيرية باستقطابها الى جانبه بدلاً من عزلتها او انطوائها او ركونها للفساد كأمر واقع.
من كل ذلك نستخلص ان عناصر الاصلاح تكمن في شخص المصلح وتفاعل الشعب مع خطواته الإصلاحية، فالأول يجب ان تتوفر فيه النية الصادقة للإصلاح والشجاعة في اتخاذ القرار رغم صعوبته وخطورته وان كان في مواجهة اعتى الطغاة كما اسلفنا وارساله لرسائل اطمئنان للشعب من خلال زج كبار المفسدين بالسجون وتعزيز الشفافية في العمل الحكومي، وان لايكون المتصدي من الجذور الفاسدة التي ساهمت في تفشي وتدعيم اركان الفساد لان المقدمات عندما تكون غير صحيحة حتماً ستكون النتائج مثيلاتها، فلا يمكن ان يكون الفاسد مصلحا بأي حال من الاحوال فالحسين (ع) لم يكن جزءاً من منظومة الفساد المتمثلة بآل امية، وغاندي لم يكن جندياً بريطانيا ولا ساكاشفيلي كان جزءاً من دائرة شيفرناتزا الفاسدة مع وجود الفارق حتماً، الثاني والثالث استفادا من المصلح العظيم الاول في الثبات على المبدأ والتضحية من اجله رغم انهما ليس من امتداداته الثقافية او العقائدية، حتى تعلم احدهم من الحسين كيف يكون مظلوما فانتصر، والاخر تعلم كيف يثور على الواقع الفاسد وان كلفه حياته ومستقبله السياسي فقفز ببلده من المرتبة 87 في مؤشرات الفساد الى المرتبة 37 خلال 7 سنوات فقط حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي وضع العراق والصومال في خانة واحدة وهي ذيل القائمة فالأول في المرتبة 175 والثاني في المرتبة 178.
والعنصر الثاني في الاصلاح هو الشعب ومدى تفاعله مع العملية الاصلاحية واستعداده في تغيير أوضاعه ومدى جديته في ذلك.
مجرد وجهة نظر..