العراق والفساد.. حرب مصيرية خطوتها الاولى اصلاحات جذرية

عبد الامير رويح

2015-09-09 11:38

يرى العديد من المراقبين ان العراق يعيش اليوم حربا جديدة تضاف الى سلسلة الحروب المستمرة، التي يعاني منها هذا البلد المثقل بالعديد من المشكلات والأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية، التي دفعت الشعب الى الخروج بتظاهرات حاشدة ضد الفساد الإداري والسياسي، الذي تفشى بشكل خطير في العراق بسبب التوافقات والمحاصصة الحزبية والطائفية، التي كانت السبب الأول في تدمير العراق وانتشار الجماعات المسلحة، التي تمكنت من السيطرة على بعض المدن والمناطق المهمة، هذه التحركات عدها البعض ثورة جديدة للتغير خصوصا بعد التأييد الكبير والمستمر من قبل المرجعيات الدينية، وهو ما اجبر الحكومة الحالية على إطلاق حزمة من الإصلاحات والقرارات لأجل معالجة بعض هذه المشكلات خصوصا بعد تردي الوضع الاقتصادي الذي تأثر سلبا بهبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الحاصل على دعم الشعب وعلى الرغم من مضي الوقت لايزال عاجز عن تطبيق هذه الإصلاحات، بسبب المصالح الحزبية المتبادلة وضعف السلطة الحكومية والقضائية، التي تخضع الى سيطرة مافيا الفساد والساسة الكبار الذين تمكنوا من بسط نفوذهم بشكل غير طبيعي في جميع مفاصل الدولة العراقية، يضاف الى ذلك الاتفاقات والتعهدات الأخرى التي تم بموجبها تشكيل هذه الحكومة.

من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان الإصلاحات المعلنة وإذا ما تم تنفيذها ربما ستحتاج الى وقت طويل وهو ما سيحرج حكومة العبادي اما الشعب العراقي، يضاف الى ذلك الحرب المضادة التي ستقوم بها بعض الاحزاب والشخصيات المتنفذة في سبيل إضعاف الحكومة، من خلال استخدام الدستور الذي يحوي الكثير من الثغرات او من خلال التسقيط الإعلامي او اي طريقة أخرى حتى وان كانت خارج الأطر القانونية.

سوء الاداء السياسي

وفي هذا الشأن فقد دفع سوء أداء السياسيين العراقيين واستشراء الفساد الذي حرك تظاهرات شعبية حاشدة، المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني الى رفع سقف مطالبته بالاصلاح والتحذير من خطر يهدد بـ "تقسيم" البلاد. ويقول السيستاني "كانت المرجعية تأمل ان تقوم الطبقة السياسية التي وصلت الى السلطة عبر صناديق الانتخاب بإدارة البلد بصورة صحيحة، ولا تحدث مشاكل كبيرة بحيث تضطر المرجعية الى التدخل"، بحسب رد من مكتبه على اسئلة وجهتها وكالة فرانس برس.

ويضيف "ولكن - للاسف الشديد - جرت الامور بغير ذلك، وقد تسبب سوء الادارة - بالاضافة الى عوامل داخلية وخارجية اخرى - في الوصول بالبلد الى هذه الاوضاع المزرية التي تنذر بخطر جسيم". ويوضح انه بعدما "نفذ صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء اوضاع البلاد"، وجدت المرجعية ان "الوقت مؤات للدفع قويا بهذا الاتجاه"، واكدت "ضرورة الاسراع في الخطوات الاصلاحية وتحقيق العدالة الاجتماعية".

وفي دلالة على خطر الفساد على مستقبل العراق، حذر المرجع من "تقسيم" البلاد بغياب "إصلاح حقيقي"، مؤكدا ان الفساد ساهم في سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم داعش في حزيران/يونيو 2014. ويأتي الحراك الاصلاحي وسط مرحلة من الاكثر دقة في تاريخ العراق الحديث، اذ تخوض قواته معارك مكلفة على جبهات عدة ضد الجهاديين، تزامنا مع انخفاض مدخوله المالي بشكل حاد جراء تدهور اسعار النفط.

ويرى الباحث في معهد "شاتام هاوس" حيدر الخوئي ان "السيستاني لا يحب الانخراط في السياسة لانه يؤمن بان رجال الدين يجب ان يلتزموا بتوفير التوجيه والقيادة الروحية"، الا انه يتدخل "بتردد عندما يتعلق الامر بقضايا استراتيجية كبرى فقط". ويضيف "يشعر بان لديه واجب التحرك لاعادة العراق من شفير الهاوية". ونادرا ما يعلن السيستاني مواقف سياسية مباشرة، الا ان نداءاته تلقى صدى لدى ملايين العراقيين. ومن ابرز هذه المواقف، فتوى الجهاد الكفائي بعد هجوم تنظيم داعش، والتي تجاوب معها عشرات الآلاف من العراقيين الذين حملوا السلاح وانضموا للقتال ضد الجهاديين.

ويعتبر استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد احسان الشمري ان "الاوضاع المأسوية الاخيرة" دفعت السيستاني للتدخل "بشكل مباشر"، بعدما ادرك ان القوى السياسية "لا تستطيع ان تنتج مخارج او حتى حلولا لطبيعة الازمات السياسية المتراكمة (...) واخفقت في تقديم الخدمات بشكل كبير". ويرى فنار حداد، الباحث في معهد الشرق الاوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، ان "تغيير ثقافة فساد متجذرة الى هذا الحد كما الحال في العراق، ليس فقط خطوة طموحة، بل مسار طويل المدى".

يضيف "يمكننا ان نتوقع رؤية خطوات رمزية اضافية (...) لكن الرهان ليس لصالح حصول اي تغيير جذري في المدى القصير". ويعتبر الخوئي ان من اكبر العقبات التي ستواجه اي "تغيير كبير"، ستكون من الاحزاب، "ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، التي كانت المستفيد الاكبر من الفساد الممنهج الذي ابتلت به البلاد". واضاف ان "التغيير الحقيقي سيعتمد على مدى قوة العبادي في الدفع باتجاهه على حساب خصومه، شركائه، وحزبه السياسي". ويعد حزب الدعوة من ابرز الاحزاب الشيعية، وينتمي اليه العبادي، والمالكي الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2006 و2014.

وحمل السيستاني المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ سقوط النظام الاسبق عام 2003، مسؤولية الاوضاع لانهم "لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية". وتشكل مواقف السيستاني (85 عاما)، بكلمته المسموعة في العراق لا سيما في الاوساط الشيعية، عائقا امام اي معارضة علنية من القوى السياسية. ويوضح الشمري ان المرجعية هي "الاداة الفاعلة بالنسبة للعبادي لمواجهة خصومه السياسيين لان القوى الشيعية لا تستطيع ان تعارض رغبات السيستاني بشكل علني (...) لان ذلك يعد انتحارا سياسيا لها".

رغم ذلك، يرى ان العبادي لا يزال "يتردد لانه يدرك ان (...) الوضع السياسي معقد جدا في العراق". وقد يتحول دفع السيستاني الى سيف ذي حدين. ففي حال لم يتمكن العبادي من مجاراته، قد يؤدي ذلك لرفع الغطاء عنه وانهاء مسيرته. وكان السيستاني حسم العام الماضي النقاش حول ترشح المالكي لولاية ثالثة، بدعوته الى "التغيير"، في رسالة واضحة له بالتنحي. ويقول الشمري "اذا كانت هناك اشارة واحدة من المرجعية (...) بانه (العبادي) عجز عن المضي بالاصلاحات، فسيكون ايذانا بتقديم استقالته".

محاكمة المسؤولين الفاسدين

من جانب اخر دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني لمحاكمة مسؤولين كبار يشتبه بضلوعهم في فساد واستعادة "الأموال المنهوبة". وأيد السيستاني حملة الإصلاحات التي دشنها رئيس الوزراء حيدر العبادي مؤخرا ودعاه لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الفساد وسوء الإدارة اللذين جعلا حكم العراق أمرا شبه مستحيل. وألغت مبادرة العبادي التي طرحت الشهر الماضي مناصب حكومية والتعيين في المناصب الحكومية على أساس الحصص المخصصة للطوائف والأحزاب كما دعت لإعادة فتح التحقيقات في الفساد ومنحت رئيس الوزراء سلطة إقالة المحافظين ورؤساء البلديات.

وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها مساعده أحمد الصافي "لابد من البدء بملاحقة ومحاسبة الرؤوس الكبيرة والفاسدين الذين أثروا على حساب أموال الشعب العراقي خلال أكثر من عقد وأن تسترجع منهم الأموال المنهوبة." كما وجه كلامه إلى هيئة النزاهة المعنية بمحاربة الفساد وإلى القضاء قائلا "هناك الكثير من التساؤلات بشأن مقدرة هيئة النزاهة والسلطة القضائية على تحمل مسؤولية القيام بهذه المهمة دون مزيد من التأخير والتسويف." وتطورت الاحتجاجات باحتجاجات على انقطاع الكهرباء على نطاق واسع لتطالب بمحاكمة الساسة الفاسدين وإصلاح القضاء بما في ذلك إقالة مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يشرف على النظام القضائي. كما دعا السيستاني الساسة لإصلاح اقتصاد العراق. بحسب رويترز.

ومن المتوقع أن يتجاوز العجز المالي للحكومة عشرة بالمئة هذا العام بسبب انكماش إيرادات النفط وتزايد الانفاق العسكري لأسباب منها المساعي لطرد تنظيم داعش من المناطق التي سيطر عليها في شمال وغرب العراق. وقال السيستاني "ضعف التخطيط الاقتصادي وعدم وضع استراتيجية متكاملة لتوفير موارد مالية للبلد غير النفط يعد وجها من أوجه الفساد."

شارك مناصرو الصدر في التظاهرة، حاملين اعلاما عراقية كغيرهم من المتظاهرين، وكان الصدر دعا مناصريه للمشاركة في تظاهرات بغداد، ليكون بذلك اول مرجع سياسي يقدم على هذه الخطوة. وارتدى غالبية مناصري التيار الصدري الملابس السوداء، ورددوا هتافات منتقدة لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تولى رئاسة الحكومة بين العامين 2006 و2014، مثل "باي باي (وداعا وداعا) نوري المالكي". كما رفعوا لافتات كتب فيها "كلا كلا امريكا"، علما بان الصدر كان من اشد المعارضين للوجود الاميركي في العراق بعد اجتياح العام 2003.

وقال احد المسؤولين في التيار الصدري نافع البخاكي "خروجنا مساندة ودعم للاصلاحات التي اعلنها رئيس الوزراء. نريد دفع ودعم الدولة لتنفيذها". ورأى الشيخ المنتمي الى التيار نفسه سمير الزريجاوي ان "الفساد سببه المافيات التي تدعي الدين والمذهب والتي استخدمت الدين من اجل مصالحها الخاصة"، مضيفا ان "كل المسؤولين في الحكومات السابقة وخصوصا حكومة المالكي، مسؤولون عن الفساد". وعلى رغم دعم السيستاني والمطالب الشعبية، يرى محللون ان اجراء اي تغيير جذري في العراق سيكون صعبا نظرا للطبيعة المتجذرة للفساد واستفادة الاحزاب منه، اضافة الى تعقيدات الوضع السياسي والمذهبي.

الدستور وعملية الاصلاح

من جانبه شدد الرئيس العراقي فؤاد معصوم على ضرورة عدم "تجاوز" الدستور في اي خطوات لمكافحة الفساد تنفذها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، في ما بدا اشارة الى الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية المدرج ضمن حزمة الاصلاحات الحكومية. وفي تصريحات نشرت بعيد تصريحات معصوم، اكد العبادي "دستورية وقانونية" اجراءاته، مؤكدا انه لن يتراجع عنها.

وتشمل الحزمة الحكومية إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغلها سياسيون بارزون هم نوري المالكي واياد علاوي واسامة النجيفي. كما اقرت الحكومة تحويل مخصصات مكاتب نواب الرئيس الى خزينة الدولة. وقال معصوم "في هذا الظرف وحيث تتباين التصورات والاجتهادات والدعوات فإننا من موقعنا وبموجب مسؤوليتنا الدستورية نؤكد وبكل إخلاص على أهمية احترام مبادئ الدستور كأساس لأي اصلاحات ولأي اجراءات"، بحسب نص خطاب متلفز نشره الموقع الالكتروني للرئاسة.

واضاف "لقد خرج العراقيون في تظاهراتهم بموجب الدستور، وحميت التظاهرات بموجب الدستور، وهذا ما يضعنا أمام مسؤولية مضاعفة من أجل حماية الدستور والتمسك به وتهيئة أسباب تعديله بالسياق القانوني الشرعي وليس بتجاوزه ولا بإيقاف العمل به". وقال "نتفق على ضرورة تعديل الدستور ولكن يجب أن لا نختلف في قيمة وأهمية وثيقته التي استفتي عليها الشعب"، محذرا من انه في حال تجاوزه "نكون قد وضعنا كل شيء في مهب ريح الاجتهادات وفرض الارادات"، وان ذلك "يهدد كيان الدولة والمجتمع وينذر بما هو أخطر وأشد وبالاً". بحسب فرانس برس.

الا ان العبادي اكد في بيان لمكتبه ان "الاصلاحلات التي صوت عليها مجلس الوزراء ومجلس النواب دستورية وقانونية ولن اتراجع عنها". واشار المكتب الى ان التصريحات التي نشرت بعد نشر خطاب معصوم، اتت خلال لقاء مع شخصيات اعلامية وسياسية. وينص الدستور العراقي على ان يتولى نائب رئيس الجمهورية منصب الرئيس في حال شغوره. ويرى محللون وخبراء دستوريون، ان اي الغاء لهذا المنصب يتطلب تعديلا دستوريا، علما ان اي تعديل دستوري في العراق يجب ان يعرض كذلك على استفتاء عام ليصبح نافذا.

مشكلات أمنية

في السياق ذاته أكدت مصادر في وزارتي العدل والداخلية العراقيتين أن مسلحين مجهولين اختطفوا وكيل وزير العدل العراقي عبد الكريم فارس ومدير عام التحقيقات في الوزارة في حي البنوك شرقي بغداد. وعن وقال بعض المصادر إن مسلحين يرتدون زيا أسودا ويستقلون سيارات عدة اختطفوا فارس من السيارة التي كان يستقلها. وقال هؤلاء إن اثنين من حرس المسؤول اختطفوا ايضا في العملية.

ونقلت وكالة فرانس برس عن عقيد في الشرطة قوله إن سائق المسؤول العراقي اصيب بجروح في عملية الاختطاف. وفي وقت لاحق، قال العميد سعد معن الناطق باسم وزارة الداخلية إن "حماية وكيل الوزارة قد اطلق سراحهم، ولم يبق في الأسر الى المسؤول نفسه." وتأتي هذه العملية بعد أيام فقط من قيام مسلحين باختطاف 18 عاملا تركيا في منطقة الحبيبية الواقعة شرقي بغداد ايضا.

على صعيد آخر، أعلنت فصائل في الحشد الشعبي هي "بدر الجناح العسكري وكتائب حزب الله وعصائب اهل الحق وكتائب الامام علي والنجباء ولواء صلاح الدين وكتائب جند الامام وكتائب بابليون وانصار الله الاوفياء وحركة سيد الشهداء"، رفضها لقانون الحرس الوطني الذي وصفته بـ "المشؤوم"، وطالبت مجلس النواب العراقي بعدم تمريره لكونه "لايحفظ دماء وتضحيات مقاتلي الحشد وفصائل المقاومة ".

جاء ذلك في بيان تلاه القيادي في كتائب حزب الله ابو طالب السعيدي خلال مؤتمر عقده في بغداد موقعا من فصائل الحشد آنفة الذكر. وفي كردستان العراق، أكد مصدر كردي مسؤول في ناحية سيدكان في المثلث الحدودي العراقي الايراني التركي شمال شرق اربيل في اقليم كردستان العراق أن الطائرات والمدفعية التركية قصفت مواقع لحزب العمال الكردستاني في سيدكان مما تسبب في قتل وجرح عدد من المدنيين واحداث اضرار في المباني والممتلكات.

وفي محافظة ديالى، افاد مصدر امني بمقتل 3 من رجال الشرطة واصابة 3 آخرين مثلهم اثناء تصديهم لهجوم شنه مسلحو تنظيم داعش على قرية شروين شمال مدينة المقدادية. وفي محافظة الانبار غربي العراق، أفاد مصدر أمني في قيادة عمليات الانبار بأن طيران التحالف الدولي قصف منزلا في منطقة جويبة شرق الرمادي يتخذه ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية مقرا له وقتل 18 من مسلحيه بينهم قادة عرب الجنسية.

ذات صلة

مستقبل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وآثارهاالتعليم العالي: المشهد المحذوفضرورة الشراكة العراقية التركيةالخواطر النفسانية والوساوس الشيطانيةالسياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة