هل الاستقرار السياسي هدف وهمي؟
حاتم حميد محسن
2015-08-08 01:40
التاريخ السياسي هو حركة دائرية بين 1- انظمة الحكام الخيّرين 2- الديمقراطية 3- الفوضوية 4- الاستبداد (مايكل انيسيموف).
ان استخدام القوة هو جوهر الدولة ومنطقها، وانت سوف تفضل هذه الطريقة. البديل الآخر كما يقول هوبز، سيكون الفوضى والثورة. الدولة يجب ان تمارس سلطات كافية لكبح المقاومة وسحق التمرد. هذه الافعال من العنف هي ليست ممارسات سيئة بل هي الدولة ذاتها (مايكل مونغر).
كتابان جديدان للمؤلفين (مايكل انيسيموف)(1) و(مايكل مونغر)(2)، يجادلان حول الرؤية المخيبة للديمقراطية. انيسيموف يرى ان النظام الملكي هو الأرقى. (مونغر)، الكاتب في صحيفة (ايكونولب)، يحترم الديمقراطية لكنه يرغب لو كان المواطنون اقل ميلا للاعتقاد بحكمة وسماحة المسؤولين الحكوميين.
يمكننا استبدال المراحل الاربع للحكومات التي وضعها انيسيموف كالتالي:
نستبدل الحكام الخيّرين بـ "نظام الحكم المقيد" او النظام المغلق (حيث تتشكل الحكومة من النخب الضيقة).
نستبدل "الديمقراطية" بالنظام المفتوح.
استبدال "الفوضوية" بالحرب الاهلية.
اما "الحكم الاستبدادي" نبقيه على حاله.
ما نريد الاشارة اليه هو انه لا يوجد استقرار في اي من هذه المراحل الاربع اعلاه. كل واحدة لها عيوبها التي تدفعها للانتقال الى المرحلة الاخرى.
النقص في الانظمة المفتوحة هو ان النخب تواجه ضغطا متواصلا كي توسع المشاركة في العملية السياسية. الملك يجد نفسه بحاجة الى دعم عدد كبير من الجماعات السكانية، ولكي يحصل على دعمهم يجب عليه منح الحقوق والفرص السياسية لشرائح واسعة من المجتمع. هذه العملية هي التي انتقل بها النظام المقيد تدريجيا الى النظام المفتوح.
يمكن للمرء القول بان الولايات المتحدة كانت وقت تأسيسها نظاما مقيدا. المرأة لا تستطيع التصويت، الرجال بدون ملكية لا يستطيعون التصويت، معظم الامريكيين الافارقة لا يمكنهم التصويت. وبمرور الزمن، لم تصمد تلك القيود. حينما اصبحت الجماعات المهمشة يُنظر اليها كجماعات مساهمة في المجتمع، قرر السياسيون ان هذه الجماعات مؤهلة للمشاركة بالعملية السياسية. فمثلا، خدمات الامريكيين الافارقة خلال الحرب العالمية الثانية خلقت ضغطا اخلاقيا كبيرا لمنح الحق في التصويت. كذلك، اثناء حرب فيتنام، جرى تبرير منح حق التصويت للشباب بعمر 18 سنة.
الكاتب انيسيموف يقتبس من (هانس هيرمن هوب) ليعبّر عن قلقه من الانظمة المفتوحة:
يقول (هوب) ان الحكومة العامة تزيل الخط الفاصل بين الحكام والمحكومين وبهذا هي دائما تُضعف الاصوات المعارضة لتوسع الحكومة. حين تمنحنا الحكومة الوهم باننا لا احد يحكمنا عدى انفسنا، فان كل شخص سيكون لديه نصيب متخيل في سلطة الحكومة، وسيكون سعيد به حينما ينمو ليحل محل القطاع الخاص.
بكلمة اخرى، الحكومة تصبح اشبه بالأرض المشاع التي تعاني من الرعي المفرط بسبب عدم إمتلاكها من جانب اي فرد. الحكومة ستصبح متضخمة لأنها تحاول إشباع المطالب غير المنسجمة لشرائح متعددة. وحينما تصبح الحكومة غير قادرة على القيام بهذا، سينهار التمويل وتبدأ الحرب الاهلية. فشل حكومة (ويمر) في المانيا ادّى الى انفجار موجة شديدة من العنف السياسي بين الشيوعيين والمناوئين لهم في اواخر العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي. ان فشل الحكومة الروسية المؤقتة (حكومة كيرينسكي) في عام 1917 اعقبهُ نشوب الحرب الاهلية في روسيا. ومؤخرا، اندلعت الحرب الاهلية في ليبيا والعراق بعد ان كانت الحكومتان الديمقراطيتان غير قادرتين على كسب الدعم الشعبي الكافي.
ان الحرب الاهلية تزيد من حاجة الشعب للأمن والنظام، وهو ما يقود الناس للقبول بالحكم الاستبدادي. الاستبداد الشيوعي اعقب الحرب الاهلية في كل من روسيا والصين وفيتنام. اما الاستبداد المناوئ للشيوعية فهو جاء بعد الحرب الاهلية في اسبانيا واندونيسيا. الاستبداد ايضا برز بعد الحرب الاهلية في عدة دول من امريكا اللاتينية وافريقيا والشرق الاوسط.
ان الخطأ الفادح للاستبداد هو انه يخلق العداوة والكراهية بين السكان. انه يستمر طالما تبقى قبضة الدكتاتور على السلطة والجيش أقوى مما لدى المعارضة.
وهكذا، كل شكل من أشكال هذه الدول ينطوي على عيب بنيوي متأصل يجعله غير مستقر.
الانظمة المقيدة او المغلقة تحتاج لتوسيع قاعدتها من الدعم الشعبي،
النظام المفتوح لا يستطيع مقاومة الوعود المفرطة وبالتالي سينهار،
الحرب الاهلية منهكة للنظام،
والاستبداد يثير غضب المعارضة.
في امريكا واوربا الغربية، لدينا رؤية عن الديمقراطية كونها حالة نهائية مستقرة. غير ان ذلك يتوقف على استمرار المقدرة المالية للحكومات، والتي يصعب ضمانها. لو ان اليونان خسرت الحصول على ائتمان اجنبي وفقدت دعم المؤسسات المالية للاتحاد الاوربي، فهل ستبقى ديمقراطية، ام انها ستنحدر نحو الحرب الاهلية؟ هل ستبقى اسبانيا موحدة في ظل الازمة المالية؟ وهل ستبقى ايطاليا؟ هل سيظل الاتحاد الاوربي متماسكا؟
الذي يُبقي النظام السياسي متماسكا هو ما يسميه المنظّرون بـ "الشرعية" او "الكذب النبيل" Noble Lie(3). قبل مئات السنين، كان الكذب النبيل هو ان الملك له خصوصية دينية. حسبما يذكر (مونغر)،
النسخة الحديثة من "الكذب النبيل" والتي تُقال لنا كل يوم، هي ان: السبب الذي يجعلنا نمتلك حكومات قوية هو ان الناس في الحكومة يعملون ليس لأنفسهم وانما للناس.
حينما تفتقر الحكومة للشرعية، فانها ستكون عرضة للعنف والحرب الاهلية. ما يجادل به مونغر هو قد تكون هناك ايضا شرعية كبيرة لحد الافراط. اي، عندما يمتلك الناس ايمانا كبيرا بحكمة ونزاهة مسؤولي الحكومة، سيشجعون اولئك المسؤولين لممارسة سلطة مفرطة، الامر الذي يقود الى نتائج سيئة.
ان الحل هو في وجود مواطنين يفهمون القوى الاقتصادية والسياسية التي تجعل الحكومة بطبيعتها غير قادرة على تنفيذ المهام التي نوكلها اليها.
انيسيموف لا أمل لديه بوجود هكذا مواطنين. هو يجادل بان النظام المغلق سيدير البلاد بعناية اكبر.
الاقتراح بإيجاد حكومة خاصة بدلا من حكومة عامة، هو في جوهره، بسيط جدا: لكي يمكن تقييم اي شيء بشكل مناسب والاعتناء به، لابد من امتلاكه. ذلك يتضمن الحكومة. اذا اردنا حكومة يُعتنى بها جيدا في المدى الطويل، لابد من امتلاكها من جانب شخص ما. ذلك يعني عدم وجود ديمقراطية. هل هذا يعني اننا نضحي بـ "حريتنا" كلا، لأننا لا يمكننا تعريف الحرية بمنح صوت لا اهمية له بين ملايين الاصوات في الانتخابات.
الطريقة التي نراها هنا بالنسبة للحكم الملكي هي ان نتصور الملك يمثل علاقة طوعية تعاقدية تقوم على احترام المواطنين بنفس الطريقة التعاقدية التي تتم بها علاقة المستأجر- المالك. ولكن، بسبب ان المالك هو الحكومة، فلا توجد هنا آلية ملزمة. بل، الخيار الوحيد الذي يمتلكه المستأجر لو فشل صاحب العقار او(الملك) في الامتثال للعقد هو المغادرة والبحث عن صاحب عقار/ ملك آخر.
ربما يبدو ان نموذج المالك- المستأجر صالح للعمل، لأن صاحب العقار/الملك لابد ان يشعرا بالخوف على سمعتهما. صاحب العقار/الملك الذي يرفض عدة مستأجرين ربما ينتهي به الامر بعدم وجود اي مستأجر، ومن ثم لا يجد لديه دخل.
ان انيسيموف لم يعالج المشكلة التي تجعل الانظمة المقيدة غير مستقرة. انه يشجع الآخرين، اما في داخل المملكة او خارجها على الاطاحة بالملك لغرض الحصول على حق الايجارات. ان صاحب العقار/الملك ولكي يحول دون الاطاحة به، لا بد له من الحصول على قاعدة واسعة من الدعم. وهذا بالنتيجة سيقود للنظام المفتوح.
وفي نهاية المطاف، ان المعتقدات الثقافية للمواطنين هي التي تقرر امكانية بقاء النظام المغلق او المفتوح مستقرا. بالنسبة للنظام المغلق، ما هو جوهري، هو ان يمنح المواطنون شرعية كافية للملك لكي يتمكن من الحكم دون الحاجة للجوء للنظام المفتوح. بالنسبة للنظام المفتوح ما هو ضروري، هو ان المواطنين يسحبون الشرعية من الحكومة عندما تحاول التوسع كثيرا. وكما يقول مونغار: نحن بحاجة لنرى الخط الفاصل بين الخاص والخيارات الجمعية وندافع عنه بشراسة.