سوء الإدارة في المؤسسات الحكومية
المحور الثاني: القطاع الإقتصادي والمالي والإداري
الهيئة الاستشارية العراقية للإعمار والتطوير
2018-08-13 06:15
ورقة دراسة موجزة: د. عبد الحميد الاشيقر
كثير من الكتاب والمفكرين شخصوا عدد من المشاكل والمعوقات التي تواجه المؤسسات الحكومية في العراق والتي تقف حائلا بينها وبين تطورها وتقدمها. وعلى رأس هذه المشاكل هي مشكلة "سوء الادارة".
كلنا يعلم بان للادارة الناجحة اهمية كبيرة في تقدم الامم والعكس صحيح فان الادارة الفاشلة ينتج عنها التخلف الاداري والاقتصادي وكل ما يرتبط به من النشاطات. وكذلك ان للقادة والمدراء الاثر الكبير في تقدم الافراد والمجتمعات. ولهذا فان التعريف المبسط للإدارة الناجحة هو كيفية الاستخدام الامثل للموارد المتاحة عن طريق التخطيط، والتنظيم، والتنسيق، والتوجيه، والمتابعة، والرقابة. وينتج من ذلك اتخاذ قرارات المنظمة بالشكل الصحيح بكفاءة وفاعلية.
تهدف هذه الورقة الى تحديد أهم اسباب سوء الادارة في مؤسسات الدولة العراقية في الوقت الحاضر وتقديم المقترحات العلمية والعملية المناسبة لإصلاحها، حيث نعتقد بان المشكلة الرئيسية في العراق هي مشكلة ادارية.
تدنت الادارة العامة في المؤسسات العراقية كثيرا منذ 2003 ولحد الان وهذا لا يعني بان الادارة العامة كانت مثالية قبل 2003 ولكن يمكن القول بانها كانت أفضل مما هي عليه في الوقت الحاضر.
أولاً: أهم المشاكل والمعوقات التي أدت الى تدهور العمل الاداري:
١) قانون الفصل السياسي رقم 24 لسنة 2005:
صدر قانون الفصل السياسي بتاريخ 26/12/2005 وكانت الاسباب الموجبة للقانون كما ورد هي "لإنصاف شريحة واسعة من الموظفين اللذين فصلوا من الوظيفة او اضطروا لتركها بسبب الاضطهاد السياسي والمذهبي الذي مارسه النظام السابق ضدهم وانصاف السجناء السياسيين وتكريم عوائل الشهداء الذين توفوا في سجون النظام السابق وتكريم الشهداء شرع هذا القانون".
وشمل هذا القانون الفئات والشرائح التالية:
أ: من ترك الوظيفة بسبب الهجرة او التهجير خارج العراق.
ب: من اعتقل او احتجز او تم توقيفه من قبل سلطات النظام السابق.
ج: من اضطر الى ترك الدراسة في الجامعات العراقية.
د: من تعذر عليه المباشرة في وظيفته التي تم تعينه فيها.
و: من احيل على التقاعد قبل بلوغه السن القانونية.
احتسبت مدة الفصل للأسباب المذكورة اعلاه خدمة لأغراض الترفيع والعلاوة والترقية والتقاعد.
وجاء في المادة الثالثة – أولاً من القانون المذكور ان تعد الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة دورات متخصصة لإعادة تأهيل الموظفين المعادين للخدمة المشمولين بهذا القانون.
ولكن الذي حصل عند تطبيق هذا القانون هو إعادة المشمولين بالقانون الى وظائف مختلفة وفي كافة الوزارات (مدنية وعسكرية) بدرجات وظيفية مختلفة دون مرورهم بالدورات المتخصصة لإعادة تأهيلهم كما جاء في مضمون المادة الثالثة – اولا من القانون المذكور. ولم يكن هناك جهة لمتابعة ومراقبة تنفيذ هذه الفقرة من القانون.
فقد تم تعيين اغلب المشمولين بهذا القانون في درجات عليا وخاصة بعد احتساب فترات الفصل السياسي. اغلب التعينات كانت ضمن الدرجات الخاصة التي عادة لها ضوابط وشروط خاصة ومؤهلات تدريبية وخبرات وظيفية عالية مثل وظائف درجات مدراء عاميين ووكلاء وزارة وسفراء وغيرها.
ان عدم تأهيل المستفيدين من هذا القانون وخصوصا بوظائف الدرجات العليا وهم الاغلبية الساحقة تنفيذا للمادة الثالثة من القانون لها نتائج سلبية جدا على الادارة العامة في كافة الوزارات ومؤسسات الدولة. ويمكننا تصور الخلل الذي اصاب المؤسسات بتعيين اشخاص جلهم ممن لم يسبق لهم العمل في مؤسسات الدولة مطلقا وبدرجات عليا في كافة الوزارات كمدراء عامين ومستشارين ووكلاء وزارات وسفراء ووزراء مفوضين في الخارجية العراقية، وبرتب عسكرية عليا. وذلك نتيجة احتساب سنوات تواجدهم خارج العراق والتي اضيفت لهم للعلاوة والترفيع والترقية والمرتبات. وبذلك أصبح أكثر المدراء العامين وغيرهم من اصحاب الدرجات الخاصة والقيادات الادارية العليا بدون خبرة عملية تؤهلهم لإشغال هكذا مناصب، بسبب عدم تأهيلهم أو إعادة تأهيلهم، مما أثّر بالتأكيد سلباً على سير الاعمال وكفائتها وكذلك على الموظفين المرؤوسين معهم في العمل.
٢) الشهادات الدراسية المزورة:
تم الاعتماد وبشكل كبير على شهادات دراسية غير معترف بها ومزورة في التعينات، صادرة من داخل العراق وكذلك من خارجه بعد 2003 وخصوصا في المراحل الاولى من تلك الفترة. حيث أصبح حاملي تلك الشهادات ليس بدون خبرات عملية فحسب ولكن بدون شهادات دراسية تأهيلية.
٣) تفشي الفساد الاداري:
نتيجة للأسباب المشار اليها في اعلاه ونتيجة للمحاصصات السياسية وما انعكس عليها من محاصصات ادارية اصبحت ظاهرة الفساد الاداري متفشية في اغلب مفاصل العمل الاداري في مؤسسات الدولة، حيث انتشرت المحسوبية والطائفية في التعينات وانتشرت ظاهرة تعيين الاشخاص غير المناسبين في الوظائف وكذلك تفشي الفساد المالي والذي اثر بشكل كبير على اداء المؤسسات بشكل عام.
٤) ولاء الموظفين:
وكنتيجة لما سبق أصبح ولاء الموظفين ليس لمؤسساتهم وعملهم وانما لرئيس المؤسسة اوالى احزابهم التي رشحوا عن طريقها، حيث أصبح الوزير او رئيس المؤسسة يشعر بان الوزارة او المؤسسة تابعة له ولعائلته ولحزبه. فتكون التعينات واحالة الاعمال محصورة لهذه الجهات.
٥) اختيار المستشارين:
من المعروف بان اختيار المستشارين في الوزارات والمؤسسات يخضع لضوابط في غاية الدقة حيث يتعين بالمستشار ان يكون متخصصاً بعمله بشكل جيد من ناحية التأهيل الأكاديمي والخبرة العملية في ذلك المجال لفترة زمنية تؤهله لشغل هذا المنصب. اما واقع الحال فان الوزير عند مباشرته للعمل في الوزارة او رئيس المؤسسة في مؤسسته يباشر بجلب عدد من الاشخاص معه يختارهم هو، وعلى الاغلب يكونوا من اصدقائه واقاربه دون النظر الى المؤهلات العلمية والخبرات العملية. وتعتبر هذه الظاهرة من أخطر انواع الفساد الاداري حيث عادة ما يكون الوزراء ورؤساء المؤسسات بحاجة الى استشارة واراء المستشارين في مختلف مجالات العمل في الوزارة ولكن في الحقيقة وكما يقال "فاقد الشيء لايعطيه”.
ثانيا: أهم مقترحات المعالجات والحلول
1) اعادة النظر في قانون الفصل السياسي رقم 24 لسنة 2005، وتطبيقه بشكل لا يؤثر على الاداء الاداري للمؤسسات. والتركيز على تعويض وإنصاف المفصولين السياسيين ماديا وليس كما هو معمول به في الوقت الحاضر بإشغالهم درجات وظيفية عليا تستلزم توفر شروط ومؤهلات لاتتوفر في اغلبهم. ويتوجب العمل الجدّي والسريع من أجل اقامة دورات تدريبية متخصصة لكل وزارة أو مؤسسة وفتح ورش عمل لرفع مستوى المشمولين لزيادة قدراتهم العلمية وخبراتهم العملية وادخالهم دورات تدريبية في دول متقدمة في هذا المضمار من أجل صقل وتنمية قدراتهم المهنية.
2) انشاء معهد متخصص للتنمية الادارية يكون مرتبط برئاسة الوزراء يقوم بمسؤولية اقامة الدورات التأهيلية لكافة الموظفين ضمن الدرجات العليا العاملين في المؤسسات المختلفة ابتداء من المدراء العامين وحتى الوزراء، على ان يخضع لهذه الدورات مستقبلا كافة المرشحين للدرجات الوظيفية العليا قبل التحاقهم بعملهم.
3) إلزام كافة الوزارات والمؤسسات بتهيئة خطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة الامد تقوم على تحديد رؤية الوزارة او المؤسسة لعملها الاستراتيجي وكذلك رسالتها ووضع خطط استراتيجية سنوية وكذلك لمدة ثلاث او خمس سنوات قادمة لعملها.
4) إلزام ديوان الرقابة المالية بالقيام بتقييم اداء كافة الوزارات والمؤسسات وكذلك تقييم اداء العاملين فيها سنويا ورفع التقارير عن ذلك الى رئاسة الوزراء لمتابعتها.
5) القيام بحملة واسعة للكشف عن الشهادات الدراسية للموظفين الصادرة من المؤسسات التعليمية في داخل العراق وخارجه للتأكد منها، ووضع ضوابط مشددة على هذا الموضوع.
6) إصدار أوامر عليا بمنع تعيين ونقل المستشارين والمقربين من الوزراء ورؤساء المؤسسات معهم وتكون التعيينات بهذا المجال (المستشارين) بضوابط مهنية وعلمية محددة وبقرارات من رئاسة الوزراء حصراً.