من اين لك هذا؟ رزق ساقه الله إليّ.
حيدر الجراح
2015-08-05 01:33
ابدأ بحديث السينما، حيث اخرج نيازي مصطفى في العام 1952 فلما حمل اسم (من اين لك هذا؟) قام ببطولته محمد فوزي واسماعيل ياسين.
كعادة المواقع الالكترونية المهتمة بعرض الافلام وتنزيلها، تقوم بتصنيف الافلام حسب المواضيع التي تتناولها، من دراما الى كوميديا الى رعب الى تاريخي الى خيال علمي وغير ذلك. وهي في تصنيفها لهذا الفلم وضعته في خانة افلام الخيال العلمي. فتأمل.
انتقل الى حديث الادب، ورائعة سرفانتس (دون كيخوتة) او دون كيشوت، والذي عاش بطلها أوهام الفروسية والبطولة المنقرضة، وبدأ أولى معاركه مع طواحين الهواء، لانه توهمها شياطين ذات اذرع هائلة واعتقد انها مصدر الشر في الدنيا. ثم خوضه معركة الاغنام حين ابصر وهو على حصانه الهزيل، غبار قطيع من الاغنام يملأ الجو حتى يخيل اليه انه زحف جيش جرار فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي اتاحها له القدر ليثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه وتنجلي المعركة عن قتل عدد من الاغنام وعن سقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من احجار الرعاة يفقد فيها بعض ضروسه.
واصبح اسم دون كيشوت مثلا يضرب لمن يقاتل طواحين الهواء او الأوهام، من اجل حلم ما.
(إلى كل الجائعين خبزاً
كل الجائعين دفئاً
كل الجائعين حباً
كل الذين تختفي عنهم الشمس
كل الذين يبتاعون الهواء ليتنفسوا به
كل المخدوعين، كل المسخرين، كل المحرومين من لقب إنسان
إليهم جميعاً كتبت هذه المسرحية)
وللشاعر ممدوح عدوان قصيدة حملت عنوان (رحلة دون كيشوت الأخيرة) يقول فيها:
ولا ينفع سيفٌ لمواجهة الظلم
بعالمنا المعطوب.
من مجزرةٍ نحو مجازرَ أخرى يمشي بدني
من مقبرة نحو مقابر خرى أضحى سكني
بين الدمعة والدمعة لا أبصر إلا وطني
في كل مكان أنزلُ، تنزلُ حولي اللعنات.
من حديث السينما والادب انتقل الى السياسة، وهي ليست في اشتقاقها من (ساس – يسوس) في العربية، فلا وجود لهذا المعنى فيما نشهده على الساحة السياسية العراقية.
وادخل الى السياسة من بوابة القرآن، كي يستقيم الخطاب مع متطلبات مرحلة حكم أحزاب الإسلام السياسي في العراق، وقوله سبحانه وتعالى ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وانى لك هذا معناها من اين لك. سورة آل عمران / الاية 37.
وهي ليست السؤال نفسه الذي يريد تفعيله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كخطوة لمحاربة الفساد، رغم اننا وهذا مؤكد سنسمع الفاسدين يجيبون بان ما تحصلوا عليه من أموال هو (من فضل الله)، وهو (رزق ساقه الله اليهم).
وهذا يذكّرني بأحد أصحاب المولدات الاهلية في حي اليرموك في بغداد، والذي كان دائب الحضور الى صلاة الفجر وكل صلاة جماعة في احد مساجد تلك المنطقة، وقد سأله صديقي (أبو بشار) لماذا لا يعوض المشتركين بتشغيل إضافي اذا كانت الكهرباء الوطنية تمتد لفترة أطول قبل انقطاعها، فأجابه بان هذا الوقت هو رزق ساقه الله الي، لكن (أبو بشار) اعترض عليه متسائلا: لماذا لا تقول انه رزق ساقه الله الى الناس؟.
انتقل الى احدى النكات التي يتداولها العراقيون، وقد سمعتها في العام 2004 حين لم يكن العراق قد احتل بعد المرتبة الثالثة في سلم ترتيب الدول الفاسدة، حيث صنفت منظمة الشفافية العالمية العراق كثالث أكثر دولة فساداً في العالم بعد الصومال والسودان، إلا أن الحكومة العراقية غالباً ما تنتقد تقارير المنظمة بشأن الفساد وتعتبرها غير دقيقة وتستند إلى معلومات تصلها عن طريق شركات محلية وأجنبية أخفقت في تنفيذ مشاريع خدمية في العراق.
مفاد النكتة ان ابليس عليه اللعنة قد شاهدوه على الحدود العراقية بانتظار المغادرة، وسألوه عن سبب مغادرته العراق، ان كان قلة في الشرور واعمال السوء، اجابهم: رغم مكري وخبثي الا اني لم اصل حتى اللحظة الى ما وصل اليه اللصوص في العراق، حين يضعون على بيوتهم التي بنوها من المال الحرام قطعة مكتوب عليها (هذا من فضل ربي).
بعد تصريح رئيس الوزراء، سارع احد رموز الفساد المتهم بالكثير والكثير، الى تأييد ما طالب به العبادي، من تفعيل هيئة النزاهة للقيام بواجبها في ملاحقة الفاسدين، وهو يعتقد، هذا الحوت الكبير، ان المشكلة الوحيدة التي يعانيها حيدر العبادي هي أنه يريد أن يعمل ولكن لا أحد يقف معه أو يسند ظهره.
هل تكون دعوة العبادي هي من باب الخيال العلمي وفلما سينمائيا يندرج تحت هذا التصنيف، ام انه سيكون مثل دون كيشوت - لو صدقت نيته - يحارب طواحين الهواء، بعد ان اصبح للفساد دولته العميقة في العراق؟.