تزايد التصورات بشأن الفساد في البلدان العربية
البنك الدولي
2020-01-07 07:40
ثمة شكوى مشتركة تضرب بجذور عميقة في الشعارات التي تتردد خلال الاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء العالم، ولا سيما العالم العربي، ألا وهي الفساد. لقد احتشدت الجماهير العربية للتنديد بالمخالفات التي تتفشى في الهياكل السياسية والاقتصادية، والتي تتجلى في النهاية في مظاهر تعطِل الحياة اليومية، مثل أزمة القمامة في لبنان، ودعم الخبز والوقود في السودان، أو نقص فرص العمل والخدمات الأساسية في العراق.
وعلى الرغم من بلوغ هذه المظالم ذروتها مؤخراً، فقد أظهرت البيانات البحثية للبارومتر العربي وجود اتجاه عام على مستوى المنطقة يشير إلى تزايد الشكاوى من الفساد على مدى العقد الأخير. فعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ارتفعت نسبة المصرحين بوجود فساد كبير أو متوسط المدى بمؤسسات الدولة من 78% عام 2010 إلى 84% عام 2019. وظهرت هذه الزيادة بشكل بارز في كل من تونس والأردن.
وبالتزامن مع ذلك، بقيت نسبة الجماهير العربية التي أفادت بأن حكوماتها تتصدى للفساد عموماً دون تغيير، حيث دارت حول 40% تقريباً. ومن ناحية أخرى، فوفقاً للاستطلاعات التي أجريت في كل من تونس والأردن، انخفضت نسبة الرأي العام القائل بأن الحكومة تعالج الفساد من 64 و54% إلى 44 و45%، على التوالي.
ولا غرابة عندئذ في أن يبرز الفساد باعتباره إحدى العقبات الكؤود التي تواجه المنطقة. ويُعد الفساد من بين أهم المشكلات في عام 2019، غير مسبوق سوى بالظروف الاقتصادية. وصرح 17% من المواطنين العرب بأن الفساد هو أهم تحد يواجه بلدانهم، في حين ذكره 19% في المرتبة الثانية على قائمة أهم الأسباب. ومن ناحية أخرى، يعتبر الفساد في كل من العراق والكويت قضية أكثر إلحاحاً من الظروف الاقتصادية، حيث وصفه 32% من العراقيين و42% من الكويتيين باعتباره التحدي الأهم.
كما تردد في هتافات المتظاهرين، يعد سوء تقديم الخدمات الأساسية أو نقصها بالكلية، من بين الآثار الأوضح والأبرز للفساد. وقد تضمن البارومتر العربي مؤشرات مبكرة بشأن هذه المظالم، من قبل انطلاق موجة التظاهرات الأخيرة، ولا سيما فيما يتعلق بمجالي التعليم وخدمات الرعاية الصحية.
وتعرب نسبة أقلية من المواطنين (42%) عن رضاها عن النظام التعليمي في بلدانها، وترى النسبة نفسها (42%) ضرورة دفع رشوة للموظفين الحكوميين للحصول على خدمات تعليمية أفضل.
ويعرب العراقيون، على وجه الخصوص، عن عدم رضاهم عن النظام التعليمي، حيث اكتفى 26% فقط بالتعبير عن رضاهم، في حين يعتقد أكثرية العراقيين (52%) ضرورة دفع رشوة للحصول على تعليم أفضل. وكذلك، ففي الوقت الذي تعد فيه نسبة المواطنين الراضين عن الأنظمة التعليمية في مصر ولبنان قريبة من متوسط المنطقة، أفاد النصف أو أكثر من النصف في كلا البلدين – ما يصل إلى 63% في لبنان و60% في مصر – أن الرشاوى ضرورية للحصول على خدمات تعليمية أفضل.
ويبرز انعدام الرضا بصورة أكبر في مجال خدمات الرعاية الصحية. فنسبة المواطنين في المنطقة الراضين عن خدمات الرعاية الصحية في بلدانهم لا تزيد عن 38%، وينخفض هذا الرقم إلى 20% في ليبيا والمغرب. وفي الوقت نفسه، يعتقد 47% على مستوى المنطقة أنه من الضروري دفع رشوة للحصول على خدمات رعاية صحية أفضل، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 69% من بين الذين شملهم المسح في مصر و64% في المغرب.
الوظائف
يساور الجماهير العربية قلق شديد بشأن ركود الاقتصادات وقلة فرص العمل الجديدة. ففي عام 2010، عندما أفادت نسبة منخفضة بالفعل من السكان (25%) بأن حكوماتهم تبلي بلاء حسناً في خلق فرص العمل، لكن هذه النسبة قد انخفضت في عام 2019 إلى 18%. وكانت نسبة من صرحوا بفاعلية حكوماتهم في خلق وظائف منخفضة كثيراً في لبنان والعراق، فلم تتجاوز 4% و6%، على التوالي.
ومما يزيد الأمر سوءا عدم تكافؤ فرص الحصول على الوظائف، حيث يسود اعتقاد بأن استخدام الواسطة (المحسوبية أو النفوذ) في الحصول على وظيفة يمثل أحد أشكال الفساد (83%)، وبالمثل يعتقد عدد كبير (88%) على مستوى المنطقة بأن الحصول على عمل من خلال الواسطة يحدث غالباً أو في بعض الأحيان.
ترى شعوب المنطقة أن الخدمات الأساسية المقدمة لهم مثل التعليم والرعاية الصحية سيئة، وتعتقد أن الرشوة ضرورية للحصول على نوعية أفضل. وتنظر الجماهير العربية نظرة سلبية إلى أداء حكوماتها في خلق فرص عمل، وتقول إن المحسوبية أو الواسطة، التي تؤدي إلى القفز فوق معيار الكفاءة أو الإجراءات الرسمية، باتت أمراً شائعاً جداً، إن لم يكن متواتراً.
وربما تقدم هذه التقييمات تفسيراً للسبب وراء اتفاق أربعة مواطنين فقط من كل عشرة مواطنين عرب (41%) على أن حكوماتهم تفعل كل ما في وسعها لتقديم الخدمات الضرورية، في حين يعتقد الربع تقريباً (26%) أن الزعماء السياسيين مهتمون باحتياجات المواطنين. وقد ضاق المواطنون العرب ذرعاً بتلك المنظومة التي يرون أن ذوي النفوذ يتلاعبون بها. وهكذا، لا يعتبر التصدي الحقيقي للفساد خطوة ضرورية لتلبية مطالب المحتجين وحسب، ولكنه يضمن كذلك تحسين نوعية الحوكمة والإدارة العامة لصالح المواطنين في جميع أنحاء المنطقة.